خاطرة : الحمى ….و ترانيم المطر
هناك شيئا يسري بجسدي من الأسفلللأعلى كدبيب نمل يهيم تحت جنح ليل بهيم ..فتتبعثر صفوفه لكنه بالنهاية يوحد الصفوالاتجاه نحو الجوانح ..ومنابع النبض تحت الضلوع وسحب ضبابية تحول بيني وبينمحيطي..سحبت اللحاف بيد مرتجفة مقاومة الغليان الذي يحيط بي ..فقد ارتفعت الحرارةوالبرودة معاً لتحطم رقماً قياسياً يجمع بين ما دون الصفر من درجة وما فوق المائةبالميزان الحراري بنفس الساعة واللحظة ..فبدأت الوساوس والهواجس المميتة تعبث بفكريوتشل جسدي المسجى على الفراش المتوقد بحرارة الألم ..والأنفاس اللاهثة لا تكادتغادر فوهة البركان إلا وتسقط صريعة في أحضان تيارات من الهواء المتجمد بالخارجوالمتجهة بإصرار للجوف..حاولت النهوض والتحرر من أسر المكان والزمان فأطلق كل عضوموجة من الأنين وأعلن العصيان …استسلمت على أمل أن تكتمل دورة هذه الحمى العنيفة …قد تنسحب بجيوشها الجرارة وتهدأ ثورتها بعد أن تتأكد من النصر فلا مقاومة ولاجيش بالمقابل يحارب ..سوى الأعلام البيضاء تعلن الاستسلام…
تناهى لسمعي طرقاترقيقة على النافذة ..فحرك جفني الجوى * ونثر بداخلي عبق الخزامى والشيح والكادي .. فانتشت خوالج نفسي وسرت بها الحياة …وتحرك لساني يهذي بحروف تزاحمت فوقه بصوتمتذبذب فأيقظني حتى الذهول….!!ثم أيقظني حتى الحنين وانقطاع الأنين..حتى رحيلالألم وسط السكون….فأيقظ بداخلي طفلة غفت على كف الزمن فحلت ضفائرها.وبعثرتذكريات السنين بضحكات ونشوة فرح ..نظرت للنافذة من خلال دموع الألم وقطرات العرقمرددة : ترى هل هو المطر ..هل امتلأت السماء بالسحب وبعد عراكها تناثر المطر ..وأناهنا على فراشي ..لم أشهد عناق السماء للأرض بعد طول غياب ..وهي تسقيها وتسقيها حتىترتوي ..
لن أبقى كالعاجزة ..أين الورقة والقلم لا بد من تسجيل الحدث وتاريخه ..أحب المطر ورائحة المطر ..أكاد أسمع صوت عجلات السيارات وهي تخوض بالمياه يتناهىلسمعي ..وترشق المارة بشلال لا يثير الغضب بقدر ما يسعد القلوب ..لا شك أن الجميعقد تركوا بيوتهم وتزاحموا بالشوارع وحول النوافذ ..والأطفال قد ابتلت أجسادهم بزخاتالمطر وهم يجرون دون خوف من ذويهم ..من يلومهم فاليوم هو يوم المطر ..؟؟ وغداًسيتوجه الجميع للبراري ومعهم أكوام الحطب ليشعلوا النار ..وتحمر أعينهم من أعمدةدخان السمر ..ويرتشفون الشاي من إبريق أسود أخرجوه من قعر الجمر ..ويتجمعون حولالنار فتحلوا الأحاديث وتتبدد سحب الهموم ..
لن أنتظر تحت الأغطية هناك منيناديني خلف ذلك الزجاج ..استجمعت قوتي وما بقي من عزيمتي ونهضت بتثاقل تجاهالنافذة ..أزحت الستار الثقيل فكانت المفاجأة ..!!
نفض الطائر الرشيق جناحيهفتطايرت بأثره أعواد كان قد جمعها لبناء عشه على أغصان نافذتي ..أين المطر ؟عاصفةأحلامي قد بددت أحلامه المتواضعة ببناء ملاذ يركن إليه جسده إذا أضناه المسيروبعثرت خطواتي المتعثرة معالم طريقه الذي لم يرسم له بدقة … ولم يختر سوى بوابةالحلم الذي رسمه وأتقنه أكثر من بناء بيته .. تعال أيها الطائر الحزين …عد أرجوكفقد هزمت بداخلي أم الهزائم وأعدت إلي طعم الحياة ونشوتها…وحركت الحماس بداخليفلم تقاوم أعضائي وهزمت الاستسلام ..والضعف والسكون ..
أنت بجسدك الصغير أقوى منهمتي ..عد لأمنحك المكان فتمنحني ترانيم المطر …
وأردد خلفك أنشودةالمطر…بالليل والسحر ..
أعلم أنك لن تعود …لن تثق بالبشر…ستحلق بعيداًلمكان آمن …
سأقول لك وداعاً … وسأنتظر المطر …
وأردد أنشودة المطر ….
.. ………………………………………….. ………………. *الجوى : الحرقة