السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
طفلٌ مختلف.. هي أسطرٌ أربعة.. كتبتها على وريقات مذكرتي الصغيرة في أحد الأيام.. وتركتُها دون رجعة!
أربعة أسطر مبتورة.. وحكاية مبهمة.. قرأتها اليوم (صُدفةً) فقررتُ إكمالها..
أربعة أسطر فقط.. سأصنع منها حكاية.. للعالم!
أرجو أن أوفق في تأليفها.. كما أرجو أن تحوز على رضاكم
ملاحظة: لمن لا يحب طريقة الحلقات، القصة مازالت في رأسي..وهذا ما تكوّن منها إلى الآن.. كتبتها فقط لأجبر نفسي على إكمالها قبل أن تموت كما ماتت الكثير والكثير من كتاباتي قبل أن تولد!
لذلك إذا كانت طريقة الحلقات تزعجك أنصح بترك قراءتها حتى تكتمل
:،:،:،:،:
:،:،:،:،: الفصل الأول :،:،:،:،:
توقظه أمه فجرًا.. يفرك عينيه الصغيرتين، ويمط جسده الضئيل، وينظر إليها بنصف عينٍ مبتسمًا:
-صباح الورد يا أمي.
تبتسم.. وتشدّ على يديه:
-صباح النور يابني.. هيا انهض لتدرك صلاة الفجر.
يهبّ جالسًا، ويفتح ذراعيه النحيلتين على اتساعهما.. يملأ رئتيه بالهواء.. وقلبه بالعزم!
تلتمع في مقلتيه نظرة واثقة.. يبتسم ملء شفتيه.. وينهض مرددًا:
-الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا.. .
هو في التاسعة من عمره، قصير القامة، ونحيل، ذو عينين واسعتين شديدتي السواد، وشعرٌ أجعد داكن، وبشرة بيضاء.
يوم الإثنين – السابعة صباحًا
دخل صالح إلى المطبخ مسرعًا، وضع حقيبته على مقعد محاذٍ لطاولة الطعام الخشبية الداكنة وجلس على آخر،
-السلام عليكم يا أمي.. صباح الخير.
– وعليكم السلام! مابال الحروف تتسابق للفرار من فمك؟!
– أكاد أتأخر يا أمي.. سيبدأ الدرس في الثامنة.. وحتى أصل إلى موقف الحافلة وأنتظرها إلى أن تأتي ثم أنتظر بداخلها المتأخرين وإلى أن تتحرك فتقابلنا زحمة الطريق ووو.. تكون الساعة قد وصلت إلى الثامنة!
– إهدأ يا صالح.. وتناول فطورك ياعزيزي.
مدت إليه طبق الفطور مبتسمة.. تناوله وشكرها.. ثم بدأ بالتهامه بسرعة شديدة!
تأملته وهو منهمك في الأكل.. وسرحت بأفكارها بعيدًا.. ابتسمت مرغمة، وقد تلألأت في عينيها دمعة حائرة..
تحدثت بصمت:
– ( ما أسرع الأيام! لقد أصبح في الصف الرابع.. ليتك تراه.. يشبهك تمامًا! بل.. بل إنه نسخة مصغّرة منك.. تخيل.. لا يحب التأخير أيضًا! )
قطع أحاديثها صوته وقد اتجه صوب الباب:
-أراكِ على خير يا أمي.. أنا ذاهب.. مع السلامة.
لوح إليها بيده وبابتسامة رائعة.. بادلته مثلهما وهي تردد:
-في حفظ الله ياعزيزي.. وانتبه لنفسك جيدًا.. ولا تتأخر في العودة.
وصلها صوته قبل أن يغلق الباب الخارجي:
-حــاضر! إن شاء الله.
:،:،:،:،:
يوم الإثنين – العاشرة صباحًا
أخذ يقلّب الأوراق الموضوعة بين يديه..وهو يمعن النظر إليها.. ويقرأ بكل تركيز، وقد اتكأ بمرفقيه على مكتبه البنّي المغطى بطبقة من الطلاء اللامع،
وأمام المكتب.. على المقاعد القماشية الحمراء.. كانت هناك عينان عسليتان ترقبانه، وقد ارتسمت عليهما أمارات القلق والتوجس، حتى باتتا تلحظان أي ردة فعل عليه، مهما كانت بسيطة،
وعلى الذقن ذو اللحية الرقيقة القابع أسفلهما.. كانت أصابعٌ مرتبكة تطرق بحيرة واضحة، وترتفع حينًا لتمرّ خلال الشعر البني الفاتح الذي يغطي ذلك الرأس، وعلى ذلك الوجه ذو البشرة القمحية تتنافس علامات الاستفهام والتعجب في الظهور مرةً بعد أخرى.
عمّ الحجرة سكونٌ دام لعدة دقائق.. كان ذو العينين العسليتين خلالها يسمع نبضات قلبه بوضوح.. بل يكاد يسمع محاولات معدته المضطربة لطحن إفطاره.
قطعت السكون تمتمات صادرةٌ من صاحب المكتب رافقها ارتفاع في درجة استعداد كل الحواس لدى صاحب تلك العينين:
-ممم.. في الحقيقة يا إبراهيم.. الفكرة رائعة.. بل مبدعة!
انفرجت أسارير هذا الإبراهيم صاحب العينين إياهما وقد زفر زفرة كأنما أطاحت بجبل جليدي على رأسه.. ونطق بصعوبة بالغة:
-صحيح؟.. هل.. هل يعني هذا أنك موافق عليها يادكتور؟
-من ناحيتي فأنا موافقٌ وبشدة.. وسأساعدك على تنفيذها قدر استطاعتي.. ولكن!
ولكن؟ هذه الـ (لكن) قلبت الأوضاع عند إبراهيم تمامًا.. مالذي أتى بكِ أيتها اللكن! لماذا وُجدتِ بين كلمات العربية!
– ولكن ماذا يادكتور؟
-لا يخفى عليك يابني أنه يجب أن نعرض الموضوع على إدارة الجامعة كي نأخذ الإذن بتنفيذ هذه الفكرة.
-لا..هذا يعني أن أنساها تمامًا.. إلى.. إلى أن يلتحق أحفادي بالجامعة ربما!!
قال هذه الكلمات بيأسٍ بغيض ممتزجٍ بغضب واضح!
ضحك الدكتور قبل أن يرد:
-لا يا إبراهيم.. لم أعهد فيك هذا اليأس! ألم أخبرك مرةً بمقولة المبتكر الشهير (أديسون) ؟؟
– لاأدري! في الحقيقة.. لاأذكر!
-سأخبرك الآن إذاً.
ابتسم بثقة ثم أكمل:
-لقد قال هذا المبتكر مرةً: ( إن مَن يأتِ بفكرة ويبدأ بتجربتها وتطويرها يصل إلى مكانٍ يرى فيه أنها مستحيلة التحقيق فيشعر باليأس. ولكن هذه هي بالذات المحطة التي لا يجوز فيها للمبتكر أن ييأس).
رد إبراهيم بخيبة:
-ولكنني لستُ مبتكرًا يا دكتور.
قاطعه الدكتور غاضبًا:
-بلى.. وهل تظن الابتكار محصورًا في الأجهزة والأدوات والماديات الأخرى؟؟ كلا يا إبراهيم.. أنتَ من أكثر طلابي إبداعًا..فكرتك هذه ستكون منبعًا للإبتكار… ولا أريدك أن تدفن هذا الإبداع.. بل لن أسمح لك بذلك أبدًا.
قال جملته الأخيرة وقد لوح بسبابته أمام عيني إبراهيم الذي رد بدوره:
-دكتور أحمد.. كم أنا ممتنٌ لك! لا أعرف كيف كنتُ سأتصرف لو لم أدرس تلك السنة عندك ولم أتعرف عليك! أنا.. أنا عاجزٌ عن شكرك..لقد صنعتَ مني شيئًا.. حين كنتُ لا شيء.
قالها وقد بسط كفيه.. فشدّ عليهما الدكتور أحمد بقوة وهو يقول:
-أنت مبدعٌ بالفطرة..الفكرة صيد..والكتابة قيدها.. وفكرتك الرائعة هذه مقيّدة أمامي هنا..لكنها لاتزال حبرًا على ورق.. يجب أن نبدأ بتجربتها وتطويرها إن كنا نريد تحقيقها.. وكل هذا يعتمد عليك.. وعليك أنت فقط! وكل من حولك ماهم إلا مساعدين.. لا يمكن لأحدٍ منهم أن يفكر بدلاً منك.. ضع هذا نصب عينيك دائمًا.. مفهوم؟
ابتسم إبراهيم ابتسامة عريضة أمام نُطق الدكتور لكلمة (مفهوم) بنفس الطريقة المُهدِدة التي يستخدمها خلال محاضراته، فرد بخوفٍ مصطنع وقد رفع يديه إلى أعلى معلنًا استسلامه:
-مفهوم مفهوم ياسيدي!
امتلأت الحجرة بصوت ضحكاتٍ ضحك لها كل من مرّ بالحجرة في تلك اللحظة.
:،:،:،:،:
يوم السبت – الواحدة ظهرًا
وصل إلى أسماعها صوت قرعٍ متواصلٍ لجرس الباب.. أنهت غسل الكأس الذي بين يديها وأخذت تجففهما في طريقها إلى الباب، نظرت من خلال فتحته الصغيرة وهي تهتف:
-من هناك؟
فتحت الباب قبل أن يصل إليها الرد.. وإذا بوالدتها وابن أختها المقارب لصالح في السن.. والذي كان يردد:
-ممم أنا.. وجدتي.. أعني.. والدتك.. وابن أختك.. أي.. معاذ.. وجدة علياء.
كانت قد أدخلت والدتها بعد السلام والعناق.. بينما كان يحاول إنهاء جملته! أمسكته من أذنيه وهي تسحبه إلى الداخل وتغلق الباب قائلة:
-وماذا يفعل معاذ خارج المدرسة في هذا الوقت؟! هل تخرجت دون علمي ياحفيد أمي؟؟
ردت والدتها ضاحكة:
-الكسول.. رفض الذهاب إلى المدرسة هذا اليوم!
دافع عن نفسه بأسلوبه المسرحيّ المعهود:
-ياخالتي نور.. لقد كنتُ مريضًا.. مريضًَا.. مريضًا.
تهاوى إلى الأرض بانتهاء جملته وسط ضحكاتهما..فيما استدارت نور لوالدتها مستفهمة، ردت الجدة:
-أخذته إلى المركز الصحي.. يشكو من التهابٍ طفيفٍ في حنجرته..
واستدارت إليه بنظرةٍ معاتبة وأكملت:
-من كثرة الكلام!!
بدأ مشهدًا آخر للدفاع عن نفسه قائلاً:
-وهل أنا مخطئ في ذلك؟ لا أحتمل رؤيتكم محرومين من صوتي العذب الشجيّ!!
ضحكت خالته وقد تناولت الكيس الذي كان مع والدتها قائلة:
-هل هذه الأدوية؟
ردت أمها:
-نعم..لمدة ثلاثة أيام.. مع المشروبات الدافئة كما تعلمين.. ولكن أين صالح ألم يعد بعد؟
-يبدو أنه في طريقه.. بقيت دقائق، غالبًا مايعود عند الواحدة والنصف، ستتناولان غداءكما معنا بالطبع أليس كذلك أمي؟
-جدتي أرجوكِ وافقي.. أريد أن أرى صالح.
-حسنًا حسنًا.. لم أرفض بعد! يا إلهي!! ما أطول لسان هذا الولد! هناء ليست كذلك ولا أبوك.. من أين ورثت هذه الصفة لا أعلم!
استدارت نحو ابنتها قائلة:
-أخشى أن يكون غداءكما لشخصين فيقلّ عنكما يا نور.
-بل يكفي يا أمي.. لقد طهوت غداء يومين.. هل نسيتِ تدبير ابنتك؟
قالتها بابتسامة مقرونة بنظرة ماكرة، فيما قطع صوت الجرس الحديث.. قفز معاذ هاتفًا:
-سأفتح أنا.. هذا صالح بالتأكيد!
فتح معاذ الباب وقد ارتسمت ابتسامة عريضة ملأت مابين أذنيه قائلاً:
– أهلاً بالصلّوحة!
ألقى صالح حقيبته على الأرض بحركةٍ درامية وأمسك بتلابيب معاذ يهزّه مرددًا بصوتٍ باكٍ.. ومضحك في الوقت ذاته!:
-أمـــاه!! أماه!! ماذا حدث لكِ؟ لقد أصبحتِ قصيرة! وتشبهين معاذ القبيح! آآآه يا أمي أين شعرك النحاسي؟؟ أين عيناك السوداوين؟؟ أين ملامحك الرائعة؟؟
أمااااه أماااااه..لقد أصبحت ملامحكِ مفزعة!!
راق الأمر لمعاذ.. الذي جاراه وقد أحاطه بذراعه مرددًا بنفس النبرة الحزينة:
-آه يا بني ياصالح.. كل هذا بسببك! هذه حال الدنيا!
تبادلت السيدتان اللتان تجلسان في الداخل نظرات التعجب السخرية والاستنكار من تصرفات هذين الصبيين! إلى أن صاحت نور وقد اتجهت إلى المطبخ:
-كفاكما كذبًا!! هيا ياصالح تعال لتسلم على جدتك وجهز نفسك.. سأحضر الغداء.
دفع صالح معاذ بعيدًا عنه وقد عاد إلى طبيعته هاتفًا:
-جدتي هنا؟؟
عانق جدته بسعادة.. وماهي إلا دقائق حتى اجتمعوا على طاولة الغداء..
:،:،:،:،:
ي
ت
ب
ع
لي عودة بإذن الله لقراءتها ..
لأنه أذن عندنا <<— بتشديد الذال
وعشان تكونين كملتيها ..
بشوق للبقيّه .. لاتتأخري يامرمر
كان قد فرغ للتو من غسل يديه، أخذ مقعده على الطاولة وناول أمه طلبها،
-شكرًا ياعزيزي.
واتجهت إلى أمها:
-أمي..ما أخبار سليم؟ هل يتصل بك؟
-اتصل قريبًا.. قبل ثلاثة أيام تقريبًا، يقول أنه بخير.. لكنني قلقة عليه!
-لماذا؟
-جدتي..هل تقلقين بشأن خالي سليم وهو رجل كبير؟ لقد حطمتِ أحلامي!!
طأطأ رأسه وأكمل بنبرة تمثيلية حزينة:
-كنتُ أطمح إلى أن تتوقفي عن القلق بشأني إذا ما أنهيتُ المرحلة الإبتدائية! يبدو أنني سأبقى مصدر قلقٍ حتى أصبح كهلاً!
ارتسمت الابتسامات على الوجوه الأربعة.. فيما فضّلت نور عدم إثارة سؤالها الذي بتره معاذ مرة أخرى.
رنّ جرس الهاتف.. فحرّك صالح مقعده قبل أن تبادر أمه:
-أكمل غداءك عزيزي..سأجيب أنا.
التقطت السماعة فأتاها صوت المتصل:
-السلام عليكم.
-أهلاً بالأستاذة! وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
-كيف حالك نور؟ وكيف هو صالح؟
-بخير..الحمد لله، يبدو أنني سأكافئ معاذ الذي جعلني أسمع صوتك اليوم!
أجابت أختها ضاحكة:
-آه يانور.. لا تتصورين مدى اشتياقي لك! منذ متى لم نتحدث؟! يا الله!!
هل هم عندك؟ لهذا لم يُجِب أحدٌ في بيت أهلي!
-ممم.. حسنًا، رضيت وصدّقت.. كالعادة! أمي ومعاذ هنا..مرّا بنا عند عودتهما من المركز الصحي.
-وكيف هو معاذ؟
-بخير.. ابنك المدلل! حنجرته ملتهبة قليلاً.. لكن بصراحة لايبدو عليه ذلك أبدًا ماشاء الله.
وعلى الطاولة:
-معاذ..لماذا تغيبت؟
نظر إليه مستنكرًا:
-كنتُ مريضًا!! حنجرتي متعبة!
-حسنًا.. ولكن لماذا تغيبت؟
نظر إليه غاضبًا هذه المرة:
-صالح! مابالك تسأل مرتين؟ ألم تسمع ردي؟!
هنا رد صالح وهو ينظر إليه بركن عينه نظرةً ذات مغزى:
-أنت تفهم قصدي! لماذا تغيبت؟
قرّب معاذ رأسه إليه هامسًا:
-لم يخطر لك سؤالي إلا أمام جدتي؟!
اكتفى صالح برفع حاجبيه ببلاهة! فأكمل معاذ:
-لديّ تكليفٌ صعبٌ في العلوم..لم أنجز منه شيئًا!
رد بهمسٍ أيضًا:
-لمَ لم تطلب من مها مساعدتك؟
-مها؟؟ أنت لاتعرفها! لديها امتحان اليوم..يعني لا تُعتبر أختي بالأمس!
-وأمك؟ أو أبوك حتى؟
-تأخرت في النادي..كانت هناك مباراة.. وكان كلٌ منهما قد انشغل عند عودتي!
-تتغيب من أجل تكليف واحد؟!
-بصراحة لستُ مستعدًا للتوبيخ..خصوصًا وأن تلك العصابة البغيضة في نفس صفي! سأكون أضحوكة لهم لو حدث ذلك!
انتبه الإثنان من تهامسهما على نظرات جدتهما الحادة المسلّطة عليهما..وعلى معاذ تحديدًا:
-سأخبر والديك!
رد متوسلاً:
-جدتي!!
أكملت بنبرة عتاب:
-هكذا إذًا! والداك يثقان بك..ولا يتوقعان هذا منك أبدًا.. ولا أنا!
كنت أظنك رجلاً!!
تألم لهذه الكلمة..فخفض رأسه..
-جدتي..أنا آسف.. أعلم أن هذا خطأ، ولكنك لاتعرفين هؤلاء الأولاد.. سيجعلون الجميع يسخر مني!
-لن يستطيعوا..إلا إذا منحتهم أنت الفرصة! لماذا تفعل مالا تستطيع تحمّل تبعاته؟!
كانت نور قد عادت هنا..
-هناء تبلغكم السلام جميعًا.
-سلمك الله..وسلمها، متى ستعود ألم تخبرك؟
-لم تحدد.. ولكن أتوقع في نفس موعدها المعتاد.
وفي المساء.. أخذ صالح يقلّب صفحات مجلّته المفضلة بين يديه..، تركها قليلاً .. وسرح بخياله بعيـــدًا..
وبعد دقائق.. ودقائق.. ودقائق.. انتبه فجأة وقد ارتفع حاجباه دهشةً!
بقي ساكنًا في مكانه.. ثم نهض مسرعًا إلى الهاتف.. وأدار رقمًا.. وما إن أجاب الطرف الآخر:
-السلام عليكم..معاذ؟
-وعليكم السلام..مابك؟ على مهلك! أجفلتني!
-معاذ أريد ان أسألك.. كيف قال الطبيب أن حنجرتك ملتهبة؟؟ هل لديها موهبة تمثيلٍ مثلك؟!!
ضحك معاذ كثيرًا.. قبل أن يرد:
-لا أعلم! تضامنت معي حتى لا تظهرني كاذبًا!
يبدو أنني شربتُ شيئًا باردًا بالأمس..
-….
-ولكن لماذا تسأل؟!
-لايهم.. عمومًا..سلامتك، مع السلامة.
-سلمك الله!
:،:،:،:،:
يوم الأحد – الرابعة صباحًا
أكوام هائلة من الأوراق.. تسدّ الأفق! وأصوات هواتف ترنّ هنا وهناك.. وطرق متواصل على ألواح المفاتيح..
وأحاديث متداخلة.. متفرقة.. مزعجة! تخاصمٌ هنا.. وتبادل ضحاتٍ هناك..ومناقشةٌ حادة بشأن أسئلة الإمتحان..
نظر إلى الأكوام العملاقة.. وهتف بهلع!:
-كل هذه؟؟ لا أستطيع! لن يكفي الوقت!
سـ.. سأرسب في هذه المادة!
لا أريد أن يحدث ذلك!
هل هذا معقول؟؟ هذه موسوعة وليست أسئلة امتحان!!
تشتتت نظراته بين عقارب ساعته المتسارعة وبين أكوام الورق!
تسارعت نبضاته مع عقارب الساعة..
يكاد يختنق لهول الموقف!
فجأة!!
فتح عينيه.. على اتساعهما! كانتا عسليتان!..إنه صاحبنا
ظـــلام دامـــس.. هذا مارآه..!
بعد ثوانٍ.. اتضحت له نقشات سقف غرفته..
زفر بارتياح:
-آآه.. الحمد لله..ليس حقيقة!
تناهى إلى سمعه صوت والده يتلو القرآن في صلاته.. أنصت بارتياح.. وابتسم!
فكر قليلاً..
(لماذا لا أقوم الليل مثل والدي؟!
ليس الأمر معقدًا.. أنام كالعادة وأستيقظ في مثل هذا الوقت لأصلي.. مالمشكلة؟
ثم إني سأستيقظ على كل حال لأصلي الفجر.. ماذا لو جعلتها مرةً واحدة؟
ممم.. كم يلزمني من الوقت؟ أظن أن ربع الساعة يكفي..
إذًا.. من الغد سأتأكد من وقت أذان الفجر..و سأضع المنبه ليوقظني قبله بربع ساعة..)
ابتسم لهذا القرار (الجديد!)..
وبعد دقائق.. عاد ليتساءل:
(ولماذا لا أبدأ من الآن؟ لمَ التأجيل؟
فكرة جيدة أن أبدأ الآن..
هي جيدة..لا اعتراض على ذلك..ولكن..
ممم..أنا أريد أن أمضي قُدُمًا.. لن أتراجع!
حسنًا.. حسنًا..
سأبدأ..
من..
من الغد!)
:،:،:،:،:
يوم الأحد – الثامنة صباحًا
اكتظت استراحة كلية العلوم بالطلاب..كان الموظف على طاولة الحساب يسابق الزمن ليحفظ الطلب ويحسب تكلفته في اللحظة ذاتها، ولامجال للخطأ أمام الصف الطويل الذي يقف أمامه،
وعلى الطاولات المستديرة الموزعة داخل الاستراحة، توزع الطلاب جماعات وفرادى، فمستعدٍ للمحاضرة القادمة، ومراجعٍ لأكوام المعلومات قبل بدء الامتحان، ومتناقشين حول بحثٍ أو مشروعٍ أو تكليف..،
طاولة واحدة فقط كانت تنعم ببعض الهدوء.. جلس إليها طالبٌ واحد..، أخذ يقلّب هاتفه الجوال على سطحها.. وكل دقيقتين..ينظر إلى ساعته!
إلى أن وصل صديقه..
-السلام عليكم.
-وعليكم السلام!! أخيرًا؟
-آسف.. استيقظتُ بصعوبة!
-كنتَ تناولت إفطارك في البيت أيضًا لتكتمل! أما المحاضرة فسنوقفها من أجلك إلى أن تصل!
-عمر!! كفى!.. لستُ في مزاجٍ يساعد على تحمّل مزاحك.
-لن أكفّ حتى تتعلم وتفهم مامعنى كلمة (احترام المواعيد!).
-أففف..لن ننتهي! أين عماد؟
-سيأتي في بداية المحاضرة.. قال أنه سيقابلنا في قاعتها.
-لماذا لم يأتِ هنا؟ لا يمكننا أن نلتقي اليوم بعد محاضرة التاسعة.
-لاأعلم.. ربما هربًا من رؤية وجهك!
أنهى جملته ضاحكًا.. وأمسك بسرعة بالكأس الورقي الذي أُلقي عليه قبل أن يصل إلى وجهه،
وبعد ثوانٍ:
-إبراهيم.. قلت مرةً أن لديك فكرة جديدة ستعرضها على الدكتور أحمد.
-نعم.
-نعم؟؟ أعلم أنه (نعم).. لكن لم تخبرنا ماذا حصل معك.. هل وجدته؟ أعجبته الفكرة؟ ماهي أصلاً؟!
-نعم وجدته وعرضتها عليه وأعجبته.. لكنني الآن لا أريد عرضها ولا مناقشتها.
-يا الله! ولمَ كل هذا.. يبدو أن أجواءك غائمة هذا اليوم!
-لا أدري! سأخبرك بها لاحقًا عندما نجتمع بعماد..أريد رأيكما ومساعدتكما بالطبع!
-هذا أمر! حسنًا..لابأس! كم إبراهيم عندنا؟ لابد أن ندللـه! وأمرنا لله..
لكن صدقني.. وبلا مجاملة.. تبدو مزعجًا جدًا حين تكون (غائمًا!).. أعان الله والديك!
رنّ منبه أحدهما معلنًا اقتراب التاسعة..فاتجها صوب قاعة المحاضرة، أحدهما يتفقد أغراضه.. والآخر..يحمل (غيمة) فوق رأسه.
:،:،:،:،:
ي
ت
ب
ع
:،:،:،:،:
الامل
المغتربة
شمس الحق
شكرًا..
قلبتي المواجع
قلمي جـــــــــــــــــــــــــــــــــــــاف وكم اتمنى عودته للمحبرة
أتابعك غاليتي
ولكن (اللقافه ) ماتركتني ….
بدايه رااائعه..
بانتظار التتمه …
اقول قموره ماتشبه قصتي الي قصيتها عليك (القطار و….الخ ).. انتبهي لاتأخذين من ابداعي القصصي
-عمر..إبراهيم..
كان قد حجز لهما مقعدين عن يمينه ويساره، وصلا إليه فصافحهما:
-أهلاً أهلاً..
والتفت إلى عمر:
-مابه إبراهيم؟
-إسأله!
-إبراهيم.. مابك؟
هزّ رأسه قاصدًا لاشيء. فعاد عماد إلى عمر:
-أخبرني!!
رفع عمر أحد حاجبيه قبل أن يرد:
-يعني كأنك لا تعرف إبراهيم!
يومٌ غائم فقط!
هل مرّ أسبوع منذ تعرفنا دون أن تُبرق أجواؤه؟!
هدأت أصوات الشباب حين دخل الدكتور متنحنحًا..
-السلام عليكم ياشباب..كيف حالكم اليوم؟
ترددت كلمات ترد عليه من هنا وهناك.. إلى أن قال:
-اسمعوني ياجماعة.. كنا قد حددنا موعد امتحاننا الثاني هذا الثلاثاء أليس كذلك؟
تعلّقت الأعين به رادةً بالإيجاب..
-طيب.. قررتُ تأجيله.. لأننا لم ننهِ بعد جزئية محترمة لتمتحنوا فيها.
ارتفعت أصوات تنهدات الارتياح..وتوزعت ابتسامات فرحة!
-أووه..الحمد لله!
ولكن.. ما أسرع أن اغتليت تلك الفرحة!
-وبدلاً من ذلك.. سأطلب منكم تكليفًا.. ثلاثة أسئلة فقط!
ارتفعت هنا أصوات غاضبة معترضة..(أوووه لاااااا).. (دكتور؟!!!!).. (أفففف!!)
أكمل كأن لم يسمع! :
-ستبحثون عن الإجابات في أي مكان كتب..مواقع.. صحف..الخ، وآخر موعد للتسليم هو يوم الأربعاء..
استدار ليكتب الأسئلة على اللوح..وأكمل:
-الغش ممنوع والاشتراك أيضًا.. أريد خمسة وعشرين ورقة على مكتبي يوم الأربعاء.
كان عماد وعمر يتبادلان نظرات الحيرة وهما يتأملان إبراهيم.. المبتسم!
-يبدو أن شمسه بدأت تشرق!
-ربما.. لكن وقتها غير طبيعي!
نظر إليهما وقد زاد من عرض ابتسامته..
-إنها لعبتي المفضلة… البحث!
عاد ليكتب أسئلة التكليف.. وقد تركهما في حيرتهما المعتادة..
المعتادة..فقط.. عندما يكون إبراهيم معهما!
:،:،:،:،:
يوم الثلاثاء – الثالثة ظهرًا
وصل إبراهيم إلى سيارته.. بحث عن مفاتيحه.. قطب جبينه حين وجد جيبه فارغًا.. وضع كتبه على سطح السيارة ليبحث في جميع جيوبه..
ازدادت حيرته.. وجد هاتفه ومحفظة نقوده..ولكن!! المفاتيح؟؟!
– (أففف..توقيتٌ رائع! تكاد الشمس تحرقني..أين ذهبت هذه المفاتيح؟!)
جاءه صوت من بعيد..
-إبراهيم!
التفت فإذا عماد مقبلٌ نحوه.. ملوحًا بسلسلة مفاتيحه.
انفرجت أساريره..
-الحمد لله! أين كانت؟
-لقد نسيتها في المختبر.
-آه..كدت أجن!شكرًا لك.
-لابأس..هيا إذًا..أنا ذاهب.
-انتظر.. متى نلتقي غدًا؟
-غدًا؟؟ اممم..سنلتقي أنا وعمر في محاضرة السموم..لست معنا فيها..
-أووه صحيح..غدًا الأربعاء..لن نلتقي!
-بالمناسبة..هل سلّمت تكليف الإنزيمات؟
-نعم..سلمّته بالأمس.
-ماشاء الله.. وعمر سلّمه اليوم.. وبقيت أنا!
-ألم تبحث بعد؟!
-كلا.. سأبحث اليوم إن شاء الله.. لا مفر!
أفرج عن ابتسامة باهتة..
فتح إبراهيم سيارته.. وأكمل:
-إذًا..سأنتظرك انت وعمر في بيتي غدًا مساءً..هل يناسبك؟
-أنا؟؟ لم أقرر شيئًا بعد بشأن الغد.. لامانع لدي.
-جيد..سأسأل عمر.. إسأله غدًا ماذا قررنا.
-حسنًا.. نراك على خير..مع السلامة.
-إلى اللقاء.
يحمد إبراهيم ربه في كل لحظة على هذين الصديقين!.. فمع كثرة نسيانه.. وشدة تقلّب مزاجه.. وانعدام الدقة في مواعيده.. لا يمكن أن يجد أحدًا في العالم كله يحتمله..كما يحتملانه!
(أنتما.. نعمة!)
هذا مايقوله كلما أفرغ غيمة من غيماته المعتادة أمامهما!
:،:،:،:،:
يوم الخميس – الخامسة عصرًا
أنهت كتابًا كانت تقرأه.. قامت لتعيده إلى رف المكتبة.. وقفت قليلاً بجوارها وقد مطّت يديها عاليًا زافرةً زفرة طويلة..
اتجهت إلى النافذة..
ألقت نظرة على حديقة البيت.. وإذا بابنها وقد اتخذ من أحد المقاعد سريرًا!
ابتسمت متأملة وضعه وقد افترش كفيه تحت رأسه.. محدقًا في السماء.. مقطبًا جبينه! رافعًا إحدى ساقيه على ركبة الأخرى.
إنها وضعية التفكير!
تلاشت ابتسامتها.. وتوجّست.. (ترى..فيمَ يفكر؟!)
تعترف دومًا لنفسها أنها لا تستطيع الامتناع عن القلق كلما رأته غارقًا في التفكير!
قطعت حيرتها بالاتجاه إليه..
-صالح؟
-نعم؟
أفسح لها مكانًا.. جلست بجانبه:
-مابك ياعزيزي؟
-أفكر!
هتفت لنفسها:
-(أعلم!)
-وبماذا يفكر ابني الغالي؟
اعتدل جالسًا..وقد ازداد جبينه تقطبًا..اتكأ بذقنه على ظاهر كفه..
تأملته.. التمعت عيناها..
( يا الله! نفس الطريقة.. نفس النظرات.. نفس الـ..)
قاطع تفكيرها:
-أمي؟
تلعثمت قليلاً..ثم:
-نعم يابني؟
-لماذا نشعر بالبرد بعدما نلعب؟
ابتسمت تعجبًا لسؤاله.. وربما سُخريةً من قلقها!
-ممم.. دعنا نفكر..
ماذا يحدث لك أثناء اللعب؟ أعني هل تشعر بالبرد لحظتها؟
-كلا..بل أشعر بالحرّ.
-صحيح..تشعر بالحرّ لأن جسمك يسخن مع الحركة السريعة.. وماذا يحدث حين تتوقف؟
-أشعر بالبرد!
-لا..قبل أن تشعر بالبرد…أعني ماذا يحدث حين يسخن جسمك؟
-أتعب!
-بالطبع تتعب..ولكن ماذا أيضًا؟؟
فكّر قليلاً.. ورد متشككًا:
-أعرق؟
-بالضبط! هذا مايحدث.. وحين تعرق.. وتخرج حبيبات العرق إلى خارج جسمك الساخن تتبخر!
ألم تدرس أن السوائل تتحول إلى بخار بالحرارة؟
رد باهتمام:
-بلى.
-إذًا.. عندما يتبخر العرق من على جسمك يكون قد استخدم حرارة جسمك ليتحول إلى بخار.. يعني أخذ منك هذه الحرارة.. بالتالي تشعر أنت بالبرودة.
-مممم..فهمت الآن!
-صالح..
-نعم؟
-ستدرس هذا قريبًا.. ربما هذه السنة.
-صحيح؟؟
اتسعت ابتسامتها:
-ولكنك كالعادة..تستعجل المعلومات.
-آه..فقط كنت مستغربًا.. وأردت أن أعرف.
شكرًا يا أمي..
ردت على ابتسامته بمثلها..وعانقته..
وعاتبت نفسها.. على هذا القلق.. لكنها ببساطة.. لا تستطيع إذا رأته هكذا..
إلا أن تقلق!
:،:،:،:،:
ي
ت
ب
ع
:،:،:،:،:
ليمو
صدى
بسمة فرح..
شكرًا
بسووووم..تطمني ماراح أغش منك..لأن قصتك ممنوعة في المنتدى
كبير جدًا..جدًا..
ولو انتظرتي لين أكملها كان غيرتي رأيك..
القصة مازالت جمل متقطعة ومشاهد مبتورة في أعماق مركزي العصبي!
—
عذرًا على التأخير ياجماعة..فالتأليف (مزاجات) ولا تزدهر هذه المزاجات إلا في وقت (الإمتحانات!!)
سأحاول الآن تأليف جزئية أخرى
أشكر متابعتكم