السلام وقومه.. ويوم هلاك فرعون وجنوده، ووجد النبي المصطفى المعصوم صلى الله عليه وعلى آله وسلم اليهود
يصومونه فقال نحن اولى بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه، فلما فرض صوم شهر رمضان رغب المصطفى
المعصوم بصيامه دون ان يفرض ذلك وقال «صيام عاشوراء كفارة سنة».
وفي هذا اليوم وتحديدا عام 61 للهجرة وقع حدث جلل عظيم اهتزت له الارض وبكت عليه السماء.. حدثت موقعة
الطف بكربلاء قتل فيها الحسين رضي الله عنه ولعن من قتله او أعان على قتله او رضي بقتله، قتله الشمر بن ذي الجوشن وحمل رأسه الى عبيد الله بن زياد عليهما لعنة الله أجمعين.
لقد أكرم الله تعالى الحسين رضي الله عنه بالشهادة في هذا اليوم وله اسوة حسنة بمن سبقه من الشهداء، فانه
وأخاه الحسن رضي الله عنهما سيدا شباب اهل الجنة، وقد كانا قد تربيا في عز الاسلام، فلم ينالا من الهجرة والجهاد
والصبر على الأذى في الله ما ناله أهل بيت النبي، فأكرمهما الله تعالى بالشهادة تكميلا لكرامتهما ورفعا لدرجتهما،
وكان قتل الحسين مصيبة عظيمة، والله سبحانه قد شرع الاسترجاع عند المصيبة بقوله تعالى: «وبشر الصابرين
الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا: انا لله وانا اليه راجعون، اولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون».
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم انه قال: «ما من مسلم يصاب بمصيبة فيقول انا لله وانا اليه
راجعون، اللهم آجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها، إلا آجره الله في مصيبته وأخلف له خيرا منها»، ومن
أحسن ما يذكر هنا: انه قد روى الامام احمد وابن ماجه عن فاطمة بن الحسين عن أبيها الحسين ـ رضي الله عنه ـ
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما من مسلم يصاب بمصيبة فيذكر مصيبته وان قدمت فيحدث عندها
استرجاعا كتب الله له مثلها يوم اصيب»، هذا الحديث رواه عن الحسين ابنته فاطمة التي شهدت مصرعه رضي الله عنها وعن أبيها.
وقد علم ان المصيبة بالحسين تذكر مع تقادم العهد، فكان من محاسن الاسلام ان بلغ الحسين بنفسه هذه السنة عن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو انه كلما ذكرت هذه المصيبة يسترجع لها، فيكون للانسان في الأجر مثل الأجر
يوم اصيب بها المسلمون.. ولا بأس ان يصاحب ذلك حزن في القلب ودمعة في العين.
¾ شجاعة لا مجازفة.. وهمة أحيت أمة:
عندما آل الحكم ليزيد بن معاوية رفض الحسين رضي الله عنه بيعته وانتقل من المدينة الى مكة وهناك جاءته
رسائل من اهل العراق يطلبون مبايعته، فأرسل لهم ابن عمه مسلم بن عقيل بن ابي طالب رضي الله عنه يستوثق
الامر، فلما وصل الكوفة بايع من أهلها الحسين نحو عشرين الفا او اقل او اكثر، فأرسل مسلم بن عقيل الى الحسين
ليقدم وكتب له: «أما بعد، فان الرائد لا يكذب اهله، وان جميع اهل الكوفة معك، فأقبل حين تقرأ كتابي هذا والسلام»،
فاستعد الحسين للقدوم، ونصحه أفاضل الصحابة بترك ذلك، منهم عبدالله بن عباس رضي الله عنهما وعبدالله بن
عمر رضي الله عنهما لكنه أصر على الخروج، فلما بدأ بالسير جاءته الانباء وهو بالطريق ان عبيد الله بن زياد
والي الكوفة اغرى الناس بالمال واستطاع ان يفرق الجمع حول مسلم بن عقيل ولم يبق معه سوى ثلاثين رجلا قبل
ان ينصرفوا جميعا فقبض عليه ابن زياد وقطع رأسه، ولكن الحسين رضي الله عنه اصر على المضي الى الكوفة.
ومضيت حسين إلى سفر
والأمة أرقها السفر
وقفت تثنيك بلا جدوى
ودموع الصحبة تنهمر
ساروا في ركبك أياما
أملا والحب له صور
وإذا اجرى الله قضاء
مفعولا لا ينفع حذر
لم تدر انك محصور
ورعاع الكوفة قد غدروا
اعطوك عهودا وذمما
وحبال الخائن منبتر
باعوك بثمن بخس
ممحوق والعقبى سقر
وخرجت لتحيي امتنا
وهناك يسابقها القدر
في ركبك سار أبوبكر
والزينب فيهم والعمر
زمر كالصبح جلالتها
هم نور الارض المنتشر
وهكذا التقى الحسين ومعه 72 رجلا بينهم 17 من شباب اهل البيت عليهم السلام وجيش ابن زياد بقيادة عمر بن
سعد نحو اربعة آلاف ولم يفت ذلك من عزم الحسين ورفض الخضوع للظالمين وآثر الاستشهاد دفاعا عن مبدئه،
وبدأ الصراع الحقيقي بين الخير والشر، بين رجل صاحب رسالة يدافع عن دين وعن عقيدة، ورجال اصحاب دنيا
يتمسكون بها وبنعيمها وزخرفها، هم حثالة خلق الله، لئام لا وازع لهم ولا خلق، وحوش جائعة تبحث عن فريسة
تنهش جسدها، ولو كانت الفريسة.. سبط رسول الله، الذي اخرجهم من الظلمات الى النور ومن الكفر الى الايمان..
وكانت المفاجأة ان كثيرا من جيش ابن زياد هم من الذين ارسلوا الكتب يدعون الحسين ليبايعوه قبل ان ينكثوا وبدلا
من ان يقاتلوا معه قاتلوا ضده!!
وأراد الحسين ان يتعرض وحده للموت، وألا يعرض له احدا من صحبه فجمعهم مرة بعد مرة، وهو يقول لهم في كل
مرة: «لقد بررتم وعاونتم، والقوم لا يريدون غيري، ولو قتلوني، لم يبتغوا غيري احدا، فإذا جنكم الليل فتفرقوا في
سواده.. وانجوا بأنفسكم»، الا انهم تمسكوا بصحبته وقالوا له: «معاذ الله والشهر الحرام، ماذا نقول للناس اذا رجعنا
اليهم؟! أنقول لهم: انا تركنا سيدنا وعمادنا، تركناه غرضا للنبل، ودريئة للرماح، وجيزرا للسباع، وفررنا عنه رغبة
في الحياة؟ معاذ الله بل نحيا بحياتك ونموت معك».
والتحم الفريقان صبيحة العاشر من محرم، والكثرة تغلب الشجاعة أربعة آلاف ضد 72 رجلا بينهم اربعون فارسا فقط.
وأخذ الحسين يبتسم، وكيف لا يبتسم وهو يعلم انه بعد لحظات سيلتقي بجده محمد صلى الله عليه وآله وسلم في
الجنة، وأخذ يقول: «والله ما أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين الا برما».
فلما زحف جيش ابن زياد نحو الحسين وأصحابه أنشد ابنه علي الاكبر: «انا علي بن الحسين بن علي.. نحن وبيت
الله اولى بالنبي» فجاءته طعنة فقتلته، وكان الظالمون الآثمون حريصين على منع الحسين وصحبه شرب ماء نهر
الفرات، وتحمل الحسين العطش اول الامر، ولكنه رأى ولده عبدالله الصغير يتلوى من العطش، وقد بح صوته من
البكاء، فحمله على يديه يريد ان يسقيه ويقول للقوم: «اتقوا الله في الطفل ان لم تتقوا الله فينا»، فأتّر رجل من
جيش ابن زياد قوسه، ورمى الطفل بسهم وهو يصيح ليسمعه جنود العسكر «خذ اسقه هذا» فنفذ السهم الى
احشائه، فجعل الحسين يمسح الدم عنه ويقول: «اللهم احكم بيننا وبين قومنا، دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا
فقتلونا» يعني أهل العراق.
ولما كانت الكفتان غير متكافئتين، رأى اصحاب الحسين انهم لا طاقة لهم بهذا الجيش، فصار همهم الموت بين يدي
الحسين دفاعا عنه، فأخذوا يتساقطون شهداء الواحد تلو الآخر، تساقطت اجسادهم لكن أرواحهم تسامت الى عنان
السماء، فهي مقعد صدق عند مليك مقتدر.. فليتنا كنا معك فنقتل دونك، نعم ليتنا كنا معك فنموت دونك.. دماؤنا والله
دون دمك ورقبتنا دون رقبتك، تسيل دماؤنا ولا يسيل دمك، تقطع رقابنا ولا يحز رأسك.. حتى قتل جميع اصحاب
الحسين وبقي الحسين وحيدا.. لا يريد احد ان يبتلى بقتله.. حتى جاء ذلك المجرم شمر بن ذي الجوشن قبحه الله
فصاح بالناس ويحكم ـ ثكلتكم أمهاتكم ـ احيطوا به واقتلوه.. ففعلوا والحسين رابط الجأش فوقعت المصيبة.. وقتل
الحسين بن علي عليهما السلام.. خير من وطأت قدماه الارض في ذاك الزمان.. وحزوا رأسه.. ونهبوا ملابسه،
وجاء عشر فرسان فداسوه بخيولهم، قبحهم الله، ولم يفلت من اهل بيت الحسين سوى علي الاصغر بن
الحسين «زين العابدين» الذي كان مريضا في خيمة النساء، كان على وشك الموت من المرض فأنجاه الله وبقيت
ذرية الحسين بعد ذلك فقط من هذا الناجي الصغير.. فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وقد قتل مع الحسين في كربلاء ثلة من آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم من اولاد علي بن ابي طالب عليه
السلام.. قتل ابوبكر بن علي، وعثمان بن علي، وجعفر والعباس، ومن اولاد الحسين علي الاكبر وعبدالله ومن اولاد
الحسن بن علي عليهما السلام قتل ابوبكر بن الحسن، وعمر بن الحسن، ومن اولاد عقيل قتل جعفر وعبدالرحمن
وعبدالله بن عقيل ومن اولاد عبدالله بن جعفر عون اضافة الى مسلم بن عقيل كما ذكرنا، فرحمهم الله جميعا وجمعنا الله واياهم في الفردوس الأعلى.
ہ ملاحظة: للاستزادة يراجع مجموع الفتاوى لشيخ الاسلام 4/511 وما بعدها.
الكاتب : د.وليد الطبطبائي
جريدة الوطن………….. السبت 19/2/2017
عزوووزة … انتِ معين لا ينضب .. جزاكِ الله خير الجزاء
وفيك بارك الله …
وفيك بارك الله …..
آمـــــــــــــــــــــــين …
وجعله الله في مووازين حسناتك
تحيااااااااااااتي
و جزاك الله خيرا على الدعاء ….