ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بـســم الله الـــرحـمــن الرحيـــــم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ
تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ
الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ } التكاثر 1 – 8
يقـول تعالى موبخا عباده عن اشتغالهم عما خلقوا له من عبادته وحده
لا شريك له ، ومعرفته ، والإنابة إليه ، وتقديم محبته على كل شيء :
{ أَلْهَاكُمُ } عــن ذلك المذكور { التَّكَاثُرُ } ولم يذكر المتكاثر به، ليشمل
ذلك كل ما يتكاثر به المتكاثرون، ويفتخر به المفتخرون ، من التكاثر
في الأموال، والأولاد، والأنصار، والجنود ، والخدم ، والجاه ، وغير
ذلك مما يقصد منه مكاثرة كل واحد للآخر ، وليس المقصود به
الإخلاص لله تعالى .
فاستمرت غفلتكم ولهوتكم وتشاغلكم { حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ } فانكشف
لكم حينئذ الغطاء، ولكن بعد ما تعذر عليكم استئنافه .
ودل قوله { حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ } أن البرزخ دار مقصود منها النفوذ
إلى الدار الباقية ، أن الله سماهم زائرين، ولم يسمهم مقيمين .
فدل ذلك على البعث والجزاء بالأعمال في دار باقية غير فانية ، ولهذا
توعــدهم بقولـــه : { كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا
لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ } أي : لو تعلمون ما أمامكم علما يصل إلى
القلوب، لما ألهاكم التكاثر، ولبادرتم إلى الأعمال الصالحة .
ولكن عدم العلم الحقيقي، صيركم إلى ما ترون، { لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ } أي:
لتردن القيامة، فلترون الجحيم التي أعدها الله للكافرين .
{ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ } أي : رؤية بصرية، كما قال تعالى { وَرَأَى
الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفاً }
الكهف53
{ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ } الذي تنعمتم به في دار الدنيا، هل قمتم
بشكره، وأديتم حق الله فيه، ولم تستعينوا به، على معاصيه، فينعمكم
نعيما أعلى منه وأفضل .
أم اغتررتم به، ولم تقوموا بشكره ؟ بل ربما استعنتم به على معاصي
الله فيعاقبكم على ذلك ، قال تعالى : { وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى
النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ
عَذَابَ الْهُونِ } الآية .
الكتاب تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان
( ص 933 ) للشيـــخ عبد الرحمن السعـدي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ