تخطى إلى المحتوى

قطط في امتحان الصف السادس الابتدائي! 2024.

جاء في امتحان شهادة إتمام الدّراسة الابتدائية لعام 1934 في موضوع الإنشاء ما يأتي:

تقابل قطّان، أحدهما سمينٌ تبدو عليه آثار النعمة، والآخر نحيفٌ يدل منظره على سوء حاله، فماذا يقولان إذا حدّث كل منهما صاحبه عن معيشته؟!.
وقد حار التلاميذ الصغار فيما يضعون على لسان القطّين!! ولم يعرفوا كيف يوجّهون الكلام بينهما، وإلى أي غاية ينصرف القول في محاورتهما؟! وضاقوا جميعاً وهم أطفال أن تكون في رؤوسهم عقول السّنانير، وأعياهم أن تنزل غرائزهم الطيبة في هذا المنزلة…، فيتكهنوا تدبير هذه القطط لحياتهم، وينفذوا إلى طبائعها، ويندمجوا في جلودها، ويأكلوا بأنيابها، ويمزقوا بمخالبها.
قال بعضهم: وسَخطنا على أساتذتنا أشدّ السخط، وعبناهم بأقبح العيب، كيف لم يعلمونا من قبل أن نكون… خيلاً وفئراناً وقططاً، وما هبّ ودب، وما طار ودرج، وما مشى وانساح؟! وكيف -ويحهم- لم يلقّنونا مع العربية والإنجليزية لغات… الصهيل والشّحيج والخُوار…؟! وكيف… نموء ونلغط لغط الطير، ونفحّ فحيح الأفعى، ونكش كشيش الدبّابات، إلى ما يتم بِه هذا العلم اللغوي الجليل، الذي تقوم به بلاغة البهائم والطير والحشرات والهمج أشباهها…؟!
وقال تلميذ خبيث لأستاذه: أمّا أنا فأوجزت وأعجزت. قال أستاذه: أجدت وأحسنت، ولله أنت! وتالله لقد أصبت! فماذا كتبت؟! قال: كتبت هكذا:
يقول السمين: نَاوْ، نَاوْ، نَاوْ… فيقول النحيف: نَوْ، نَاوْ، نَوْ… فيرد عليه السمين: نَوْ، نَاوْ، نَاوْ… فيغضب النحيف، ويكشّر عن أسنانه، ويحرّك ذيله ويصيح: نَوْ، نَوْ، نَوْ… فيلطمه السمين ويخدشه ويصرخ: نَاوْ… فيثب عليه النحيف ويصطرعان، وتختلط "النَّوْنَوَة" لا يمتاز صوتٌ من صوت، ولا يبين معنى من معنى، ولا يمكن الفهم عنهما في هذه الحالة إلاّ بتعبٍ شديد، بعد مراجعة قاموس القطط…!.
قال الأستاذ: يا بني، بارك الله عليك! لقد أبدعت الفن إبداعاً، فصنعت ما يصنع أكبر النوابغ، يُظهر فنّه بإظهار الطبيعة وإخفاء نفسه، وما ينطق القط بلغتنا إلاّ معجزةً لنبي، ولا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم، فلا سبيل إلاّ ما حكيت ووصفت، وهو مذهب الواقع، والواقع هو الجديد في الأدب، ولقد أرادوك تلميذاً هراً، فكنت في إجابتك هرّاً أستاذاً، ووافقت السّنانير وخالفت الناس، وحقّقت للمتحِنين أرقى نظريات الفن العالي،… ولو حفظوا حرمة الأدب ورعوا عهد الفن لأدركوا أن في أسطرك القليلة كلاماً طويلاً بارعاً في النادرة والتهكم، وغرابة العبقرية، وجمالها وصدقها، وحسن تناولها،… (هذا كلام تهكم كما هو الظاهر) ولكن ما الفرق يا بني بين نَاوْ بالمد، ونَوْ بغير المد…؟! قال التلميذ: هذا عند السنانير كالإشارات التلغرافية: شرطة ونقطة وهكذا.
قال: يا بني، ولكن وزارة المعارف لا تُقر هذا ولا تعرفه،… والامتحان كتابي لا شفوي.
قال: وأنا لم أكن هرّاً بل كنت إنساناً، ولكن الموضوع حديث قطّين، والحكم في مثل هذا لأهله القائمين به، لا المتكلفين، المتطفلين عليه، فإن هم خالفوني قلت لهم: اسألوا القطط، أولاً فليأتوا بالقطين: السمين والنحيف، فليجمعوا بينهما،… ثم ليحضروا الرقباء هذا الامتحان، وليكتبوا عنهما ما يسمعونه، وليصفوا منهما ما يرونه، فوالذي خلق السنانير والتلاميذ والممتحنين والمصحّحين جميعاً ما يزيد الهرّان على نَوْ ونَاوْ، ولا يكون القول بينهما إلاّ من هذا، ولا يقع إلاّ ما وصفت، وما بدّ من… المثاوبة بما في طبيعة القوي والضعيف، ثم فرار الضعيف مهزوماً، وينتهي الامتحان!.

رواها لكم مصطفى صادق الرافعي -رحمه الله- في كتابه وحي القلم الجزء الأول ص 51- 52

هذه القصه رائعه….وكاتبها ابدع في نقلها وروايتها ههههههههلاكي
بارك الله فيكِ أختي لولو لاكي
وكلمة في حق أديب الإسلام الرافعي رحمه الله لا تعادل شيئاً ممّا كتب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.