باب الريان في شوقٍ لصائمي رمضان
الحمدلله الذي فرض علينا صيام رمضان ، حتى نفوز بالمغفرة والرضوان ،
وندخل جنة الرحمن . يقول تعالى :
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ))
أحبتي في الله
لقد حل علينا ضيف كريم ، يحمل الخير العميم ، ألا هو شهر رمضان العظيم ،
فلنكرم وفادته ، ولنحسن ضيافته ، ولنحفظ حرمته ، ولنؤته حقه من التبجيل والتكريم .
لقد جاءنا شهر فرض الله علينا صيامه ، فلنصمه طاعة لله ، وعبادة لله ،
وابتغاءًا لمرضاة الله .
لقد جاءنا شهر رمضان ، شهر الصيام ، فيه تفتح أبواب الجنة ، وتغلق
أبواب الجحيم ، وتصفد الشياطين ، فتعالوا أحبتي نصومه ، ونحسن الصيام ،
وننتهز هذه الفرصة حتى ندخل الجنة بسلام .
لقد جاءنا شهر مبارك ، أوله رحمة ، وأوسطه مغفرة ، وآخره عتق من النار ،
فلنفعل فيه الخير ، ولنجتنب المعاصي ، حتى ننال مغفرة الواحد الديان .
لقد جاءنا شهر رمضان ، فيه ينادي مناد : يا باغي الخير أقبل ، ويا باغي
الشر أدبر ، فلنتُب إلى الله توبة نصوحا ، ولنُريَ الله من أنفسنا خيرا ،
ولنكن كالتاجر الماهر الذي يحسن انتهاز المواسم ، لنفوز بأعظم الأرباح .
لقد جاءنا شهر رمضان ، شهر نزول القرآن والفرقان ، يقول الله تعالى :
(( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى
وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فلْيَصُمْهُ )) ( البقرة 185)
والقرآن نعمة عظيمة ومنة جليلة ، وشرف للمسلمين: فيه الحقيقة المطلقة ،
والهداية التامة ، والشريعة العادلة ، والعصمة الكاملة ، والمعجزة
الخالدة ، والقدوة الحسنة ، وفيه سبيل النجاة من النار والفوز بالجنة
والله عز وجل شرع لنا الصيام في رمضان حتى نؤدي واجب الشكر على
نعمة القرآن وسائر النعم التي أنعم بها الحنان المنان ، فلنصم حتى نكون
من الشاكرين الحامدين ونفوز بالمزيد من نعم الله ذي الفضل العظيم
(( يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَيُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْاللّهَ
عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ))(البقرة: 185)
فلنقرأ القرآن ونجمع كما جمع الله تعالى بين رمضان والفرقان ،
ونصوم لله محتسبين لنفوز بشفاعة القرآن والصيام يوم الدين ،
كما بشرنا حبيبنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم في قوله الكريم :
" الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ الصِّيَامُ أَيْ رَبِّ
مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَار فَشَفِّعْنِي فِيهِ وَيَقُولُ الْقُرْآنُ مَنَعْتُهُ
النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ قَالَ فَيُشَفَّعَانِ "
رواه الإمام أحمد والطبراني ، عن ابن عمرو
تحقيق الشيخ الألباني / حديث رقم : 1445
أحبتي في الله:
ها قد جاءنا شهر الرحمة والغفران ، وموسم العفو والرضوان ،
فلنحافظ على صيامنا لنفوز بمغفرة العزيز المنان . يقول رسولنا
محمد صلى الله عليه وسلم :
" مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ "
صحيح البخاري / كتاب الصيام / باب صوم رمضان احتسابا من الايمان
ولنصم رمضان حتى يدخلنا الله الجنة من باب الريان الذي خصص تكريمًا
للصائمين، قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ
الرَّيَّانُ يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ يُقَالُ أَيْنَ
الصَّائِمُونَ فَيَقُومُونَ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ "
البخاري / كتاب الصوم / باب الريان للصائمين.
ولنصم أحبتي .. حتى نفوز بالأجر العظيم ، الذي يتضاعف أكثر من سبعمائة ضعف
بفضل الله الكريم ، فلنصم لننال فرحة الدنيا عند تمام صومنا ، ونفوز
بفرحة الآخرة عند لقاء ربنا . يقول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم :
" كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة
ضِعْفٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ يَدَعُ
شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ
وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ وَلَخُلُوفُ فِيهِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ "
صحيح مسلم بشرح النووي _ كتاب الصوم
أحبتي في الله:
ها قد جاءنا شهر البر والإحسان ، شهر الجود والكرم ، شهر التراحم
والتكافل ، فهيا بنا نفرج عن المكروبين ، ونيسر على المعسرين ،
ونطعم الجائعين ، ونوسع على اليتامى والأرامل والمساكين ،
وندخل الفرحة على قلوب البائسين .
ولنتأسى برسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم الذي كان :
" أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ وَأَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لِأَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ
يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ كَانَ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ."
صحيح البخاري – الصفحة أو الرقم: 1902
أحبتي في الله :
هيا نفطر الصائمين حتى ننال الأجر العظيم . يقول نبينا محمد عليه الصلاة والسلام :
" مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا "
تحقيق الألباني – سنن الترمذي – الصفحة أو الرقم: 807
– كِتَاب الصَّوْمِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وكان رسولنا عليه الصلاة والسلام يدعو لمن يدعوه إلى طعام فيقول :
" … أَفْطَرَ عِنْدَكُمْ الصَّائِمُونَ وَأَكَلَ طَعَامَكُمْ الْأَبْرَارُ وَصَلَّتْ عَلَيْكُمْ الْمَلَائِكَةُ"
سنن ابن ماجه – كتاب الصيام -الصفحة أو الرقم: 1445
تحقيق الشيخ الألباني.
يقول تعالى : (( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ
إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ )) . (186)
فلنكثر من الدعاء في هذا الشهر الفضيل ، فهو شهر استجابة ورحمة ،
موسم قرب ورضوان من الله تعالى ، وحري بمن يقترب من الكريم أن
لا يضيع فرصة السؤال والطلب .
أحبتي …
ها قد جاءنا شهرالقيام ، شهر صلاة التراويح ، فلنحرص على تلك
الصلاة ، لينور الله وجوهنا ،ويطهر قلوبنا ، ويغفر ذنوبنا ، ويسبغ
علينا نعمه ظاهرة وباطنة ، وافرة وغامرة . يقول الله تعالى : (( إِنَّمَا
يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ
وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُون * َتَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ
خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن
قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )) (السجدة 15-17)
ولنحرص على قيام الليل في رمضان ، ولنحافظ على صلاة الفجر
حتى نكون من المتقين الذين قال فيهم رب العزة جل وعلا :
(( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ
كَانُوا قَبْلَ ذَٰلِكَ مُحْسِنِينَ (16)كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ
(17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) . )) . (الذاريات )
ولنقم ليالي رمضان حتى نفوز بمغفرة الرحمن التي بشرنا بها
خير الأنام محمد عليه أفضل الصلاة والسلام بقوله :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
" مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ "
رواه البخاري 37 ومسلم 759 .
القرآن ، وضاعف فيها أجر العبادة ، فلنلتمسها في الوتر من العشر
الأواخر من رمضان . يقول الحق جل شأنه :
(( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ
مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ* تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ*
سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ* )) (القدر 1-5).
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
صحيح البخاري / كتاب : الإيمان / باب : قيام ليلة القدر من الإيمان / حديث رقم : 34
إن الله قد شرع لنا الصيام حتى تمتلئ قلوبنا بتقوى الله ، ونشعر
بمراقبة الله تعالى ، فنصلح نفوسنا ، ونهذب أخلاقنا ، ونعود إلى جادة
الحق والصواب ، ونتوب من سائرالمعاصي والذنوب . قال الله
تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْكُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ
مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )) . ( البقرة- 183)
والصوم الذي يريده الله تعالى هو الذي نكف فيه عن المفطرات
وعن المحرمات ، الصوم الذي يكف فيه اللسان عن الكذب والبهتان
، والغيبة والنميمة ، وتصوم فيه الأذن عن سماع الحرام ، وتمسك
فيه العين عن رؤية الحرام ، ويمتنع فيه القلب عن الحقد والحسد ،
يقول عليه أفضل الصلاة والسلام :
" مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْجَهْلَ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَا حَاجَةَ لِلَّهِ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ"
سنن ابن ماجه بشرح السندي / كتاب الصيام
تحقيق الشيخ الألباني / حديث رقم : 1379
اللهم أعنا جميعا على الصيام والقيام ، وسائر الطاعات ،
اللهم اجعل رمضان شفيعًا لنا بين يديك ، وشاهدًا لنا يوم العرض عليك ،
ومغفرة ورحمة لنا نحن الضارعين بين يديك ، وعتقًا لنا من الجحيم ،
وسبيلًا لنا إلى جنات النعيم ، برحمتكِ يا أرحم الراحمين .
بقلم : محمد السعدي … بتصرف