أبو القاسم الشابي
شاعر الجبل الأخضر
مولده ونشاته
ولد أبو القاسم الشابي في يوم الاربعاء في الثالث من شهر صفر سنة 1327هـ الموافق للرابع والعشرين من شباط عام 1909م وذلك في بلدة توزر في تونس.
أبو القاسم الشابي هو ابن محمد الشابي الذي ولد عام 1296هـ ( 1879 ) وفي سنة 1319هـ ( 1901 ) ذهب إلى مصر وهو في الثانية والعشرين من عمره ليتلقى العلم في الجامع الأزهر في القاهرة. ومكث محمد الشابي في مصر سبع سنوات عاد بعدها إلى تونس يحمل إجازة الأزهر.
ويبدو أن الشيخ محمد الشابي قد تزوج أثر عودته من مصر ثم رزق ابنه البكر أبا القاسم الشابي ، قضى الشيخ محمد الشابي حياته المسلكية في القضاء بالآفاق ، ففي سنة 1328هـ 1910 م عين قاضيا في سليانه ثم في قفصه في العام التالي ثم في قابس 1332هـ 1914م ثم في جبال تالة 1335هـ 1917م ثم في مجاز الباب 1337هـ 1918م ثم في رأس الجبل 1343هـ 1924م ثم انه نقل الى بلدة زغوان 1345هـ 1927م ومن المنتظر أن يكون الشيخ محمد نقل أسرته معه وفيها ابنه البكر أبو القاسم وهو يتنقل بين هذه البلدان ، ويبدو أن الشابي الكبير قد بقي في زغوان الى صفر من سنة 1348هـ –اوآخر تموز 1929 حينما مرض مرضه الأخير ورغب في العودة الى توزر ، ولم يعش الشيخ محمد الشابي طويلا بعد رجوعه الى توزر فقد توفي في الثامن من أيلول –سبتمبر 1929 الموافق للثالث من ربيع الثاني 1348هـ.
كان الشيخ محمد الشابي رجلا صالحاً تقياً يقضي يومه بين المسجد والمحكمة والمنزل وفي هذا الجو نشأ أبو القاسم الشابي ومن المعرروف أن للشابي اخوان هما محمد الأمين وعبدالحميد أما محمد الأمين فقد ولد في عام 1917 في قابس ثم مات عنه ابوه وهو في الحادسة عشر من عمره ولكنه أتم تعليمه في المدرسة الصادقية أقدم المدارس في القطر التونسي لتعليم العلوم العصرية واللغات الاجنبية وقد اصبح الأمين مدير فرع خزنة دار المدرسة الصادقية نفسها وكان الأمين الشابي أول وزير للتعليم في الوزارة الدستورية الأولى في عهد الاستقلال فتولى المنصب من عام 1956 الى عام 1958م.
وعرف عن الأمين أنه كا مثقفاً واسع الأفق سريع البديهة حاضر النكتة وذا اتجاه واقعي كثير التفاؤل مختلفا في هذا عن اخيه ابي القاسم الشابي. والأخ الآخر عبدالحميد وهو لم تتوفر لدي معلومات عنه حياته.
مرضه ووفاته
يبدو بوضوح أن الشابي كان يعلم على أثر تخرجه في الزيتونة أو قبلها بقليل أن قلبه مريض ولكن أعراض الداء لم تظهر عليه واضحه إلا في عام 1929 وكان والده يريده أن يتزوج فلم يجد أبو القاسم الشابي للتوفيق بين رغبة والده وبين مقتضيات حالته الصحة بداً من أن يستشير طبيباً في ذلك وذهب الشابي برفقة صديقة زين العابدين السنوسي لاستشارة الدكتور محمود الماطري وهو من نطس الاطباء ، ولم يكن قد مضى على ممارسته الطب يومذاك سوى عامين وبسط الدكتور الماطري للشابي حالة مرضه وحقيقة أمر ذلك المرض غير أن الدكتور الماطري حذر الشابي على اية حال من عواقب الاجهاد الفكري والبدني وبناء على رأي الدكتور الماطري وامتثالاً لرغبة والده عزم الشاي على الزواج وعقد قرانه.
يبدو أن الشابي كان مصاباً بالقلاب منذ نشأته وأنه كان يشكو انتفاخاً وتفتحاً في قلبه ولكن حالته ازدادت سوءاً فيما بعد بعوامل متعددة منها التطور الطبيعي للمرض بعامل الزمن والشابي كان في الأصل ضعيف البنية ومنها أحوال الحياة التي تقلّب فيها طفلاً ومنها الأحوال السيئة التي كانت تحيط بالطلاب عامة في مدارس السكنى التابعة للزيتونة. ومنها الصدمة التي تلقاها بموت محبوبتة الصغيرة ومنها فوق ذلك إهماله لنصيحة الأطباء في الاعتدال في حياته البدنية والفكرية ومنها أيضاً زواجه فيما بعد.لم يآتمر الشابي من نصحية الأطباء إلا بترك الجري والقفز وتسلق الجبال والسياحة ولعل الألم النفساني الذي كان يدخل عليه من الاضراب عن ذلك كان أشد عليه مما لو مارس بعض أنواع الرياضة باعتدال.يقول باحدى يومياته الخميس 16-1-1930 وقد مر ببعض الضواحي : " ها هنا صبية يلعبون بين الحقول وهناك طائفة من الشباب الزيتوني والمدرسي يرتاضون في الهواء الطلق والسهل الجميل ومن لي بأن أكون مثلهم ؟ ولكن أنى لي ذلك والطبيب يحذر علي ذلك لأن بقلبي ضعفاً ! آه يا قلبي ! أنت مبعث آلامي ومستودع أحزاني وأنت ظلمة الأسى التي تطغى على حياتي المعنوية والخارجية ".
وقد وصف الدكتور محمد فريد غازي مرض الشابي فقال: " إن صدقنا أطباؤه وخاصه الحكيم الماطري قلنا ان الشابي كان يألم من ضيق الأذنية القلبية أي ان دوران دمه الرئوي لم يكن كافياً وضيق الأذنية القلبية هو ضيق أو تعب يصيب مدخل الأذنية فيجعل سيلان الدم من الشرايين من الأذنية اليسرى نحو البطينة اليسرى سيلاناً صعباً أو أمراً معترضاً ( سبيله ) وضيق القلب هذا كثيرا ما يكون وراثياً وكثيراً ما ينشأ عن برد ويصيب الأعصاب والمفاصل وهو يظهر في الأغلب عند الأطفال والشباب مابين العاشرة والثلاثين وخاصة عند الأحداث على وشك البلوغ ". وقد عالج الشابي الكثير من الأطباء منهم الطبيب التونسي الدكتور محمود الماطري ومنهم الطبيب الفرنسي الدكتور كالو والظاهر من حياة الشابي أن الأطباء كانوا يصفون له الإقامة في الأماكن المعتدلة المناخ. قضى الشابي صيف عام 1932 في عين دراهم مستشفياً وكان يصحبه أخوه محمد الأمين ويظهر أنه زار في ذلك الحين بلدة طبرقة برغم ما كان يعانيه من الألم ، ثم أنه عاد بعد ذلك إلى توزر وفي العام التالي اصطاف في المشروحه إحدى ضواحي قسنطينة من أرض القطر الجزائري وهي منطقة مرتفعة عن سطح البحر تشرف على مساحات مترامية وفيها من المناظر الخلابة ومن البساتين ما يجعلها متعة الحياة الدنيا وقد شهد الشابي بنفسه بذلك ومع مجيء الخريف عاد الشابي إلى تونس الحاضرة ليأخذ طريقة منها إلى توزر لقضاء الشتاء فيها. غير أن هذا التنقل بين المصايف والمشاتي لم يجد الشابي نفعاً فقد ساءت حاله في آخر عام 1933 واشتدت عليه الآلام فاظطر إلى ملازمة الفراش مدة. حتى إذا مر الشتاء ببرده وجاء الربيع ذهب الشابي إلى الحمّة أو الحامه ( حامة توزر ) طالباً الراحة والشفاء من مرضه المجهول وحجز الأطباء الاشتغال بالكتابة والمطالعه. وأخيراً أعيا الداء على التمريض المنزلي في الآفاق فغادر الشابي توزر إلى العاصمة في 26-8-1934 وبعد أن مكث بضعة أيام في أحد فنادقها وزار حمام الأنف ، أحد أماكن الاستجمام شرق مدينة تونس نصح له الأطباء بأن يذهب إلى أريانا وكان ذلك في إيلول واريانا ضاحية تقع على نحو خمس كيلومترات إلى الشمال الشرقي من مدينة تونس وهي موصوفة بجفاف الهواء. ولكن حال الشابي ظلت تسوء وظل مرضه عند سواد الناس مجهولاً أو كالمجهول وكان الناس لا يزالون يتساءلون عن مرضه هذا : أداء السل هو أم مرض القلب؟.
ثم أعيا مرض الشابي على عناية وتدبير فرديين فدخل مستشفى الطليان في العاصمة التونسية في اليوم الثالث من شهر اكتوبر قبل وفاتة بستة أيام ويظهر من سجل المستشفى أن ابا القاسم الشابي كان مصاباً بمرض القلب.
توفي أبو القاسم الشابي في المستشفى في التاسع من اكتوبر من عام 1934 فجراً في الساعة الرابعة من صباح يوم الأثنين الموافق لليوم الأول من رجب سنة 1353هـ.
نقل جثمان الشابي في أصيل اليوم الذي توفي فيه إلى توزر ودفن فيها ، وقد نال الشابي بعد موته عناية كبيرة ففي عام 1946 تألفت في تونس لجنة لإقامة ضريح له نقل إليه باحتفال جرى يوم الجمعه في السادس عشر من جماد الثانيه عام 1365هـ
رائعته إرادة الحياة
إرادة الحياة
إذا الـشـعـب يـومــاً اراد iiالـحـيـاة
فـــلا بـــد أن يستـجـيـب الــقــدر
ولا بـــــد لــلــيــل أن يـنـجــلــي
ولا بـــــد لـلـقـيــد أن يـنـكــســر
ومـن لـم يعانقـه شــوق الحـيـاة
تـبـخـر فـــي جــوهــا وانــدثــر
فـويـل لـمـن لــم تشـقـه الحـيـاة
مــن صـفـعـة الـعــدم المنـتـصـر
كـذلــك قـالــت لـــي الـكـائـنـات
وحـدّثـنــي روحــهــا الـمـسـتـتـر
ودمـدمـت الـريـح بـيــن الـفِـجـاج
وفــوق الجـبـال وتـحـت الشـجـر
إذا مـــا طـمـحـت إلــــى غــايــة
ركـبـت المـنـى ونسـيـت الـحــذر
ولــم أتـجـنـب وعـــور الـشـعـاب
ولا كـــبٌــــةَ اللهب الـمـسـتــعــر
ومــن لا يـحـب صـعــود الـجـبـال
يـعـش ابــد الـدهـر بـيـن الـحـفـر
فعـجّـت بقلـبـي دمــاء الـشـبـاب
وضـجــت بـصــدري ريـــاح أٌخـــر
وأطرقـت أصغـي لقصـف الرعـود
وعــزف الـريـاح ، ووقــع الـمـطـر
وقــال لــي الأرض لـمـا سـألـت:
أيــا أم هــل تكـرهـيـن الـبـشـر؟
ابــارك فيالـنـاس أهــل الطـمـوح
ومـــن يسـتـلـذ ركـــوب الـخـطـر
وألعـن مــن لا يمـاشـي الـزمـان
ويقـنـع بالعـيـش عـيـش الحـجـر
هـو الـكـون حــي يـحـب الحـيـاة
ويحـتـقـر الـمـيـت مـهـمــا كــبــر
فـلا الأفـق يحضـن ميـت الطـيـور
ولا النـحـل يـلـثـم مـيــت الـزهــر
ولـــولا أمـومــة قـلـبـي الــــرؤم
لمـا ضـمـت المـيـت تـلـك الحـفـر
فـويـل لـمـن لــم تشـقـه الحـيـاة
مـــن لـعـنـة الـعــدم المتـتـصـر
وفـي ليلـة مـن ليـالـي الخـريـف
مـثـقـلّــة بــالأســـى والـضــجــر
سكـرت بهـا مــن ضـيـاء النـجـوم
وغنـيّـت لـلـحـزن حـتــى سـكــر
سألت الدجى: هـل تعيـد الحيـاة
لــمــا أذبـلـتــه ربــيــع الـعـمــر
فـلــم تتـكـلـم شــفــاه الــظــلام
ولـــم تـتـرنـم عـــذارى الـسـحـرّ
وقــال لــي الـغــاب فـــي رقـــة
مـحـبـبـةٍ مــثــل خــفــق الــوتــر
يجـيء الشتـاء ، شـتـاء الضـبـاب
شـتـاء الـثـلـوج ، شـتــاء الـمـطـر
فينطفىء السحر ، سحر الغصون
وسـحـر الـزهـور وسـحـر الـثـمـر
وسحـر المسـا الشجـي الـوديـع
وسحرالـمـروج الشـهـي الـعـطـر
وتــهــوي الـغـصــون واوراقــهـــا
وأزهـــار عــهــدٍ حـبـيــبٍ نــضــر
وتلهـو بـهـا الـريـح فــي كــل وادٍ
ويـدفـهـا الـسـيـل ، أنـــى عــبــر
ويفـنـى الجـمـيـع كـحـلـم بـديــع
تــألــق فــــي مـهـجــةٍ وانــدثــر
وتبـقـى الـبـذور الـتــي حـمـلّـت
ذخـيــرة عـمــرٍ جمـيـلـس غــبــر
وذكـرى فصـول ٍ ، ورؤيــا حـيـاةٍ
واشـبــاح دنـيــا تـلاشــت زمــــر
معانـقـةً وهــي تـحـت الـضـبـاب
وتـحـت الـثـلـوج وتـحــت الـمــدر
لطـيـف الـحـيـاة الـــذي لا يـمــل
وقـلـب الربـيـع الـشـذي الخـضـر
وحـالــمــة بـأغــانــي الـطــيــور
وعـطـر الـزهــور وطـعــم الـثـمـر
ومـــا هـــو إلا كـخـفـق الـجـنــاح
حـتــى نـمــا شـوقـهـا وانـتـصــر
فـصـدّعـت الأرض مـــن فـوقـهــا
وأبـصـرت الـكـون عــذب الـصــور
وجـــــــاء الــربــيـــع بـأنــغــامــه
وأحــلامـــه وصـــبـــاه الــعــطــر
وقبـلّـهـا قـبــلاً فــــي الـشـفــاه
تعـيـد الشـبـاب الــذي قــد غـبـر
وقـــال لــهــا: مٌـنِـحــت الـحـيــاة
وخـلّـدت فــي نـسـلـك الـمـدّخـر
وبــاركــك الــنــور فاسـتـقـبـلـي
شـبـاب الحـيـاة وخـصـب العـمـر
ومــــن تـعـبــد الــنــور أحــلامــه
يـبـاركــه الــنــور أنـــــى ظــهـــر
إلـيــك الـفـضـاء ، إلـيــك الـضـيـاء
إلـيـك الـثـرى الحـالـم الـمـزدهـر
إلـيــك الـجـمـال الـــذي لايـبـيــد
إلـيـك الـوجـود الـرحـيـب الـنـضـر
فميدي كما شئـتِ فـوق الحقـول
بـحـلـو الـثـمـار وغـــض الــزهــر
وناجـي النسيـم وناجـي الغيـوم
وناجـي النـجـوم ونـاجـي القـمـر
ونــاجــي الـحـيــاة وأشـواقــهــا
وفـتـنـة هـــذا الــوجــود الأغــــر
وشف الدجى عـن جمـال عميـقٍ
يـشـب الخـيـال ويـذكـي الـفـكـر
ومـد علـى الكـون سـحـر غـريـب
يــصــرّفــه ســـاحـــر مــقــتـــدر
وضـاءت شمـوع النجـوم الـوضـاء
وضـــاع الـبـخـور بـخــور الــزهــر
ورفـــرف روح غــريــب الـجـمــال
بأجـنـحـة مــــن ضــيــاء الـقـمــر
ورن نـشـيـد الـحـيـاة الـمـقــدّس
فــي هيـكـل حـالـمٍ قـــد سـحــر
واعلـن فـي الـكـون أن الطـمـوح
لـهـيــب الـحـيــاة وروح الـظــفــر
إذا طـمـحـت للـحـيـاة الـنـفــوس
فــلا بــد أن يستـجـيـب الـقــدر
شكرا لكم وقتكم الثمين الذي بذلتموه لمطالعة هذا الموضوع
المصدر موقع الشابي
http://alshaby.8m.com
ii!
و بارك الله فيك