صفة صلاة النبى
الجزء الثانى
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد فهذا الجزء الثانى لصفة صلاة النبى صلى الله عليه وسلم … تقبل الله
__________________________________________________ _____________________
3– ويبدأ بتكبيرة الإحرام:تكبيرة الإحرام ركنٌ من أركان الصلاة، لا تنعقد الصلاة إلا بها، وهذا ما ذهب إليه جُمهور
العلماء.
ملاحظات:
(1) يجب أن يأتي بتكبيرة الإحرام وهو قائمٌ كامِلَ الاعتدال.
وقد قال النووي رحمه الله: "فإن أتى بِحَرف منها في غير حال القيام، لم تَنْعقد صلاته فرضًا بلا خلاف"[15]، ثم ذكر الخلاف في وقوعها نفلاً.
ولذلك يجب على المأموم – إذا أتى المسجد ووجد الإمام راكعا – أن يأتي بتكبيرة الإحرام وهو قائمٌ كامِلَ الاعتدال (وذلك حتى لا تبطل صلاته)، ثم يأتي بتكبيرة الانتقال إلى الركوع ويركع، حتى وإن أدى ذلك إلى عدم إدراك الركوع مع الإمام، المهم ألا تبطل صلاته.
(2) يلزم تعيين – يعني تحديد – لفظ (الله أكبر)، ولا يجزئ غيره حتى وإن قام مقامه، مثل (الله أعظم، الله أجَلُّ)، وفي قوله: (الله الأكبر) خلاف[16]، فإن كان لا يُحْسِن العربية فيُجْزِئ أن يأتي بالتكبير بِلُغته.
(3) يتعيَّن عليه التلفُّظ بالتكبير: والمقصود حركة الشفتين بالنُّطق بها، ولا يكفي إمرارُ كلمة (الله أكبر) على القلب، فإن كان منفردًا أو مأمومًا لا يشترط الجهر بها، ولا إسماع نفسه على الصَّحيح، بل يكفي حركة الشفتين سرًّا، وإن كان إمامًا وجب عليه أن يسمع مَن وراءه، فإن كان صوتُه ضعيفًا استعان بمن يبلِّغٍ عنه التكبير بصوت عال.
(4) ينبغي أن يأتي بالتَّكبير على الوَجْه الأكمل، ولْيَحْذر من المخالفات، كقوله: "الله وأكبر" بزيادة "واو"، أو "الله أكبار"، أو "الله أجبر" بالجيم، ويُكْرَه التَّمطيط بأن يمدَّ لفظ الجلالة (الله) مدًّا زائدًا، وذلك حتى لا يسبقه المأمومون أثناء حركات الانتقال في الصلاة بسبب هذا التمطيط، والله أعلم.
(5) لا يكبِّر المأموم حتَّى يفرغ الإمام من تكبيره.
قال ابن قُدَامة رحمه الله: "فإنْ كبَّر – أي المأموم – قبل إمامه لم ينعقد تكبيرُه، وعليه استئنافُ التكبير – (يعني إعادة التكبير مرة أخرى) – بعد تكبير الإمام"[17]، ودليل ذلك قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إنَّما جُعِل الإمام لِيُؤتَمَّ به، فإذا كبَّر فكبِّروا..))[18].
__________________________________________________ ____________
4 – ويرفع يديه مع التكبير:
وأما صفة الرَّفع، فذلك بأنْ يمدَّ أصابعه، ولا يفرِّج بينهما، ويكون رفع اليدين بمحاذاة – يعني موازيا – المنكبَيْن (وهُما الكتفان) وليس ملامسا لهما، أو حيال – (يعني بمحاذاة)- الأذنَيْن وليس ملامسا لهما، وقد ذهَبَ بعضُ أهل العلم إلى أنَّه مُخيَّر بين هذا وذاك، وقال آخرون: (يَجْعل أطراف الأصابع إلى فروع أذنيه، وكفَّيْه إلى منكبيه)، والقول الأوَّل أرجح، والله أعلم.
ملاحظات:
(1) وقت رفع اليدين: له أكثر من صفة، كما وردْتَ بذلك الأحاديث،
كالآتي: (أ) يَجُوز رفعهما مع التَّكبير.
(ب) ويَجوز أن يرفع يدَيْه أوَّلاً، ثم يكبِّر وهُما ما زالتا مرفوعتين قبل أن يُنْزِلَهما
(جـ) ويجوز أن يكبِّر أولاً ثم يرفع يديه
(2) إذا لم يستطع رفع اليدين إلى الموضع المُستَحَبّ، أتى بما يَقْدر عليه؛ لقوله تعالى: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾.
(3) ما تقدَّم من استِحْباب رفع اليدَيْن: يستوي فيه الإمامُ والمأموم والمنفرِد، وسواء كانت الصَّلاة فرضًا أو نفلاً، وسواء كان المصلِّي رجلاً أو امرأة على الأصحِّ؛ لأنَّه لم يأتِ دليل بالتَّفريق.
(4) إن كانت يداه في ثوبه بسبب بَرْد ونحوه، جاز له رفْعُهما بِقَدْر إمكانه.
(5) لَم يثبت في حديث صحيح رَفْعُ اليدَيْن في صلاة الجنازة والعيدين مع التكبيرات، والراجح رفْعُهما فقط مع تكبيرة الإحرام، لكن ثبت رفع اليدين مع التكبيرات من فِعْل عبدالله بن عمر رضي الله عنهما فقط[19].
إذن ينبغي ألاّ ننكر على من يفعل فعل عبدالله بن عمر رضي الله عنهما لأن الصحابة رضي الله عنهم لم ينكروا عليه.
__________________________________________________ _________________
5 – ثم يضع يده اليمنى على اليسرى على صدره: وهذه الهيئة من سُنَن الصلاة (يعني من مُستَحَبّات الصلاة)، ولها وضعَيْن ثابتين في السُّنة:
الوضع الأول: (القبض)، وذلك أن يقبض بيمينه على شماله.
الوضع الثاني: (الوضع)، وذلك أن يضع يده اليمنى على كفِّه اليسرى والرسغ والسَّاعد من غير قبض، (يعني يضع الجزء الأسفل من كفه الأيمن على كفه الأيسر والجزء الأعلى على الرسغ والساعد)، أو وضعها على ذراعه اليسرى فقط (يعني على الساعد فقط)، أما أن يقبض بيده اليمنى على مرفقه – كما يفعل البعض – فهذا لا أصل له.
وأمَّا موضع اليدَيْن حال القيام، فالصَّحيح وضعهما على الصَّدر، وأما الأحاديث الواردة في موضع اليدين تحت السُّرة، فهي أحاديث ضعيفة، وكذلك فقد نهى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم عن الاختصار في الصلاة؛ وهو أن يضع يده على خاصرته كما يفعل البعض (والخاصرة هي جنب الإنسان فوق عظمة الورك).
__________________________________________________ _________________
6 – ثُم يستفتح: والمراد بذلك: أن يدعو دعاء الاستفتاح، وهو سُنَّة (يعني مُستَحَبّ) في قول أكثر أهل العلم، وذلك قَبْل قراءة الفاتحة، وقد ورد في ذلك رواياتٌ، نَذْكر منها:
(1) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم إذا كَبَّر للصلاة سكت هُنَيهة – (يعني قليلا من الوقت) -، فقلتُ: بأبي أنت وأمِّي يا رسول الله، أرأيت سكوتَك بين التكبير والقراءة، ما تقول؟ قال: ((أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدْتَ بين المشرق والمغرب، اللهم نقِّنِي من خطاياي كما يُنَقَّى الثوب الأبيض من الدَّنَس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثَّلْج والبَرَد))[20].
(2) وعن عمر رضي الله عنه أنه كان يقول بعد تكبيرة الإحرام: ((سبحانك اللَّهم وبِحَمدك، وتبارك اسْمُك، وتعالى جَدُّك، ولا إله غيْرُك))[21].
(3) كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إذا قام إلى الصلاة كبَّر، ثم قال: ((وجَّهْتُ وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين، إنَّ صلاتي ونسكي ومَحْياي ومماتي لله ربِّ العالمين، لا شريك له، وبذلك أُمِرت وأنا من المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربِّي وأنا عبدك، ظلَمْتُ نفسي، واعترفتُ بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعًا؛ إنَّه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهْدِني لأحسن الأخلاق؛ لا يهدي لأحسَنِها إلا أنت، واصرف عنِّي سيِّئَها؛ لا يصرف عنِّي سيِّئَها إلا أنت، لبَّيْك وسعدَيْك، والخير كلُّه في يديك، والشرُّ ليس إليك، أنا بِك وإليك، تبارَكْتَ وتعاليْتَ، أستغفرك وأتوب إليك))[22].
(4) وعن عاصم بن حُمَيد قال: سألتُ عائشة: بأيِّ شيء كان يفتتح رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قيامَ الليل؟ فقالت: لقد سألتَنِي عن شيءٍ ما سألَنِي عنه أحدٌ قبلك، كان إذا قام كبَّر عشرًا، وحمد الله عشرًا، وسبَّح الله عشرًا، وهلَّل عشرًا، واستغفر عشرًا، وقال: ((اللهم اغفر لي واهدني، وارزقني وعافني))، ويتعوَّذ من ضيق المقام يوم القيامة[23].
(5) كان النبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إذا قام من الليل افتتح صلاته: ((اللهم ربَّ جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السَّموات والأرض، عالِمَ الغيب والشهادة، أنت تَحْكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهْدِني لما اختُلِف فيه من الحقِّ بإذنك، إنك تَهْدي من تشاء إلى صراط مستقيم))[24].
(6) كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إذا قام من الليل يتهجَّد يقول بعد تكبيرة الإحرام: ((اللهم لك الحمد، أنت قيِّم السموات والأرض ومن فيهنَّ، ولك الحمد؛ أنت نور السموات والأرض ومَن فيهن، ولك الحمد؛ أنت مالكُ السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد؛ أنت الحقُّ، ووعدك الحقُّ، ولقاؤك حقٌّ، وقولك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيُّون حق، ومحمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم حقٌّ، والساعة حق، اللهم لك أسلمْتُ، وبك آمنت، وعليك توكَّلْت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدِّم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت، ولا إله غيرك، ولا حول ولا قوة إلا بالله))[25].
(7) كان النبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول عندما يصلِّي من الليل: ((الله أكبر – ثلاثًا – ذو الملكوت والجبروت، والكبرياء والعظمة))[26].
ملاحظات:
(1) قال الشيخ ابن عُثَيْمِين رحمه الله: "وينبغي للإنسان أن يستفتح بِهذا مرَّة، وبهذا مرَّة؛ ليأتي بالسُّنن كلِّها، وليكون ذلك إحياء للسُّنة، ولأنَّه أحضَرُ للقلب؛ لأنَّ الإنسان إذا التزم شيئًا معيَّنًا صار عادة له"[27].
(2) اختلف العلماء هل يستفتح في صلاة الجنازة أم لا؟ والأرجح أنه لا يستفتح.
(3) إذا شرع المأموم في دعاء الاستفتاح فوجد الإمام قد بدأ في قراءة الفاتحة فإنه يقطع دعاء الاستفتاح وينصت.
ونقف عند الاستعاذة ونكمل باذن الله تعالى ,والله الموفق.
__________________________________________________ ____________________________________________
[15] "المجموع"، (3/ 296).
[16] والأفضل أن لا يأتي إلاَّ بلفظ "الله أكبر"؛ لوروده هكذا في الحديث: ((ثم قل: الله أكبر)).
[17] "المغني"، (1/ 464).
[18] البخاري (805)، ومسلم (411)، والنسائي (361)، وابن ماجه (1238)، من حديث أنس.
[19] صحيح: رواه البخاري تعليقًا (3/ 189)، ووصله في جزء رفع اليدين (6005)، ووصله ابن أبي شيبة (3/ 296).
[20] البخاري (744)، ومسلم (598) وأبو داود (781)، والنسائي (1/ 50)، وابن ماجَهْ (805).
[21] مسلم (399)، والحاكم (1/ 361)، والدارقطني (1/ 299).
[22] مسلم (771)، وأبو داود (760)، والترمذي (266)، (3422)، والنسائي (2/ 129)، وابن حبَّان (1772).
[23] حسن: أبو داود (766)، وابن ماجه (1356)، والنسائي (3/ 208).
[24] مسلم (770)، وأبو داود (767)، والترمذي (3420)، والنسائي (3/ 212)، وابن ماجه (1357).
[25] البخاري (1120)، ومسلم (769)، وأبو داود (771)، والترمذي (3418)، والنسائي (3/ 309)، وابن ماجه (1355).
[26] صحيح: أبو داود (874)، والنسائي (2/ 199)، وأصله في صحيح مسلم (772).
[27] "الشرح المُمْتِع" (3/ 62).