ما أجمل أن يعود للمنتظر غائبه وتر الفرحة وجوه المتلهفين للقائه،. لقد أطل شهر رمضان وعمت الفرحة قلوب المسلمين وعلا البشر والسعد لما احتوى عليه هذا الشهر من الخيرات والبركات وتنزل الرحمات على العباد..
في هذا التحقيق يتحدث عدد من أصحاب الفضيلة العلماء والمشايخ عن استقبال رمضان، وعن واجب المسلم فى هذا الشهر، وعن العمل والصوم، وعن بعض الجوانب الأخرى المتعلقة برمضان.
سماحة المفتي:
على الصائم أن يتحلى بكل خلق كريم
الرسول يستقبل هذا الشهر بالبشر والهناء والشكر
ففي بدء هذا التحقيق تحدث سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ المفتي العام للمملكة ورئيس هيئة كبار العلماء فقال.
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يستقبلون هذا الشهر بالبشر والهناء والشكر لله على أن بلغهم هذا الشهر، قال سلمان الفارسي رضي الله عنه: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان فقال "أيها الناس، قد أظلكم شهر مبارك عظيم، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، شهر جعل الله صيامه فريضة وقيام ليله تطوعا… " الحديث، فكون النبي صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بهذا الشهر العظيم بقوله. أظلكم شهر مبارك عظيم، إنما هذا ليستعدوا لاستقباله ويعقدوا العزيمة الصادقة على التنافس فيه بصالح العمل، فإن شهرا يبشر به يدل على الاهتمام والعناية به.. ا. هـ.
وعن الآداب التي ينبغي أن يتحلى بها الصائم قال سماحة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ.
ينبغي للصائم أن يتحلى في صيامه بكل خلق كريم وإن كان مطلوبا منه دائما، لكن في الصيام يكون أعظم تمسكا وأشد بعدا عن كل خلق رديء، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم يقول "الصوم جنة، فإذا كان صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب وإن سابه أحد أو شاتمه فليقل إني امرؤ صائم " فنهاه صلى الله عليه وسلم عن رفث القول وكل قول رديء لا خير فيه، ونهاه عن الصخب وهي الخصومة ورفع الأصوات، وأمره بالحلم على الجاهل والعفو والصفح والإعراض بقوله. "وإن سابه أحد أو شاتمه فليقل إني امرؤ صائم " أي فصومي يحجزني ويمنعني أن أخوض مع الجاهلين في جهلهم ومع السفهاء في سفههم، بل أترفع عن كل هذا ا لترهات.
التهنئة برمضان
ثم تحدث فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين
فقال :
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهنئ أصحابه بقدوم شهر رمضان، كما في الحديث الذي رواه سلمان رضي الله عنه قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان، فقال "لقد أظلكم شهر عظيم مبارك، شهر جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعا، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، من تقرب فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة، وشهر يزاد فيه رزق المؤمن من فطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه، وعتقا لرقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء" قالوا يا رسول الله، ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم، قال "يعطي الله هذا الأجر لمن فطر صائما على مذقة لبن، أو شربة ماء، أو تمرة، ومن أشبع فيه صائما، أو من سقى فيه صائما سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ بعدها حتى يدخل الجنة، فاستكثروا فيه من أربع خصال. خصلتين ترضون بهما ربكم، وخصلتين لا غنى بكم عنهما. أما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم. فشهادة أن لا إله إلا الله، والاستغفار! وأما اللتان لا غنى بكم عنهما. فتسألونه الجنة وتستعيذون به من النار ".
وروي عنه عليه الصلاة والسلام كان يفرح بقدوم رمضان، فكانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبله منهم، فتكون سنتهم كلها اهتماما برمضان. وفي حديث مرفوع رواه ابن أبي الدنيا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال. "لو تعلم أمتي ما في رمضان لتمنت أن تكون السنة كلها رمضان ". ونشاهد الناس عامة، مطيعهم وعاصيهم، أفرادهم وجماعاتهم يفرحون بحلول الشهر الكريم، ويظهرون جدا ونشاطا عندما يأتي أول الشهر" فنجدهم يسارعون الخطى إلى المساجد، ويكثرون من القراءة ومن الأذكار، وكذلك نجدهم يتعبدون بالكثير من العبادات في أوقات متعددة ولكن يظهر في كثير منهم السأم والتعب بعد مدة وجيزة فيقصرون أو يخلون بكثير من الأعمال نسأل الله لهم الهداية ا. هـ.
الإخلاص والنية والجد
ثم تحدث الشيخ أ. د/ صالح بن غانم السدلان الأستاذ في الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، فقال " يستقبل المسلم رمضان أولا بإخلاص ونية وجد واجتهاد وعزم على فعل الطاعات وترك المنكرات وتنظيم الأوقات والتسابق إلى أنواع الخيرات فهو موسم عظيم ينبغي للمسلم أن يستغله أكمل استغلال.. ا. هـ.
فيما يقول الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن يعيش إمام وخطيب جامع خادم الحرمين الشريفين بالرياض استقبال رمضان يجب أن يكون على أحسن وأفضل حال، فالمسلم يستبشر بحلول هذا الشهر ويفرح بقدومه، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يبشر الصحابة وكلمة بشرى تدل على علو مكانة المبشر به فكونه صلى الله عليه وسلم يبشر الصحابة بمقدمه كأنه يخبرهم بخبر جميل طيب يجلب إلى نفوسهم السعادة ويدخل عليهم السرور ولا شك أن شهر رمضان بالنسبة للمؤمنين موسم للفرحة فهم يحمدون الله ويثنون عليه أن بلغهم رمضان فبلوغ هذا الشهر نعمة في حد ذاتها فكيف والشهر فيه رحمة الله ومغفرته وعتقه لعبيده من النار وفيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر وفيه حقا يتنافس المتنافسون وفيه يظهر أهل العبادة وأهل الصلاح وأهل البذل والإحسان كل ما يستطيعون طلبا لرضا الرب سبحانه
وتعالى وفيه تكفر السيئات وتضاعف الحسنات، فالخصائص العظيمة لهذا الشهر الكريم تجعل المسلمين يستبشرون بقدومه ولا يزال- والحمد لله- هذا حال المسلمين فكلما قدم رمضان فرح المسلمون بذلك اقتداء بالسلف الصالح الذين كانوا يسألون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ثم يسألونه ستة أشهر أخرى أن يتقبل منهم رمضان، فالسنة عندهم كلها بمثابة رمضان أي أنهم لا ينسون هذا الشهر أبدا ولا يكره هذا الشهر إلا المنافقون فلا يمر بالمنافقين شهرا صعب عليهم منه، فلذلك تجد أحدهم بمجرد أن يسمع قدوم الشهر ينزوي ويتلون وجهه ويمتقع لونه ويكاد يسب الحياة ومن فيها، إذ يجد ضيقا في رمضان لأن رمضان تصفد فيه الشياطين وقد يكون هذا من شياطين الإنس!. فهو يكره رمضان لأنه سيحرم من أشياء كثيرة.
استثمر وقتك ولا تعطل شغلك
ويقول فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان- عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء. يستثمر الصائم وقته بالعبادة من صلاة وتلاوة القرآن وتسبيح وتهليل وتكبير، ولا يتعارض هذا مع أعماله الدنيوية وطلبه للرزق، فليس من الضروري أن يعطل أشغاله ويجلس للعبادة والذكر لأن بإمكانه أن يذكر الله تعالى وهو في أعماله وعليه أن يحفظ لسانه عما يخل بصومه ويفسد أعماله من الكلام المحرم وعليه أن يصون بصره عن النظر المحرم، ويصون سمعه عن سماع الغيبة والنميمة والأغاني والملاهي ويصون جوارحه عن ارتكاب المعاصي والآثام، فإن الصيام ليس مجرد ترك الطعام والشراب، بل أهم من ذلك ترك كل ما حرم الله من الأقوال والأفعال، وإلا فإنه لا فائدة في ترك الطعام والشراب مع الاستمرار في فعل المحرمات.
نظم وقتك
ويضيف أ. د. صالح بن غانم السدلان حول أهمية الوقت في رمضان قائلا لا شك أن استثمار الوقت ولا سيما في شهر رمضان من الأهمية بمكان وأول خطوة ينتهجها المسلم في ذلك هي تنظيم هذا الوقت فيحدد الإنسان وقتا للراحة ووقتا للعبادة ووقتا لقضاء الحاجات، وبهذا يستطيع أن يستثمر وقته كما ينبغي. أما الإنسان الذي يترك نفسه من دون تنظيم ولا ترتيب فلا شك أنه يخطئ كثيرا ويضيع عليه وقت كثير ا. هـ.
حافظ على الوقت
ويقول فضيلة الدكتور إبراهيم الخضيري القاضي بالمحكمة الشرعية بالرياض يقول. إنه بتنظيم المرء لوقته تنظيما دقيقا يمكنه استثماره كما يلي
أولا: يحافظ على فرائض الله عز وجل.
ثانيا :يحافظ على الذكر والحمد والاستغفار والتوبة.
ثالثا: ينتفع بحضور حلق العلم وحلق الذكر والدعوة.
رابعا : يستفيد من وقته حين ينظمه بما يعود عليه بالنفع العميم ا. هـ.
يصوم ويضيع الصلاة
ويقول الدكتور إبراهيم السنيدي الأستاذ المشارك بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية لا شك أن أيام شهر رمضان أيام فاضلة أيام تتوالى فيها الكرامات على عباد الله المؤمنين لذلك كان لزاما على المسلم أن يستثمر هذه الأيام في طاعة الله عز وجل وكل عمل يرضيه ومن ذلك أداء الواجبات الشرعية وفي مقدمتها الصلاة وذلك أن البعض هداهم الله يحافظ على الصيام لكن يضيع الصلاة والصلاة أهم من الصيام وأولى بالمحافظة، إذ هي الركن الثاني من أركان الإسلام ومن ضيعها ضيع دينه فهناك البعض يسهر إلى آخر الليل ثم ينام ولا يستيقظ إلا مع أذان المغرب فكم من الصلوات ضيعها فارتكب عدة منكرات من تضيع الصلاة وعدم أدائها في وقتها كذلك ترك الجماعة إن كان من أهل الجماعة وهذا خطر عظيم. ثم إن على الصائم أن يحافظ على صيامه من اللغو والرفث والعبث، فقد أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم أن من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه. وعلى الصائم الاشتغال بالقرب من الصدقة والبر والإحسان والمحافظة على الذكر والتسبيح والتهليل والتحميد وملازمة كتاب الله عز وجل تلاوة وحفظا وتدبرا فهو شهر تلاوة الكتاب وعمارة المحراب.
ويقول الدكتور عبدالله بن عبدالرحمن آل محمد جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. مما لا شك فيه أن الوقت ثمين ووقت المسلم أثمن من غيره وهو في الأزمنة والأمكنة الفاضلة آكد وأولى، فعلى المسلم في شهر الصيام أن يستغل جميع أوقاته في طاعة الله وما يرضيه سبحانه وتعالى من تلاوة القرآن فهو شهر القرآن شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن وكذلك ما يتيسر من أنواع القرب كالصلوات والصدقة فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يدارسه جبريل القرآن فلهو أجود بالخير من الريح المرسلة وكذلك صلة الأرحام والإحسان إلى الفقراء والأيتام وعلى المسلم أن يحذر أتم الحذر من أن يفرط في أيام الشهر ولياليه بما لا فائدة وراءه، وأشد من ذلك وأغلظ أن يستغله في أمر محرم فهي أيام لا شك محدودة وستنتهي وإن الله سائلنا عما أودعنا فيها من عمل.
الصيام والعمل
ويتحدث سماحة المفتي العام الشيخ/ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ عن العمل في رمضان فيقول ليس الصيام عائقا عن العمل ولا مانعا من المضي في الخير، بل الصوم عون للعبد على كل خير فمن تصور أن الصيام يقعد بأهله ويخلد بهم إلى الكسل والخمول وعدم النشاط فقد تصور تصورا خاطئا فالصوم قوة ونشاط ودفع للعمل وهذا النبي صلى الله عليه وسلم غزا غزوة بدر في رمضان وغزا عام الفتح في رمضان وكان المسلمون يجاهدون ويعملون وينتفعون ولم يكن الصوم حابسا لهم عن الخير.
ليس موسم كسل
ويضيف فضيلة الشيخ أ. د. صالح بن غانم السدلان قائلا. البعض من الناس اتخذه موسما للنوم والكسل وإطالة الركود على الفراش والخمول طيلة النهار ومن بعد صلاة الفجر مباشرة إلى بعد صلاة الظهر وربما ينام عن صلاة الظهر أيضا وربما ينام عن صلاة العصر ثم في الليل يقبل على المشروبات والمأكولات وهكذا حتى ينتهي رمضان وتمر أيامه وهذا خلاف الأمر المشروع والمطلوب فإن أيام رمضان أيام النشاط وأيام القوة وأيام الجد والاجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل شهر رمضان يقبل على قراءة القرآن وكان جبريل يدارسه القرآن وعرض عليه القرآن في السنة التي توفي فيها صلى الله عليه وسلم على جبريل مرتين، فالرسول صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة وكثير من الغزوات كانت في رمضان وبعض أسفار النبي صلى الله عليه وسلم كانت في رمضان وكل ذلك دليل على النشاط. أما بعض الناس فإنه يقضي رمضان على عكس ما أراد الله جل وعلا وشرع.
فيما يتحدث الدكتور/ إبراهيم بن صالح الخضيري عن أولئك الذين يعتبرون رمضان موسما للكسل والخمول فيقول فضيلة الشيخ. هذا الشيء- بكل أسف- موجود فبعض الناس يجعل صيام شهر رمضان عائقا يمنعه من كثير من العمل فإذا جاء إنسان يريد من آخر خدمة قال نحن صائمون وإذا جاء إنسان يريد من آخر عملا ينفع الله به قال. نحن في رمضان وهكذا ويجعلون شهر رمضان عائقا يعيق الأعمال الإسلامية الدعوية والأعمال الفاضلة الخيرة وهذا غلط كبير لأن النبي صلى الله عليه وسلم كما.. كما نعرف جميعا- خاض معارك في شهر رمضان ومن أجل هذه المعارك معركة بدر ومعركة فتح مكة وغيرها وانتصر المسلمون فيه انتصارات عظيما حتى بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما هو معروف في معارك كثيرة من معارك المسلمين انتصروا فيها في شهر رمضان المبارك فشهر رمضان ليس شهر خمول ولا شهر كسل إنما هو شهر حيوية وشهر نشاط وشهر عبادة وشهر استكانة للواحد الأحد فينبغي للمؤمن أن ينبذ الكسل. كذلك هناك طائفة أخرى وتزعم أن شهر رمضان هو موسم التعلم فقط وموسم العبادة فقط وإذا خرج رمضان ولوا مدبرين وقالوا عباداتنا في رمضان تكفينا العمر كله وهذا غلط عظيم لا يجوز لأن رب رمضان هو رب جمادى وشعبان وسائر الشهور ولكن في رمضان من نفحات الله وفيه ليلة القدر خير من ألف شهر وفيه من الخيرات ما لا يعلم به إلا الله نسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن صام رمضان وقامه إيمانا واحتسابا وممن وفق لقيام ليلة القدر إيمانا واحتسابا .
الغزوات كانت في رمضان
ويقول الدكتور إبراهيم السنيدي إننا وباستعراض سريع لسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام نجد أن شهر رمضان كان لديهم شهر عمل وجد ونشاط متواصل فكم من غزوات غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في شهر رمضان وسار على ذلك أصحابه صلى الله عليه وسلم من بعده. أما ما يعمد إليه البعض من جعل هذا الشهر موسما للكسل والخمول والإخلاد للنوم فهذا خلاف هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم فينبغي للمسلم أن يستغل أيام هذا الشهر ولياليه أتم الاستغلال في كل ما يقرب إلى الله عز وجل من صلوات ودعوة وتلاوة للقرآن وعمل كل ما من شأنه نفع نفسه وإخوانه المسلمين
المبادرة بالتوبة
ويقول فضيلة الشيخ أ. د صالح بن غانم السدلان لا شك أن شهر رمضان شهر مبارك شهر عظيم وموسم كريم فرض الله صيامه وسن لنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قيامه وفيه من أسباب محو السيئات ورفع الدرجات وإعتاق الرقاب وغفر الذنوب وستر العيوب فيه أسباب كثيرة هيأها الله جل وعلا لمن وفق من شاء من عباده لذلك هذا الشهر لو لم يكن فيه إلا قول النبي صلى الله عليه وسلم "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه " وقوله صلى الله عليه وسلم " لقد أظلكم شهر عظيم فرض الله عليكم صيامه وسن لكم قيامه ". فهو شهر عظيم وموسم كريم نسأل الله جل وعلا أن يجعله شاهدا لنا لا شاهدا علينا وأن يجعله موسما عظيما على جميع الأمة الإسلامية كما نسأله سبحانه وتعالى وأن يعز مقامها وأن يجمع كلمة قادتها وشعوبها على الحق والهدى.. ا. هـ.
الصوم مدرسة
ويقول د. إبراهيم الخضيري القاضي بالمحكمة الكبرى بالرياض يقول الله جل وعلا (( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستيجبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ))، وقد أورد الله هذه الآية بين آيات الصيام ويقول سبحانه ((يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون )) ، فدل ذلك على أن الصوم مدرسة تربي الروح والأخلاق وأن من أعظم الدروس المستفادة هي صفاء القلب ونقاءه ورجوع الإنسان إلى الله عز وجل. وتوبته إليه ولهذا ينادي كل ليلة يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر فإن لله عتقاء من النار. وأول رمضان رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار، ويعتق الله في آخر الشهر كما أعتق في أوله- في عدد أيامه كلها- وفي ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر يعتق الله فيها الملايين من التائبين الملايين فينبغي أن ننضم إلى قافلتهم.
والله تعالى أفرح بتوبة عبده من ذلك الإنسان الذي ضلت عنه راحلته وهو في أرض فلاة حتى كاد أن يموت جوعا وعطشا ثم وجدها بعد ذلك واقفة عنده. فقال اللهم أنت عبدي وأنا ربك. أخطأ من شدة الفرح فالله أشد فرحا بتوبة عبده من هذا براحلته هكذا جاء عن المصطفى صلى الله عليه وسلم.
ويقول الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن يعيش لا شك أن شهر رمضان موسم للتائبين والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبشر أصحابه بمقدم رمضان وكان يقول أتاكم شهر رمضان شهر تضاعف فيه الحسنات وتكفر فيه السيئات وتفتح فيه أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب النيران وكان يقول عنه صلى الله عليه وسلم "أنه شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار".
ووردت أحاديث كثيرة كلها تشير إلى أنه موسم من المواسم العظيمة التي يجب على المسلمين أن يهتبلوا الفرصة فيها وأن يستغلوا هذا الشهر المبارك بتقديم ما يستطيعون من أعمال صالحة من صلاة ونوافل، وطاعات وصدقات وزكوات وما إلى ذلك من أعمال البر التي ينبغي أن يتسابقوا فيها وهو موسم للتائبين فمن عادة التجار أن يحرصوا على اهتبال الفرص التجارية والمواسم يبيعون ويشترون ليربحوا وتكثر أموالهم فاعتقد أن شهر رمضان بالنسبة للمؤمنين الذين يحبون أن يظهروا لله تعالى ما يتسحقه من العبادة والحمد والثناء والشكر لا شك أن رمضان هو موسم لهم مثل مواسم التجار تماما بتمام وذلك أن هؤلاء الصالحين يستغلون هذه الفرصة لأن الصلاة مضاعفة والصيام مضاعف ومضاعفة الصيام لا حدود لها كما قال تعالى في الحديث القدسي "كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها" قال تعالى "إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ".
فلذلك كلما تقدر أنت من الحسنات لأي عمل صالح تتوقف عند حد معين فهناك نصوص من الكتاب والسنة تشير إلى هذا لكن بالنسبة للصيام لا يمكن أن يحد فضله وما يكتب الله فيه من الحسنات لا بالعشرات ولا بالمئات ولا بالألوف ولا الملايين لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أشار في الحديث القدسي إلى أن الله يقول إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به- فليس هناك أحد يستطيع أن يحدد جزاء الصيام لأنه لا حدود له إلا بتقدير العزيز العليم فهو الذي استأثر بأمره في علم الغيب فسيجازي سبحانه هؤلاء الصوام الذين صاموا لله انقيادا وطاعة واستجابة لأمره سبحانه وتعالى فهو لا شك شهر للتائبين لأن الناس يكثرون فيه من التوبة والاستغفار وهو موسم لمحاسبة النفس عن التقصير عما بدر منها وعما حصل منها خلال السنة كاملة فهو من مواسم التوبة التي نسأل الله أن يجعلنا وإخواننا المسلمين فيه من المقبولين.
وفي ختام هذا التحقيق يقول فضيلة الدكتور إبراهيم السنيدي إن لشهر الصيام مكانته ومنزلته العالية التي تفرض على المسلم أن يتأدب بآدابه ومن هذه الآداب ما يلي أن يراعي حرمة هذا الشهر فيستثمر كل أوقاته في طاعة الله عز وجل وما يقرب إلى رضاه وأن يبتعد عن كل ما يسخطه ويغضبه سبحانه في كل وقت وفي هذا الشهر على وجه أخص.
– أن ينظم المسلم وقته في هذا الشهر ليحسن استثماره وأن يجعل همه الأعظم كيف يستغل كل دقيقة وثانية فيه فإن ما مضى من أوقاته لا يعود وليتعرض لنفحات الله في هذا الشهر الكريم
– إن يحرص على إصابة السنة قدر المستطاع من تعجيل الفطر مثلا، فإن أحب العباد إلى الله أعجلهم فطرا فإذا تحقق الغروب أفطر وكذلك تأخير السحور لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أمته بذلك- وليحذر المسلم من الاستخفاف بذلك كحال أولئك الذين يؤخرون العشاء إلى نصف الليل ونحوه بقليل ثم ينامون وربما لا يستيقظون إلا مع وقت الدوام فمثل هؤلاء قد وقعوا في محاذير عدة منها أنهم أخروا صلاة الفجر عن وقتها وهذا محرم ومنكر عظيم يخشى على صاحب من رد عمله.
ومنها أنهم تركوا السحور وهجروا سنة رسول الله ! في ذلك الذي يقول تسحروا فإن في السحور بركة. فحرموا أنفسهم هذا الخير العظيم، والله الموفق.