ذلك الحادث العظيم في تاريخ الجماعة المسلمة , والذي كانت له آثار ضخمة في حياتها..
(وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه). .
فقد كان العرب يعظمون البيت الحرام في جاهليتهم , ويعدونه عنوان مجدهم القومي . .ولما كان الإسلام يريد استخلاص القلوب لله , وتجريدها من التعلق بغيره , وتخليصها من كل نعرة وكل عصبية لغير المنهج الإسلامي المرتبط بالله مباشرة , المجرد من كل ملابسة تاريخية أو عنصرية أو أرضية على العموم . . فقد نزعهم نزعا من الاتجاه إلى البيت الحرام , واختار لهم الاتجاه – فترة – إلى المسجد الأقصى , ليخلص نفوسهم من رواسب الجاهلية , ومن كل ما كانت تتعلق به في الجاهلية , وليظهر من يتبع الرسول اتباعا مجردا من كل إيحاء آخر , اتباع الطاعة الواثقة الراضية المستسلمة , ممن ينقلب على عقبيه اعتزازا بنعرة جاهلية تتعلق بالجنس والقوم والأرض والتاريخ ; أو تتلبس بها في خفايا المشاعر وحنايا الضمير أي تلبس من قريب أو من بعيد . .
فنزل القرآن يستجيب لما يعتمل في صدر الرسول [ صلى الله عليه وسلم ]: (قد نرى تقلب وجهك في السماء , فلنولينك قبلة ترضاها , فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره). .
وصدر الأمر الإلهي الكريم بالاتجاه إلى المسجد الحرام . ولكنه ربط قلوب المسلمين بحقيقة أخرى بشأنه . هي حقيقة الإسلام . حقيقة أن هذا البيت بناه إبراهيم وإسماعيل ليكون خالصا لله , وليكون تراثا للأمة المسلمة التي نشأت تلبية لدعوة إبراهيم ربه أن يبعث في بنيه رسولا منهم بالإسلام , الذي كان عليه هو وبنوه وحفدته . .
ولقد عهد الله إلى إبراهيم وإسماعيل بإقامة قواعد البيت الحرام . . فهو تراث لهما , يرثه من يرثون عهد الله إليهما . . والأمة المسلمة هي الوارثة لعهد الله مع إبراهيم وإسماعيل ولفضل الله عليهما ; فطبيعي إذن ومنطقي أن ترث بيت الله في مكة , وأن تتخذ منه قبلة .
وعلى هذا الأساس الفطري أقام الإسلام شعائره التعبدية كلها . فهي لا تُؤدى بمجرد النية , ولا بمجرد التوجه الروحي . ولكن هذا التوجه يتخذ له شكلا ظاهرا:قياما واتجاها إلى القبلة وتكبيرا وقراءة وركوعا وسجودا في الصلاة . وإحراما من مكان معين ولباسا معينا وحركة وسعيا ودعاء وتلبية ونحرا وحلقا في الحج . ونية وامتناعا عن الطعام والشراب والمباشرة في الصوم ..وهكذا في كل عبادة حركة , وفي كل حركة عبادة .
ومن هنا كذلك كان النهي عن التشبه بمن دون المسلمين في خصائصهم , التي هي تعبير ظاهر عن مشاعر باطنة كالنهي عن طريقتهم في الشعور والسلوك سواء .
وقال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وقد خرج على جماعة فقاموا له:" لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظم بعضها بعضا " .
وقال – صلوات الله وسلامه عليه -:" لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا:عبد الله ورسوله " .
والمسلمون هم الأعلون . وهم الأمة الوسط . وهم خير أمة أخرجت للناس . فمن أين إذن يستمدون تصورهم ومنهجهم ? ومن أين إذن يستمدون تقاليدهم ونظمهم ? إلا يستمدوها من الله فهم سيستمدونها من الأدنى الذي جاءوا ليرفعوه !
كلام سليم.. يحكي الواقع بأسلوب متميز..
بارك الله فيكِ..
كم يحتاج المسلمون لقراءة ما يوقظهم من سبات تقليدهم ويذكرهم بأنهم أمة متميزة عن بقية الأمم بكل ما جاء فيها..
رحم الله الشيخ الشهيد – بإذن الله – سيد قطب..
تأدبا مع الله
والمسلمون هم الأعلون . وهم الأمة الوسط
كل منها تحتاج إلى توسع و استفاضة..
بالعودة إلى الموضوع
لا أزيد سوى : ( أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا) ..
بارك الله فيك أختي الحبيبة.. نقلتِ لنا أروع المعاني من مصدر طيب.. رحم الله الشهيد رحمة واسعة..
على النقل المبارك
ورحم الله شيخنا الفاضل وجعل ماكتب في موازين حسناته
فعلا هي معاني رائعة..
سبحان الله أشعر بنشوة غامرة عندما أقرأ في هذا الكتاب الرائع..لأنه يتعدى أن يكون مجرد تفسير وإنما هو شرح لمنهج حياة متكامل..
تعقيب:
كل منها تحتاج إلى توسع و استفاضة..
صدقتِ..وبإذن الله سيكون موضوعي القادم بهذا الخصوص..
نعم هي معاني سامية
فلله الحمد والمنة على هذه النعمة العظيمة(( نعمة الاسلام))
وفيكِ بارك الله أختي الكريمة..