هي سببٌ عظيمٌ للتآلف بين القلوب والاجتماع وشيوع المودة بين المسلمين، و نوع من الكرامة،و شعيرةٌ إسلامية جميلة جداً، ومن باب حسن الخلق، وتتألف بها القلوب
الهدية
والهدية: مفرد هدايا، يقال: أهدى له وأهدى إليه، ويقال: أهدى الهدية إلى فلان، وأهدى له هدية، أي: بعث بها إكراماً له.
و هي التبرع بجزء من المال أو بمنفعة؛ لقصد التودد والمحبة .
أما التعريف الشرعي للهدية، فإن العلماء قد ذكروا عدة تعريفات، ويمكن أن نقول عموماً:
إن الهدية هي دفع عينٍ -سواءً كانت مالاً أو سلعة- إلى شخصٍ معين -الذي يراد بالهدية هذا الشخص المعين- لأجل الألفة والثواب، من غير طلبٍ ولا شرط. لأجل الألفة والثواب: وهو الأجر من الله سبحانه وتعالى. من غير طلبٍ؛ لأنه لو قال: أهدني أو أعطني ربما صارت رشوة. ولا شرط كما يشترط بعضهم في الإعانة، بشرط الإعانة .
جاء في القرآن الكريم ذكر الهدية، فقالت ملكة سبأ- بلقيس – لما خافت من سليمان عليه السلام، قالت للملأ من حولها:
(وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ * فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ)[النمل:35-36].
فأرادت استمالة قلب سليمان لدفع الضرر عنها، وأرادت مصانعته، وأن تثنيه عن دعوته لها ولقومها وتهديدهم لهم، وسليمان لم يقبل الهدية؛ لأنها لم تكن لوجه الله، ولا كان فيها معروف، وإنما أرادت إيقافه عن جهادها، عن الجهاد وقتال هذه البلدة وهي اليمن، فلما رأى سليمان عليه السلام أن هذه الهدية ليس فيها خير ولم يرد بها وجه الله ردها، وقال:
(بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ * ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا ) [النمل:36-37]
ليعلموا أننا نريد الجهاد وإقامة الدين، وليست القضية مجاملات وهدايا، كما هي العادة بين الملوك,و حتى لا ينخدعوا بحطام هذه الدنيا أو يظنوا أننا نغتر بالهدايا أو أننا سنترك الجهاد لأجل هديتهم.ومما يدخل -أيضاً- في الهدية مثل العطية والهبة، أو مما يقرب من معناها ما جاء في قوله تعالى:
(وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً)[النساء:4]
فالله عز وجل أمر بإيتاء النساء المهور.
ومعنى نحلة: عطية عن طيب نفس. وقال: (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ)[النساء:4] وهبنه لكم، وتنازلن عنه لكم فإذا تنازلت عن جزء من الصداق لزوجها أو أعطته إياه بعدما استلمته منه دون ضغط منه ولا إكراه، وإنما عن طيب نفسٍ منها ورضا: (فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً)[النساء:4].
الهدية في السنة
وردت الهدية في السنة النبوية، وجاء النص عليها لما لها من الأثرالعظيم في النفوس، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تهادواتحابوا) رواه البخاري في الأدب المفردوقال ابن حجر : إسناده حسن.
ولا شك أن الهدية سببٌ للمحبة وتآلف القلوب، وكان التابعون يرسلون بهداياهم، ويقول الواحد لأخيه الذي يهديه:
نحن نعلم غناك عن مثل ذلك، وإنما لتعلم أنك منا على بال، يعني:
نحن نعلم أنك مستغن عن هديتنا، ولكن لتعلم أننا نقدرك وأن لك في أنفسنا مكانة،وقد جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يقبل الهدية ويثيب عليها)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لودعيت إلى كراعٍ لأجبت، ولو أهدي إلي ذراع لقبلت) وهو في صحيح البخاري…….
من كريم أخلاقه صلى الله عليه وسلم في الهدايا
كان صلى الله عليه وسلم أنه إذا جاءته الهدية، أشرك فيها من معه، أو من حوله، كما جاء في صحيح البخاري ، دخل عليه الصلاة والسلام فوجد لبناً في قدح فقال:
(من أين هذا اللبن؟ فقالوا: أهداه لك فلانٌ أو فلانةٌ، فقال: أبا هر ! قلت: لبيك يا رسول الله! قال: الحق إلى أهل الصفة فادعهم لي، قال: وأهل الصفة أضياف الإسلام لا يأوون إلى أهلٍ ولا مال ولا على أحدٍ. كان عليه الصلاة والسلام إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئاً، وإذا أتته هديةٌ أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها…) الحديث.
الأمر بقبول الهدية
جاء الأمر بقبول الهدية وعدم ردها إذا كانت لا شبهة فيها ولا حرام،فأخرج الإمام أحمد والبخاري وغيرهما عن ابن مسعودرضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(أجيبواالداعي، ولا تردوا الهدية، ولا تضربوا المسلمين)
فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن رد الهدية، وهذا الحديث صححهالألباني.
ومن الأدلة أيضاً -أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهدية- قصةماجاء في صحيح البخاري,
أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل يوماً بيت عائشة وعلى النار برمةٌ تفور فدعا بالغداء، فأتي بخبزٍ وأدمٍ من أدم البيت فقال: (ألم أر لحماً؟ قالوا: بلى يا رسول الله! ولكنه لحمٌ تُصدق به على بريرة،فأهدته، لنا وأنت لا تأكل الصدق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هو صدقة عليهاوهديةٌ لنا).
إذاً: المال لما انتقل من شخص اختلف حكمه.
من المتصدق إلى بريرةصدقة، ومن بريرةإلى بيت النبي عليه الصلاة والسلام هدية، إذاً: يجوز للنبي عليه الصلاة والسلام أن يأكل منه، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم:
(إذاأتي بطعامٍ سأل عنه: أهديته أم صدقة؟ فإن قيل صدقة قال لأصحابه: كلوا، ولم يأكل؛ –لأنه لا يليق بمقام النبوة أن يأخذ من صدقات الناس وأوساخهم- وإن قيل: هدية، ضرب بيده صلى الله عليه وسلم فأكل معهم)رواه البخاري .
وكان عليه الصلاة والسلام يأكلها؛ لأنها من باب الإكرام ولا يردها؛ لأجل ألا يغضب الذي أهدى، أو يصبح في نفسه عليه شيء، فلا شك أن في أخذ الهدية تألفاً للقلوب وإبلاغاً له بأن إكرامك مقبول. وبذلك أوصى نساء المؤمنين فقال:
(يانساء المسلمات! لا تحقرن جارةٌ لجارتها ولو فرسن شاة)
والفرسن: هو في الأصل اسمٌ لخف البعير، فاستعير للشاة فهو ظلفها، ولم تجر العادة بإهداء ظلف الشاة،لكن ذكره على سبيل المبالغة، أي: اقبل الشيء اليسير من الهدية ولا ترده، فأحياناًقد يهدي إليك أخ شيئاً يصنعه بيده من الأوراق التي لا قيمة لها في الحقيقة، فاقبله تطييباً لخاطره وقلبه….
إلا إنه هناك هدايا لاتجوز وهي إذا كان ذلك المهدي يقصد مقصدا دنيويا فليس له أن يهدي، وليس للمهدى إليه أن يقبل، فإذا أهديت للطبيب لأجل أن يقدمك على المراجعين، فهذه هدية شبيهة بالغلولأوالمدرس ليزيد في درجاتك فهذه من جنسها، ولا يحق له أن يقبلها، أو للموظف -مثلا– ليقبل وظيفتك وليقدمك على غيرك في الوظيفة على من هو أحق منك، فإن هذه من الغلول،أو من المحرم.
فضل الهدية :
وقد ورد فضل الهدية كما هو مشهور تهادوا تحابوا وكان النبي -صلى الله عليه وسلم– يقبل الهدية ويثيب عليها، مع أن أهلها لا يشترطون ثوابا، ولكنه يحب مكافأتهم.
وردحديث « من صنع إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه، فادعوا له حتى ترواأنكم قد كافأتموه »
وبهذا يعرف أن الهدية تكون مالا وتكون منفعة.
فالإنسان الذي يعلمك ويفهمك مسألةمن المسائل يعتبر قد فعل معك معروفا، وأنت تحب أن تكافئه، لكن يستحب له إذا كان قصده الثواب والأجر ألا يأخذ هديتك؛ لأنها قد تنقص أجره،كما في حديث سلمان « أنه علم رجلا من أهل الصفة آيات من القرآن؛ فأهدى إليه قوسا، فسأل النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: إن أحببت أن تطوق مثله من النار فخذه » لماذا؟
لأنه أراد الأجر بتعليمه، فلا يحق له أن يفسد أجره، وأن يأخذ عليه عوضا.
ويقال كذلك في كل من عمل عملا يحتسبه عند الله، فلا يفسد أجره بقبول تلك الهدية، سيما إذا كان ذلك الذي علمته أو دللته فقيرا كأهل الصفة الذين هم من فقراءالمهاجرين؛ لذلك لا شك أنه يحتسب الأجر، فليس له أن يأخذ ما يقابله.
ومن السنن الجميلة -المكافأة على الهدية- وذلك لعدة أسباب، منها:
ألا يبقى له منةٌ عليك، أو أن تبادله محبة بمحبة، أو أن تُظهر له أنك كافأته على جميله بجميل، وأنك لم تنس الجميل، وأنه صنع إليك معروفاً فصنعت إليه معروفاً مقابله، ولا شك كما قلنا أن الهدية الأصل فيهاهو التبرع، وأن الذي يهدي لا يشترط المكافأة.
وقد تكلم العلماء في حكم المكافأة على الهدية، وقال بعض أهل العلم: إن المكافأة على الهدية لا تجب، إذا أهداك شخص هدية لايجب أن تكافئه عليها.
وقال بعض المالكية: تجب المكافأة على الهدية؛ لأن النبي صلىا لله عليه وسلم كان يفعل ذلك، لكن مجرد فعله عليه الصلاة والسلام لا يدل عل ىالوجوب…….
من أحكام الهدايا
أما بالنسبة لمن يُستحب أن يهدي إليهم الإنسان ويبدأ بهم، فقد جاء في صحيح البخاري
أن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أعتقت وليدةً لها -جارية- فقال لها النبي عليه الصلاة والسلام: (لووصلت بعض أخوالك كان أعظم لأجرك)
يعني لو أعطيتها بعض أخوالك، كان أعظم لأجرك من العتق؛ لأنهم قد يكون بهم حاجة، فإعطاؤها إياهم أحسن وأكثر أجراً.
وكذلك من الضوابط في مسألة الإهداءات
أن نبدأ بمن جاء في صحيح البخاري ,عن عائشة رضي الله عنها قالت: (قلت: يا رسول الله! إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ قال: إلى أقربهما منك باباً) فالجار الأقرب يُبدأ به في الهدية؛ لأن الإنسان قد تكون مقدرتهم حدودة على الإهداء، ليس عنده هدايا كثيرة تسع الجميع، فيبدأ بالأقرب باباً بالنسبةلهدايا الجيران.
وكذلك من الأحوال التي يتأكد فيها الإهداء:
إذا احتاج الناس .
وهناك بعض الهدايا التي يتأكد عدم ردها : ما كان غير ذي مئونة ولا فيه كلفة، فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرد الطيب.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(من عُرض عليه ريحانٌ فلا يرده؛ لأنه خفيف المحمل طيب الرائحة) روا هأحمد وأبو داود ، وصحح إسناده فيصحيح الجامع الصغير .
فإذاً: الأشياء اليسيرة يتأكد عدم ردها.
هدايا الناس بعضهمُ لبعضٍ تولد في قلوبهم الوصالا
وتزرع في الضمير هواً ووداً وتكسوهُ إذا حضروا جمالا
تدني البغيض من الهوى حتى تصيره قريبا
وتعيد مضتغن العداوة بعد نفرته حبيبا