ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بـســم الله الـــرحـمــن الرحيـــــم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فائدة بل فوائد عظيمة في ذكر شيء من الأسباب التي ذكرها
الله في كتابه موصلة إلى المطالب العالية .
لا ريــب أن مـــن حكمة الله ورحمته أنه جعل العباد مفتقرين
إلى جلب المنافع الدينية والدنيوية ، وإلــى دفــع المضــــــار
الدينية والدنيوية ، فاقتضت حكمته وسنته التــي لا تتبدل أن
هذه المنافع المتنوعة – وخصوصا الأمور العظام – لا تحصل
إلا بالسعي بأسبابها الموصلة إليها ، وكذلك المضار لا تندفع
إلا بالسعي بالأسباب التي تدفعها ، وقـد بين في كتابه غاية
التبيين هذه الأسباب ، وأرشد العباد إليها ، فمن سلكها فاز
بالمطلوب ، ونجا من كل مرهوب .
فأصل الأسباب كلها الإيمان والعمل الصالح، جعل الله خيرات
الدنيا والآخرة وحصولها بحسب قيـام العبد بهذين الأمرين ،
وقد ذكر الله في القرآن من هذا شيئا كثيرا جدا …
وجعـل الله القيـــــام بالعبودية والتوكل سببا لكفاية الله للعبد
جميع مطالبه ، شاهده قوله تعالى : ( وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ
فَهُوَ حَسْبُهُ ) ( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ) أي : بمن يقوم
بعبوديته ظاهرا وباطنا .
وجعل الله التقوى والسعي والحركة سببا للرزق ، شــاهــــده
قــوله تعالى ( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً ، وَيَرْزُقْهُ مِنْ
حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ) وقوله ( فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن
رِّزْقِهِ )
وجعــل الله التقـــــوى والإيمان وتكرار دعوة ذي النون سببا
للخروج من كل كرب وضيق وشدة ، شـاهده الآية السابقة ،
وكذلك قـوله : ( وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ
عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّـي كُنتُ
مِنَ الظَّالِمِينَ ، فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي
الْمُؤْمِنِينَ )
وجعــــل الله الدعاء والطمع في فضله سببا لحصـول جميـــع
المطالب ، دليله قـوله تعـالـى : ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ
لَكُمْ ) وقـوله : ( وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ
مِّنَ الْمُحْسِنِينَ )
وجعـل الله الإحسان في عبادة الخالق ، والإحسان إلى الخلق
سببا يدرك به فضله وإحسانه العاجل والآجل ، شاهده الآيــة
السابقة : ( إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ ) ، وقـــوله :
( هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ) ( وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ
الْمُحْسِنِينَ ) ومن أحبه الله نال جميع ما يطلب .
وجعـل الله التوبة والاستغفار والإيمان والحسنات والمصائب
مـــع الصبر عليها أسبابا لمحو الذنوب والخطايا ، شــاهــده
قــولــه تعــالى : ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً
ثُمَّ اهْتَدَى ) ( إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ) ( إِنَّهُ مَن يَتَّقِ
وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ) .
وجعل الله الصبر سببا وآلة تدرك بها الخيرات ، ويستدفع بها
الكريهات ، شاهده الآيـــة السابقة ، وقــولـــه : ( وَاسْتَعِينُواْ
بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ ) أي : علـــى جميع أموركم ، ولمـا ذكر الله
ما وصل إليه أهل الجنة من كمال النعيم ، وزوال كل محذور،
ذكر أن هذا أثر صبرهم ، فقـال : ( سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ )
( أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا )
ومنه أنه جعل الصبر واليقين تنال بهما أعلى مقامات ، وهي
الإمامة في الدين ، دليله قوله تعالـــى : ( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً
يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ )
وجعل الله مفتاح العلم حسن السؤال وحسن الإنصات والتعلم
والتقوى وحسن القصد ، شاهـده قوله تعالى : ( فَاسْأَلُواْ أَهْلَ
الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ )( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ
أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ
تُبْدَ لَكُمْ ) وقـولــه : ( يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل
لَّكُمْ فُرْقَاناً ) أي: نورا وعلما تفرقون به بين الحقائق كلها ،
وقـــولـه : ( يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ )
وقوله : ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا )
وجعــل الله الاستعداد للأعداء بكل مستطاع من القوة ، وأخذ
الحَذر منهـــم سببا لحصول النصر والسلامة من شرورهم ،
شاهده قــوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ ) ،
وقوله : ( وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ )
وجعـــل الله اليسر يتبع العسر ، والفرج عند اشتداد الكرب ،
شاهده قـوله تعالى : ( إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ) ( سَيَجْعَلُ اللَّهُ
بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً )( أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ )
وجعـــــل الله الشكر سببا للمزيد منها ومن غيرها ، وكفران
النعم سببا لزوالها ، شاهــده قــوله تعــــالى : ( لَئِن شَكَرْتُمْ
لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ) .
وجعــــل الله الصبر والتقوى سببا للعواقب الحميدة والمنازل
الرفيعة ، شاهده قوله تعالى : ( وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) ( إِنَّهُ مَن
يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ )
وجعل الله الجهاد سببا للنصر ، وحصول الأغراض المطلوبة
من الأعداء ، والوقاية من شرورهم ، شاهده قولــه تعالــى :
( قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِــمْ ) .
( فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ
عَسَى اللّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ ) .
وجعل الله لمحبته التي هي أعلى ما ناله العباد أسبابا، أهمها
وأعظمها متابعة رسوله محمــد صلــى الله عليــه وسلــم في
الأقوال والأفعال وسائر الأحوال ، قــال تعالى : ( قُلْ إِن كُنتُمْ
تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ ) ومـن أسبابها مـا ذكــره
بقـــولــــه : ( وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ) ( يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )
( يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ) ( يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً
كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ )
وجعـــل الله النظــر إلــى النعم ، والفضل الذي أعطيه العبد ،
وغض النظر مما لم يعطه سببا للقناعة، شاهده قوله تعالى:
( يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي
فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ )
وجعل الله القيام بالعدل في الأمور كلها سببا لصلاح الأحوال،
وضده سببا لفسادها واختلافها ، شاهــده قــولــه تعــالـــى :
( وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ، أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ ،
وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ )
وجعـــل الله كمال إخلاص العبد لربه سببا يدفـــع بــه عنــــه
المعاصي وأسبابها وأنواع الفتن ، شاهده قوله تعالى ( كَذَلِكَ
لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ )
وجعــــل الله قوة التوكل عليه مع الإيمان حصنا حصينا يمنع
العبد من تسلط الشيطان ، خصوصا إذا انضم إلى ذلك الإكثار
من ذكر الله ، والاستعاذة بالله من الشيطان ، شاهده قولـــــه
تعالــى : ( إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ
يَتَوَكَّلُونَ ) وقوله ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ) وقوله ( قُلْ أَعُوذُ
بِرَبِّ النَّاسِ ) إلى آخرهما .
وجعل الله مفتاح الإيمان واليقين التفكر في آيات الله المتلوة،
وآياته المشهودة ، والمقابلة بين الحق والباطل بحسن فهـــم
وقوة بصيرة ، شــاهــده قــولــه تعـالى : ( كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ
مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ ) والأمـــر بالتفكر
بالمخلوقات في عدة آيات، وقوله(إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّلْمُؤمِنِينَ)
فهي سبب للإيمان ، والإيمان موجب للانتفاع بها .
وجعل الله القيام بأمور الدين سببا لتيسير الأمور وعدم القيام
بها سببا للتعسير ، وشاهده قـولــه تعــالـى ( فَأَمَّا مَن أَعْطَى
وَاتَّقَى ، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ، وَأَمَّــــا مَـن
بَخِلَ وَاسْتَغْنَى ، وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى )
وجعل الله العلم النافع للرفعة في الدنيا والآخرة ، شـــاهـــده
قولــــه تعــالـى : ( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا
الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ )
وجعــــل الله كــون العبد طيبا في عقيدته وخلقه وعمله سببا
لدخول الجنة ، وللبشارة عند الموت ، شاهده قوله تعــالى :
( طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ) وقوله: ( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ
طَيِّبِينَ ) .
وجعــــل الله مقابلة المسيء بالإحسان ، وحسن الخلق سببا
يكون به العدو صديقا ، وتتمكن فيه صداقة الصديق ، دليلـه
قوله تعالى: ( وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ
أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) ( فَبِــمَا
رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنـــتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ
مِنْ حَوْلِكَ ) . وبذلك تحصل الراحة للعبد ، ويتيسر له كثير
من أحواله .
وجعــــل الله الإنفاق فـــي محله سببا للخلف العاجل والثواب
الآجل ، شاهده قولــــه تعــالى : ( وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ
يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) .
وجعـــــل الله لرزقه أبوابا وأسبابا متنوعة ، فمتى انغلق عن
العبد باب منها فلا يحزن ؛ فإن الله يفتح له غيره، وقد يكون
أقوى منه وأحسن ، وقد يكون مثله ودونه ، شاهــــده قولــه
تعالـى : ( وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ ) وقــــولـــــه :
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ
الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ
مِن فَضْلِهِ ) .
وجعــــل الله التحرز والبعد عن الموبقات المهلكة والحذر من
وسائلها طريقا سهلا هينا لتركها ، شاهده قوله تعالى: ( تِلْكَ
حُدُودُ اللّهِ ) أي : محارمه ( فَلاَ تَقْرَبُوهَا ) أي : لا تفعــلوهـا
ولا تحوموا حولها ؛ فمن رعى حول الحمى يوشك أن يقـــع
فيه ، وإذا قيل مثل هذه الآية : (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا)
كان المراد بالحدود المحارم ،
وأما إذا قيل : (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا) فهذه الحدود التي
حددها الله للمباحات ، فعلى العبد أن لا يتجاوزها ؛ لأنـــه إذا
تجاوز المباح وقع في المحرَّم ، فافهم الفرق بين الأمرين .
وجعـــل الله السـبـــب الوحــيد القوي المثمر للثمرات الجليلة
للدعوة إلى سبيله هو ما تضمنته هذه الآية (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ
بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) …
وجـعــــل الله السبــب لفصـــل الخصام المرضي للمتشاجرين
المنصفين في جميع المقالات ، الــذي هــــو خير في الحال ،
وأحسن في المآل، ردها إلى كتاب الله وسنة رسوله ، شاهده
قوله تعالى ( فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ
إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)
وجعل الله صلة ما أمر به أن يوصل من البر، وصلة الأرحام،
والقـيام بحق من له حق عليك سببا تُنال به مكارم الأخلاق ،
ويتبوأ به المنازل العالية في جنات النعيم، شاهده قوله تعالى
( وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُـــمْ
وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ) إلى قوله: (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا)
وجعل الله السوابق الحميدة للعبد وتعرفه لربه في حال الرخاء
سببا للنجاة من الشدائد ، وحصول أعظم الفوائد، شاهده قوله
تعـــالـى : ( فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ ، لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى
يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) وقول أهل الجنة فيهــا : ( إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا
مُشْفِقِينَ ، فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ ، إِنَّا كُنَّا مِن
قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ ) .
وجعـــل الله لشرح الصدر ونعيمه وطمأنينته أسبابا متعددة :
اليقين والإيمان والإكثار مـــن ذكر الله وقوة الإنابة إليـــــه ،
والقناعة بما أعطى من الرزق، وحصول العلم النافع ، وترك
الذنوب والمبادرة بالتوبة مما وقع منها، وشواهد هذا كثيرة،
منها قوله تعالـــى : ( الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ
أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ
فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ ) ( إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ )
وشمول هذا النعيم لنعيم القلوب في الدنيا ظاهر : ( مَنْ عَمِلَ
صَالِحاً مِّــن ذَكَـــرٍ أَوْ أُنثَى وَهُـــوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً
وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) . ( كَلَّا بَلْ رَانَ
عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ ، كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ
لَّمَحْجُوبُونَ )
وجعــل الله ضرب الأمثال في كتابه طريقا عظيما مـن طــرق
التعليم الــذي تتـبـيــن وتتوضح بـه المطالب العالية والعقائد
الصحيحة والفاسدة ، كمــا مثل كلمة التوحيد والعقيدة الحقة
الصحيحة : ( كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ ) فـي قلــب المؤمن
( وَفَرْعُهَا ) من الأعمال والأخلاق ( فِي السَّمَاءِ ، تُؤْتِي
أُكُلَهَا ) أي : منافعها ( كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا )
ومثل ضد ذلك بالشجرة الخبيثة التي لا لها أصل ثابت ولا فرع
نافــــــع ، ومثـــل المشرك بربه كالعبد الذي يتنازعه شركاء
متشاكسون ، والموحد المخلص لله السالم من تعلقه بغيره.
وكذلك مثَّل الشرك والمشرك واتخاذه وليا من دون الله يتعزز
به وينتصر : ( كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ
لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ ) .
ومثـــل وحيــه بمنـــزلة الغيث النافع ، وقلوب الخلق بمنزلة
الأراضي الطيبة القابلة والخبيثة ، وبيَّن ذلك ، وهــي أمثلــة
محسوسة يوضح الله بها المطالب النافعة ، وهو يُقْسم تعالى
علــى أصول الدين التــي يجب علـى الخلـــق الإيمان بهـــا :
كالتوحيد والرسالة والمعاد ، ومـــا يتفــرع عنهــا ، وضرب
الأمثال مــــن تصريف الله الآيات لعباده بأعلى أساليب الكلام
المؤثرة الموضحة للحقائق ، فتأمل إقسامات القرآن تجـــدها
كذلك ، ولذلك حثَّ الله عليها ، ومدح من يتفكر فيها ويعقلها
فقال : ( وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) .
وفي الآية الأخرى : ( وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ) .
الكتاب : تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن ( ص 373 )
للشيخ عبد الرحمن السعدي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بارك الله فى الشيخ
وبارك الله فيك أزهار
نقل موفق