تخطى إلى المحتوى

الذكرى العطرة وميلاد الأمة من جديد 2024.

  • بواسطة
د / أحمد عبد الحميد عبد الحق*

تهل علينا ذكرى ميلاد النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم هذا العام بتباشير تنبئ بالخير الوفير الذي ينتظر الأمة الإسلامية ، وإن كانت تسبق

بحالة من الغيوم المتلبدة وأصوات الرعد والبرق الصاعقة ، ولكن لا ضير فقد عودتنا الطبيعة الإلهية أن الوابل أو المطر الغزير يُسبق بسحابة سوداء

مظلمة متبوعة برعد وبرق يثير الخوف والوجل في قلوب الخليقة فتفزع إلى الله عز وجل محتمية به ؛ فيحول خوفهم أمنا ، وحزنهم فرحا ، وضيقهم

رخاء ، بفضل ما يهطل من المياه التي كانت تتشبع بها تلك الغيوم .. وأنا واثق بالله الرحمن الرحيم بأنه سيجعل من تلك الغيوم والاضطرابات التي

عمت البلاد المحررة من حكم الاستبداد خلال العام المنصرم وعلى رأسها مصر مصدر خير ورخاء ، وسنرى بإذنه عز وجل أن تلك الظلمات التي

عشناها خلال العام الماضي والتي جعلت البعض ييأس من الثورات ونجاحها ما كانت إلا غيوما وبرقا ورعدا يبشر بالرفاء ، وأن حالة الفزع التي كانت

تعترينا لم تكن إلا شبيهة بالأصوات المرتفعة المزعجة التي تنطلق من فوهات المدافع وقت الاحتفاء بالنصر ..وأكرر أنني متفائل فلأول مرة منذ أن

وعيت للحياة أشعر بأن ذكرى ميلاد الحبيب صلى الله عليه وسلم ستكون نسماتها أفضل من نسمات الذكريات السابقة ، وأن الخير الذي هلّ على

البشرية جمعاء بميلاده صلى الله عليه وسلم منذ خمسة عشر قرنا (في منتصف فصل الربيع 20 من أبريل ) ) لا بد وأن تعيده ذكراه ، فتعود الأمة

الإسلامية وسائر البشرية معها لربيعها مرة أخرى بعد أن كاد برد الشتاء القارس أن يجمد حياتها ، لا أقول الروحية فقط ، بل المادية أيضا ، وما الكساد

الاقتصادي والركود الذي ضرب النظم العالمية عنا ببعيد ..ومن يدقق النظر في تاريخ العالم قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم يدرك أنه كان قد

وصل إلى طريق مسود وألا أمل في خروج البشرية من مستنقعها بالمقاييس البشرية .حيث صار العالم قطبين ، قطب يستحوذه القياصرة في روما ،

وقطب يستحوذه الأكاسرة في فارس ، ملوك لا يسوسون رعايا ، بل جبابرة يستعبدون العباد ، وتقام بين الفئتين الحروب بين الفينة والفينة ، فتباد

فيها البشر ،وتدمر المدن ،وتخرب المزارع ، وتعطل المصانع ، وتهجر الشعوب ، دون أن يعُرف لذلك سبب ، اللهم ما كان من هوى وشهوة في قلوب

الملوك ، ولعل من يقرأ عن أحداث آخر معركتين وقعتا بين الفرس والروم قبيل الإسلام وأثرهما على مصر والشام يعرف صدق ذلك ..وحظ البلاد

العربية وقتها وفي تلك الظلمات كان حظ البئيس التعيس ، فقد أخذت الروم بلاد الشام ومصر والمغرب العرب عنوة ، وصيرتها قرونا طويلة مستعمرات

لها ، ينتج أهلها الخير الوفير فينقل كله للسادة في روما ، يتمتعون به ولا يترك لمن أنتجوه إلا الفتات ، وكان الرومي لا يرى في المواطن من تلك البلاد

إلا دابة لها يسيرها كيف يشاء حتى جاء في بعض الآثار أن الرومي في مصر كان إذا احتاج لمن يوصله لمنزله أشار إلى المصري ( القبطي ) فينحني

حتى يصعد السيد الرومي فوق ظهره ليسير به سير البغل أو الحمار .وأما العراق والحيرة فقد خضعتا لفارس تتحكم في مواردهما كيف شاءت، وزادت

على ذلك أن جعلت من أمرائهم حارسا لهم ضد هجمات الأعراب فضربت بعضهم ببعض ، وأشعلت بينهم الحروب بالنيابة ، يقاتل المؤيد لهم من خرج

عن سيطرتهم ، حتى إن أحد أشرافهم وهو "المثنى بن حارثة " قال للنبي صلى الله عليه وسلم لما عرض على قومه دعوته في موسم الحج بمكة :

قد سمعت مقالتك ، واستحسنت قولك يا أخا قريش ، وأعجبني ما تكلمت به ، وإنا إنما نزلنا بين صريين ، أحدهما اليمامة ، والآخر السماوة ، وإنما نزلنا

على عهد أخذه علينا كسرى ، أن لا نحدث حدثا ، ولا نؤوى محدثا ، ولعل هذا الأمر الذي تدعونا إليه مما تكرهه الملوك ، فأما ما كان مما يلي بلاد

العرب فذنب صاحبه مغفور ، وعذره مقبول ، وأما ما كان يلي بلاد فارس فذنب صاحبه غير مغفور ، وعذره غير مقبول ، فإن أردت أن ننصرك ونمنعك مما

يلي العرب فعلنا .وكانت عقوبة المخالف منهم هو أن تقطع أطرافه ولسانه ويجدع أنفه ثم يلقى في الصحراء ليصير طعاما شهيا لوحوشها ..وأما

داخل الجزيرة العربية حيث يسكن العرب الخلص فكانت حياتهم تقوم في جل الأوقات على السلب والنهب ، لا يخضعون لقانون ، اللهم إلا الأحكام

العرفية التي يقررها شيوخ قبائلهم ، لا بقاء لضعيف وسط الأقوياء ، ولا فقير وسط الأغنياء ، لا تسلم أيامهم من الغارات صباحا ومساء ، حتى قال

قائلهم :وأحيانا على بكر أخينا ** إذا لم نجد إلا أخانالا يأمن أحدهم في حياتهم على نفسه ولا ماله ولا أهله ولا ولده ، بل شربة الماء كان يفتخر

القوي بامتلاكها دون الضعفاء ، حتى قال أحدهم مفتخرا :ونشرب إن وردنا الماء صفوا **ويشرب غيرنا كدرا وطيناولكن كل تلك الغمات قد زالت بمجيء

النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، وكل تلك الأزمات قد انفرجت بنزول رسالته ، وكل تلك الظلمات قد انمحت بنشر دعوته ، وكل وسائل الاستعباد قد

محيت من البلاد التي فتحها صحابته ، وصار الإنسان حرا طليقا مكرما بتكريم خالقه له ، حرا في عبادته ، حرا في عقيدته ، حرا في فكره وإرادته ،

وفوق ذلك كله فقد صار مالكا لنفسه وماله بعد أن كان مملوكا ، حيث أعاد عليه الإسلام ثروته ، ولم يبق من ضرائب الجزاء " الجزية " المغلظة غير قدر

محدود لا يساوي شيئا بالنسبة لما تحصله الدول الحديثة من شعوبها في صورة ضرائب يراها القائمون عليها عادلة ..فلتنظر البشرية إذن هذا الخير

الوفير المرتقب والذي تحمله لنا ذكرى رسول الله صلى الله عليه وسلم العطرة..

المصدر : موقع التاريخ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.