السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حفصة بنت سيرين: أم الهذيل، الفقيهة، الأنصارية.
قال هشام بن حسان:
»قرأت حفصة بنت سيرين القرآن وهي ابنة اثنتي عشرة سنة، وماتت وهي ابنة تسعين«.
وعنه أن ابن سيرين كان إذا أُشْكِل عليه شيء من القرآن قال: »اذهبوا فسلوا حفصة كيف تقرأ«.
وعنه قال: اشترت حفصة جارية أظنها سِندْديَّة، فقيل لها: »كيف رأيتِ مولاتَك؟«، فذكر إبراهيم كلامًا بالفارسية، تفسيره: »أنها امرأة صالحة، إلا أنها أذنبت ذنبًا عظيمًا، فهي الليل كله تبكي وتصلي«.
وعنه قال: قد رأيتُ الحسنَ وابنَ سيرين، وما رأيت أحدًا أرى أنه أعقلُ من حفصة.
وعن عبد الكريم بن معاوية قال: »ذُكر لي عن حفصة أنها كانت تقرأ نصف القرآن في كل ليلة، وكانت تصوم الدهر، وتفطر العيدين وأيام التشريق«.
وعن هشام أن حفصة كانت تدخل في مسجدها فتصلي فيه الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح، ثم لا تزال فيه حتى يرتفع النهار، وتركع، ثم تخرج فيكون عند ذلك وضوءها ونومها، حتى إذا حضرت الصلاةُ عادت إلى مسجدها إلى مثلها.
وعن مهدي بن ميمون قال: (مَكَثَتْ حفصة في مُصلاّها ثلاثين سنة لا تخرج إلا لحاجة أو لقائلةٍ)([i]).
[i] »صفة الصفوة« (4/24-26)، »سير أعلام النبلاء« (4/507).
الله يرضى عليك اختي ..
آميييييين
بارك الله فيكي أختي الغالية ….و أتركك مع الشيخة عمرة
و نسأل الله الثبات لنا و لكم
عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زُرارةَ: (ت98 أو 106هـ).
الأنصارية، النجَّارية، المدنية، الفقيهة، تريبة([ii]) عائشة وتلميذَتُها، قيل: لأبيها صحبة، وجَدُّها سعد من قدماء الصحابة، وهو أخو النقيب الكبير أسعد بن زُرارة.
كانت عالمة، فقيهة، حجة، كثيرة العلم، حدثت عن عائشة، وأم سلمة، ورافع بن خَديج، وأختها أم هشام بنت حارثة، وحدَّث عنها ولدها أبو الرجال محمد بن عبد الرحمن، وابناه: حارثة، ومالك، وابن أختها القاضي أبو بكر بن حزم، وابناه: عبد الله، ومحمد، والزهري، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وآخرون، وحديثها كثير في دواوين الإسلام.
روى أيوب بن سويد، عن يونس، عن ابن شهاب، عن القاسم بن محمد أنه قال لي: »يا غلام، أراك تحرِصُ على طلب العلم، أفلا أدلك على وعائه«؟ قلت: »بلى«، قال: »عليك بِعَمْرَةَ فإنها كانت في حَجْرِ عائشة رضي الله عنها؛ قال: فأتيتُها، فوجدتُها بحرًا لا يُنْزَف«([iii]).
(وهذه ابنة سعيد بن المسيب لما أن دخل بها زوجها([iv])، وكان من أحد طلبة والدها، فلما أن أصبح أخذ رداءه يريد أن يخرج، فقالت له زوجته، »إلى أين تريد؟«، فقال: »إلى مجلس سعيد أتعلم العلم«، فقالت له: »اجلس أعلمك علم سعيد«)([v]).
[ii] التَّربُ: اللّدَةُ، والسَّنُّ، ومن وُلِد معك.
[iii] »سير أعلام النبلاء« (4/507-508).
[iv] جاء في ترجمة سعيد بن المسيب (أن عبد الملك بن مروان خطب ابنته لولده الوليد حين ولاه العهد، فأبى أن يزوجها، قال أبو وداعة: كنت أجالس سعيد بن المسيب ففقدني أيامً، فلما جئت قال: »أين كنت«؟، قلت: »توفيت أهلي، فاشتغلت بها«، قال: »فهلا أخبرتنا فشهدناها؟« قال: ثم أردت أن أقوم فقال: »هل أحدثت امرأة غيرها؟« فقلت: »يرحمك الله، ومن يزوِّجني وما أملك إلا درهمين أو ثلاثة؟« فقال: »إن أنا فعلتُ تفعل؟« قلت: »نعم«، فحمد الله تعالى وصلَّى على النبي وزوَّجني على درهمين أو على ثلاثة، قال: فقمت وما أدري ما أصنع من الفرح، وصرت إلى منزلي، وجعلت أفكر ممَّن آخذ وأستدين؟، وصليت المغرب، وكنت صائمًا فقدَّمت عشائي لأفطر، وكان خبزًا وزيتًا، وإذا بالباب يُقرَعُ، فقلت: »من هذا؟« فقال: »سعيد«، ففكرت في كل إنسان اسمه سعيد إلا سعيد بن المسيب، فإنه لم يُر منذ أربعين سنة إلا ما بين بيته والمسجد، فقمت وخرجت، وإذا بسعيد بن المسيب، وظننت أنه بدا له، فقلت: »يا أبا محمد هلا أرسلت إليَّ فأتيتك؟« قال: »لا، أنت أحق أن تزار«، قلت: »فما تأمرني؟« قال: »رأيتك رجلاً عزبًا قد تزوجت فكرهت أن تبيت الليلة وحدك، وهذه امرأتك«، فإذا هي قائمة خلفه في طوله، ثم دفعها في الباب، وردَّ الباب، فسقطت المرأة من الحياء، فاستوثقتُ من الباب، ثم صعدت إلى السطح، وناديت الجيران، فجاءوني وقالوا: »ما شأنك؟« قلت: »زوَّجني سعيد بن المسيب ابنته، وقد جاء بها على غفلة وها هي في الدار«، فنزلوا إليها، وبلغ أمّي فجاءت، وقالت: »وجهي من وجهك حرام إن مسستها قبل أن أصلحها ثلاثة أيام«، فأقمت ثلاثًا ثم دخلت بها، فإذا هي من أجمل الناس، وأحفظهم لكتاب الله تعالى، وأعلمهم بسنة رسول الله r، وأعرفهم بحق الزوج، قال: فمكثت شهرًا لا يأتيني ولا آتيه ثم أتيته بعد شهر، وهو في حلقته فسلمت عليه فردَّ عليّ، ولم يكلمني، حتى انفض مَن في المسجد، فلما لم يبق غيري، قال: »ما حال ذلك الإنسان؟« قلت: »على ما يحب الصديق، ويكره العدو« اهـ نقلاً من (»من أخلاق العلماء« لمحمد بن سليمان) ص (123-125)، وفي »الإحياء« بزيادة: (فقال: »إن رابك منه أمر، فدونك والعصا«!، فانصرفت إلى منزلي، فوجَّه إلي بعشرين ألف درهم) اهـ، فما أعظم اطمئنان ذلك التابعي الجليل إلى مصير ابنته، حتى أنه لم يفكر في استقصاء أحوالها، لاطمئنانه إلى أنها في كنف رجل تقي، يخشى الله تعالى، ويعرف حقها عليه، ومكانتها منه!
[v] »المدخل« للإمام ابن الحاج (1/215).