قد يتساءل الكثير؛ من هم يأجوج ومأجوج وما هي أوصافهم، وهل حقاً أن فيهم أناساً طوالا كشجر الأرز، وآخرين قصاراً لا يتجاوزون شبر الإنسان العادي، وهل صحيح أن البعض منهم يفترش أذنا ويتغطى بأخرى، ولا يموت الرجل منهم حتى يولد له ألف ذكر كلٌ قد حمل السلاح، هي أسئلة ندرك من خلالها حرص الكثير من الناس على استكشاف هذا العالم ومعرفة خفاياه، وربما دفعهم الفضول إلى التزيد في أوصافهم والمبالغة فيها إلى حدّ الخرافة أو قريبا منها، إلا أن القرآن الكريم والسنة الصحيحة قد أوضحا قصة يأجوج ومأجوج وقدما وصفا تفصيلياً عنهما.
يأجوج ومأجوج في القرآن الكريم
ورد ذكر يأجوج ومأجوج في القرآن الكريم في قوله تعالى "حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا. قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا"، وهذه الآيات تبين لنا كيف كان يأجوج ومأجوج في قديم الزمان أهل فساد وشر وقوة، لا يصدّهم شيء عن ظلم من حولهم لقوتهم وجبروتهم، حتى قدم الملك الصالح «ذو القرنين»، فاشتكى له أهل تلك البلاد ما يلقون من شرهم، وطلبوا منه أن يبني بينهم وبين يأجوج ومأجوج سدّاً يحميهم منهم، فأجابهم على طلبهم وأقام سدا منيعا من قطع الحديد بين جبلين عظيمين وأذاب النحاس عليه حتى أصبح أشدّ تماسكاً، فحصرهم بذلك السد واندفع شرهم عن البلاد والعباد، وقد تضمنت الآيات السابقة إشارة جلية إلى أن بقاء يأجوج ومأجوج محصورين بالسد إنما هو إلى وقت معلوم "فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء"، وهذا الوقت هو ما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديثه من أن خروجهم يكون في آخر الزمان قرب قيام الساعة، كما ورد ذكر يأجوج ومأجوج أيضاً في موضع آخر من القرآن، يبين كثرتهم وسرعة خروجهم، وذلك في قوله تعالى "حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون".
يأجوج ومأجوج في الحديث النبوي
رسمت الأحاديث النبوية ملامح أكثر وضوحاً عن عالم يأجوج ومأجوج، وكشفت عن كثير من نواحي الغموض فيهم، فبنيت أن لديهم نظاماً وقائداً يحتكمون لرأيه، وأن السد الذي حصرهم به «ذو القرنين» ما زال قائما، وأنه يمنعهم من تحقيق مطامعهم في غزو الأرض وإفسادها، ولذا فمن حرصهم على هدمه يخرجون كل صباح لحفر هذا السد، حتى إذا قاربوا هدمه أخروا الحفر إلى اليوم التالي، فيأتون إليه وقد أعاده الله أقوى مما كان، فإذا أذن الله بخروجهم حفروا، حتى إذا قاربوا على الانتهاء قال لهم أميرهم "ارجعوا إليه غدا فستحفرونه إن شاء الله"، فيرجعون إليه وهو على حاله حين تركوه، فيحفرونه ويخرجون على الناس فيشربون مياه الأنهار، ويمرون على بحيرة طبرية فيشربها أولهم، فيأتي آخرهم فيقول "لقد كان هنا ماء"، ويتحصن الناس خوفاً منهم، وعندئذ يزداد غرورهم ويرمون بسهامهم إلى السماء فترجع وعليها آثار الدم فتنةً من الله وبلاء، فيقولون "قهرنا أهل الأرض وغلبنا أهل السماء"، فيرسل الله عليهم دوداً يخرج من خلف رؤوسهم فيقتلهم، فيصبحون طعاماً لدواب الأرض حتى تسمن من كثرة لحومهم، كما روى ذلك «ابن ماجة» في سننه، وقد دلت الأحاديث على أن الزمان الذي يخرجون فيه، يملكون أسباب القوة ويتفوقون فيها على سائر الناس، وذلك إما لكونهم متقدمين عسكرياً ووصلوا إلى تقنيات تمكنهم من إبادة غيرهم والسيطرة على بلادهم، وإما لأن زمن خروجهم يكون بعد زوال هذه الحضارة المادية ورجوع الناس إلى القتال بالوسائل البدائية والتقليدية، ويؤكد ذلك ما ورد في بعض الروايات من أن المسلمين سيوقدون من أقواس وسهام وتروس يأجوج ومأجوج سبع سنين، كما عند «ابن ماجة» وغيره، كما بينت الأحاديث بعض صفاتهم الخلْقية وأنهم عراض الوجوه، صغار العيون، شقر الشعور، وجوهم مدورة كالتروس، كما روى «أحمد»، وبينت أيضاً مدى كفرهم، وعنادهم وأنهم أكثر أهل النار، ففي الحديث أن الله عز وجل يقول لـ«آدم» يوم القيامة "أخرج بعث النار"، فيقول "وما بعث النار"، فيقول الله "من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين"، ففزع الصحابة رضي الله عنهم وقالوا "يا رسول الله وأينا ذلك الواحد"، فقال عليه الصلاة والسلام "أبشروا فإن منكم رجلاً ومن يأجوج ومأجوج ألف"، رواه «البخاري»، وبينت الأحاديث كذلك أن خروجهم سيكون في آخر الزمان قرب قيام الساعة، وفي وقت يغلب على أهله الشر والفساد، قال صلى الله عليه وسلم "لن تقوم الساعة حتى يكون قبلها عشر آيات؛ طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة وخروج يأجوج ومأجوج.."، رواه «أبو داود»،
أما ترتيب خروجهم ضمن أشراط الساعة الكبرى فقد دلت الأحاديث على أن الدجال عندما يخرج، ينزل المسيح عليه السلام بعده، ثم يخرج يأجوج ومأجوج، فيأمر الله «عيسى» عليه السلام ألا يقاتلهم، بل يتوجه بمن معه من المؤمنين إلى جبل «الطور»، فيحصرون هناك، ويبلغ بهم الجوع مبلغا عظيماً، فيدعون الله حينئذ أن يدفع عنهم شرهم، فيرسل الله عليهم الدود في رقابهم فيصبحون قتلى كموت نفس واحدة، وتمتلئ الأرض من نتن ريحهم، فيرسل الله طيراً كأعناق الإبل فتحملهم وتطرحهم حيث شاء الله، ويأمن الناس وتخرج الأرض بركتها وثمرتها، حتى تأكل الجماعة من الناس الرمانة الواحدة، ويكفي أهل القرية ما يحلبونه من الناقة في المرة الواحدة، ويحج المسلمون إلى البيت بعد هلاكهم، كما في الحديث "ليحجن البيت وليعتمرن بعد خروج يأجوج ومأجوج"، رواه «البخاري».
أحاديث ضعيفة وموضوعة
بعد أن اتضحت بعض الملامح عن عالم يأجوج ومأجوج من خلال الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة، لعلّ من المناسب ذكر بعض الأحاديث الضعيفة والموضوعة في وصفهم، والتي ساهمت في إضفاء نوع من الهالة والغموض حولهم، فمن تلك الأحاديث حديث "يأجوج أمة، ومأجوج أمة، كل أمة أربعة آلاف أمة، لا يموت الرجل منهم حتى ينظر إلى ألف ذكر من صلبه، كلهم قد حمل السلاح"، رواه «الطبراني» و«ابن عدي» وقال "هذا حديث منكر موضوع"، ومنها "إن يأجوج ومأجوج من ولد آدم، وإنهم لو أرسلوا إلى الناس لأفسدوا عليهم معايشهم، ولن يموت منهم أحد إلا ترك من ذريته ألفاً فصاعداً، وإن من ورائهم ثلاث أمم تاويل وتاريس ومنسك"، رواه «الطيالسي» وقال الحافظ «ابن كثير» في كتابه "البداية والنهاية" "حديث غريب جدا وإسناده ضعيف وفيه نكارة شديدة"، ومنها أن «حذيفة بن اليمان» رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يأجوج ومأجوج فقال له "يأجوج أمة ومأجوج أمة، كل أمة أربعمائة ألف أمة، لا يموت الرجل حتى ينظر إلى ألف ذكر بين يديه من صلبه، كل قد حمل السلاح"، قلت "يا رسول الله؛ صفهم لنا" قال "هم ثلاثة أصناف؛ فصنف منهم أمثال الأرز"، قلت "وما الأرز؟" قال "شجر بالشام طول الشجرة عشرون ومائة ذراع في السماء، هؤلاء الذين لا يقوم لهم خيل ولا حديد، وصنف منهم يفترش بأذنه ويلتحف بالأخرى، لا يمرون بفيل ولا وحش ولا جمل ولا خنزير إلا أكلوه، ومن مات منهم أكلوه، مقدمتهم بالشام وساقتهم بخراسان، يشربون أنهار المشرق وبحيرة طبرية"، قال «الهيتمي» "رواه الطبراني في الأوسط، وفيه يحيى بن سعيد العطار وهو ضعيف، وحكم عليه ابن عدي في الكامل بالوضع والنكارة".
ـ منقول ـ