سبق أن بينا في كتابنا آيات معجزات من القرآن الكريم وعالم النبات التفسير العلمي للآية (29) من سورة الفتح تحت عنوان : ( كزرع أخرج شطأه ) .
واليوم نعيش مع إعجاز آخر في هذه الآية وفتح جديد بفضل الله، وهو شهادة النبات الزهري بإقرار الآية القرآنية رقم (29) من سورة الفتح لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنهم رضوان الله عليهم لم يغيروا، ولم يبتدعوا، ولم يبدلوا، وكان كل واحد منهم رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم في المكان الجديد الذي وصل إليه وعاش فيه .
وحتى نتعرف هذه المعجزة العلمية، والشهادة القرآنية النباتية علينا أن نتبين ما يلي :
أنواع التكاثر في النباتات البذرية :
المعلوم علمياً أن النباتات البذرية تتكاثر بطريقتين رئيستين :
الطريقة الأولى : التكاثر الجنسي ( Sexual reproduction ) (البذري ):
وفي هذه الطريقة يتم اتحاد المشيج المذكر ( في حبة اللقاح) مع المشيج المؤنث ( في البويضة ) لإنتاج نبات جديد يحمل خليط من الصفات الوراثية للآباء .
خصائص التكاثر الجنسي البذري:
– هذا النوع من التكاثر ( التكاثر الجنسي البذري ) غير محكوم الصفات الوراثية، ولامأمون العواقب الانتاجية، فقد يحدث تغيير في الصفات الوراثية تجعل النبات الجديد مغايرا في صفاته الظاهرية و الجينية لصفات النبات الأب والنبات الأم.
– ينفصل النبات الجديد عن النبات الأم وتنقطع علاقته به عادة بعد نضج البذره والحبه ولايعيش في كنف الشجرة الأم طويلاً ولا يحميها، ولا يقويها بل يضعفها إذا نبت ونمى في محيطها.
– يستغرق وقتاً طويلاً حتى تزهر النباتات الجديدة وتثمر خاصة في الأشجار والشجيرات .
الطريقة الثانية : التكاثر الخَضَري أو التكاثراللاجنسي :
( Asexual reproduction or vegetative reproduction )
وهي الطريقة التي يتكاثر بها النبات البذري، بالعقل، والبراعم، والتطعيم، والجذور، والسيقان، وغيرها من أنواع التكاثر الخَضَري (بفتح الخاء والضاد ) المعلومة لطلاب التعليم العام .
خصائص التكاثر الخضري :
في هذا النوع من التكاثر ينتج نباتات جديدة مشابهه تماماً للنبات الأم في التركيب الجيني ( Genotype ) والمظهر الخارجي (Phenotype)
– تتميز النباتات الجديدة بسرعة الإِزهار (بكسر الهمزه) والإِثمار خاصة في الأشجار والشجيرات لتكوين هرمون الإِزهار ( Flowaring Hormone) في أنسجة النبات الأم وانتقاله للنباتات الجديدة ( انظر موضوع هرمون الإزهار واختلاف الليل والنهار في كتابنا آيات معجزات من القرآن الكريم وعالم النبات ).
– يتميز النبات الجديد ( الشطء ) بمؤازرة النبات الأصل للنبات الأم وحمايته .
– إذا نقل النبات الجديد إلى مكان جديد كان صورة طبق الأصل من النبات الأم.
المثل القرآني النباتي المعجز :
ضرب الله سبحانه وتعالى مثلاً علمياً نباتياً قرآنياً معجزاً يدلل بالأدلة العلمية القرآنية أن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، نشروا الدين، ولم يغيروا، ولم يبدلوا, ولم يبتدعوا، ولم ينتكسوا، وأن كل واحد منهم كان مشابهاً في انتاجه العلمي والعقائدي، والسلوكي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنهم حموه وقوُوه وأنهم نشروا الدين بعيداً عن الموطن الأصلي ( مكة المكرمة والمدينة المنورة ) حتى وصلوا إلى الأندلس، والقسطنطينية، والبوسنه والهرسك وفارس، وتونس، والشام، والسودان ومصر وكل مكان وصلوا إليه هم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
قال تعالى : (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا * محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرعٍ أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يُعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيما ) سورة الفتح ( 28 – 29 ).
قال المفسرون في معاني الكلمات : أخرج شطأه أي :
– فراخه المتنوعة في جوانبه.
– ما خرج من الزرع وتفرع من شاطئيه ( أي من جانبيه ).
– فراخ النخل ( فسائل النخل ) والزرع.
– ورق الزرع.
– الشجرة إذا أخرجت غصونها وفروعها.
– من الشجر ما خرج حول أصوله.
قال الراغب الاصفهاني رحمه الله في مفردات ألفاظ القرآن :
شطء الزرع : فروخ الزرع، وهو ما خرج منه وتفرع في شاطئيه، أي جانبيه . وجمعه أشطاء.
فاستغلظ: أي فسار من الدقة إلى الغلظة.
فاستوى على سوقه : أي فاستقام على أصوله وجذوعه .
يعجب الزراع : بقوته، وكثافته وغلظه وحسن منظره.
وقال المفسرون:
هذا مثل ضربه الله سبحانه وتعالى للصحابة رضوان الله عليهم قلَوا في بدء الإسلام, وكانوا قلة ثم كثروا، فاستحكموا، فترقى أمرهم يوما فيوم بحيث أعجب الناس وأغاظ أعداء الله.
وقالوا أيضاً :
مكتوب في الانجيل سيخرج قوم ينبتون نبات الزرع، يخرج منهم قوم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وهو مثل ضربه الله تعالى لبدء الاسلام وترقيه في الزيادة إلى أن قوى واستحكم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قام وحده، ثم قواه الله تعالى بمن معه .
قال الدكتور وهبه الزحيلي حفظه الله في التفسير المنير:
( وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم ) قال : ( منهم ) هنا لبيان الجنس أي الصحابة وليست للتبعيض لأنهم كلهم بالصفة المذكورة (أ.ﻫ) .
فتنبه أخي المسلم لهذا القول جيداً حتى لايلتبس عليك الأمر في بعض الصحابه رضوان الله عليهم، وتظن أن منهم للتبعيض.
التفسير العلمي المعجز للآية:
هذا مثل علمي معجز من عالم النبات، ضربه الله سبحانه وتعالى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ( كزرع ) وللصحابه (و الذين معه )، والعاملين بما جاء به إلى يوم الدين، والمُسلمين له تسليما .
فرسول الله صلى الله عليه وسلم هو ( الزرع ) الأصل، وصحابته هم (الشطء )، وهو ما تفرع منه وخرج من النباتات الجديدة، والغصون العديدة، وملايين الأوراق الخضراء.
وإذا رجعنا إلى عالم النبات نرى أن هذا المثل حقيقة علميه.
فالنباتات النجيلية الحولية من ذوات الفلقة الواحدة، مثل الحنطة أو البُر
( القمح ) والشعير والأُرز هي أصل الغذاء العالمي في الأرض، تخرج ساقها الأولى وحيدة ضعيفة ولكن سرعان ما يخرج من براعمها الجانبيه والإِبطية الموجودة على العقد القاعدية المزدوجة تحت سطح التربة مباشرة، يخرج منها أفرعاً قاعدية، وبذلك يكون النبات الأصلي الواحد ( الزرع ) أو الساق الصلية الواحدة مجموعة من الفروع ( الشطء ) يصل عددها إلى ما يزيد عن خمسين فرعاً.
وهذه الفروع لها خصائصها التي ذكرناها سابقا في التكاثر الخضري (اللآجنسي ) ومنها :
– عدم تغيير الصفات الوراثية .
– مؤازرة النبات الأم وتقويته وحمايته.
– يُعجب الزراع.
– يغيظ الأعداء والحساد والمرجفين والمبتدعين.
ويحدث هذا أيضاً في النخيل، حيث نرى النخلة الواحدة، قد أخرجت فراخها العديده بجوارها .
وهذا تماماً ما صوره القرآن الكريم.
فالرسول صلى الله عليه وسلم هو الأصل ( الزرع ) وصحابته وأتباعه هم الفروع ( الشطء ).
والعاملون في الزراعة والنبات عندما يرون الشطء قد نبت وخرج حول الأصل يفرحون ويستبشرون ويطمئنون أن زرعهم ( الأصل ) قد دبت جذوره في التربة، وقويت أوراقه، وبعد مدة يجدون الشطء قد غطى الأرض وملأها بأفرع مشابهة تماماً للأصل.
وبعد ذلك تظهر آلاف الأزهار والنورات لتعطي آلاف الثمار والبذور والحبوب، ففي بعض النباتات تعطي الحبة الواحدة ما يزيد عن خمسة آلاف حبة، (والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم) البقرة 261 .
وبعض الأجناس النباتية الأخرى من النباتات الزهرية ذوات الفلقة الواحدة مثل نخيل البلح، ونخيل الدوم عندما تخرج أوراقها على سيقانها، فإن الساق تقوى ويزداد قطرها، كما أن تلك النباتات تخرج العديد من الفسائل الجانبيه التي تدعم الشجرة الأم وتقويها، وتنقل عنها صفاتها الوراثية دون تغيير أو تبديل أو تحريف .
ونبات الموز تتكون ساقه من قواعد الأوراق، فهي التي تدعم النبات وتقيمه وتحميه من الهلاك، وفسائله تنقل صفاته الوراثية.
وهذا مثل للصحابة وللمسلمين المتبعين غير المبتدعين، عندما يستمدون علمهم وعملهم وهديهم من علم المصطفى صلى الله عليه وسلم وسنته العملية والقولية وهديه، ويبلغونه كما حملوه من الأصل دون تغيير أو تحريف فهم عدول ضوابط، وكما قال علماء الحديث عن الحديث الصحيح، هو الحديث المسند المتصل إسناده، بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط، عن مثله إلى منتهاه ( إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ولا يكون به شذوذ أو عله .
فهم نقلوا، وبنقلون، العلم الصحيح ( الدين ) إلى إي انسان أو مكان يصلون إليه بعدْلٍ وضبط من دون شذوذ أو عله، وكأن كل واحد منهم صورة من رسول الله صلى الله عليه وسلم في البيئة الجديدة.
ومن التكاثر الخَضَري زراعة الأنسجة ( Tissue culture ) ، وفي هذا النوع من التكاثر نأخذ النسيج المرستيمي الخضري ونزرعه على بيئة مغذية صناعية فينتج عندنا نباتات جديدة مشابهة تماماً للنبات الأم.
ويمكننا بنبات واحد إنتاج عشرات الألاف من النباتات الجديدة المطابقة للأصل تماماً، وهذا يدلل أن القرآن لاتنقضي عجائبه ولايخلق عن كثرة الرد .
وكل واحد منا الآن يستطيع أن يكون شطأً ينشر العلم الصحيح من دون تغيير أو تبديل عبر شبكة الاتصالات العالمية ( الإنترنت ) المهم العدل والضبط والبعد عن الشذوذ والعله ( أي النقل عن المصادر الصحيحة، بالنقل الصحيح، وكتابة المصدر).
وبذلك يشهد التكاثر النباتي الخَََضَري ( اللاَجنسي ) بعدالة الصحابة رضوان الله عليهم، واتباعهم، ونقلهم الدين تماماً كما تعلموه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما قال تعالى ( ومثلهم في الانجيل كزرع أخرج شطأه فأزره فأستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار ) الفتح (29) .
الصحابة كالفروع والأغصان :
إذا أخذنا بالقول الذي يقول ان الشطء هو الفروع التي تحمل الأوراق، فإننا إذا انتقلنا إلى النباتات ذوات الفلقتين المعمرة كالتوت، والفيكس، والتين، والجميز، والتفاح، والكمثرى، والبونسيانا، والكاسيا، وغيرها، فإننا نجد أن سيقانها الأصلية تحمل البراعم الطرفية والجانبية والإِبطية، التي يخرج منها الأفرع الورقية والزهرية، والشجرة الواحدة ذات أصل واحد تحمل آلاف البراعم التي تعطي آلآف الأفرع المشابهة للأصل تماماً في التركيب الوراثي والشكل الظاهري.
من دون الأفرع والأغصان لايقوى النبات، ويقل إزهاره، وإثماره وإنتاجه.
وهكذا الرسول صلى الله عليه وسلم هو الأصل, والصحابة ومن تبعهم هم الفروع والأغصان التي حملت رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البيئة المحيطة بالنبات، وإذا قمنا بزراعة كل فرع منها بالتكاثر الخََضَري في مكان جديد، عمل كل واحد منهم عمل الأصل، وهذه شهادة علمية قرآنية معجزة تبين أن الصحابة رضوان الله عليهم تفرعوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يغيروا، ولم يبدلوا، وأن متبعهم إلى يوم الدين دون تغيير أو تبديل هو مثلهم ( أي منهم ) .
أهمية الفروع والغصون:
– هي التي تقوي الأصل .
– هي التي تحمل الأزهار والثمار.
– هي التي تظلل حول النبات.
– هي التي تستخدم في التكاثر الخَضَري.
الصحابة كالأوراق للنبات:
– إذا كان الشطء هو الأوراق كما قال بعض المفسرين, فالأوراق:
– هي سر استمرار حياة النبات.
– وهي التي تصنع الغذاء للنبات.
– وهي التي تقوي النبات.
والورقة النباتية:
– أعظم مثبت للطاقة الشمسية على الأرض.
– تنقي البيئة من ثاني اكسيد الكربون، وتنتج الاكسجين.
– تثبت ثاني اكسيد الكربون باستخدام الطاقة وهيدروجين الماء لإنتاج الغذاء النباتي .
– تحفظ درجة حرارة الأرض صالحة لحياة الكائنات الحية عليها .
– تنقي الجو وتلطفه ولا تلوثه.
– والأوراق هي سبب رئيس للإِزهار والإِثمار والحياة .
وهكذا صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الأوراق والفروع )، والرسول صلى الله عليه وسلم ( الأصل والجذع ) .
لماذا النبات ( كزرع ) ؟! :
– ضرب الله سبحانه وتعالى المثل لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالنبات، لأن النبات هو سر الحياة على الأرض، وإذا غاب النبات غاب الغذاء، وغابت الطاقة، وغاب استغلال الماء الأرضي وغابت الحياة عن الأرض.
– فلا حياة على الأرض دون نبات .
– ولا حياة حقيقية على الأرض دون رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
– النبات يستمد طاقته من أعلاه وهو الذي يربط السماء بالأرض والبيئة المحيطة به .
– والرسول صلى الله عليه وسلم تلقى رسالته من السماء، وربط الأرض بالسماء والمجتمع.
– النبات يثبت الطاقة على الأرض ويحولها من طاقة ضوئية يصعب استغلالها بالكائنات الحية مباشرة إلى طاقة كيميائية يسهل استغلالها بالكائنات الحية، كما يثبت ثاني اكسيد الكربون الجوي .
– والرسول صلى الله عليه وسلم يثبت الوحي ( نور الله ) على الأرض ويجعله في مقدور الانسان .
– النبات في الآية يشهد بأهمية الإسلام، وأهمية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأهمية أصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين للحياة السليمة، وللبيئة الأرضية الصحية والمتزنة.
الرسول صلى الله عليه وسلم والنبات :
– النبات به حياة الإنسان، والمصطفى صلى الله عليه وسلم به حياة الأبدان والنفوس والقلوب والعقول.
– النبات يمد الأرض بمقومات حياة الكائنات الحية، والرسول صلى الله عليه وسلم يمد الأرض بما يحي الانسان عليها ( استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ) الأنفال 94 .
مثل معجز :
هذا مثل علمي قرآني معجز لمن عقله وتدبره، وتعلمه، وحلله تحليلاً علمياً, عقلياً، شرعياً صحيحاً، حيث يعلم عدالة الصحابة رضوان الله عليهم وأهميتهم لنشر الدعوة، وتقويتهم للرسول صلى الله عليه وسلم والإسلام، وهذا ما تؤيده الآيات القرآنية التالية أيضا:
قال تعالى في حق الصحابة :
( والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آوو ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم ) الأنفال 74 .
وقال تعالى في الصحابة والتابعين لهم :
( والسابقون الأولون من المهجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم) التوبة 100 .