كان لي صديق أحبه لفضله وأدبه فكان يروقني منظره و يؤنسني
محضره .قضيت في صحبته عهدا طويلا ما أنكر من أمره شيئا حتى سافرت من القاهرة سفرا
طويلا فتراسلنا حينا ثم انقطعت عني كتبه فرابني من أمره مارابني ثم رجعت فجعلت أكبر همي
أن أراه فطلبته في جميع المواقع التي كنت ألقاه فيها فلم أجده, فذهبت إلى منزله فحدثني
جيرانه أنه هجره من عهد بعيد , وأنهم لا يعرفون أين مصيره ,فوقفت بين اليأس والرجاء
برهة من الزمان , يغالب أولهما ثانيهما حتى غلبه ,فأيقنت أني قد فقدت الرجل وأني لن أجد
بعد اليوم سبيلا إليه.
هنالك ذرفت من الوجد دموعا لا يذرفها إلا من قل نصيبه من الأصدقاء , وأقفر ربعه من
الأوفياء و أصبح غرضا من أغراض الأيام ، لا تخطئه سهمامها , ولا تغبه آلامها
**********
بينا أنا عائد مإلى منزلي في ليلة من ليالي السرار إذ دفعني الجهل بالطريق في هذا الظلام
المدلهم إلى زقاق موحش مهجور يخيل للناظر إليه في مثل تلك الساعه التي مررت فيها أنه
مسكن الجان , أو مأوى الغيلان ،فشعرت كأني أخوض بحرا أسود ، يزخر بين جبلين
شامخين , و كأن أمواجه تقبل بي و تدبر و ترتفع وتنخفض ، فما توسطت لجته حتى سمعت في
منزل من تلك المنازل المهجوره أنّــةً تتردد في جوف الليل ، ثم تلتها أختها ثم أخواتها ، فأثر
في نفسي مسمعها تأثيرا شديدا و قلت : ياللعجب ، كم يكتم هذا الليل في صدره من أسرار
البائسين ، و خفايا المحزونين ، و كنت قد عاهدت الله قبل اليوم ألا أرى محزونا حتى أقف
أمامه وقفة المساعد إن استطعت ، أو الباكي إن عجزت فتلمست الطريق إلى ذلك المنزل حتى
بلغته ، فطرقت الباب طرقا خفيفا فلم يفتح ، فطرقته أخرى طرقا شديدا ففتحت لي فتاة صغيرة لم
تكد تسلخ العاشرة من عمرها ، فتأملتها على ضوء المصباح الضئيل الذي كان في يدها ، فإذا
هي في ثيابها الممزقه ، كالبدر وراء الغيوم المتقطعه ، وقلت لها : هل عندكم مريض ؟ فزفرت
زفرة كاد ينقطع لها نياط قلبها ، و قالت : أدرك أبي أيها الرجل فهو يعالج سكرات الموت
………………………………………….. ……………………..
و نكمل بكره إن شاء الله
————————————
حياك الله ………….
******************
السلام عليكم حبيباتي
نكمل القصة مباشرة : ثم مشت أمامي فتبعتها حتى وصلت إلى غرفه ذات باب قصير مسنم ،
فدخلتها فخيل إلي أني قد انتقلت من عالم الأحياء إلى عالم الأموات ،وان الغرفة قبر و
المريض ميت فدنوت منه حتى صرت بجانبه ، فإذا قفص من العظم يتردد فيه النفس تردد
الهواء في البرج الخشبي . فوضعت يدي على جبينه ففتح عينيه و أطال النظر في وجهي ، ثم
فتح شفتيه قليلا قليلا . و قال بصوت خافت أحمد الله فقد وجدت صديقي ) فشعرت كان قلبي
يتمشى في صدري جزعا و هلعا ، و علمت أني قد عثرت بضالتي التي كنت انشدها و كنت
أتمنى ألا اعثر بها و هي في طريق الفناء و على باب القضاء و ألا يجدد لي مرآها حزنا كان في قلبي كمينا ، و بين أضالعي دفينا ، فسألته ما باله ؟ و ما هذه الحال التي صار إليها ؟ و كان
انسه بي أمد مصباح حياته الضئيل بقليل من النور فأشار إلي انه يحب النهوض فمددت يدي
إليه ، فاعتمد عليها حتى استوى جالسا و أنشأ يقص القصة التالية :
————————————
يتبع
يسكن بجانبه جار لنا من ارباب الثراء و النعمه و كان قصره يضم بين
جناحيه فتاة ما ضمت القصور اجنحتها على مثلها حسنا و بهاء و رونقا
و جمالا ، فألم بنفسي من الوجد بها ما لم استطع معه صبرا ، فما زلت بها
اعالجها فتمتنع ، و استنزلها فتتعذر . و أتأتى إلى قلبها بكل الوسائل فلا أصل
إليه ، حتى عثرت بمنفذ الوعد بالزواج فانحدرت منه إليها فسكن جماحها ، و
أسلس قيادها ، فسلبتها قلبها و شرفها في يوم واحد ، و ماهي إلا أيام قلائل
حتى عرفت أن جنينا يضطرب في أحشائها ، فأسقط في يدي ، و طفقت أرتئي
لها بين أن أفي لها بوعدهاأو أقطع حبل ودها ، فآثرت أخراهما على أولاهما
و هجرت ذلك المنزل الذي كنت تزورني فيه ، و لم أعد أعلم بعد ذلك من أمرها
شيئا .
……………………………………..وللحدي ث بقيه إن شاء الرحمن
في عيونك نور كالؤلؤ
يضوي لي الدنيا
في عيونك نشوة الفرح
كنور الشمس في وقت الشروق
في عيونك حباً يطفي
في كؤؤس من الوفاء
خرجت من الامواج
تسبح في عيونها سحراً
لكن البسمة لم تذهب
من وجة اللؤلؤ باسماً
وأن كان في الزمان حيرةً
فأنت ِ حيرتي الوحيدة
وأن كانت الطبيعة لاتوصف
فأنت طبيعتي الجميلة
*********************
**********
مرت على تلك الحادثه أعوام طوال و في ذات يوم جاءني
منها مع البريد هذا الكتاب ، ومد يده تحت وسادته وأخرج
كتابا باليا مصفرا ، فقرأت فيه ما يأتي :
لو كان بي أن أكتب إليك لأجدد عهدا دارسا أو ودا قديما ،
ما كتبت سطرا ، ولا خططت حرفا ، لأني لا أعتقد أن عهدا
مثل عهدك الغادر و ودا مثل ودك الكاذب ، يستحق أن أحفل
به فأذكره أو آسف عليه فأطلب تجديده .
إنك عرفت حين تركتني أن بين جنبيّ نارا تضطرم وجنينا يضطرب
، تلك للأسف على الماضي و ذاك للخوف من المستقبل . فلم تبال
بذلك مني حتى لا تحمِّل نفسك مؤونة النظر إلى شقاءٍ أنت صاحبه
و لا تكلف يدك مسح دموع أنت مرسلها ، فهل أستطيع بعد ذلك أن
أتصور أنك رجل شريف ؟ لا ….. بل لا أستطيع أن أـصور أنك إنسان….
لأنك ما تركت خله من الخلال المتفرقه في نفوس العجماوات أو أوابد
الوحش إلا جمعتها في نفسك و ظهرت بها جميعها في مظهر واحد .
كذبت عليّ في دعواك أنك تحبني ، و ماكنت تحب إلا نفسك ، وكل ما في
الأمر أنك رأيتني السبيل إلى إرضائها فمررت بي في طريقك إليها ،
ولولا ذلك ما طرقت لي باباً و لا رأيت لي وجهاً .
خنتني إذ عاهدتني على الزواج فأخلفت وعدك ذهاباً بنفسك أن تتزوج
إمرأةً مجرمه ساقطه ، و ماهذه الجريمه ولا تلك السقطه إلا صنعت يدك
وجريرة نفسك ولولاك ما كنت مجرمةً و لا ساقطه . فقد دافعتك جهدي
حتى عييت بأمرك ، فسقطت بين يديك سقوط الطفل الصغير بين يدي الجبار
الكبير ، سرقت عفتي فأصبحت ذليلة النفس حزينة القلب ، أستثقل الحياة
و أستبطيء الأجل ، وأي لذة في العيش لإمرأة لا تستطيع أن تكون زوجة
لرجل و لا أما لولد ، بل لا تستطيع أن تعيش في مجتمع من هذه المجتمعات
البشريه إلا وهي خافضة رأسها ، مسبلة جفنها ، واضعة خدها على كفها .
ترتعد أوصالها و تذوب أحشاؤها ، خوفا من عبث العابثين و تهكم المتهكمين .
سلبتني راحتي لأني أصبحت مضطرة بعد تلك الحادثه إلى الفرار من ذلك القصر
الذي كنت متمتعة فيه بعشرة أبي و أمي ، تاركة ورائي تلك النعمه الواسعه
وذلك العيش الرغد إلى منزل حقير في حي مهجور لا يعرفه أحد و لا يطرق بابه
، لأقضي فيه الصبابة الباقية من حياتي .
قتلت أبي و أمي ، فقد علمت أنهما ماتا ، و ما أحسب موتهما إلا حزنا لفقدي و
يأسا من لقائي . قتلتني لأن ذلك العيش المر الذي شربته من كأسك ، والهم الطويل
الذي عالجته بسببك ، قد بلغا مبلغها من جسمي ونفسي . فأصبحت في فراش الموت
كالفتيلة المحترقه تتلاشى نفسا في نفس . و أحسب أن الله قد صنع لي و استجاب دعائي
وأراد أن ينقلني من دار الموت والشقاء إلى دار الحياة والهناء .
فأنت كاذب خادع و لص قاتل ، ولا أحسب أن الله تاركك دون أن يأخذ لي من حقي منك .
*
أو أخطب إليك ودا ، فأنت أهون عليّ من ذلك . إنني قد أصبحت على
باب القبر و في موقف وداع الحياةبأجمعها خيرها و شرها ، سعادتها
و شقائها . فلا أمل لي في ود ولا متسع لعهد .
إنما كتبت إليك لأن لك عندي وديعه و
هي فتاتك (إبنتك) ، فإن كان الذي ذهب بالرحمة من قلبك أبقى لك
منها رحمة الأبوة ؛ فأقبل إليها و خذها إليك حتى لا يدركها من الشقاء
ما أدرك أمها من قبلها .
*** فما أتممت قراءة الكتاب حتى نظرت
إليه فرأيت مدامعه تتحدر على خديه فسألته : وماذا تمّ بعد ذلك ؟؟؟؟؟؟
رووووووووووووووووووووووعة
ننتظر البقية بفارغ الصبر ..