اسمه
هو نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي, أبو القاسم ، التركي ، السلطاني ، الملك العادل ، ليث الإسلام.
ولادته ونشأته
ولد نور الدين محمود في 17 شوال 511هـ/ فبراير 1118م، أي بعد حوالي عشرين عامًا من سقوط القدس في أيدي الصليبيين، وقد تربى نور الدين على القرآن والتقوى وحب الجهاد، فوالده هو عماد الدين زنكي بن أقسنقر أمير الموصل وحلب، وصاحب البلاء الحسن في جهاد الصليبيين، وهو الذي فتح الرها، وأسقط المملكة الصليبية التي قامت فيها، واشتهر بعد مقتله بلقب ‘الشهيد’، وجده أقسنقر كان واليًا على الموصل والجزيرة الفراتية وحلب، وخاض المعارك ضد الصليبيين في شمال بلاد الشام، وعرف بالصلاح والتقوى.
خصاله التي كانت وراء نجاحه في حرب الصليبيين
1- كان قائدًا ربانيًا، عرف بتقواه وورعه، فقد كان حريصًا على أداء السنن، وقيام الليل بالأسحار، فكان ينام بعد صلاة العشاء، ثم يستيقظ في منتصف الليل، فيصلي ويتبتل إلى الله بالدعاء حتى يؤذن الفجر، كما كان كثير الصيام، وتميز بفقهه وعلمه الواسع، فلقد تشبه بالعلماء، واقتدى بسيرة السلف الصالح، وكان عالمًا بالمذهب الحنفي، وحصل على الإجازة في رواية الأحاديث، وألف كتابًا عن الجهاد .
2– كان زاهدًا أمينًا، فقد كان أدنى الفقراء في زمانه أعلى نفقة منه، من غير اكتناز، ولا استئثار بالدنيا، وعندما شكت له زوجته الضائقة المادية أعطاها ثلاثة دكاكين له بحمص، وقال: ‘ليس لي إلا هذا، وجميع ما بيدي أنا فيه خازن للمسلمين لا أخونهم، ولا أخوض في نار جهنم لأجلك
‘.
3– كان متواضعًا محبوبًا، قال له الفقيه قطب الدين النيسابوري يومًا: ‘بالله عليك لا تخاطر بنفسك وبالإسلام، فإن أصبت في معركة لا يبقى أحد من المسلمين إلا أخذه السيف، فقال له نور الدين: يا قطب الدين!! ومن محمود حتى يقال له هذا؟ قبلي من حفظ البلاد والإسلام، ذلك الله الذي لا إله إلا هو
‘
4-كان حريصًا على تطبيق أحكام الشرع، وأشهى شيء عنده كلمة حق يسمعها، أو إرشاد إلى سنة يتبعها، وقد ألغى جميع الضرائب التي تزيد عن الحد الشرعي، بالرغم من الدخل الكبير التي تدره، والحاجة الماسة إليه لأغراض الجهاد، وكان يقول: ‘نحن نحفظ الطريق من لص وقاطع طريق، أفلا نحفظ الدين ونمنع ما يناقضه‘.
5-كان يُكرم العلماء، ويبالغ في ذلك فكان إذا دخل عليه العالم الفقيه، أو الرجل الصالح، قام هو إليه، وأجلسه، وأقبل عليه مظهرًا كل احترام وتوقير، وكان يقول عن العلماء: ‘هم جند الله، وبدعائهم نُنصر على الأعداء، ولهم في بيت المال حق أضعاف ما أعطيهم، فإن رضوا منا ببعض حقهم فلهم المنة علينا.
6– كان أبيًا عزيزًا شهمًا شجاعًا يغار على حرمات المسلمين، ولا يهدأ له بال حتى ينصرهم وينتقم لهم.
7- كان لحوحًا في الدعاء، ولا يرجو النصر إلا من الله، فعندما رأى جموع الصليبيين الهائلة قبيل معركة حارم، انفرد بنفسه تحت تل حارم وسجد لله ومرَّغ وجهه وتضرع قائلاً: ‘يا رب هؤلاء عبيدك وهم أولياؤك، وهؤلاء عبيدك وهم أعداؤك، فانصر أولياءك على أعدائك‘
ماطرأ على الدولة الإسلاميه بعد وفاة والده عمادالدين زنكي:
وبعد وفاة عماد الدين زنكي اقتسم ولداه: سيف الدين غازي ونور الدين محمود دولته، فاستقر الأول بالموصل وثبّت أقدامه بها، وانفرد الآخر بحكم حلب، وكان الحد الفاصل بين أملاك الأخوين هو نهر الخابور، وكان كلا الأخوين مؤهلا لما وجهته له الأقدار، فكان سيف الدين غازي صاحب سياسة وأناة، على حين كان نور الدين مجاهدا مخلصا جياش العاطفة صادق الإيمان‘و قرب إمارته في حلب من الصليبيين جعله أكثر الناس إحساسا بالخطر الصليبي.”.
أعماله
1-استعادة الرها‘.الجهاد ضد الصليبين:
استهل نور الدين حكمه بالقيام ببعض الهجمات على إمارة إنطاكية الصليبية، واستولى على عدة قلاع في شمال الشام، ثم قضى على محاولة "جوسلين الثاني" لاستعادة الرها التي فتحها عماد الدين زنكي وكانت هزيمة الصليبيين في الرها أشد من هزيمتهم الأولى.
2-ضم دمشق
آمن نور الدين بضرورة وحدة الصف، وانتظام القوى الإسلامية المبعثرة بين الفرات والنيل ، وكانت دمشق تقف حجرة عثرة في طريق تلك الوحدة، وكان معين الدين أنر صاحب السلطة الفعلية في دمشق يرتبط بعلاقات ودية مع الصليبيين ، وبعد وفاته قام "مجير الدين أبق" بحكم دمشق، وجرى على سياسة أنر في التعامل مع الصليبيين، بل أظهر ضعفا ومذلة في التعامل معهم،.
ولم يسكت نور الدين على هذا الوضع المهين، واستثمر شعور الغضب الذي أبداه الدمشقيون، ونجح بمساعدتهم في الإطاحة بمجير الدين أبق وضم دمشق إلى دولته في سنة (549هـ = 1154م) وكانت هذه الخطوة حاسمة في تاريخ الحروب الصليبية؛ حيث توحدت بلاد الشام تحت عامة نور الدين: من الرها شمالا حتى حوران جنوبا.
3-الطريق إلى مصر
بعد نجاح نور الدين في تحقيق المرحلة الأولى من توحيد الجبهة الإسلامية لم يعد أمام الصليبيين للغزو والتوسع سوى طريق الجنوب بعد أن أحكم نور الدين سيطرته على شمالي العراق والشام؛ ولذا تطلع الصليبيون إلى مصر باعتبارها الميدان الجديد لتوسعهم، وشجعهم على ذلك أن الدولة الفاطمية في مصر تعاني سكرات الموت فاستولوا على عسقلان،مستغلين الفوضى في البلاد، وتحولت نياتهم إلى عزم حيث قام "بلدوين الثالث" ملك بيت المقدس بغزو مصر سنة (558هـ = 1163م) محتجا بعدم التزام الفاطميين بدفع الجزية له، غير أن حملته فشلت.
وأثارت هذه الخطوة الجريئة مخاوف نور الدين، فأسرع بشن حملات على الصليبيين في الشام حتى يشغلهم عن الاستعداد لغزو مصر، ودخل في سباق مع الزمن للفوز بمصر، فأرسل عدة حملات إليها تحت قيادة "أسد الدين شيركوه" وبصحبته ابن أخيه صلاح الدين الأيوبي واستمرت نحو خمس سنوات حتى نجحت في الظفر بمصر سنة (564هـ = 1169م) وتولى شيركوه الوزارة للخليفة "العاضد" آخر الخلفاء الفاطميين، على أنه لم يلبث أن توفي بعد شهرين فخلفه في الوزارة صلاح الدين الأيوبي.
نجح صلاح الدين الأيوبي في إقامة الأمن واستتباب الأمور وتثبيت أقدامه في البلاد، وجاءت الفرصة المناسبة لإسقاط دولة الفاطميين؛ فقطع الدعاء للخليفة الفاطمي ودعا للخليفة العباسي في أول جمعة من سنة (567هـ = سبتمبر 1171م).
وكان لدخول مصر تحت حكم دولة نور الدين محمود دوي هائل، لا في مملكة بيت المقدس وحدها بل في الغرب الأوروبي كله، وارتفعت الأصوات لبعث حملة جديدة تعيد للصليبيين في الشام هيبتهم وسلطانهم، وتوجه لمصر ضربات قوية، غير أن حملتهم على مصر لم تحقق أهدافها ليقظة صلاح الدين في مصر.
وبنجاح نور الدين في ضم مصر إلى جبهة الكفاح يكون قد حقق الحلقة الأخيرة من حلقات الجبهة الإسلامية تمهيدا للضربة القاضية التي قام بها صلاح الدين حين فتح بيت المقدس؛وبذلك يكون نور الدين هو من مهد فتح بيت المقدس لصلاح الدين.
أقوال الصالحين فيه:
يصفه ابن كثير فيقول: ‘ولم يُسمع منه كلمة فحش قط في غضب ولا رضى، صموتًا وقورًا… ومجلسه لا يذكر فيه إلا العلم والدين والمشورة في الجهاد’
ويثني عليه ابن الأثير فيقول: ‘طالعت تواريخ الملوك المتقدمين قبل الإسلام وفيه إلى يومنا هذا، فلم أرَ بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبد العزيز أحسن سيرة من الملك العادل نور الدين:
وفــــــــــــــــــــــــــــــــــــاته
وبينما كان نور الدين محمود يستعد للسير إلى مصر، فاجأته الحمى، واشتد به المرض حتى لقي الله في (11 من شوال 570هـ = 15 من مايو 1174م) وهو في التاسعة والخمسين من عمره، وكان لموته رجة عنيفة في العالم الإسلامي، وشعر الناس بحجم الخسارة، وعظم المصيبة التي حلت بهم.
وشاء الله تعالى أن تظل سلسلة المجاهدين قائمة، فكلما غاب من الميدان زعيم نهض من بعده زعيم، وكل خلف يزيد عن سابقه في المواهب والملكات، حتى انتهت الراية إلى صلاح الدين الأيوبي فحقق ما كان أمنية في الصدور وخاطرا في العقول.
وكن رجلا إن أتوا بعده *** يقولون مر وهذا الأثر
وأبقى غريبة
بارك الله فيكِ
حماك الرحمن ورعاك
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ،،
بوركتـِ غاليتي
سيرة عطرة طيبة لشخصية من الشخصيات العظيمة ممن تركوا…
بصمات مشرقة ومشرفة على جبين التاريخ ،،
وسطروا لنا مجداً تليدا..
جزيتـِ خيرا..
..
كلما قرأت سيرته سمت روحي .. وصغرت الدنيا أمامي
لم يغره سلطان ولا مال ولا جاه .
قضى عمره مجاهدا .. ولقي ربه راضيا .
جزاك الله خيرا حبيبتي غريبة
فقد فتحت لنا صفحات بيضاء مشرقة من سيرة شخصية كريمة مجاهدة .