فإن الناظر في حال الأمة يجد أنها تعيش بين ثلاث أحوال :ـ
فمنهم من يعيش في سهو ولهو وتخبط ومعاصي ، وهذا حال اغلب عوام المسلمين إلا من رحم ربك.
ومنهم من خالف السنة وسلك غير سبيل المؤمنين من الصحابة والتابعين والعلماء الربانيين ، فمنهم من اسجراه هواه ، ومنهم من ضل بجهله وتركه لسنة النبي صلى الله عليه وسلم وما أكثرهم لا كثرهم الله.
ومنهم من علم الحق وطريقه ومنابعه فنهل منه واتبع ولزم الصراط الذي أراده الله من عباده ، فهو على الحق والخير حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.
أما الصنف الأول فالحديث في هذا الموضوع عنهم ولهم.
وأما الصنف الثاني فإن الله تعالى قد أجرى سنته بأن يتولى أمرهم والتصدي لبدعهم واهوائهم علماء أهل السنة ، ولست في صدد الكلام عنهم وان كانوا هم باب الشر والبلاء الذي قد فتح على المسلمين ، فاترك الكلام عنهم لمطارق وسيوف حماة الدين من العلماء الربانيين .
وأما الصنف الثالث أهل الحق واتباعه وأنصاره ، أولئك الذين عضوا على السنة بنواجذهم فيكفيهم وصف محمد صلى الله عليه وسلم لهم بقوله [ من يرد الله به خيرا يفقه في الدين ، وإنما أنا قاسم والله يعطي ، ولن تزال من هذه الأمة أمة قائمة على أمر الله ، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك ] متفق عليه.
ولعل لهم في بعض ما يرد من كلام في الموضوع نصيب.
أيها الأحبة في الله :
إن الناظر إلى حال هذه الأمة يجد أن اغلبهم قد غاص في الذنوب واستهوتهم الشياطين ، إلا من رحم الله ، حتى صار همهم في الدنيا ولها ، وصار عيشهم للذة والحصول عليها ، لقد اصبح التنافس على هذه الدنيا وملذاتها هو الشغل الشاغل لأغلب الأمة ، حتى كأننا نرى تخوف النبي صلى الله عليه وسلم واقع في الأمة حيث قال صلى الله عليه وسلم [ ما الفقر أخشى عليكم ، ولكن أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم ، فتنافسوها كما تنافسوها ، فتهلككم كما أهلكتهم ] متفق عليه .
حتى بلغ الحال بالمسلم إلى اليأس فصار ينظر إلى الإسلام بعين حاله وبرزية نفسه ، يأس من نصر الله للأمة لما يأس هو من انتصاره على نفسه وشيطانه.
لقد بلغ اليأس في كثير من المسلمين حتى صار عندهم مثل دارج يضربونه في الشيء المستحيل وهو قولهم (( أملك مثل أمل فلسطين )) إلى هذا الحد بلغ بهم اليأس أن صار استنقاذ واستعادة بلاد المسلمين عندهم أمر صعب المنال أو مستحيل الحصول.
لماذا ..
لأنه ترك إتباع ما أمر الله به وما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم ..
لأنه غرق في ظلمات المنكرات وسار على غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم حتى ران على القلب ما كسب من انتهاك حدود الله عز وجل.
ينظر أحدهم إلى حال المسلمين فيقول .. مستضعفين.. أذلاء .. مستصغرين ، ولا يعلم أن الأسباب من كسب يده ومن كسب أيدي المسلمين ، قد يعلم وقد لا يعلم أن ترك القرآن والسنة وترك اتباع أوامر الله ورسوله هي السبب في بلوغ الأمة إلى هذه الحال.
أما لو علم هؤلاء وتيقنوا أن هذا من كسب أيديهم ، وبدؤوا يعودون إلى الله ويطلبون مرضاته ، أما لو وقفوا على قوله صلى الله عليه وسلم [ كتب الذل والصغار على من خالف أمري ] ، فكيف سينظرون إلى أنفسهم ، حينما يرون انهم وقعوا في المخالفة وقد وقع على الأمة بسببهم وأمثالهم الذل والصغار ، فهل لليأس مكان عند معرفة أسباب الذل ومعرفة أسباب رفعه ، وكيف لو وقفوا على قوله صلى الله عليه وسلم : [ يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها ،فقال قائل : من قلة نحن يومئذ؟ ، قال : بل أنتم يومئذ كثير ، ولكنكم غثاء كغثاء السيل ، ولينزعنّ الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفنّ الله في قلوبكم الوهن. فقال قائل ! وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت ] .
إذا لو نظر المسلم إلى هذه النصوص لعلم أن الذل والصغار وغلبة الأمم علينا إنما تكون بسبب مخالفتنا لامر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
فهل يبقى على اليأس من عرف أسباب هذه البلايا التي أحاطت بالأمة ، ويكفي العاقل اللبيب أن يقرأ قوله تعالى { ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى } فيعلم أن المعيشة والحياة الضنك مكتوبة على من أعرض عن ذكر الله ولم يعمل به.
أيها الأحبة : إن في نصوص الكتاب والسنة لخير دليل وسبيل للذين يأسوا من النصر والعزة ، فان ينظروا ويتمعنوا سيجدون أن الطريق إلى العز والنصر واحد وهو الوقوف عن الغي وعن مخالفة أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، إن المسلمين لو علموا وفقهوا ذلك وعملوا له وبدؤوا بالتوجه إلى الله وتوجيه أبنائهم إلى طريق السنة والعمل بها والبعد عن مخالفتها لأعزهم الله بنصره ولأمدهم بجنده ، فيظهر عندها أمر الدين ويرفع الذل والصغار عنا .
ولكن كيف وقد جهل الكثير بل الأكثر هذا الأمر ، فتجد الناس في مخالفة لامر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، واتباع لأهوائهم وشهواتهم ، وترك لأوامر الله عز وجل واجتراح لحدوده سبحانه.
يصفقون لكل ناعق من أهل الخرافة والبدعة والشرك ، ويأنسون لأهل الفسوق والفجور والمعاصي قال تعالى { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم }.
وأيــن السنــة ؟؟؟؟ ….
إنها سبيل النصر والتمكين ، والمجد والرفعه ، والهدى والخير ، إنها الطريق القويم والصراط المستقيم {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون }.
إن السنة هي طريق الهدى والبشرى قال تعالى { فبشر عباد*الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب } …
نعم.. سنة محمد صلى الله عليه وسلم طريق النصر والعز فمن اتبع هذا السبيل وجعله مسلكه فإنه موعود بالعزة
{ فلله العزة ولرسوله وللمؤمنين } ، فلا ينظر أحد إلى هواه وحديث نفسه بل إلى البشارة لمن اتخذ السنة طريقا إلى ذلك الفوز العظيم ولا فوز ولا نصر إلا من طريق السنة.
وهاك هذا الحديث والأثر الذي فيه دلالة بالغة على هذا الأمر ، فهذا أبو هريرة رضي الله عنه كان يقول : ( والله الذي لا إله إلا هو لولا أبو بكر استخلف ما عبد الله ، ثم قال ثانية ، ثم قال ثالثة ، فقيل له : مه يا أبا هريرة ، فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه أسامة بن زيد في سبعمائة إلى الشام ، فلما نزل بذي خشب قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتدت العرب حول المدينة ، فاجتمع إليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا أبا بكر رد هؤلاء ، توجه هؤلاء إلى الروم وقد ارتدت العرب حول المدينة ؟! فقال : والذي لا إله غيره ، لو جرت الكلاب بأرجل أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رددت جيشا وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا حللت لواء عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوجه أسامة ، فجعل لا يمر بقبيل يريدون الارتداد إلا قالوا : لولا أن لهؤلاء قوة ما خرج مثل هؤلاء من عندهم ، ولكن ندعهم حتى يلقوا الروم ، فلقوا الروم فهزموهم وقتلوهم ورجعوا سالمين ، فثبتوا على الإسلام ).
فانظروا رعاكم الله إلى التمسك بعهد محمد وبسنته و كيف كانت بابا للنصر وتثبيتا للعرب على الإسلام ، ولو التفت أبو بكر رضي الله عنه إلى غير طريق النبي صلى الله عليه وسلم لكانت الفاجعة التي أقسم عليها أبو هريرة رضي الله عنه ، ولكنه لم ينظر إلى غير المسلك الذي أمر به محمد صلى الله عليه وسلم ولم يترك عقله ولا عقل غيره يحول بينه وبين السير على درب رسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد علم رضوان الله عليه أن نصر الله وتمكينه للمسلمين لا يكون في ترك السنة واتباع ما أراده غيره ، بل كان على يقينه الدائم وتصديقه الراسخ بأنه لا طريق إلى العز والجنة إلا من طريق محمد صلى الله عليه وسلم .
فأين تذهب بنا عقولنا وكيف يظن ظان بأن الذل والاستصغار يدوم ، كيف وسلاح النصر والعز بين أيدينا ولكننا تركناه وأعرضنا عنه ، ولماذا لا نتمسك بهذا السلاح وهذا السبب الذي تجنى ثمراته عزا ونصرا وقوة في الدين والقلب وتمكينا على الأرض ، حتى نكون ممن قال الله تعالى فيهم {{ الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم والوكيل }} حيينها لن يخشى مؤمن ذلا ولا قهرا بل { لله العزة ولرسوله وللمؤمنين } نعم فمن سلك سبيل الله تبارك وتعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فإنه مكفي بإذن الله عز وجل { أليس الله بكاف عبدة } ومن كانوا أتباع لسنة عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فإنهم مكفيون بإذن الله تعالى.
أيها الأحبة ليس بيننا وبين النصر والتمكين سوى السير على طريق النبي صلى الله عليه وسلم والذي عمل به أصحابه رضوان الله عليهم ونقله لنا أتباعهم ويحمله لنا اليوم العلماء الربانيون من أهل السنة السلفيين ، فلماذا نترك السنة وننسى العمل بها وتعليمها لأبنائنا وحثهم على التمسك بها وتعلمها والدعوة إليها وترك كل طريق مخالف لها من بدع وشرك وذنوب ومعاصي.
إذا فالنصر له أسبابه ، وجماع الأمر هو سلوك سبيل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والسلف الصالح ، كما أن للهوان والذل الذي يعيشه أغلب المسلمين أسبابه واقرأ قوله تعالى { فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يهلكهم ببعض ذنوبهم } فاحذروا مخالفة أمر الله ورسوله واحذروا سلوك غير سبيل المؤمنين ، فانه أساس البلاء والفتن والذل والصغار.
وانظروا إلى قوله تعالى { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } فهذا تحذير من الله تبارك وتعالى بأن من خالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم فهو على وشك أن يصاب بفتنة أو بعذاب.
وإلى قوله تعالى { وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم } إذا فترك طاعة الله ورسوله من أسباب التنازع والفشل .
وانظروا إلى قوله تعالى { إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين } ، وإلى قول النبي صلى الله عليه وسلم [ وجعل الذل والصغار على من خالف أمري ].
هنا أيها الاخوة نقول أنت أيها المسلم بعد أن تعلم أسباب الهوان والذل والاستصغار وبعد أن تعلم كيف تنجو الأمة منه وما هو الطريق إلى ذلك ، فهل يبقى لليأس مكان في قلبك لا …
ولكن اعمل لاسباب النصر ، إبدأ بنفسك وأهل بيتك واعمل بالسنة وتعلمها وادع إليها فلو عمل المسلمون بهذا لكان للأمة مكانتها الحقيقة والتي فقدناها بكسب أيدينا.
واعلموا أن دين الله محفوظ وباق وهو كامل وقد قضى الله أن تكون بيننا من هذه الأمة طائفة تحمله وتقوم به إلى يوم القيامة
قال صلى الله عليه وسلم [ ولن تزال من هذه الأمة أمة قائمة على أمر الله ، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك ] متفق عليه.
وهنا أقول إن اليأس لا مكان له في قلب مؤمن علم وسمع وعد الله بإظهار أمر هذه الأمة ولو بعد حين وليس لنا إلا سلوك السبيل الذي يحقق لنا النصر من عند الله تبارك وتعالى .
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك ، اللهم وفقنا لاتباع أمرك وأمر نبيك صلى الله عليه وسلم وانصرنا على عدونا ، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ،،،،
تنبيه : هذا مقال كتبه أحد الأخوة الأفاضل جزاه الله خيرا نقلته بتصرف لما فيه من الفائدة ….
أخوكم
أبو عمر