في ذاك الملهى.. حيث الفجور والفسق.. والمجون والعصيان.. تهالك(أحمد) على أريكة بجواره صديقه.. في عينيهما نظرة تائهة.. يستنشقان السم الرهيب..و(أحمد) يضحك بهستيريا وبصوت عالٍ ، حتى سال اللعاب عن شدقيه.. ثم فقد الوعي..
استيقظ(أحمد) على يد تهزه بشدة وصاحبها يقول: – هيه.. أنت يا صاح.. هذا ليس مكاناً للنوم..قم واذهب إلى بيتك.. هيا حان وقت إغلاق الملهى.. خرج(أحمد) يمشي.. يتهادى يميناً يساراً..لا يكاد يرى الطريق..والمرئيات أمامه مشوهة.. يتخبط في مشيته.. يرتطم بهذا الجدار وذاك.. كثيراً ما لانت قدماه وعجزتا عن حمله.. كم مرة سقط على الأرض؟..لا يعرف طريقاً محدداً.. سار على هذا الحال طويلاً، حتى اهتدى لبيته..لم يكن تأثير المخدر قد زال، ولكنه كان يعي ما حوله.. سمع صراخاً وعويلاً صادراً من البيت.. عقد حاجبيه ودقق النظر ليتأكد أن البيت بيته ، وبعد أن تيقن من ذلك ، ملأت الدهشة قلبه.. لماذا هذا الصراخ؟.. وليعرف السبب اندفع إلى الداخل ليجد أخته تحاول تهدئة أمها ولكنها ما أن أبصرته حتى قامت وصرخت في وجه أخيها.. ـ أيها المجرم.. أيها القاتل.. يا جبان .. ثم انهارت باكية ، استدار ناحية أمه يسألها توضيحاً ، ولكن أمه سددت إليه نظرات لوم خرساء ولم تحر جواباً غير البكاء.. كاد يفقد أعصابه لمعرفة ما حدث وما جعل أخته تنعته بكل هذه الألقاب.. استدار ليبحث عن أخيه (راشد) إلى أن رأى أخاه.. أخاه كانت قسمات وجهه تنطق بالغضب.. بغضب لا حصر له..
ثبَّت (راشد) نظراته على (أحمد) ثم اقترب منه ، وفجأة.. هوت يده بسرعة خاطفة على وجهه.. فغر (أحمد) فيَّه ، ووضع يده على خده ، وشعور الدهشة لم يفارقه.. صرخ أخوه في وجهه محتداً: – كيف هان عليك والدك؟.. كيف فعلتها؟.. كيف سولت لك نفسك قتل والدك؟.. أية مشاعرٍ تلك التي تجعل الابن قادراً على قتل أبيه؟.. يا قاسي القلب..أخرج من هنا ..أخرج.. ارتجف قلب (أحمد) ، وشملته رعشة باردة ، وارتعدت فرائصه ، وتسمَّر لسانه ، ثم جرجر قدميه حتى خرج.. خرج تاركاً وراءه أهله وفي قلوبهم براكين تستعر..
منذ أن خرج وهو يطوف بالشوارع ، تتقمصه حالة من الذهول التام ، ذهنه كان مشلولاً غير قادر على التفكير، إذ لم تبارحه المفاجأة.. فوالده الآن مجرد جثة فاقدة الحياة.. والسبب هو.. هو بما اقترفت يداه.. إنه الآن قاتل.. وقاتل من؟.. قاتل أبيه.. إنه يذكر أنه هزّ والده بقوة ثم رماه.. رمى الشيخ الهرم المريض فأودى بحياته ، هام على وجهه.. سار في الطرقات على غير هدىً ، وفي قلبه الجرح يتسع ويزداد تقرحاً.. أخذ يذكر نفسه عندما كان صغيراً.. فكثيراً ما كان يذهب به والده إلى البحر.. يلعب معه.. إنه يذكر عندما جاء العيد وأخذ يبكي لأن أحداً لم يعطه هدية ، ولكن والده كان يدخرها مفاجأة له.. تذكر عندما أخذه والده في أول يوم دراسي وكيف أنه شجعه على دخول الفصل، إذ كان خائفاً.. تذكر كيف كان والده ينتظره كل يوم ليصحبه إلى المنزل بعد نهاية الدوام.. حتى مرض والده.. مرض بعد أن أصبح هرماً.. أقعده المرض والهرم ولكنه رغم ذلك لم يقصر لا بنصح ولا بمال.. ثم كان ما كان.. والسبب!.. المخدرات!.. تلك اللعينة.. مذ دخلت حياته.. والصلات بينه وبين والده متوترة.. حيث أنه كثيراً ما صرخ على والده وشتمه.. كثيراً جداً .. من أجل النقود.. والده فعلاً لم يُرد له إلا خيراً.. هذه المخدرات.. أخلّت بتفكيره وهي مسؤولة عما جنت يداه.. دمعة ساخنة تنسكب من عينيه.. ولكن ماذا يفعل الندم.. حتى أهله لن يقبلوه.. إنه مجرم.. قاتل قاسي القلب.. جبان كما وصفه أخوه وأخته.. فهو بلا ضمير.. ماذا يفعل الآن؟؟ ماذا؟.. ألقى نظرة لما حوله.. فأدرك أن الفجر وشيك ، فتلك الشمس تمد رأسها رويداً رويداً من وراء الأفق لتعتلي فيما بعد عرش السماء.. قادته قدماه إلى ذاك المبنى الأبيض.. إن خير ما يفعله الآن أن يسلم نفسه للأطباء ليعالجوه من هذا الداء اللئيم.. فهو لن يعود أبداً لذاك الطريق التعيس المليء بالأشواك والحفر والذئاب.. وعندما وضع قدمه على أول سلَّمة من سلالم المشفى.. أيقن أنه وضع قدمه على أول الطريق.. طريق الحق والأمـــان.. النهايــــــــــــــــــــــة
يعجبني في قصصك جمال التصوير والواقعية…
بدايتك جميلة في وصف حال مجهول للتشويق…بارك الله فيك….
ونطلع الى المزيد من ابداعاتك ..
——————
….اللهم اجعلني كالأرض الذلول يطأوها الصغير والكبير…..وكالسحاب يظل البعيد والقريب…وكالغيث يسقي من لايحب ومن يحب…وكالشمس……..
….تشرق على الناس أجمعين…
أختي غناء … جعلك الله حديقة غناء عامرة بالعلم والأدب
اعجبتني قصتك ، والتي تحكي الواقع المرير الذي نعيشه في هذه الأيام ، وأكثر ما أعجبني فيها نهاية القصة ، حيث فتحت باب غفل عنه الكثير ، أن المسلم مهما عمل من سوء ، رجوعه يكون مولداً جديدا ، ولايأس مع الحياة .. والأقوى من ينتصر على الشر بداخله ..
أخيتي .. لي ملاحظة بسية حيث أنني أحسست بأن موضوع القصة لا يتناسب معها ، فنهايتها لم تكن هاوية ، بل طريق إلى النجاح ، صحيح أن قدم أحمد وطئت الفساد ، غير أن الأعمال بالخواتيم ( وجهت نظر لا غير ) .
وأخيراً جميل أن نرى العودة إلى الأدب ، بعد أن نسيه الناس ، سير على هذا الدرب ، والناصر لك الله ..