تخطى إلى المحتوى

لمحات من حياة رائد الصحوة الاسلامية الحديثة في تركيا 2024.

  • بواسطة

لمحات من حياة رائد الصحوة الاسلامية الحديثة في تركيا
بديع الزمان سعيد النورسي

لاكي
بقلم :إحسان قاسم الصالحي

في مطلع القرن الهجري الماضي 1293هـ(1876 م)، وفي قرية نورس الواقعة في جنوب شرقي تركيا الحالية، ولد صبي لأبوين اشتهرا في القرية بورعهما المثاليين، صبي أسمياه سعيدًا، كتب له القدر أن يكون أحد أبرز علماء الإصلاح الديني والاجتماعي في العصر الراهن..

طفل لم تكن حياته إلا ملحمة من الوقائع والأحداث التي تصب جميعها في خدمة القرآن العظيم وتفسير نصوصه، وبيان مرامي آياته البينات، ضمن رؤية تبلورت مع الزمن ومع أطوار رحلة العمر، وكانت غايتها النهائية بث اليقظة، وإعادة الحياة والفعل للأمة المسلمة بعد طول رقاد..

ما برح سعيد أن التحق بمجموعة من الكتاتيب والمرافق التعليمية المبثوثة في تلك النواحي من حول قريته نورس.. وكان يستوعب كل ما يقدم له من علم، وسرعان ما أضحى لا يجد ما يستجيب لنهمه التحصيلي في المراكز التي يقصدها. من هنا كانت إقامته في تلك المراكز ظرفية، إذ كان يتوق إلى الاستزادة المعرفية الحقَّة .. وظل يرتحل من مركز إلى مركز، ومن عالم إلى آخر…. حتى حفظ ما يقرب من تسعين كتابًا من أمهات الكتب.

وتهيأ بعد ذلك وبفضل المحصول العلمي الجم الذي اكتسبه في طفولته المبكرة تلك، أن يجلس إلى المناظرة ومناقشة العلماء، وانعقدت له عدة مجالس تناظر فيها مع أبرز الشيوخ والعلماء في تلك المناطق، وظهر عليهم جميعًا ..وطارت شهرته في الآفاق.

وفي سنة 1314هـ(1897م) ذهب إلى مدينة "وان" وانكبّ فيها بعمق على دراسة كتب الرياضيات والفلك والكيمياء والفيزياء والجيولوجيا والفلسفة والتاريخ؛ حتى تعمَّق فيها إلى درجة التأليف في بعضها فسمّي بـ "بديع الزمان" اعترافًا من أهل العلم بذكائه الحاد.. وعلمه الغزير.. واطلاعه الواسع.

في هذه الأثناء نُشر في الصحف المحلية أن وزير المستعمرات البريطاني "غلادستون" قد صرّح في مجلس العموم البريطاني وهو يخاطب النواب قائلاً: "ما دام القرآن بيد المسلمين فلن نستطيع أن نحكمهم، لذلك فلا مناص لنا من أن نزيله من الوجود أو نقطع صلة المسلمين به". زلزل هذا الخبر كيانه وأقضّ مضجعه فأعلن لمن حوله: "لأبرهنن للعالم بأن القرآن شمس معنوية لا يخبو سناها ولا يمكن إطفاء نورها". فشد الرحال إلى استانبول عام 1325هـ (1907 م)، وقدّم مشروعًا إلى السلطان عبد الحميد الثاني –رحمه الله- لإنشاء جامعة إسلامية في شرقي الأناضول، أطلق عليها اسم "مدرسة الزهراء" – على غرار الأزهر الشريف- تنهض بمهمة نشر حقائق الإسلام وتدمج فيها الدراسة الدينية مع العلوم الكونية الحديثة على وفق مقولته: "ضياء القلب هو العلوم الدينية، ونور العقل هو العلوم الحديثة، فبامتزاجهما تتجلّى الحقيقة، فتتربّى همة الطالب وتعلو بكلا الجناحين، وبافتراقهما يتولد التعصب في الأولى والحيل والشبهات في الثانية".

في سنة 1329هـ ( 1911 م) سافر إلى الشام، والتقى برجالاتها وعلمائها، وبسبب ما لمسوا فيه من علم ونجابة، استمعوا إليه في الجامع الأموي الشهير وهو يخطب في الآلاف من المصلين خطبة حفظها لنا الزمن واشتهرت في تراثه بـ"الخطبة الشامية ". لقد كانت تلك الخطبة برنامجًا سياسيًا واجتماعيًا متكاملاً ..

وباندلاع الحرب كان طبيعيًا أن يهب بديع الزمان في طليعة المجاهدين، فشكل فرقًا فدائية من طلابه، واستمات معهم في الدفاع عن حمى الوطن في جبهة القفقاس، وجرح في المعارك مع الروس وأسر (1334 هـ) واقتيد شبه ميت إلى " قوصتورما" من مناطق سيبيريا في روسيا حيث قضى سنتين وأربعة أشهر، هيأ له الله أثناء "الثورة البلشفية" الانفلات، فعاد إلى بلاده (19 رمضان 1336/8 يوليو 1918) واستقبل استقبالاً رائعًا من قبل الخليفة وشيخ الإسلام والقائد العام وطلبة العلوم الشرعية، ومنح وسام الحرب. وكلَّفته الدولة بتسلّم بعض الوظـائف، رفضها جميعًا إلاّ ما عينته له القيادة العسكرية من عضوية في "دار الحكمة الإسلامية"، التي كانت لا توجه إلاّ لكبار العلماء، فنشر في هذه الفترة أغلب مؤلفاته باللغة العربية منها: تفسيره القيّم "إشارات الإعجاز في مظان الإيجاز"، الذي ألفّه في خِضَمّ المعارك، و"المثنوي العربي النوري".

وبعد دخول الغزاة إلى استانبول (13/11/1919) أحس النورسي أن طعنة كبيرة وجهت إلى العالم الإسلامي، فكان حتما أن يقف في طليعة من يتصدى للقهر والهزيمة، فسارع إلى تحرير كتيب" الخطوات الست" حرك به همة مواطنيه، ووضع تصوره لرفع المهانة وإزالة عوامل القنوط التي ألحقتها الهزيمة بالعثمانية والمسلمين عامة..

وفي هذه الفترة (أي منذ 1922م) وُضعت قوانين واُتخذت القرارات لقلع الإسلام من جذوره، وإخماد جذوة الإيمان في قلب الأمة التي رفعت راية الإسلام طيلة ستة قرون من الزمان. فأُلغيت السلطنة العثمانية في (1/11/1922) وأعقبه إلغاء الخلافة في (3/3/1924)

وقام الشيخ سعيد بيران (البالوي) النقشبندي (13/2/1925) بالثورة ضد السلطة آنذاك، وطلب قائد الثورة من بديع الزمان استغلال نفوذه لإمداد الثورة إلا أنه رفض المشاركة وكتب رسالة إليه جاء فيها:

"إن ما تقومون به من ثورة تدفع الأخ لقتل أخيه ولا تحقق أية نتيجة، فالأمة التركية قد رفعت راية الإسلام، وضحّت في سبيل دينها مئات الألوف بل الملايين من الشهداء، فضلاً عن تربيتها ملايين الأولياء، لذا لا يُستل السيف على أحفاد الأمة البطلة المضحية للإسلام، الأمة التركية، وأنا أيضًا لا أستلُّه عليهم" .

ورغم ذلك لم ينجُ بديع الزمان من شرارة الفتن والاضطرابات؛ فنفي مع الكثيرين إلى "بوردو" ، ووصل إليها في شتاء سنة 1926م. ثم نفي وحده إلى ناحية نائية وهي "بارلا" جنوب غربي الأناضول. يقول عن نفسه في هذه الفترة: "… صرفت كل همي ووقتي إلى تدبّر معاني القرآن الكريم. وبدأت أعيش حياة " سعيد الجديد".. أخذتني الأقدار نفيًا من مدينة إلى أخرى.. وفي هذه الأثناء تولَّدت من صميم قلبي معاني جليلة نابعة من فيوضات القرآن الكريم.. أمليتها على مَن حولي من الأشخاص، تلك الرسائل التي أطلقت عليه "رسائل النور"، وهكذا استمر الأستاذ النورسي على تأليف رسائل النور حتى سنة 1950م وهو يُنقل من سجن إلى آخر ومن محكمة إلى أخرى ..هكذا طوال ربع قرن من الزمان. ولم يتوقف خلاله من التأليف والتبليغ حتى أصبحت في أكثر من (130) رسالة، جمعت تحت عنوان "كليات رسائل النور" التي لم تتيسر لها أن ترى طريقها إلى المطابع إلا بعد سنة 1954م. وكان الأستاذ النورسي يشرف بنفسه على الطبع حتى كمل طبع الرسائل جميعها.

لبىّ النورسي نداء ربه الكريم في الخامس والعشرين من رمضان المبارك سنة 1379هـ الموافق 23 آذار1960 م فدفن في مدينة "أورفة".. ولكن السلطات العسكرية الحاكمة لم تدعه يرتاح حتى في قبره؛ إذ قاموا بعد أربعة أشهر من وفاته بهدم القبر، ونقل رفاته بالطائرة إلى جهة مجهولة، بعد أن أعلنوا منع التجول في مدينة "أورفة". فأصبح قبره مجهولا حتى الآن لا يعرفه الناس. تغمده الله برحمته الواسعة وأسكنه فسيح جناته.

إحسان قاسم الصالحي
مدير مركز بحوث رسائل النور – استانبول

لهذا اسمك رسائل النور اختيار ممتاز للإسم و المقالة أثرتي فضولي في قراءة رسائل النور وباذن المولي تعالي سأقرؤها رحم الله بديع الزمان"سعيد النورسي" ويارب نري أمثاله من المجاهدين والداعين لدين الله علي بصيرة اللهم ارزقنا الإخلاص في القول والعمل
أحيكِ لنقل المقالةالرائعة لنا .. جزاكِ الله خيراً

لهذا اسمي رسائل النور

ورسائل النور نفع الله بها ملايين المسلمين في تركيا وغيرها
وانتِ عندما تقرائين رسائل النور يتولد في قلبك تعظيم الله تعالى ومحبته وعشق الاسلام
ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم بل الذي يستشعرها يشعر قيمة الحياة ومعناها
فهي هبة من هبات الله لعباده

شكرا جزيلا لك وبارك الله فيك وجزاكِ الله خير

وهذا الموقع لكتب رسائل النور

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.