واعلم أن ها هنا عجيبة دلت عليها هذه الآية، وهو أن الله جل وعلا سمّى الإسلام، وسمّى شرعه، وسمّى دينه، وسمّى قرآنه صراط مستقيما، كما أنه جل وعلا نصب يوم القيامة على متن جهنم طريقا وجسرا سماه صراطا، فهنا في هذه الدنيا هناك صراط هو الإسلام، وفي الآخرة هناك صراطا منصوب على متن جهنم أعاذنا الله وإياكم منها، واعلم أنه لن تعبر ذاك الصراط الذي هو على متن جهنم إلا بهذا الصراط إذا سلكته في الدنيا؛ صراط الله الإسلام الإيمان، لا يعبر ذاك الصراط إلا بهذا الصراط، وذاك الصراط أيضا جعل الله في جنبتيه كلاليب تخدش وتخطف من هو سائر عليه يوم القيامة، وكذلك على هذا الصراط في الدنيا؛ هناك كلاليب تخطف السائر على الصراط المنصوب على متن جهنم، وكذلك في هذه الدنيا على هذا الصراط الذي هو الإسلام أو الشريعة أو القرآن أو التوحيد فيه وفي جنبتي الصراط كلاليب أيضًا تخطفك عن السير فيه، فتنبه لها إنها المعاصي، إنها الآثام، إنها حظوظ النفس، إنها الشهوات، إنها طاعة الهوى، طاعة إبليس، عبادته؛ لأن إبليس يُعبد بالطاعة، فمن أطاعه فقد عبده عبادة طاعة، كما قال جل وعلا في سورة يس ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ(60)وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾[يس:60-61]، فلهذا فعبادة الشيطان هي طاعته، فهذا الصراط عليه كلاليب في الدنيا من المعاصي الآثام فزن نفسك يا عبد الله عند قراءة هذه الآية في صلاة، في كل مرة، وفي كل فرض فزِّن نفسك بما حصل منك ما بين الفرض والفرض، وكرره، فهل مشيت على هذا الصراط مشيًا جادًا حثيثًا أم تخطفتك كلاليب، فإذا تخطفتك كلاليب بين الفرض والفرض من عبادة الشيطان أو طاعته أو المعاصي، فاعلم أنك إن لم تبادر بالتوبة فستخطفك الكلاليب هناك، هذا حق يجب أن نستشعره ونحن نتلو هذه الآية، وعلى قدر سيرك على هذا الصراط في الدنيا يكون سيرك على ذاك الصراط في الآخرة.
تفسير سورة الفاتحة
للشيخ: صالح آل الشيخ-حفظه الله-
بارك الله فيك، مقتطف رائع..
اللهم اهدنا الصراط المستقيم في الدنيا و الآخرة..