في مجتمع اختلط فيه الحابل بالنابل!
وذابت كثير من القيم والمبادئ!
ووجهت العقول بتوجيهات ربما لا تؤمن بمسلماتنا العقدية، وربما تؤمن بها ولكن تراها لا تناسب هذا العصر، أو لا يمكن العمل بها في عصر الإنترنت والفضائيات. ويرى بعضهم أنه آن للناشئ أن ينطلق ويكون بصيراً على نفسه ويختار الوجهة التي يريدها دون أن يكون ثَم اعتبار لتنشئته أو إعداده إعداداً يجعله قادرا على مواجهة سلبيات امتزاج الحضارات بخلفياتها العقدية والاجتماعية.
ويرى البعض الآخر أن الحل في عزل الناشئ – إلى حد كبير – عن المجتمعات المنفتحة؛ خشية تأثره بسلبياتها أو ذوبانه في أفكارها.
ولعل الأول يخسر كثيرا إذ يصبح بلا هوية ولا شخصية، بل هو مسخ غير سوي.
أما الآخر فمهما ترك الناس فلن يتركوه، ومهما حاول الابتعاد بنشئه فلا بد أن يكون لتلك القنوات تأثير عليه بطريق غير مباشر.
فلابد أن يكون لنا وقفة جادة لدراسة حال الشباب غير المحصن وغير المهيأ تهيئة تجعله قادرا على مواجهة ركام الحضارات المختلفة والمخالفة لمبادئه ومعتقده.
إن سن التكليف هو المرحلة التي يمكن أن يُحاسب عليها الفرد ويُؤاخذ على تقصيره أو خطئه. وهذه المرحلة التي حددها المنهج الإسلامي بالبلوغ حددها علماء النفس غير المسلمين أيضا، كما أكد ذلك (بياجيه) و (كولبرج) في نظريتهما، فالفرد في هذه المرحلة ينطلق من ذاته وقناعته، ويفعل ما يراه صحيحا دون التعويل على القيود النظامية، ودون التقيد بآراء الآخرين، فهو يسلك وفقا لمعاييره الذاتية ويشعر بتأنيب الضمير واحتقار الذات عند مخالفتها[1].
وإذا دققت النظر أيقنت أن الناشئة يتفاوتون في الرقابة الذاتية وفي احترامهم للمبادئ والأخلاق، بل وفي تطبيقهم وقناعاتهم بالعقائد والعبادات.
فما هو السر في اختلافهم هذا؟
إن تعرضهم لأسباب وجود الرقابة الذاتية وتقويتها منذ الصغر هو المسؤول عن قوة دفاعهم عن مبادئهم وأخلاقياتهم، فضلا عن تمسكهم بها وانقيادهم لها بقناعة.
وقد أجملت عدة أسباب لتنمية الرقابة الذاتية مستقية هذه الأسباب من الهدى النبوي؛ لأن رسولنا ـ صلى الله عليه وسلم – هو المربي الأول.
أولاً: ربط الناشئ بالله:
ليكن أول شيء تعلمينه للناشئ تعريفه بخالقه وربه بأسهل عبارة وأيسر صورة، فإن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين سأل الجارية "أين الله؟" وأشارت إلى السماء قال: "أعتقها فإنها مؤمنة".
فأول شيء ينبغي أن يربى عليه الناشئ: معرفة الله بآياته ومخلوقاته ورزقه ومعافاته، وذلك عن طريق الحوار المبسط: (مثال: من أعطاك هذا؟).
فارتباط الناشئ وهو في سن الوعي والتميز بروابط اعتقادية.. وروحية.. وفكرية.. إلى أن يتدرج يافعاً.. إلى أن يترعرع شاباً.. إلى أن يصبح رجلا.ً. إلى أن ينحدر كهلاً.. فإنه بلا شك سيصبح عنده مناعة الإيمان وبرد اليقين وحصانة التقوى، مما يجعله يستعلي على الجاهلية بكل تصوراتها واعتقاداتها.
لأنك إذا عمقت في ولدك حقيقة الإيمان ورسخت في قلبه العقيدة الإلهية.. فإنه ينشأ على المراقبة لله والخشية منه والتسليم لذلك.
وسيكون عنده من حساسية الإيمان وإرهاف الضمير ما يكفه عن المفاسد الاجتماعية والوساوس النفسية والمساوئ الخلقية ويكتمل عقلياً وسلوكياً.
ثانياً: ربط الولد بالقرآن:
مع ما يردده البعض من أن القرآن يسهل على الصغير فهمه، وأن تحفيظه ما هو إلا نوع من الببغاوية..
إلا أن هذا الرأي يشهد لضعفه الواقع ويخالف الحقيقة الشرعية؛ إذ يقول تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [القمر:17].
وليس أسهل من القرآن في الحفظ ولا أبلغ في النفوس ولا أوقع أثرا. ولذا فإن أسلافنا الصالحين ينصحون به و يشيرون إلى تعليم أولادهم القرآن الكريم وتحفيظهم إياه حتى تتقوم به ألسنتهم وتسمو أرواحهم وتخشع به قلوبهم ويترسخ الإيمان في نفوسهم.
وقد لاحظت أثر القرآن في نفوس الناشئات عليه حتى ظهر ذلك في سلوكهم مع الوالدين والمعلمات والصديقات، بل وجدتهن أكثر استقراراً نفسياً وأحسن إيجابية من غيرهن، كما يحسن ربط الناشئ في أول تمييزه بالمسجد إذا كان ذكرا؛ ليتعلم حسن السمت ويجد الصحبة الصالحة والقدوة الحسنة.
ثالثاً: تعميق الإيمان بصفات الله تعالى:
يزداد جانب المراقبة لله سبحانه وتعالى باستشعار أن الله سبحانه وتعالى يسمعنا ويرانا ويعلم سرنا ونجوانا ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
وبإشعار الناشئ أن الله لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، وأنه محيط بالأشياء كلها؛ لأنها تحت قدرته، لا يمكن لشيء منها الخروج عن إرادته.
ويمكن باستخدام الأدلة البديهية الفطرية للإقناع، مثل الاستدلال على وجود شيء غير مرئي بوجود دلائل مرئية أو حسية عليه، ومثل أن إعادة الشيء أسهل من إيجاده لأول مرة، ودلالة الصنعة على الصانع والأثر على المؤثر[2].
ويمكن استخدام الحقائق والمكتشفات العلمية الحديثة للإقناع وإيجاد الكتب التي تكشف عن حقائق علمية أوحيت إلى رسولنا – صلى الله عليه وسلم – قبل أربعة عشر قرناً ما كان للإنسان أن يكتشفها وما كان للعلم أن يكشفها قبل هذه العصور، مثل كتاب (العلم يدعو للإيمان) الذي ألفه (كريس موريسون) رئيس أكاديمية العلوم، كذلك كتب وأشرطة الإعجاز العلمي للشيخ (عبد المجيد الزنداني).
إذن المبدأ التربوي الذي نستخلصه: إذا أردنا أن نربي الإيمان القوي يجب أن تكون التربية أولاً بالعلم والتبصير بالأدلة العلمية، لا مجرد التلقينات فحسب..
ولله في كل تحريكة
وتسكينة أبدا شاهد
وفي كل شئ له آية
تدل على أنه واحد
ولو لم يكن شاهد على خلق الله ووجوده إلا هذا الإنسان بعجائب تركيبته {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:21].
رابعاً: تكوين عاطفة إيمانية قوية دافعة إلى السلوك:
من أهم هذه العواطف في هذا الميدان: عاطفة الحب وعاطفة الخوف إذ إنهما من أكبر الدوافع و الحوافز التي يمكن استخدامها في عمل الخيرات وتنفيذ المأمورات وترك الشرور والمنهيات، يقول الدكتور (الكسيس كارل) عن أثر هاتين العاطفتين في السلوك: [وليس سوى عاطفتين قادرتين على البناء، هما عاطفة الحب وعاطفة الخوف، فالحب وحده هو الذي يملك القدرة على نسف الأسوار التي تتحصن أثرتنا من خلفها، وفي وسعه أن يلهب فينا الحماس ويجعلنا نسير مبتهجين في طريق التضحية الأليم؛ لأن التضحية أمر لابد منه للسمو بالحياة، فحب الصغير لأمه هو الذي يدفعه إلى حب الاستقامة تبعاً لأمرها، والمؤمن بدينه يخضع لأشق النظم الخلقية من أجل حبه لربه)[3].
ولكن كيف نستطيع تكوين عاطفة الحب عند الأطفال؟
هناك وسائل، منها:
1. بيان حاجة الطفل الدائمة إلى الله، على أساس أن الأمور والأرزاق بيده تعالى، ويوضع نصب عينيه قول الله تعالى في الحديث القدسي: "يا عبادي كلكم ضالٌّ إلا من هديته فاستهدوني أهدكم.." الحديث[4].
وهذا يؤصِّل الالتجاء إلى الله وقت الشدة خاصة.
ولهذا فهو يخاف سطوته ويخاف عقابه وسخطه؛ بحيث يدعوه في وقت حاجته فلا يستجيب له، وهكذا يجمع في قلبه حب الله ورجاءه وخوفه {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا..} [الأنبياء:90].
2. من أعظم أساليب التربية وأعمقها في النفوس: الجمع بين الترغيب والترهيب {نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَ أَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ} [الحجر:49-50].
ولذلك لَمّا شب بين الناشئة، بل والرجال، على الجمع بين هذين الأمرين؛ تكونت لديهم رقابة ذاتية لأنفسهم، ومهما خلو بأنفسهم فإنهم لا يرونها خالية، حدَّث أنس بن مالك قال: سمعت عمر بن الخطاب وقد دخل حائطاً، فسمعته يقول ـ وبيني وبينه جدار ـ: عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، بخ.. بخ.. والله لتتقين الله يا ابن الخطاب أو ليعذبنك.
خامساً: غرس حب النبي – صلى الله عليه وسلم – في نفس الناشئ:
ففي شمائل الرسول – صلى الله عليه وسلم – وجوانب سيرته صور دقيقة تدل على مزيد حرص الرسول على التحبب للناس، ومنها أنه "كان يمر بالصبيان فيسلم عليهم، ويلاطفهم ويمازحهم وكذلك كان مع أصحابه كان إذا لقيه أحد من أصحابه فقام قام معه فلم ينصرف حتى يكون الرجل هو الذي ينصرف عنه وإذا لقيه أحد من أصحابه فتناول يده ناوله إياها فلم ينزع يده منها حتى يكون الرجل هو الذي ينزع يده". وعُلم من تحببه إلى ضعاف الناس أنه كانت تستوقفه الجارية في الطريق وتحدثه فما ينصرف حتى تكون هي التي تنصرف.
"وكان لا يقول لشيء لا، فإذا سُئل فأراد أن يفعل قال: نعم، وإن لم يرد أن يفعل سكت".
كما كان يخدم نفسه، ولهذا كان الرجل يأتي النبي – صلى الله عليه وسلم – وهو لا يطيقه فما ينصرف حتى يكون رسول الله أحب إليه من كل أحد، فهذا عمرو بن العاص يحدِّث عن نفسه "..لقد رأيتني وما أحد أشد بغضاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم مني" فلما رآه وتعامل معه وعرف حسن خلقه قال: "وما كان أحد أحب إلىَّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أجل في عيني منه، وما كنت أُطيق أن أملأ عيني منه إجلالاً له، ولو سُئلت أن أصفه ما أطقت، لأني لم أكن أملأ عيني منه".
فإذا قرأ الناشئ سيرته وعلم حرصه – صلى الله عليه وسلم – على هداية الناس وعلم شفاعته لهم، وعلم أن صلاحه وفلاحه و نجاحه مربوط باتِّباعه؛ استحيا أن يخالفه، وتكوّن لديه شعور بتأنيب الضمير عند معصيته.
قال صلى الله عليه وسلم: "من يدخل الجنة ينعم ولا يبأس، لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه، في الجنّة مالا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر" (رواه مسلم).
وعن أنس رضي الله عنه مرفوعاً: "… ولو طلعت امرأة من نساء أهل الجنة إلى الأرض لملأت ما بينهما ريحاً ولأضاءت ما بينهما، ولنصيفها (يعني خمارها) على رأسها خير من الدنيا وما فيها" (رواه البخاري ومسلم).
فما العيش إلا ذاك لا عيش عزة
وسعدى وليلى ولا أم سلمى
وذلك فضل الله يؤتيه من يشا
ويرجى لعبد قارع الباب لزما
إن التوازن بين هذين الجانبين كفيلٌ بأن يجعل الناشئ دائم الرقابة لنفسه. فكيف يوصل إلى تقوية هذا الجانب؟
لابد للمربي من غرس المبادئ الفاضلة مع ربطها بالثواب بالجنة مع وصفها له وتقريبها إلى ذهنه؛ عن طريق قراءة وحفظ الآيات ونعيمها، وقراءة الأحاديث الصحيحة التي تصف الجنة، فأنت ترين أن الشباب إذا سافر بعضهم إلى بلاد ما، وذكروا لزملائهم ما رأوا من أنوع المتعة طار قلب المُحدَّث حتى تصبح رؤية هذه البلاد هاجساً يُذلل له كل السبل والإمكانات مع الفرق بين الاثنين.
وكذلك إذا وصف زميل لزميله ما لقيه من عنت ومشقة وضرب في الحبس عند مخالفته أو تعديه على حقوق الآخرين؛ فإن هذا المحدَّث يجد في نفسه خوفاً من رجل الشرطة مثلاً، فإذا همّ بمخالفة تذكر ما قد يلقاه وما حدّثه به صاحبه. وفرقٌ بين المُحدِّثين وبين المحَدَّث عنهما أيضاً، فأين باق من زائل؟ وأين شديد من هين؟ وأين ما يعقبه راحة مما يعقبه عذاب ونصب؟!
ومما ورد في الجنة: قال تعالى: {جنَّاتُ عدنٍ مُفتّحة لهمُ الأبوَاب..} وقال صلى الله عليه وسلم: "ما منكم من يتوضأ ثم يقول أشهد ألاّ إله إلاّ الله وأن محمدا رسول الله إلاّ فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيهما يشاء" (رواه مسلم).
ومعنى الحديث: ما منكم من أحد يتوضأ فيُبلغ أو يُسبغ الوضوء ثم يقول: أشهد ألاّ إله إلاّ الله وأن محمد عبد الله ورسوله، إلاّ فُتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيّها يشاء.
وساحة الفضل متسعة الأرجاء في ظل هذه الحقيقة، فأنى تلفّت المؤمن وجد موائد العطاء منصوبة، وما عليه إلاّ أن يُقبل بقلبه وعقله وجوارحه، ويأخذ نفسه بذلك الهدي. وما أكثر وأوفر مشاهد الفضل الكبير يوم القيامة لأولئك السعداء الموفقين.
ومن الحقائق التي لا يتمارى بها مؤمن: أن يظل المرء على ذكر من يوم المعاد وما يكون فيه، وأن يكون لديه مع رجاء النجاة والفوز بجنة الخلد، والخوف من أن يُلقى يوم الحشر في العذاب المهين.
وقد وجّه النبي صلى الله عليه وسلم أمته وسلك بهم سبيل النجاة، فطوبى لمن استنارت منهم البصائر فاهتدوا بهديه صلى الله عليه وسلم.
فقد كان صلى الله عليه وسلم يعلمهم الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن.
"اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات"، وكيف لا يتعوذ المؤمن من عذاب النار وهي على ما هي عليه كما جاءت نصوص الكتاب والسنة في شأنها وفي أحوال أهلها وما ينزل بهم من الأهوال و الشدائد؟!
قال تعالى في وصف عباد الرحمن: {رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ…} [الفرقــان:65]. وقال سبحانه: {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ..} [الصافات:62].
وفي الحديث: أن رسول الله تلا هذه الآية: {لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلا مِن ضَرِيعٍ * لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِن جُوعٍ} ـ [الغاشية:6] ـ وقال: "اتقوا الله حق تُقاته، لو أن قطرة من الزقوم قطرت في بحار الدنيا لأفسدت على أهل الأرض معاشهم، فكيف بمن يكون طعامه" (رواه أحمد والترمذي وابن حبان وابن ماجه).
ومن ذلك ما روى البخاري عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "يُجاء بالرجل يوم القيامة فيُلقى في النار، فتندلق أقتابه في النار فيدور كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع عليه أهل النار فيقولون: أي فلان، ما شأنك؟ أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه" (رواه البخاري ومسلم وابن حبان والبيهقي).
إنه مشهدٌ مخيفٌ حقاً، وهو مشهدٌ جديرٌ ـ وأيم والله ـ أن يتدبره العالم.
وفي متابعة الرحلة مع الكلمة الهادية البانية، في حديث المصطفى، التي تقف بالمسلم على صور من مشاهد يوم الفصل، قال صلى الله عليه وسلم:- "تدنو الشمس يوم القيامة على قدر ميل، ويزاد في حرها كذا و كذا.. تغلي منها الهوام كما تغلي منها القدور، يعرقون فيها على قدر خطاياهم، منهم من يبلغ إلى كعبيه، ومنهم من يبلغ إلى ساقيه، ومنهم من يبلغ إلى وسطه، ومنهم من يلجمه العرق لجماً" (رواه أحمد في مسنده).
اللهم اجعلنا من أهل اليقين، واسلك بنا سبيل النجاة يوم الدين، بفضلك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
إن التفاعل مع دلالات النصوص المشرقة، بما يحصل يوم القيامة، والإحاطة بتلك المشاهد العظام يجعل النفس تديم الاجتهاد في تزكية النفس وجلاء القلوب. وما أحوج المسلمين اليوم إلى هذا المنهج القويم يترسمون خطاه، ويعملون به جادّين على صعيد الفرد والأسرة والجماعة، والعاملين بذلك لهم بشارة الفوز المبين؛ مصداقاً للحقيقة القرآنية التي لا بُعد عنها: {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} [الحشر:20].
سابعاً: تعزيز شعور الحب، والبعد عن القسوة، وإشباع العاطفة لدى الناشئ؛ فيستحي أن يُرى منه سوء:
روى البخاري ومسلم عن عائشة: قالت جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أتقبلون الصبيان؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة".
وروى مسلم عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: "ما ضرب رسول الله لنفسه قط بيده، ولا امرأة ولا خادماً، إلاّ أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه، إلاّ أن يُنتهك شيء من محارم الله فينتقم لله".
وعنها رضي الله عنها قالت: "لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشاً ولا متفحشاً ولا صخاباً في الأسواق، ولا يجزي السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح" (رواه الترمذي).
ومعلوم أن الإنسان لا يحب لأخيه ما يحب لنفسه حتى يكون عنده شعورٌ نحو أخيه بالمحبة.
ثامناً: إشعال فتيلة التفكير الذاتي الإبداعي:
بالاعتماد على النفس: إنها صفة تزرع في أعماق الذات الثقة بما يصدر عنها، والحب لما تسعى إليه، والصبر على عوائق الطريق، واستشراف المستقبل، والسعي إلى امتلاك مقود الحياة.
إن الاعتماد على النفس أصل كل نجاح فاعل حقيقي، وإذا اتصف به أفراد الأمة فانتظر وثبتها إلى جبال المعرفة والسبق.. والتجربة اليابانية شاهد قرن يُفصل الإجمال.
يقول الشاعر:
وإنما رجل الدنيا وواحدها
من لا يعول في الدنيا على رجل
وذلك لأن الرجل الخدوم المكفول يعيش قرير العين، كسل الأعضاء, لا يستطيع أن يكون ذا قيمة في صنع الحياة؛ لما في نفسه من الدعة.
لذا ينبغي تجنب الحماية الزائدة للأولاد (الذكور) مما يجعلهم لا يتفاعلون مع المحيطين بهم من أقارب أو أصدقاء.. فيحرمون من النصح الذي يتولد نتيجة التجارب المحيطة. فلا تفريط ولا إفراط، و كما قيل: "التجربة خير أستاذ، لكن تكاليفها باهظة".
تاسعاً: استخدام وسائل التربية الوجدانية:
1- ممارسة أنواع التدريب الإداري الخاصة بالامتناع، ومن أنواع الامتناع: الصوم عن الأكل والشرب من طلوع الفجر حتى غروب الشمس، والتقليل من الأكل والعادات الضارة والإفراط في الملذات. ومن هذا النوع الالتزام ببعض المبادئ الأخلاقية، مثل محاولة التغلب على السلوك الفطري، كالتغلب على الغضب وكظم الغيظ ودفع الإساءة بالإحسان.
2- ممارسة أنواع التدريب الإداري الخاصة بالأعمال الإيجابية.. {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92].
3- ممارسة أنواع التدريب الإداري الخاصة بالتحمل، والصبر ثلاثة أنواع: الصبر على الطاعة، والصبر عن المعصية، والصبر على المصيبة..{اصبِرُوا وصابروا ورابِطُوا..} [آل عمران:200]، {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} [المزمل:10]، {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:10].
4- ممارسة أنواع التدريب الإداري الخاصة بالالتزامات إزاء العهود والمواثيق والأيمان والنذور، وذلك يؤدي إلى تقوية الإرادة من ناحيتين:
الأولى: أن الالتزام يقتضي ضبط النفس وربط الإرادة وتركيزها على العمل الذي عقد العزم على تنفيذه.
الثاني: أن الإنسان كلما التزم بعهده ونفذ عملياً ما وعد بتنفيذه؛ أدى ذلك إلى الشعور بقوة ذاتية ثمّ إلى قوة إرادية، لا سيما إذا ارتبطت الإرادة بما يعززها كوجود الغرامات أو الكفّارات.
5- الوسائل الخاصة بانتفاضة الإرادة وإنقاذها في حالات ضعفها:
بلا ريب فأن النفس لها أوقات تنهزم فيها وتضعف؛ فلا بد من تقويتها وشحنها.
ويمكن تقسيم وسائل الانتفاضة إلي قسمين:
الأولى: قبل السقوط، ومنها ما بيّن الله أن من عزم على فعل معصية ثم عدل ذلك تكتب له حسنة ولا تكتب له سيئة.
الثانية: بعد السقوط لإنقاذ الإرادة من الاستسلام النهائي، وهذه الوسائل عاطفية ووجدانية..
الوسائل العاطفية:
تقبيح الرذيلة والنفور منها {وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا..} [الحجرات:12]، {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً} [الإسراء:32].
الوسائل الوجدانية:
التوبة، فلولا التوبة لماتت الإرادة الأخلاقية.
6- الوسائل النفسية الشعورية الإيحائية لتقوية الإرادة. ومن مصادر الإيحاء الذاتي لقوة الاعتزاز بالإيمان: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا..} [فاطر:10].
وذلك معروف بالفطرة السليمة أو الفطرة التي لا تجد بدا من السلامة في حالة الضعف: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ..} [العنكبوت:65].
يقول وليم جيمس: "يعني القلق والاضطراب حين نرده إلي أبسط معانيه أن فينا جزءاً خاطئاً إن نظرنا إلى أنفسنا نظرةً طبيعيةً. ويعني العلاج أننا ننقذ أنفسنا من هذا الخطأ بأن نعقد صلة بيننا وبين قوى عُليا"[5]. ونحن المسلمين نربط صلتنا بمدبر الكون والقادر عليه.
– البدء بالقوة عند كل عمل يقوم به الإنسان.. {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ..} [مريم:19]، {فَخُذها بِقوَّة..} [الأعراف:145]، {فَأعِينُوني بِقُوَّة..} [الكهف:95].
7- من وسائل تقوية الإرادة: الاهتمام بالصحة العامة وصحة الأعصاب خاصة "إني لأصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء".
8- تقوية الإرادة بالعمل الفكري {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا..} [الأنعام:76]. وكيف أثر ذلك على إرادته.. {قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا…} [الأنعام:79] وإذا أخذ الإنسان الشيء بقناعة وإعمال فكر؛ فيستحيل أن يتخلى عنه.
عاشراً: التربية بالموعظة:
وذلك عن الطريق المباشر تارة، والطريق غير المباشر مثل القصص، لاسيما القصص التي تمثل واقعاً يعيشه، مع محاولة استثارة عواطفه ووجدانه.
مواضيعك تشدني دائماً .. بارك الله فيكِ …
انت الوحيدة الي جبرتي خاطري
جزاك الله ألف خير
ومتكامل
بارك الله فيك .
لأنه من الصعب في وقتنا الحالي فرض رقابه الأهل على الأولاد كما كان سابقاً ..
لذلك كان من المهم ..والمهم جداً الأهتمام بتنمية روح الرقابة الذاتيه في نفوس الأبناء ..مع بقاء رقابة الأهل من بعيد ..لتدخل عند الحاجة ..
جزاك الله خير ..موضوعك في الصميم فعلاً ..
الله يعطيك العافية ويجزيك كل خير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اخيتي في الله ضوء القمر جزاك الله خيرا على الموضوع المميز و جعله الله في ميزان حسناتك
كنت من فتره و جيزه ابحث عن موضع المراقبه الذاتيه و هاهو اتاني بكل يسر و سهوله فنعم جزاك الله عن كل حرف الف خير و نفعنا و اياكم بما فيه من الفائده الجممممه.
احبكم في الله