لقد أورثها حزن الطبيعة حزناعميقا أفقدها الرغبة في ممارسة أي فعل فغادرت بذلك النافذة متحاملة على نفسها .وما إن إحتلت مكانها من السرير حتى إنقطع التيار الكهربائي فخيم الصمت وإشتد الضلام لولا بريق الرعد الذي كان ينير الغرفة بين الحين والحين,ولكنها إنارة بعثت في قلبها شعورا بالخوف فأستحضرت جملة من الآيات القرآنية شعرت من خلالها بقليل من الإرتياح.
إغتنمت الفرصة ومدت يدها إلى شمعة بجانبها كانت قد أحضرتها منذ بداية تهاطل الأمطار,أشعلتها فأصبح المكان أكثر وحشة.
إنتبهت إلى وضعها فأبتسمت ,وحيدة منذ جاءت إلى هذا المكان,وحيدة ربما ستظل كذلك حتى الرحيل.
أرادت أن تخلد للنوم ولكنها عبثا حاولت.طردته من مخيلتها مرات ومرات ولكنها أبدا لن تفلح.تنحت عن سريرها وجلست إلى أقرب كرسي واضعة رأسها بين يداها تحدث نفسها به كأنه جالس بجانبها يراها ويسمعها ولكنه لا ينبس ببنت شفة.
هل يحبها هل يكرهها أم هو غاضب من صمت الرحيل؟
هل تحبه هل تكرهه أم هي غاضبة من غضبه وربما لغضبه؟
إن تحبه لما لم تعبر عن حبها وإن كرهته كيف تسوغ له كرهها.؟
كرهته لأنه الوحيد الذي شوه جملة من المبادئ التي طالما آمنت بها وعن قناعة ,لقد فضحتها دموعها التي أصبحت على إستعداد لتغسل لها وجهها في اليوم عشرات المرات وهي التي لم تفكر يوما في التوجع أمام أحد.
كرهته لأنه الوحيد الذي أثبت بالحجة و البرهان خطا عبارتها التي كادت أن تقنع بها الجميع وهي أن" الحب قرار".
كرهته يوم كانت إلى جانبه أسعد كائنا على وجه الأرض ولم يحترم مشاعرها فأطلق رصاصته دون مبالاة.
كرهته فكرهت نفسها لأنها صدقته.ولكن عن أي كراهية تتحدث مادام طيفه لايزال يتبعها و يتعبها ومادام النوم قد هجرها.لو كانت تكرهه لقتلته على حد عبارة مونيرلان الذي يقول "إن كنت عاجزا عن قتل من تدعي كراهيته فلا تقل أنك تكرهه,أنت تعهر هذه الكلمة".
أرادت طرده من ذاكرتها فغادرت مكانها إلى سريرها معلنة موعد النوم ولكن هيهات أن يعرف النوم طريقا إلى قلب عشش فيه الحزن.
إستدعت صورته من جديد وظل خيالها يتأمله بكل دقة,هاهو غاضب يده اليمنى تحتضن اليد اليسرى بكل عصبية محاولا السيطرة عليهما كي لا يرتكبان حماقة قد تعلن النهاية.
هاهو يبتسم ورغم ذلك تظل تتأمله لأنه لطالما أورثتها ضحكته الشك في كونه يسخر.هاهو يتثائب فيورثها قلقا و خجلا وغيرة وشفقة وحقدا وعذابا ,هاهويتفانى في سرد مشاكله فتكون كما كانت دائما منصتة ,هاهو يثير عدة مواضيع عادة ما يخرجان منها بمشاكل عديدة.
إستعرضت جملة الخلافات التي كانت تشوب علاقتهما :"أنت حرة" عبارة كان عادة ما يختم بها كلامه كلما تمسكت بموقفها وإعتلت صهوة العناد.وتبدأ ثرثرتها الفلسفية فتخبره محتجة بأنها تملك من الحرية ما يكفي فلا داعي لأضافة هذه الحرية التي منحها إياها منذ قليل .
لم تكن بينهما مشاكل بسيطة يسهل حلها ,لأن الأمور لطالما تعقدت بينهما. تذكرت أكبر شجار دار بينهما والذي قرر في آخره الخروج من حياتها مقترحا أن تعتبره أخا. لم تذرف دموعا في تلك اللحظة بل ظلت تنظر إليه وهو يتحدث موجوعا وكأنها من فرضت الفراق أومن قررت الرحيل . تذكرت صراخها مطالبة بحقها في معرفة السبب ولأنه يعرف ذلك واجهها بما سمع من صديقاتها عن كونها مادية فكيف لها أن ترضى بمن لا يزال في بداية الطريق ؟
أعلنت النهاية وأنتهى كل شئ.
بعد يومان عادت الأمور إلى نصابها بل أكثر هدوءا. وعاد التيار الكهربائي ولكنها لم تع ذلك لأنها خاضت في مسألة أكثر أهمية لما حاول التخلي عنها؟؟؟ السبب ليس في الحقيقة التي إدعى معرفتها بل السبب الحقيقي في من خالتهن صديقاتها . فعن أي حرية كانت دائما تتحدث وهي التي تعلم قولة lyton الشهيرة " ليس ثمة شعور بالحرية يشابه في نشوته متعة الهرب من أنصاف الأصدقاء"
نعم الحرية هي الهروب من أنصاف الأصدقاء. ولكنها مع ذلك لم تكرههن كما لم تكرهه لأنها آمنت بما ورد يوما على صفحات إحدى الصحف الأسبوعية بأن "الصداقة كالحب متاهات و صدق وإحباط وفناء وعناء و طلب ورغبة وطعن وشقاء وسهد وسهر وتيه وإعفاء ووجود وغياب وهناء وعذاب "
إنتبهت إلى سيل الدموع التي كانت تنهمر من عيناها فإزدادت بذلك حرقة وتألما. وآمنت في تلك اللحظة بأنها لن تنعم بطعم النوم ما تبقى من الليل.