وجاءت سكرة الموت بالحق:ذكر الشيخ حفظه الله الحقيقة الكبرى الغائبة عن أذهان الكثير من الناس وهي الموت، ذاكراً سكراته وحال المحتضر، ومذكراً العاصي بالموت ولقاء الله تعالى.
الحقيقة الكبرى
الحمد لله رب العالمين، الذي لم يتخذ ولداً، ولم يكن له شريك في الملك، وما كان معه من إله، الذي لا إله إلا هو، فلا خالق غيره ولا رب سواه، المستحق لجميع أنواع العبادة، لذا قضى ألا نعبد إلا إياه: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [الحج:62] هو الواحد الذي لا ضد له، وهو الصمد الذي لا منازع له، وهو الغني الذي لا حاجة له، وهو القوي الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو جبار السماوات والأرض فلا راد لحكمه ولا معقب لقضائه وأمره. وأشهد أن حبيبنا محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، اللهم اجزه عنا خير ما جازيت نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته، وصلِّ اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعـد: حياكم الله جميعاً، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة منـزلاً، وأسأل الله جل وعلا أن ينضر وجوهكم، وأن يزكي نفوسكم، وأن يشرح صدوركم، وأن يجمعني وإياكم في الدنيا دائماً وأبداً على طاعته، وفي الآخرة مع خير الدعاة وإمام النبيين وسيد المرسلين في جنته ومستقر رحمته، إنه ولي ذلك وأحبائي يا ملء الفؤاد تحية تجوز إليكم كل سدٍ وعائق
لقد شدني والله شوق إليكـم مكلل بالحب والدعاء المشفق وأرقني في المظلمات عليكـم تكالب أعداء سعوا بالبوائق أردتم رضا الرحمن قلباً وقالبـاً وما طلبوا إلا حقير المآزق فسدد الله على درب الحق خطاكم وجنبكم فيه خفي المزالق
أيها الأحبة في الله! تلبية لرغبة الكثيرين من أحبابي وإخواني، فإننا الليلة على موعدٍ مع محاضرة أخيرة في الرقائق، والحق أقول: إننا نعيش عصراً طغت فيه الماديات والشهوات، وغفل كثير من الناس عن طاعة رب الأرض والسماوات، لذا فإني أرى مع الإخوة الذين ألحوا عليَّ في أن يكون لقاؤنا الليلة في الرقائق .. أرى معهم بأن القلوب تصدأ، وبأن هذه القلوب تحتاج من آن لآخر إلى من يذكرها بعلام الغيوب، فتعالوا بنا الليلة لنعيش مع كلام الحق .. مع قول الصدق .. مع أصل العز والشرف .. مع نبع الكرامة والهدى .. مع القرآن الكريم، مع القرآن الذي ضيعته الأمة فضاعت، مع القرآن الذي هجرته الأمة فأذلها الله لليهود إخوان القردة والخنازير، مع القرآن الذي ظنت الأمة أنه ما أنزل إلا ليكتب على الجدران أو ليوضع في علب القطيفة الضخمة الفخمة لتهدى لسادة القوم وعلية الناس في المناسبات الرسمية والوطنية وغيرها. تعالوا لنعيش الليلة مع آيات من القرآن الذي قال الله عز وجل فيه: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً * وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً [الإسراء:9-10] وإننا سنعيش الليلة مع هذه الآيات التي استمعنا إليها في صلاة المغرب من سورة ق، فأعيروني القلوب والأسماع أيها الأخيار. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ [ق:19-22] وجاءت سكرة الموت بالحق والحق أنك تموت والله حي لا يموت، وجاءت سكرة الموت بالحق والحق أن ترى عند موتك ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب، وجاءت سكرة الموت بالحق والحق أن يكون قبرك روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران. وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ [ق:19] ذلك ما كنت منه تفر، ذلك ما كنت منه تهرب، ذلك ما كنت منه تجري، تحيد إلى الطبيب إذا جاءك المرض، وتحيد إلى الطعام إذا أحسست بالجوع، وتحيد إلى الشراب إذا أحسست بالظمأ، ولكن أيها القوي الفتي! أيها الذكي العبقري! يا أيها الوزير! ويا أيها الأمير! ويا أيها الكبير! ويا أيها الصغير! اعلم! كل باكٍ فسيبكى كل ناعٍ فسينعى كل مخلوق سيفنـى كل مذكور سينسى ليس غير الله يبقى من علا فالله أعلى وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ [ق:19] إنها الحقيقة الكبرى التي تعلن على مدى الزمان والمكان في أذن كل سامع، وعقل كل مفكر، ورأس كل طاغوت، أن البقاء لله الحي الذي لا يموت، إنها الحقيقة الكبرى التي تصبغ الحياة البشرية كلها بصبغة الذل والعبودية لقهار السماوات والأرض، إنها الحقيقة الكبرى التي تسربل بها العصاة والطائعون بل والأنبياء والمرسلون طوعاً أو كرهاً، إنها الحقيقة التي أمرنا حبيبنا ونبينا وقدوتنا وقرة أعيننا محمد صلى الله عليه وسلم أن نذكرها ولا ننساها كما في الحديث الذي رواه الترمذي بسندٍ حسن من حديث فاروق الأمة عمر أنه صلى الله عليه وسلم قال: (أكثروا من ذكر هاذم اللذات -وفي لفظ- أكثروا من ذكر هاذم اللذات، قيل: وما هاذم اللذات يا رسول الله؟ قال: الموت) إنه الموت. مولاه، وهو على كل شيء قدير.
أيها العاصي تذكر الموت
أيها الأحباب! يا من عشت للدنيا! يا من عشت للكرسي الزائل! يا من عشت للمنصب الفاني! يا من ظننت أن كرسيك لا يزول! ويا من ظننت أن منصبك لا يفنى! أين الحبيب رسول الله؟ أين سيد الخلق؟ أين حبيب الحق؟ أين من قال له ربه: وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ [الأنبياء:34]؟
أيا عبد كم يراك الله عاصيـا حريصا على الدنيا وللموت ناسيا أنسيت لقاء الله واللحد والثرى ويوماً عبوساً تشيب فيه النواصيا إذا المرء لم يلبس ثياباً من التقى تجرد عرياناً ولو كان كاسيا ولو كانت الدنيا تدوم لأهلها لكان رسول الله حياً وباقيا ولكنها تفنى ويفنى نعيمها وتبقى الذنوب والمعاصي كما هيا ,كم ستعيش؟ إن عمرك في حساب الزمن لحظات وما هي النتيجة؟ وما هي النهاية؟ يا أيها الإنسان! يا أيها الكبير! ويا أيها الصغير! يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ [الانشقاق:6] كَلاَّ إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِي * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتْ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ [القيامة:26-30]. ويفتح سجلك يا مسكين! ويفتح ملفك يا غافل! وإذا به: فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى * وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى [القيامة:31-32] سمع الأذان وسمع النداء يقول: حي على الصلاة، حي على الفلاح وهو مازال جالساً في المقهى على معصية لله جل وعلا لم يجب نداء الحق جل جلاله.
وتأتي للصلاة على فتورٍ كأنك قد دعيت إلى البلاء وإن أديتها جاءت بنقصٍ لما قد كان من شرك الرياء وإن تخلو عن الإشراك فيها تدبر للإمور بالارتقاء ويا ليت التدبر في مباح ولكن في المشقة والشقاء وإن كنت المصلي بين خلـق أطلت ركوعها بالانحناء وتعجل خوف تأخير لشغـلٍ كأن الشغل أولى باللقاء وإن كان المجالس فيه أنثـى قطعت الوقت من غير اكتفاء ألا يساوي الله معك أنثى تناجيه بحب أو صفاء
يا غافلاً لاهياً! يا ساهياً يا من نسيت حقيقة الدنيا ونسيت الآخرة! يا من تركت الصلاة! يا من ضيعت حقوق الله! يا من عذبت الموحدين لله! يا من بارزت رسول الله بالمعصية! يا من عق أباه! يا من عق أمه! يا من قطع رحمه! يا من ضيع حقوق الله! دع عنك ما قد فات في زمن الصبا واذكر ذنوبك وابكها يا مذنب لم ينسها الملكان حين نسيتهم بل أثبتاه وأنت لاهٍ تلعب والروح منك وديعة أودعتهـا فتردها بالرغم منك وتسلب وغرور دنياك التي تسعى لـها دار حقيقتها متاع يذهب الليل فاعلم والنهار كلاهما أنفاسنا فيهما تعد وتحسب
كلا إذا بلغت التراقي) كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ [القيامة:26] أي: إذا بلغت الروح الترقوة والحلقوم وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ [القيامة:27] من الذي سيرقيه؟ من الذي سيبذل له الرقية؟ من الذي سيبذل له العلاج؟ وهو من هو؟ هو الملك، هو الحاكم، هو الوزير، هو الأمير، صاحب الجاه، صاحب المنصب، صاحب السلطان، يقول هو ومن حوله: أحضروا الأطباء أحضروا الطائرة الخاصة لتنقله على الفور إلى أكبر المستشفيات وأكبر الأطباء. ولكن إذا اقتربت ساعة الصفر وانتهى الأجل، لا تستطيع قوة على ظهر الأرض ولا يستطيع أهل الأرض ولو تحولوا جميعاً إلى أطباء أن يحولوا بينك وبين ما أراد رب الأرض والسماء: وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ [النساء:78]. انظر إليه والأطباء من حول رأسه، وقد حانت ساعة الصفر فاصفر وجهه، وشحب لونه، وبردت أطرافه، وتجعد جلده، وبدأ يحس بزمهرير قارس، يزحف إلى أنامل يديه وقدميه، يحاول جاهداً أن يحرك شفتيه بكلمة التوحيد، فيحس أن الشفة كالجبل لا يريد أن يتزحزح إلا لمن يسر الله له النطق بكلمة التوحيد، فينظر وهو بين السكرات والكربات إلى الأطباء من حول رأسه، وينظر إلى زوجته وأولاده إلى أحبابه إلى إخوانه نظرة استعطاف، نظرة رجاء، نظرة أمل، نظرة تمنٍ، وهو يقول لهم بلسان الحال بل وبلسان المقال: يا أحبابي! يا أولادي! أنا أخوكم، أنا أبوكم، أنا حبيبكم، أنا الذي بنيت القصور، وأنا الذي عمرت الدور، وأنا الذي نميت التجارة، فمن منكم يزيد في عمري ساعة أو ساعتين؟ وهنا يعلو صوت الحق: فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الواقعة:83-96]. سبحانك! يا من أذللت بالموت رقاب الجبابرة! سبحانك! يا من أذللت بالموت رقاب الأكاسرة! سبحانك! يا من أذللت بالموت رقاب القياصرة! فنقلتهم بالموت من القصور إلى القبور، ومن رغد المهود إلى ظلمة اللحود، ومن ملاعبة الجواري والغلمان إلى مقاساة الهوام والديدان، ومن التنعم في الطعام والشراب إلى التمرغ في الوحل والتراب، سبحانك: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الواقعة:96]. وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ [القيامة:27] من يرقيه؟ من يبذل له الرقية؟ من يقدم له العلاج؟ من يحول بينه وبين الموت؟ لا أحد. وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ [القيامة:27] تفسير آخر: من يرتقي بروحه بعدما فارقت جسده إلى الله جل وعلا، مَنْ رَاقٍ [القيامة:27] من الذي سيرتقي بها من الملائكة وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ [القيامة:28-30].
مرارة الرحيل سفري بعيد وزادي لن يبلغنـي وقوتي ضعفت والموت يطلبني ولي بقايا ذنوب لست أعلمها الله يعلمها في السر والعلن أنا الذي أغلق الأبواب مجتهداً على المعاصي وعين الله تنظرني ما أحلم الله عني حيث أمهلني وقد تماديت في ذنبي ويسترني كأنني بين تلك الأهل منطرحاً على الفراش وأيديهم تقلبني وقد أتوا بطبيب كي يعالجنـي ولم أر الطب هذا اليوم ينفعني واشتد نزعي وصار الموت يجذبها من كل عرق بلا رفق ولا هون وقام من كان أحب الناس في عجل نحو المغسل يأتيني يغسلني فجاءني رجل منهم فجردنـي من الثياب وأعراني وأفردني وأودعوني على الألواح منطرحاً وصار فوقي خرير الماء ينظفني وأسكب الماء من فوقي وغسلني غسلاً ثلاثاً ونادى القوم بالكفن وحملوني على الأكتاف أربعـةٌ من الرجال وخلفي من يشيعني وقدموني إلى المحراب وانصرفوا خلف الإمام فصلى ثم ودعني صلوا عليَّ صلاة لا ركوع لها ولا سجود لعل الله يرحمني وأنزلوني إلى قبري على مهـل وقدموا واحداً منهم يلحدني فكشف الثوب عن وجهي لينظرني فأسكب الدمع من عينيه أغرقني وقال هلوا عليه الترب واغتنموا حسن الثواب من الرحمن ذي المنن تقاسم الأهل مالي بعدما انصرفوا وصار وزري على ظهري فأثقلني يا نفس كفي عن العصيان واغتنمي حسن الثواب من الرحمن ذي المنن أيا من يدعي الفهـم إلى كم يا أخا الوهم تعب الذنب والـذم وتخطي الخطأ الجم أما بان لك العيـب أما أنذرك الشيب وما في نصحـه ريب ولا سمعك قد صم أما نادى بك المـوت ما أسمعك الصوت أما تخشى من الفوت فتحتاط وتهتم فكم تَسدَرُ في السهو وتختال من الزهو وتنصب إلى اللهـو كأن الموت ما عم كأني بك تنحط إلى اللحد وتنغط وقد أسلمك الرهـط إلى أضيق من سم هناك الجسم ممـدود ليستأكله الدود إلى أن ينخر العود ويمسي العظم قد رم فزود نفسك الخير ودع ما يعقب الضير وهيئ مركب السيـر وخف من لجة اليم لذا أوصيك يا صـاح وقد بحت كمن باح فطوبى لفتىً راح بآداب محمد يأتم.
ماذا بعد الموت؟وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ [ق:19] فالموت حق -أيها الأحبة- وليت الأمر يتوقف عند الموت لاسترحنا كثيراً ولكن بعد الموت بعث، وبعد البعث حساب، وفي الحساب سؤال، والسؤال بين يدي ملك الملوك وجبار السماوات والأرض، إن الموت حقيقة لا تنكر. ورحم الله الفضيل بن عياض إذ لقيه رجل فسأله الفضيل عن عمره. فقال الرجل: عمري ستون سنة. قال الفضيل : إذاً أنت منذ ستين سنة تسير إلى الله يوشك أن تصل. فقال الرجل: إنا لله وإنا إليه راجعون! قال الفضيل : هل عرفت معناها؟ قال: نعم. عرفت أني لله عبد وأني إلى الله راجع. فقال الفضيل : يا أخي إن من عرف أنه لله عبد وأنه إلى الله راجع عرف أنه موقوف بين يديه، ومن عرف أنه موقوف عرف أنه مسئول، ومن عرف أنه مسئول فليعد للسؤال جواباً. فبكى الرجل وقال: يا فضيل وما الحيلة؟ قال الفضيل : يسيرة. قال: ما هي يرحمك الله؟ قال: أن تتق الله فيما بقى يغفر الله لك ما قد مضى وما قد بقى. ورضي الله عن هارون الرشيد الذي يوم أن نام على فراش موته قال: أريد أن أرى قبري الذي سأدفن فيه، وحملوا هارون إلى قبره – هارون الذي كان يخاطب السحابة في كبد السماء ويقول لها: أيتها السحابة! في أي مكان شئت فأمطري، فسوف يحمل إليَّ خراجك هاهنا إن شاء الله- حمل ليرى قبره ونظر هارون إلى قبره وبكى ثم التفت إلى أحبابه من حوله وقال: مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ [الحاقة:28-29] أين المال؟ أين الدولارات؟ أين السيارات؟ أين العمارات؟ أين الأراضي؟ أين السلطان؟ أين الجاه؟ أين الوزارة؟ أين الإمارة؟ أين الجند؟ أين الحرس؟ أين الكرسي الزائل؟ أين المنصب الفاني؟ مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ [الحاقة:28-29] وبكى هارون وارتفع صوته ونظر إلى السماء وقال: يا من لا يزول ملكه! ارحم من قد زال ملكه لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [غافر:16] أين الفراعنة؟ أين الأكاسرة؟ أين القياصرة؟ أين الظالمون؟ أين الطواغيت؟ أين الظالمون وأين التابعون لهم في الغي؟ بل أين فرعون وهامان؟
أين من دوخوا الدنيا بسطوتهم وذكرهم في الورى ظلم وطغيان هل غادر الموت ذا عز لعزتـه أو هل نجى منه بالسلطان سلطان لا والذي خلق الأكوان من عدم الكل يفنى فلا أنس ولا جان
يا نفس قد أزف الرحيل وأظلك الخطب الجليل فتأهبي يا نفس لا يلعب بك الأمل الطويل فلتنـزلن بمنـزلٍ ينسى الخليل به الخليل وليركبن عليك فيـه من الثرى ثقل ثقيل قرن الفناء بنا جميعـاً فما يبقى العزيز ولا الذليل
من الباقي؟ إنه الحي الذي لا يموت: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ [الرحمن:26-27]، كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص:88]
يوم العرض على الله فيا أيها الحبيب! يا أيها الكريم! هل ذكرت نفسك بهذه الحقيقة؟ هل تذكرت الموت؟ هل أعددت ليومٍ سترحل فيه عن هذه الدنيا؟ من منا كتب وصيته ووضعها تحت رأسه في كل ليلة؟ يا من شغلك طول الأمل! أنسيت يوماً سترحل فيه عن دنياك لتقف بين يدي مولاك. وليس الموت هو نهاية المطاف، ولكنني -كما ذكرت- سنبعث لنسأل بين يدي ملك الملوك وجبار السماوات والأرض، سنعرض على هذه المحكمة الكبرى التي قال الله عز وجل عنها: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ [الزلزلة:7-8] فينادى عليك باسمك واسم أبيك أين فلان بن فلان؟ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ [ق:20] إنه يوم القيامة، يوم الحسرة والندامة، يوم الصيحة، يوم الحاقة، يوم القارعة، يوم الآزفة، إنه يوم تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ [الحج:2] إنه يوم الوعيد يوم يؤتى بملكين: وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ [ق:21]، قال الحافظ ابن كثير قال عثمان في خطبته: سائق يسوق العبد إلى الله، وشهيد يشهد على أعمال العبد بين يدي مولاه، ستساق إلى الله جل وعلا، وسينادى عليك يا مسكين ليكلمك ملك الملوك بغير ترجمان. تفكر الليلة لو عدت إلى بلدك ووجدت شرطياً يقدم لك رسالة ويقول: إنك مطلوب غداً للوقوف أمام قاضٍ من قضاة الدنيا، الفقراء الضعفاء الأذلاء .. لن تذوق عينك النوم الليلة، ستفكر! فهل فكرت في موقف ستسأل فيه من ملك الملوك وجبار السماوات والأرض؟ مثل وقوفك يوم الحشر عرياناً أين الإمارة والسلطان؟ أين الجاه؟ أين الكراسي؟ أين الجند؟ مثل وقوفك يوم الحشر عريانا مستوحشاً قلق الأحشاء حيرانا والنار تلهب من غيظ ومن حنقٍ على العصاة ورب العرش غضبانا اقرأ كتابك يا عبدي على مهل فهل ترى فيه حرفاً غير ما كان لما قرأت ولم تنكر قراءته أقررت إقرار من عرف الأشياء عرفانا نادى الجليل خذوه يا ملائكتي وامضوا بعبدٍ عصى للنار عطشانا المشركون غداً في النار يلتهبوا والموحدون بدار الخلد سكانا
وفي الصحيحين من حديث عدي بن حاتم : (ما منكم من أحد إلا وسيكلمه ربه يوم القيامة ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه -عن يمينه- فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه -عن شماله- فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6]. اتقوا النار فإن حرها شديد، وقعرها بعيد، ومقامعها من حديد: هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ [الحج:19-21]. اللهم حرم جلودنا عن النار، ووجوهنا على النار، وأبصارنا على النار، اللهم إنا ضعاف لا نقوى عليها فنجنا، اللهم أدخلنا الجنة مع الأبرار، برحمة منك يا عزيز يا غفار! (اتقوا النار ولو بشق تمرة) ستسأل بين يدي الله أنت بشحمك ولحمك، سيكلمك الله ليس بينك وبينه ترجمان، انظر أيها المؤمن واسجد لربك شكراً أنك من أتباع الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم.
ومما زادني فخرً وتيها وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبـادي وأن صيرت أحمد لي نبيا
اسجد لربك شكراً يا من وحدت الله، اسمع ماذا قال إمام الموحدين وقدوة المحققين وسيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر أنه صلى الله عليه وسلم قال: (يدنى المؤمن من ربه يوم القيامة -سوف يقربك الله جل جلاله منه- حتى يضع رب العزة عليه كنفه) والكنف لغة لا تأويلاً للصفة هو الستر والرحمة، ونحن لسنا ممن يؤول صفات الحق جل وعلا، وإنما نؤمن بأسماء الجلال وصفات الكمال من غير تحريف لألفاظها ولا لمعانيها، ومن غير تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل؛ لأن الله جل وعلا جلَّ عن الشبيه والنظير والمثيل، لا ند له، ولا كفء له، ولا شبيه له، ولا مثيل له، ولا نظير له، ولا والد له ولا ولد قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11] (يُدنى المؤمن من ربه يوم القيامة حتى يضع رب العزة عليه كنفه، ويقرره بذنوبه يقول له ربه جل وعلا: لقد عملت كذا وكذا في يوم كذا وكذا فيقول المؤمن: رب أعرف رب أعرف -لا ينكر .. يقولها مرتين- فيقول الله جل وعلا: ولكني سترتها عليك في الدنيا وأغفرها لك اليوم). أسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن ينادى عليهم بهذا النداء العذب الحلو: (ولكني سترتها عليك في الدنيا وأغفرها لك اليوم) من الذي يقال له هذا؟ الموحد المؤمن، أسأل الله أن يجعلني وإياكم من أهل الإيمان، وأن يختم لي ولكم عند الموت بالتوحيد، اللهم ارزقنا قبل الموت توبة، وعند الموت شهادة، اللهم استرنا فوق الأرض، واسترنا تحت الأرض، واسترنا يوم العرض، برحمتك يا أرحم الراحمين! ينادى عليك لتسأل بين يدي الله تعالى أين فلان بن فلان؟ مَن أنا؟! هذا هو اسمي! أقبل، أقبل للعرض على الله جل وعلا، فتجد نفسك واقفاً بين يدي الحق فتعطى صحيفتك .. هذه الصحيفة التي لا تغادر بلية كتمتها، ولا مصيبة ومعصية أسررتها، فكم من معصية قد كنت أخفيتها أظهرها الله لك وأبداها، وكم من مصيبة قد كنت أخفيتها ذكرك الله إياها، فيا حسرة قلبك وقتها على ما فرطت في دنياك من طاعة مولاك، إن كنت من المؤمنين أعطاك الله كتابك باليمين وأنارت أعضاؤك وأشرق وجهك وانطلق النور من بين يديك وعن يمينك كما قال الله جل وعلا: يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [التحريم:8]. أما أهل النفاق أهل الظلمات فينادون أهل الأنوار: يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ [الحديد:13]. يُنَادُونَهُمْ [الحديد:14] يا أهل الأنوار! يا أهل التوحيد! أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ [الحديد:14]؟ ألم نحضر معكم الجُمَع والجماعات أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ [الحديد:14] ينطلق وكتابه بيمينه بعدما سعد سعادة لن يشقى من بعدها أبداً، ينطلق في أرض المحشر إلى إخوانه وأحبابه وأقرانه ومن هم على شاكلته والنور يشرق من وجهه وأعضائه كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : [منهم من يكون نوره كالجبل، ومنهم من يكون نوره كالنخلة، ومنهم من يكون نوره كالرجل القائم، ومنهم من يكون نوره على إبهامه، يتقد مرة وينطفئ مرة] والأثر ذكره الإمام السيوطي في الدر المنثور وتعقبه الإمام الذهبي فقال: بل هو صحيح على شرط البخاري ينطلق والنور يشرق من وجهه وأعضائه وكتابه بيمينه، والله لقد سعد سعادة لن يشقى بعدها أبداً، فينطلق إلى إخوانه وأحبابه من الموحدين في أرض المحشر، ويقول لهم: شاركوني السعادة، شاركوني الفرحة، شاركوني البهجة، اقرءوا معي كتابي، انظروا هذا كتابي بيميني، اقرءوا هذا توحيدي، وهذه صلاتي، وهذا صيامي، وهذا حجي، وهذا بري، وهذه صدقتي، وهذه دعوتي، وهذا عملي، اقرءوا معي فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ [الحاقة:19-33].
دعوة لمحاسبة النفس لا إله إلا الله!! هل أعددت لهذا اليوم جواباً أيها الحبيب؟ أيها الحبيب: أقبل على الله، تعال إلى فلاح الدنيا والآخرة. أيها الشاب! أيها الوالد الكريم! أيها الابن الحبيب! أيها الأخ الفاضل! أيتها الأخت الفاضلة! هيا جميعاً لنتب إلى الله جل وعلا في هذه الليلة الكريمة المباركة التي دمعت فيها العيون، وخشعت فيها القلوب لعلام الغيوب، تعالوا بنا لنجدد التوبة والأوبة والعودة، ولنكن على يقين جازم بأن الله جل وعلا لا يرد ولا يغلق باب التوبة في وجه أحد طرقه من ليل أو نهار: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53]. يا من أسرفت على نفسك بالمعاصي! أقبل إلى الله جل وعلا ولا يغرنك الشيطان عن الله، واعلم بأن الله كريم، واعلم بأن الله رحيم، واعلم بأن الله سيغفر لك أي ذنب إذا كنت موحداً لله جل وعلا، وفي صحيح مسلم و سنن الترمذي من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله تعالى في الحديث القدسي الجليل: يا بن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، يا بن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة). وأختم بقول الله عز وجل: وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ [ق:31-35]، هل عرفت المزيد أيها الحبيب؟ إن نعيم الجنة ليس في لبنها، ولا خمرها، ولا قصورها، ولا ذهبها، ولا حريرها، ولا حورها، ولكن نعيم الجنة في رؤية وجه ربها، وهذا هو المزيد وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ [ق:35] .. لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس:26] .. وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22-23]. أسأل الله جل وعلا أن يمتعني وإياكم بالجنة، وبالنظر إلى وجهه الكريم، وأن يرزقني وإياكم الإخلاص في القول والعمل. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم…….
تذكروا أن ادال على الخير كفاعله فانشروا هذا الحير في مجالسكم ومنتدياتكم
بارك الله فيكِ أختي، و أجرى الخير على يديكِ..
جزاك الله الفردوس الاعلى