الجواب : الحمد لله رب العالمين ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أما بعد :
فإن اتباع سبيل أهل السنة والجماعة واجب بدلالة الكتاب والسنة وإجماع العلماء المعتبرين خلفاً عن سلف ، وكل من يخالف ذلك عقيدة أو منهاجاً فهو آثم خارج عن الفئة المنصورة إلى يوم الدين .
قال تعالى : ( وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً ) . (115) النساء
فهذه الآية الكريمة تبين بياناً واضحاً لا يحتمل أدنى تأويل وجوب اتباع سبيل المؤمنين ، وقد قرن الله سبحانه بين مشاققة الرسول ، وبين اتباع غير سبيل المؤمنين ، فكل من يتبع غير سبيل المؤمنين يكون مشاققاً للرسول ، وقد توعد الله سبحانه كل من خالف سبيل المؤمنين بجهنم وساءت مصيراً أعاذنا الله منها ، والمقصود بسبيل المؤمنين الذي يجب على كل مسلم أن يتبعه ، هو سبيل الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، قال تعالى : ( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) . (100) التوبة
فهذه الآية الكريمة إخبار من الله سبحانه يتضمن المدح الدال على الوجوب ، فقد امتدح الله سبحانه طائفتين من الناس ، الطائفة الأولى وهم المهاجرون والأنصار ، وقد جاء السياق في مدحهم مطلقاً ، والطائفة الثانية وهم الذين اتبعوهم بإحسان ، وقد جاء المدح مقيداً بقيدين اثنين ،أولهما : الاتباع ، ثانيهما : وصف الاتباع وهو الإحسان ، وهذا دليل واضح على أن المقصود بسبيل المؤمنين هو سبيل الصحابة رضي الله تعالى عنهم .
ومما يدلنا أيضاً على وجوب اتباع سبيل الصحابة قوله تعالى : ( فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) . (137) البقرة
وهذه الآية تضمنت شرطاً ترتبت عليه حقيقة، أي إن كان إيمان الناس مثل إيمان الصحابة رضي الله تعالى عنهم فقد اهتدوا ، وهذا مفهوم موافقة للفظ المتضمن مفهوم مخالفة للمعنى ، أي إن لم يؤمنوا بمثل ما آمنتم به ، فقد ضلوا ، فعلق المولى سبحانه وتعالى الهداية على متابعة الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، وقد اتفقت هذه الآية بالمعنى مع الآية السابقة : (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً ) . (115) النساء
فانظر يرحمك الله تعالى إلى تطابق اللفظين في كلتا الآيتين ،( يشاقق ) ( الهدى ) فالآية الأولى بينت أن من يخالف إيمانه إيمان الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، فهو في شقاق ، أي في منازعة للحق ، وكذلك الآية الثانية تبين أن من يتبع غير سبيل المؤمنين فإنما هو في شقاق ، ولا ريب أن مشاققة الحق خروج عن الهدى فتأمل ذلك .
وعلى ما سبق تعلم أخي الحبيب أن اتباع سبيل المؤمنين ، الذي هو اتباع الصحابة رضي الله تعالى عنهم واجب ، ويعتبر كل من خالفه مخالفاً للحق مشاققاً له .
ويعزز هذا المعنى ما جاء في الحديث الصحيح عن العرباض بن سارية رضي الله تعالى عنه قال : وعظنا رسول الله يوماً بعد صلاة الغداة موعظة بليغة، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب. فقال رجل: إن هذه موعظة مودّع فماذا تعهد إلينا يا رسول الله؟ قال: (أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن عبد حبشي، فإنه من يعش منكم يرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ) رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه بسند صحيح .
ويشتمل الحديث على فوائد جمة يحتاج إليها طالب الحق الباحث عنه ونستخلص منها :
1 : الربط بين سنة الرسول ، وسنة الخلفاء الراشدين وذلك من خلال قوله : ( فعليكم بسنتي ، وسنة الخلفاء الراشدين ) وهذا أمر دال على الوجوب ، فكما أن اتباع سنة الرسول واجبة ، فكذلك اتباع سنة الخلفاء الراشدين ، حيث عطف الرسول اتباع سنة الخلفاء الراشدين على اتباع سنته فاقتضى ذلك المشاركة في الحكم .
2 : إن سنة الخلفاء الراشدين ،هي سنة الرسول ، وذلك من خلال تفريد الضمير في قوله : (عضوا عليها ) والأصل أن يقال : عضوا عليهما حيث ذكر سنتين لا سنة واحدة ، ومبنى هذا الأمر على موافقة الخلفاء الراشدين لسنة المصطفى لذا وصفوا بالراشدين المهديين ، ولن يكونوا راشدين مهديين إلا باتباع الحق الذي دلهم عليه رسول الله .
3 : تعلق الضلالة بمخالفة سبيلهم وذلك من قوله : ( وإياكم ومحدثات الأمور ) . فقد جاء هذا اللفظ بعيد الأمر بالتمسك بسنة الخلفاء الراشدين ، وعليه يكون المخالف لسنة الخلفاء الراشدين مخالفاً في حقيقة الأمر لسنة الرسول ، مما يؤدي به ذلك إلى الوقوع في المحدثات التي هي من الضلال المبين .
4 : إن وقوع الخلاف في الأمة من الأمور التي تؤدي إلى فشلها وهلاكها ، وإن سبيل الخروج منها هو اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين ،لذا شدد الرسول في هذه المسألة ، وأمر بالتمسك بسنة الخلفاء الراشدين بكل ما يستطيعه المسلم من قوة حتى ولو كان ذلك بنواجذه .
ومفهوم الحديث بعموم ، أن المجتمع المسلم سوف يشهد اختلافات كثيرة ، واضطرابات فكرية بحيث يصبح المسلم غارقاً في متاهات اجتهادية يصل إلى درجة لا يعرف بها طريق الحق الذي يجب أن يكون عليه ، ومن تمام ديننا الحنيف ، بين ما يجب أن يكون عليه المسلم في هذه المتاهات الكثيرة ، وهو اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين ، فهو طريق الحق ، وهو سبيل النجاة في الدنيا والآخرة ، والشاهد من الحديث أن الخلفاء الراشدين لا يتصفون بهذا الوصف إلا إن كانوا متبعين لسنة الرسول التي عليها الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، إذ سنة الخلفاء الراشدين لا تنفصل عن سنة الصحابة .
ومن أدلة السنة على وجوب اتباع سبيل الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، ما جاء عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ، أن رسول الله قال : ( تفترق أمتي على ثلاث و سبعين ملة ، كلهم في النار إلا ملة واحدة ، قالوا : و من هي يا رسول الله ؟ قال : ما أنا عليه و أصحابي ) . أخرجه الترمذي و غيره بإسناد حسن .
وهذا الحديث موافق لما دلت عليه النصوص السابقة من الكتاب والسنة ، ففيه إشارة واضحة إلى وجوب اتباع الصحابة رضي الله تعالى عنهم في العقيدة والمنهاج ، ووجه ذلك فيما يلي :
1 : الإشارة إلى افتراق المسلمين إلى فرق كثيرة تكون جميعها هالكة إلا جماعة واحدة ، وهي التي تكون موافقة لما كان عليه الرسول وأصحابه ، وهذا دليل واضح على أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا على الحق باعتبار من وافقهم من اتباع الفرقة الناجية .
2 : جاء الحديث بصيغة الإخبار المتضمن للتحذير والمدح للدلالة على شيئين منفصلين ، فأما التحذير فمن خلال قوله صلى الله عليه وسلم ( كلها في النار) وأما المدح فمن خلال قوله ( إلا واحدة ) مما يدلنا ذلك على أن الفرقة المستثناة من الهلاك هي الفرقة الموافقة لما كان عليه الرسول وأصحابه ، على خلافها من الفرق التي شملها الذم تضمناً .
3 : قوله : ( إلا واحدة ) فهذا اللفظ دال على أن أهل الحق جماعة واحدة ، وليسوا جماعات متفرقة ، لأن المعنى – إلا فرقة واحدة من بين هذه الفرق ليست هالكة – وقد جاء وصف هذه الفرقة أي الناجية ، أنها تكون على مثل ما يكون عليه الرسول وأصحابه .
4 : ما تضمنه الحديث من وجوب اتباع الصحابة رضي الله تعالى عنهم باعتبارهم الفرقة الناجية .
وعليه يكون اتباع الصحابة واجباً ، وأما من ذهب إلى تضعيف الحديث فلا يعتد بقوله فالحديث صحيح متناً وسنداً ، والأدلة القاطعة آنفة الذكر تدل على معناه .
ومن أدلة السنة على وجوب اتباع الصحابة رضي الله تعالى عنهم ما جاء في الحديث المتفق على صحته عند أئمة الحديث عن معاوية بن أبي سفيان وغيره أنه قال :سمعت رسول الله( لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس ).
ومن الفوائد التي تضمنها الحديث الشريف :
1 : وجود طائفة ظاهرة على الحق ، وهي باقية ما بقيت السماوات والأرض ، وهي طائفة واحدة لا تتعدد إذ دل اللفظ على طائفة واحدة لا طوائف متعددة ، وهذا الحديث من حيث المعنى يتفق مع الحديث قبله في المعنى ، فقوله : ( إلا واحدة ) يتفق مع قوله : ( لا تزال طائفة ) وعليه يكون أهل الحق متوحدين متعاضدين لا متفرقين .
2 : دل سياق الحديث على أن الطائفة موجودة على عهد رسول الله ، وهي باقية إلى قيام الساعة ، مما يدلنا ذلك بوضوح على أن الصحابة هم طليعة هذه الطائفة ، فهم على الحق الذي من خالفهم عليه يكون ممن خذلهم وأعرض عن منهجهم الحق .
3 : إن أصحاب الحق امتداد للطائفة المنصورة ، فلا يكونون منقطعين عنها أو مخالفين لها ،بل هم اتباع لهذه الطائفة يقولون بما قالوا به ، ويفعلون ما فعلوه ، وهذا خلاف واقع الجماعات إذ هي قائمة على أفكار اجتهادية مرجعها إلى أفهام أشخاص قد يصيبون وقد يخطئون .
4 : إن هذه الطائفة موافقة للحق قائمة عليه ، فهي غير اجتهادية أو هوائية ، بل هي طائفة تجعل اتباع الرسول منهجها وسبيلها لعبادة الله سبحانه ، ولم تقم جماعة على وجه البسيطة تعرف باتباع الرسول سنة سنة إلا الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، ومن كان على نهجهم .
ومن الأدلة أيضاً على وجوب اتباع الصحابة رضي الله تعالى عنهم ما جاء في الحديث عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن النبي أنه قال: (النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون) رواه مسلم.
وهذا الحديث دليل واضح على أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم هم الطائفة المنصورة التي يجب على المسلمين اتباعهم ، فكما دل الحديث على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أمنة أصحابه ، كذلك دل الحديث على أن الصحابة هم أمنة الأمة فيتفق اللفظ مع اللفظ ، والحكم مع الحكم .
وكذلك ما جاء في الحديث الصحيح عن عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله : ( خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) . قال عمران: فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة- متفق عليه
والحديث صريح الدلالة بوجوب اتباع الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، إذ وصفهم بخير الناس ، ولا يستحقون هذه الوصف إلا لموافقتهم للحق الذي كان عليه الرسول ، فهم خير الناس ، ولم تأت هذه الخيرية لمجرد الصحبة بل لما قاموا به من جهود جبارة لخدمة هذا الدين ، وبذل النفس والنفيس في سبيله ، ومن المعلوم ضرورة أن الله سبحانه لا يقبل العمل إلا بشرطين ، الإخلاص والصواب ، ووصفه صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالخيرية يقتضي قبول أعمالهم الدالة على صحة وسلامة منهجهم الذي كانوا عليه .
وقد جاءت هذه الأدلة المتعددة من الكتاب والسنة صريحة الدلالة على وجوب اتباع الصحابة رضي الله عنهم ، وعلى أن مخالفتهم أثم عظيم يستحق المخالفون لهم عذاب الله سبحانه في الدنيا والآخرة ،[/color]