فحي على جنـات عـدن فإِنـهـا منازلك الأُولى وفيها المخيــــم
ولكننا سبى العـدو، فـهل تـري نعود إِلى أَوطاننـا ونسلــــم
وحى على روضاتهـا وخيامهـــا وحى على عيش بها ليس يســأم
وحى على يوم المزيد وموعـد الــمحبين، طـوبى للذي هو منهــم
وحــى على واد بهـا هـو أَفيحو تربته من أذفر المسك أعظـــم
ومـن حولها كـثبان مسك مقاعـد لمن دونهم هذا الفخار المعظـــم
يرون به الرحمـن جــل جلالــه كرؤية بدر التـم لا يتوهــــم
أَو الشمس صحواً ليس من دون أُفقها ضباب ولا غيم هناك يغيــــم
وبينـا في عيشهم وسرورهـــم وأَرزاقهم تجرى عليهم وتقســـم
إِذا هـم بنور ساطع قد بدا لهـــم فقيل ارفعوا أبصاركم، فإِذا هــم
بربهم مـن فوقهـم وهـو قائـل:سلام عليكم طبتم وسلمتــــم
فيـا عجبـا، ما عذر من هو مؤمن بهذا ولا يسعى له ويقـــــدم
فبادر إِذا مـا دام في العمـر فسحة وعدلك مقبول وصرفك قيـــم
فما فرحت بالوصل نفس مهـــينة ولا فاز قلب بالبطالة ينعــــم
فجدَّ وسارع واغتنم ساعة السـري ففي زمن الإِمكان [تسعى وتغنـم]
وسر مسرعاً فالسير خلفك مــسرع وهيهات ما منه مفر ومهــــزم
فهــن المنايا أي واد نزلتــه عليها [قدوم] أو عليك ستقــدم
وإن تك قد عاقتك سعدى فقلبك الـمعنى رهين في يـديها مسلـــم
وقد ساعدت بالوصل غيرك فالهو يلها منك [والواشـى] بها يتنعــم
فدعها وسلّ النفس عنهــا بجنـة من الفقر في روضاتها الدر [يبسـم]
ومن تحتها الأنهار تخفـق دائـــماً وطير الأماني فوقهــا يتـــرنم
وقد ذللت منها القطوف فمن يــرد جناها ينله كيف شاءَ وينعـــم
وقد فتحـت أبوابها وتزينــــت لخطابها فالحسن فيها [مقســم]
[أقام علي] أبوابهـا داعي الهـدي هلموا إِلى دار السعادة تغنمـــوا
وقد طاب منها نزلها ومقيلهــــا فطوبى لمن حلوا بها وتنعــــموا
وقد غرس الرحمن فيها غراســــه من الناس، والرحمن بالغرس أعلـم
فمن كان من غرس الإِله فإنــــه سعيد وإلا فالشفا متحتـــــم
فيا مسرعين السير بالله ربكــــم قفوا بي على تلك الربوع وسلمـوا
وقولوا:
محب قاده الشوق نحوكــم قضى نحبه فيكم [تعيشوا وتسلموا]
قضى الله رب العالمــين قـضيـة بأَن الهوى يعمى القلوب ويبكــم
وحبكم أَصل الْهـدى ومداروه عليه وفوز للمحب ومغنــــم
وتفنى عظام الصــب بعـد ممـاته وأَشواقه وقف عليه محـــــرم
فيا أَيها القلب الذي ملك الهوى أَعنتــه، حتام هذا التلــــوُّم
وحتام لا تصحو وقد قرب المدى ودقت كئوس السير والناس نــوم
بلى سوف تصحو حين ينكشف الغطا ويبدو لك الأَمر الذي كنت تكتـم
ويا موقداً ناراً لغيرك ضؤوهــــا وحر لظاها بين جنبيك يضـــرم
أهذا جني العلم الذي قد غرستــه وهذا الذي قد كنت ترجوه تطعـم
وهذا هو الحظ الذي قد رضيتـــه لنفسك في الدارين لو كنت تفهـم
وهذا هو الربح الذي قد كسبتــه لعمرك لا ربح ولا الأَصل يســلم
بخلت بشيء لا يضـرك بذلـــه وجدت بشيءٍ مثله لا يقـــتوَّم
وبعت نعيماً لا انقضاءَ لـــه ولانظبر ببخس عن قليل سيـــعدم
فهلا عكست الأَمر إن كنت حازمـاً ولكن أَضعت الحزم إن كنت تعلم
وتهدم ما تبنى بكفك جاهــــداً فأنت مدى الأَيام تبنـى وتهــدم
وعند مراد الحق تفــنى كــميت وعنـد مراد النفس تسدى وتلـحم
وعنـد خلاف الأَمــر تحتج بالقضا ظهيراً على الرحمن للجبر تزعــم
تنزه تلك النفس عن سوء فــعلهـا وتغتاب أَقدار الإله وتظلَــــم
وتزعم مع هذا بأنك عــــارف كذبت يقيناً في الذي أنت تزعــم
وما أنت إلا جاهل ثم ظــــالم وإِنك بين الجاهلين مقـــــدم
إذا كان هذا نصح عبد لنفســـه فمن ذا الذي منه الهدى يتعلـــم
وفى مثل هذا كان قد قال من مضـي وأحسن فيما قالـه المتكلـــم:
فإن كنت لا تدرى فتلك مصيبـــة وإن كنت تدرى فالمصيبة أَعظــم
ولو تبصر الدنيا وراءَ ستورهــــا رأَيت خيالاً في مـنام سيصــرم
كحلم بطيف زار في النوم وانقضى الـمنام وراح الطيف والصب معــرم
وظل أَرته الشمس عند طلوعهـــا سيقلص في وقت الزوال ويفصــم
ومزنة صيف طاب منها مقيلـــها فولت سريعاً والحرور تضـــرّم
فجزها ممراً لا مقراً، وكن بهــــا غريباً تعش فيها حميداً وتسلـــم
أو ابن سبيل قال في ظل دوحـــة وراح وخلى ظلها يتقســـــم
أخـا سفر لا يستقر قــــراره إلى أَن يرى أَوطانه يسلـــــم
فيا عجباً كم مصرح عطـــبوا به بنوها ولكن عن مصارعهـا عمـوا
سقتهم بكأْس الحب حتى إذا انثنـوا سقتهم كئوس السم والقوم قد ظموا
وأعجب ما في العبد رؤية هذه الـــعظائم منها وهو فيـها متيــم
وأَعجـب من ذا أَن أَحبابهــا الأْليتهين وللأعداء تراعـى وتكــرم
وذلك برهان على أَن قــــدرها جناح بــــعوض أَو أَدق وأَلأَم
وحسبك ما قال الرسول ممثـــلاً لها ولدار الخلد والحق يفهــــم:
كما يدخل الإنسان في اليم إصبعــا وينزعها منه فما ذاك يغنــــم
أَلا ليت شعري هل أَبيتن ليـــلةِ على حذر منها وأمري محكـــم
وهل أَردن ماءَ الحياة وأَرتـــوي علـى ظمأ من حوضه وهو مفعـم
وهل تبدون أَعلامهم بعد ما سفــت عليهــا السوافى تستبين وتعلــم
وهـل أفرشن خدى ثرى عتباته مخضوعاً لهم كيما يرقوا ويرحمــوا
وهـل أَرين نفسى طريحاً ببـــابه موطير أَمانى الحب فوقى تحـــوّم
فوا أَسفى تفنى الحياة وتنقــــضي وعتبكم باق، بقيتم وعشتـــم
فما منكم بد ولا عنكم غــــني و مالي من صبر فأَسلوَ عنكـــم
فمن شاءَ فليغضب سواكـم فلا أذي إذا كنتم عن عبدكم قد رضيتــم
وعقبـى اصطباري في رضاكم هوي لكم حميد ولكنه عقاب ومغــرم
ومـا أَنا بالشاكى لما ترتضونه ولكننى أَرضى به وأُسلـــــم
وحسبي انتسابي من بعيد إِليكـــم وذلك حظ مثله يتيمــــــم
إِذا قيـل هذا عبــدهم ومحبهــم تهلل بشــراً ضاحكاً يتبســـم
وهـا هو قد أَبدى الضــراعة قائلاً لكم بلسان الحال والحال يعلــم:
أَحبتنا عطفاً علينـا فـإِنـنــــا بنا ظمأُ، والمورد العذب أَنتـــم
فيا ساهياً في غمرة الجهل والهوى صريـع الأماني عن قليل ستنــدم
أَفق قد دنا الوقـت الذي ليس بعده سوى جنة أَو حر نار تضـــرم
وبالسنة الغــراءِ كن متمســكـاً هي العروة الوثقى التي ليس تفصـم
تمسك بها مسك البخيل بمــــاله وعض عليها بالنواجذ تسلــــم
وإِياك مما أَحدث الناس بعــــدها فمرتع هاتيك الحوادث أَوخـــم
وهيء جواباً عندما تسمع الـــندا من الله يوم العرض: ماذا أجبتــم
به رسلي لمـا أَتوكم، فمن يجـب سواهم سيخزى عند ذاك وينــدم
وخذ من تقي الرحمن أَسبغ جنـــة ليوم به تبدو عيانـاً جهنــــم
وينصباك الجسر من فوق متـــنها فهاوٍ ومخدوش وناج مسلــــم
ويأْتى إله العالمـــــين لوعـده فيفصــل ما بين العباد ويحكــم
ويأْخذ للمظلوم إِذ ذاك حقــــه فيا ويح من قد كان للخلق يظلـم
وينشر ديــوان الحساب وتوضع الــموازين بالقسط الذي ليس يظلم
فـلا مجرم يخشى هناك ظلامه ولا محسن من أجره الذر يهضــم
وتشهد أَعضاءُ المسـيء بمـا جـني لذاك على فيــه المهيمن يختــم
ويا ليت شعري كيف حالك عندمـا تطاير كتب العالمين وتقســــم
أتأْخذ باليمنى كتابك أَم تــــري بيسراك خلف الظهر منك يسلــم
وتقرأُ فيـه كل شيء عــــملته فيشرق منك الوجه أَو هو يظلــم
تقول كتابي هـــاؤمُ اقرؤُوه ليتبشر بالجنات حقاً وتعلـــــم
وإِن تكن الأُخرى فإِنك قائــــلأ لا ليتنى لم أَوته فهــو مغــرم
فلا والذى شق القلـوب وأَودع الــمحبة فيها حيث لا تتصـــرم
وحملهـا قلب المحـــــب وإِنه ليضعف عن حمل القميــص ويأْلم
وذللها حتى استكانت لصــولة الــمحبة لا تلوى ولا تتلعثــــم
وذلــل فــيها أَنفسـاً دون ذلها حياض المنايا فوقها هي حـــوم
لقد فـاز أَقوام وحازوا مـــرابحا بتركهم الدنيا والإقبال منهـــم
على ربهم طول الحياة وحبه معلى نهج مــا قد سنه فهم هـم
" إبن القيم"
رحمه الله
اختيار رائع من الميميه
وفقك الله غاليتي
تقبلي مروري
اختك في الله