يقول الله تعالى(اقترب للناس حسابهموهم في غفلة معرضون ما يأثيهم من ذكر من
ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون لاهيةقلوبهم)"الأنبياء"
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عبد الله بنمسعود رضي الله عنة)اقتربت الساعة ولا يزداد الناس علىالدنيا إلا حرصا ولا يزدادون من الله إلا بعدا) "صحيحالجامع"
وقد أصيبت الأمة بهذاالمرض العضال والداء المخوف إلا من رحم الله إلا وهو الغفلة فأحببت أن أتكلم عنهاعسى الله أن ينفع بكلامي انه ولي ذلك والقادر عليه فأتكلمعن :
أولا :تعريف الغفلةوحقيقتها .
ثانيا":أسباب الغفلة.
ثالثا":أنواعالغفلة .
رابعا":علاج مرض الغفلةوالله المستعان.
أولا" :-
– ما هي الغفلة ؟ وما حقيقتها ؟
– تعريفها :سهو يحدث للإنسان نتيجة عدم التحفظ والتيقظ .
– وأما حقيقتها:فهو الانغماس في الدنيا والشهوات ونسيان الآخرة بحيثيصير الإنسان له قلب لا يفقه وله عين لا ترى وله أذن لا تسمع فيصير كالأنعام بل هوأضل ، فيجتهد في تعمير الدنيا وتخريب الآخرة الباقية، فيكره لقاء الله واليوم الآخرلأنه يكره أن ينتقل من العمران إلى الخراب، فتراه يبني على الأرض القصر وينسى القبر، تراه يملأ بطنه مما لذ وطاب حلالا كان أو حراما وينسى يوم الحساب، تراه متلبسبالنعمة وينسى شكر رب النعمة، تراه منغمس في الذنوب والمعاصي وقلبه من عدم ذكر اللهقاسي، تراه هلوعا جزوعا منوعا فهو في الشهوات منغمس وفي الشبهات منتكس، وعن الناصحمعرض وعلى المرشد معترض، عقلة مسبى في بلاد الشهوات، وأمله موقوف على اجتناءاللذات، وسيرته جارية على أسوأ العادات وهمته واقفة مع السفليات، ودينه مستهلكبالمعاصي والمخالفات .
قال تعالى(ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهمقلوب لا يفقهون بها ولهم أعينلا يبصرون بها ولهم آذانلا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك همالغافلون ) "الأعراف"
خلق الله خلقاكثيرا للنار والسبب أن لهم قلوب لا يفقهون بها أي لا يعلمون بها الحق والهدى والبحثعن دلائله ولهم أعين لا يبصرون بها بصر اعتبار وتأمل وتلمس طرق الرشاد كما قالتعالى ( وإن يرو سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يرو سبيل الغي يتخذوه سبيلا)
ولهم آذان لا يسمعون بها القران والمواعظ سماع تدبروتفكر وتذكر بل مثلهم(كمثلالذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون) "البقرة"
أولئك كالأنعام في همتها الموقوفة على الآكل والشربوالتمتع بالشهوات كما قال تعالى(والذين كفرو يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوىلهم( "محمد"
بل هم أضل ، لماذا كانوا أضل من البهائم وهذا من اجلسببين :
* الأول : أن البهائمتميز بين الضار والنافع فتأتي ما ينفعها ولا تأتي ما يضرها أبدا وإن حملت عليةقهرا ( كفيل ابرهه ) أما هؤلاء الغافلون فترى أحدهم بتركه أعمال نعمة الفكر والعقليقدم على النار ولا يبالي فكانوا بفعلهم هذا أضل من الأنعام قال تعالى مخبر عنتحسر أهل النار وندمهم في يوم لا ينفع الندم(وقالوا لو كنانسمع أو نعقلما كنافيأصحاب السعير فاعترفوا بذنبهم فسحقاً لأصحاب السعير) "الملك"
* الثاني : أنالأنعام تذكر الله وتسبحه وتصلي إليه كما قال تعالى(كل قد علم صلاتهوتسبيحه)
أما هؤلاء الغافلون فترى أحدهم لا يذكرالله تعالى في اليوم ولو مرة فصاروا أضل من الأنعام
فلوأن هذا الغافل النائم ، الذي هو في كل واد هائم ، تجرد من نفسه ، ورغب في مشاركةأبناء جنسه ، وخرج من ضيق الجهل إلى فضاء العلم ، ومن سجن الهوى إلى ساحة الهدى،ومن نجاسة النفس إلى طهارة القدس ، لعلم معنى قولة تعالى)وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهممن رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين(
************************************************** ************************************
يتبع >>>>>>>>>>>>>>
– ماهي أسباب الغفلة ؟
فهو حب الدنيا وليسثمة ثان فحب الدنيا رأس كل خطيئة كما في الحكمة المشهورة والغفلة هي ثمرة حب الدنياقال تعالى(يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرةهم غافلون) "الروم"
قال الحسن البصري) والله ليبلغ أحدهم من علمه بدنياه أن يقلب الدرهم على ظفرهفيخبرك بوزنه ولا يحسن يصلى)
يقول ابن كثير في تفسيره"فأن أكثر الناس ليس لهم علم إلا بالدنيا وإكسابها وشؤونها فهم فيهاحذاق أذكياء في تحصيلها ووجوه مكاسبها وهم غافلون عن أمور الدين وما ينفعهم فيالدار الآخرة كام أحدهم مغفل لا ذهن له ولا فكرة" انتهى كلامه رحمه الله
يقول صلى الله عليةوسلم ": إن الله يبغض كل جعظري جواظ سخاب فيالأسواق جيفة بالليل حمار بالنهار عالم بأمر الدنيا جاهل بأمر الآخرة"صحيح الجامع
كأنة لم يخلق للعبادة وإنما خلق للدنياوشهواتها فأنه إن فكر فالدنيا وإن أحب فالدنيا وإن عمل فالدنيا فيها يخاصم ويزاحمويقاتل ، وبسببها يتهاون ويترك كثيراً من أوامر الله عز وجل وينتهك المحرمات منأجلها حتى أن أحدهم مستعد أن يترك الصلاة أو أن يؤخرها عن وقتها من أجل صفقة أواجتماع عمل أو مبارة كرة قدم أو موعد مهم ونحو ذلك ,وهم عن الآخرة هم غافلون .
الناسيجلسون مع بعضهم البعض كل حديثهم عن الدنيا ، عن المال ، عن النساء ، عن الشهوات ،عن الربح عن الخسارة , وهم عن الآخرة هم غافلون .
الناس تحفظ الأغاني وأسماء الممثلينوالممثلات والمطربين والمطربات الأحياء منهم والأموات, وهم عن الآخرة همغافلون.
ولئن سألتهم عن الصحابة والتابعين أو العلماء والزاهدين لا يعرفون شيئا إلامن رحم الله ، تقول لأحدهم كم تحفظ من القرآن يقول المعوذتان ، تسأله كم تحفظ منحديث المصطفى العدنان يقول حديثان الأول ( إن هذا الدين يسر ) الثاني ( من أمبالناس فليخفف ) والى الله المشتكي .
وهم بعملهم هذا يزعمون أنهم يبحثون عنالسعادة والراحة وهم لن يجدو إلا الشقاء والتعاسة فقد حكم الله تعالى حكما أزليا لاراد ولا معقب له فقال تعالى(ومن أعرض عن ذكري فأن لهمعيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لما حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلكأتتك آياتنا فنسيتها فكذلك اليوم تنسى)"طه"
ولقد أخبرنا الله حقيقة الدنيا وضرب لها المثل فقال تعالى(اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر فيالأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاماوفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور" (الحديد"
ولقد حذر منها النبي صلى الله علية وسلمفقال(احذروا الدنيا فأنها حلوة خضرة)"صحيحالجامع"
ولقدخشي النبي علينا منها فقال صلى الله علية وسلم) أبشروا وأملواما يسركم فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت علىالذين من قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم)"صحيحالجامع"
وضربلنا المثل ثم بين أنا لا شيء فقد صح عن النبي صلى الله علية وسلم أنه مر على شاةميتة فقال لأصحابه:"أترون هذه الشاة هينة علىأهلها"قالوا : من هوانها عليهم القوها قال صلى الله علية وسلم"والذي نفسي بيده للدنيا أهون على الله من هذه الشاة علىأهلها"
وقد حكمالنبي على من جعل الدنيا همة ومبلغ علمه بأشد العقوبات فقال صلى الله علية وسلم" " من بات والدنيا همة فرق الله عليه شمله وجعل فقره بين عينهولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له ، ومن بات والآخرة همة جمع الله عليه شمله وجعلغناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة" ) صحيح الجامع)
ونحن لانقول بترك الدنيا تماما ولزوم المسجد ليل نهار ولكن فرق كبير بن قول الله تعالى(هو الذي جعل لكم الأرض ذلولافامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه والية النشور("الملك" . وبين قولة تعالى(وسارعواإلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض)"آلعمران" . وقوله تعالى(وسابقوإلى جنة عرضها كعرض السماءوالأرض)"الحديد"
ولكن يوجدضوابط شرعية عند التعامل مع الدنيا ومنها : –
1- أن تكون الدنيا في أيدينا وليست في قلوبنا وأنتكون وسيلة وليست غاية.
2- اذا تعارضت الدنيا مع الآخرة نقدم الآخرة:
قال تعالى) في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبحلة فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله يخافون يوماتتقلب فيه القلوب والأبصار( "النور"
3- الإجمال في الطلب وعدم التنافس في الدنيا :
يقول صلى الله علية وسلم(أجملوا في الطلب فأن كل ميسر لماخلقله)"صحيحالجامع"
والإجمال: هو عدم الحرصوالتكالب على الدنيا فأن رزقك مقدر محتوم لن تزيد فيه ولن تنقص منة شيئا,
وعدم التنافس.
لقول رسولالله صلى الله علية وسلم في الحديث السالف الذكر ( ولكن أخشى عليكم الدنيا وفيةفتنافسوها كما تنافسها الذين من قبلكم فتهلككم كما أهلكتهم)
يقول الحسن البصري) من نافسك في دينك فنافسة ومن نافسك في دنياك فألقها فينحره(
4- عدم النظر إلىمن هو أعلى منك في الدنيا.
5-تحري الحلالناهيك عن حرام.
6- الرضا بالقليل وشكر الكثير.
************************************************** **************
يتبع >>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>
ثالثا":-
ماهي أنواع الغفلة ؟
أنواع الغفلة ثلاثة وقد ذكرهم الله تعالى فيالقرآن :
1- غفلة عنالتفكر في آيات الله :
ينظر الغافل إلى آيات الله في كل مكان من فوقه ومنتحته وعن يمينه وعن شماله ولكن قد أعمته غفلته عن الرؤية وعن الاعتبار قال تعالى(وكأين من آية في السموات والأرض يمرون عليها وهم معرضون)"يوسف ."
2- غفلة عن ذكر الله :
فلا يذكر الغافل ربة إلا قليلا وربما ماذكره ابدا فلايرجوه ولا يخاف منة يقول الله تعالى محذراً نبيه من ذلك(واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصالولا تكن من الغافلين) "الأعراف"
فلما غفل الإنسان عن ذكر الله ازداد مرضه مرضا فانتقلإلى النوع الثالث من أنواعالغفلة :
3-غفلة عن الموت والآخرة والمصير :
قالتعالى) وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ونفخفي الصور ذلك يوم الوعيد وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد لقد كنت في غفلة من هذافكشفنا عنك غطائك فبصرك اليوم حديد( "ق"
قالتعالى(وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهملا يؤمنون)"مريم"
وبالجملة فهوغافل عن الغاية التي خلق من اجلها غافل عن المصير الذي ينتظره لذا فأن من اشدالأمراض التي تصيب الإنسان هو مرض الغفلة والى الله المشتكي والله المستعان وعليةالتكلان .
************************************************** **************
يتبع >>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>
رابعا" :
ما هو علاج الغفلة ؟
وأما عن علاج مرض الغفلة :
1- تذكر الموت والآخرة :
قال رسول اللهصلى الله علية وسلم" أكثروا من ذكر هادم اللذات"
فان تذكر الموت يقطع على الإنسان التفكر في الدنيا ويمنع عنه شهواتهاولذاتها الباطلة
فيحدث للإنسانيقظة وهي انزعاج القلب لروعة الانتباه من رقدة الغافلين ، فإذا استيقظ أوجبت لهاليقظة فكرة فتنفتح في قلبه عين يرى بها أنعام اللهعلية وكرمه وإحسانه، ويرى بهاقبح فعلة واكتسابه ، ويرى بها حقيقة الدنيا وحقراتها وهوانها عند الله ، ويرى بهامشاهد الدار الآخرة من القبر وحسابه وانه سيكون في ظلمة القبر وحدة ويشاهد أهواليوم القيامة من البعث والنشور والعرض والحساب والصراط فينتقل إلى العزم وهو عزمالقلب على التوبة والرجوع والإنابة ومفارقة كل قاطع ومعوق ومرافقة كل معين وموصل .
2- دمعة من عين القلب في جوف الليل :عندما ينزل الله تعالى بلا كيف نحوالسماء إذا مضى الثلثان فيقول هل من سائل فأجيبه هل من منيب طالب الغفران عندهافيكون من هؤلاء الناس ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه يستغفر ويبكي بدمعالندم على ما فرط في جنب الله تعالى يناجي ربة ويقول :
لبست ثوب الرجا والناس قد رقدو *** وقمت أشكو إلى مولاي ماأجد
وقلت يا عدتي من كل نائبة *** ومن علية في كشف الضرأعتمد
أشكو إليك أمورا أنت تعلمها *** مالي على حملها صبر ولا جلد
وقدمددت يدي بالذل معترفا *** إليك يا خير من مدت إليه يد
فلاتردها يارب خائبة *** فبحر جودك يروي كل منيرد
حينها يأتيك صوت الغفور الرحيم(قل يا عبادي الذينأسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفورالرحيم)"الزمر" .
يقول لك يا عبدي جئتني تقول ربي أثقلت ظهري ذنوب أمثالالجبال ونسيت قولي(ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربينسفا فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتى)" طه" .
عبدي:إنك ما دعوتني و رجوتني غفرت لك على ما كان منك و لا أبالي ياابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك و لا أبالي يا ابن آدم لوأنك أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة"حسن" . فتخرج من صلاتك وقد غفر لك الله الذنب وستر عليك العيب وفرج عنكالهم والكرب، تخرج من صلاتك لك قلب جديد وعين جديدة واذن جديدة قلب يفقه وعينتبصر واذن تسمع فترى الأشياء وكأنك أول مرة تراها وتسمع الأصوات وكأنك أول مرة تسمعفتخرج من رداء الغافل وتلبس رداء التائبالمنيب
3- الصحبة الصالحة المعينة على الثبات على الطريق قال تعالى) واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجه ولا تعدعيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من اغفنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواهوكان إمرة فرط )ا" الكهف ."
وقد صح عن النبي صلى الله علية وسلم انه قال( إنما مثل الجليسالصالح و جليس السوء كحامل المسك و نافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك و إما أنتبتاع منه و إما أن تجد منه ريحا طيبة و نافخ الكير إما أن يحرق ثيابك و إما أن تجدريحا خبيثة)
والصاحب ساحب كما قيل لذا فاحذر من صديق السوء فان مرض الغفلة معدي .
4–علو الهمة في طلب علم الكتاب والسنة .
5-الدعاء
ختاما " :-
قد بالغت في نصحك ولم ادخر جهدا عسى الله أن ينفعبكلامي انه ولي ذلك والقادر عليه واصلي واسلم على الرحمة المهداة محمد صلى اللهعلية وسلم وسلام على المرسلين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .?
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
جزاك الله من خيري الدنيا والاخره