أخي الكريم :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه رسالة من أخ ناصح لك مشفق عليك يتمنى لك الفلاح في الدنيا والآخرة ، يحب لك الخير أينما كنت
أخي :
المسلم يؤمن بخطر شأن النية ، وأهميتها لسائر أعماله الدينية والدنيوية ، إذ جميع الأعمال تتكيف بها ، وتكون بحسبها فتقوى وتضعف ، وتصح وتفسد تبعاً لها ، وإيمان المسلم هذا بضرورة النية لكل الأعمال ووجوب إصلاحها ، مستمدّ أولاً من قول الله تعالى : {وما أمروا إلاّ ليعبدوا الله مخلصين له الدين}(1) .
وقوله سبحانه : {قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصاً له الدين}(2) .
وثانياً من قول المصطفى -صلى الله عليه وسلم- (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى))(3) .
وقوله (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ، وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم))(4) .
فالنظر إلى القلوب نظر إلى النيات ، إذ النية هي الباعث على العمل والدافع إليه ، ومن قوله -صلى الله عليه وسلم- : ((من هم بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة))(5) .
فبمجرد الهم الصالح كان العمل صالحاً يثبت به الأجر وتحصل به المثوبة وذلك لفضيلة النية الصالحة ، وفي قوله -صلى الله عليه وسلم- (الناس أربعة : رجل آتاه الله عز وجل علماً ومالاً فهو يعمل بعلمه في ماله ، فيقول رجل لو آتاني الله تعالى مثل ما آتاه الله لعملت كما عمل ، فهما في الأجر سواء ، ورجل آتاه الله مالاً ولم يؤته علماً فهو يخبط في ماله ، فيقول رجل لو آتاني الله مثل ما آتاه عملت كما يعمل ، فهما في الوزر سواء))(6) .
فأثيب ذو النية الصالحة بثواب العمل الصالح ، ووزر صاحب النية الفاسدة بوزر صاحب العمل الفاسد ، وكان مردّ هذا إلى النية وحدها . ومن قوله -صلى الله عليه وسلم- وهو بتبوك (إن بالمدينة أقواماً ما قطعنا وادياً ولا وطئنا موطئاً يغيظ الكفار ، ولا أنفقنا نفقة ، ولا أصابتنا مخمصة إلاّ شركونا في ذلك وهم بالمدينة)). فقيل له : كيف ذلك يا رسول الله ؟ فقال : ((حبسهم العذر ، فشركوا بحسن النية)) (7) .
فحسن النية إذا هو الذي جعل غير الغازي في الأجر كالغازي ، وجعل غير المجاهد يحصل على أجر كأجر المجاهد ، ومن قوله –صلى الله عليه وسلم- : ((إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار)) . فقيل : يا رسول الله هذا القاتل ، فما بال المقتول ؟ فقال : ((لأنه أراد قتل صاحبه))(8) .
فسوت النية الفاسدة والإرادة السيئة بين قاتل مستوجب للنار وبين مقتول لولا نيته الفاسدة لكان من أهل الجنة ، ومن قوله -صلى الله عليه وسلم- : ((من تزوج بصداق لا ينوي أداءه فهو زان ، ومن أدان ديناً وهو لا ينوي قضاءه فهو سارق))(9) .
فبالنية السيئة انقلب المباح حراماً ، والجائز ممنوعاً ، وما كان خالياً من الحرج أصبح ذا حرج .
كل هذا يؤكد ما يعتقده المسلم في خطر النية ، وعظم شأنها ، وكبير أهميتها فلذا هو يبني سائر أعماله على صالح النيات ، كما يبذل جهده في أن لا يعمل عملاً بدون نية ، أو نية غير صالحة ، إذ النية روح العمل وقوامه ، صحته من صحتها وفساده من فسادها، والعمل بدون نية صاحبه مراء متكلف ممقوت .
وكما يعتقد المسلم أن النية ركن(10) الأعمال وشرطها ، فإنه يرى أن النية ليست مجرد لفظ باللسان (اللهم نويت كذا ) ولا هي حديث نفس فحسب ، بل هي انبعاث القلب نحول العمل الموافق لغرض صحيح من جلب نفع ، أو دفع ضر حالا ، أو مآلا ، كما هي الإرادة المتوجهة تجاه الفعل لابتغاء رضا الله ، أو امتثال أمره .
والمسلم إذ يعتقد أن العمل المباح ينقلب بحسن النية طاعة ذات أجر ومثوبة وأن الطاعة إذا خلت من نية صالحة تنقلب معصية ذات وزر وعقوبة ، لا يرى أن المعاصي تؤثر فيها النية الحسنة فتنقلب طاعة ، فالذي يغتاب شخصاً لتطييب خاطر شخص آخر هو عاص لله تعالى آثم لا تنفعه نيته الحسنة في نظره ، والذي يبني مسجداً بمال حرام لا يثاب عليه، والذي يحضر حفلات الرقص والمجون ، أو يشتري أوراق اليانصيب بنية تشجيع المشاريع الخيرية ، أو لفائدة جهاد ونحوه ، هو عاص لله تعالى آثم مأزور غير مأجور ، والذي يبني القباب على قبور الصالحين ، أو يذبح لهم الذبائح ، أو ينذر لهم النذور بنية محبة الصالحين هو عاص لله تعالى آثم على عمله ، ولو كانت نيته صالحة كما يراها ، إذ لا ينقلب بالنية الصالحة طاعة إلاّ ما كان مباحاً مأذوناً في فعله فقط ، أما المحرم فلا ينقلب طاعة بحال من الأحوال .
__________________________________________
(*) من كتاب منهاج المسلم لأبي بكر الجزائري صـ 80 ط 2 ( بتصرف ) .
(1) البينة .
(2) الزمر .
(3) متفق عليه .
(4) متفق عليه .
(5) مسلم .
(6) ابن ماجة بسند جيد .
(7) أبو داود والبخاري مختصراً .
(8) متفق عليه .
(9) رواه أحمد ، ورواه ابن ماجة مقتصراً على الدين دون الصداق .
(10) النية ركن باعتبار البداية ، وشرط باعتبار الاستمرار0.
************************************************** ***********************************************
الإخلاص و إحضار النية فى جميع الأعمال
والأقوال و الأحوال البارزة و الخفية
قال الله تعالى : ( و ما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء و يقيموا الصلاة و يؤتوا الزكاة ، و ذلك دين القيمة )
البينة :5
و قال الله تعالى ( لن ينال الله لحوُمها و لا دماُؤها و لكن ينالُهُ التقوى منكم )
الحج :37
و قال تعالى قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29)
آل عمران
و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ) إنما الأعمال بالنيات، و لكل امرىء ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله و رسوله فهجرته إلى الله و رسوله ، و من كانت هجرته لدنيا يصيبها ، أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه )
و عن أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( يغزو جيش الكعبة فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم و آخرهم و فيهم أسوا ُقُهم و من ليس منهم ! ؟ قال : (يُخسف بأولهم و آخرهم ، ثم يبعثون على نياتهم )
و رواه البخارى ن أنس رضى الله عنه قال :رجعنا من غزوة تبوك مع النبى صلى الله عليه و سلم فقال ( إن أقواما خلفنا بالمدينة ما سلكنا ِشعْبا و لا واديا إلا و هم معنا ، حبسهم العذر ) .
و عن أبى هريرة عبد الرحمن بن صخر رضى الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ، و لا إلى صوركم ، و لكن ينظرإلى قلوبكم و أعمالكم )
و عن أبى موسى عبد الله بن قيس الأشعرى رضى الله عنه
قال : سئل ر سول الله صلى الله عليه و سلم عن الرجل يقاتل شجاعة ، و يقاتل حمية و يقاتل رياء ، أى ذلك فى سبيل الله ، فقال صلى الله عليه و سلم : (من قاتل لتكون كلمة الله هى العليا فهو فى سبيل الله )
و عن أبى بكر بكرة نفيع بن الحارث الثقفى رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه و سلم قال إذا التقى المسلمان بسيفهما و المقتول فى النار ) قلت : يا رسول الله ، هذا القاتل فما بال المقتول ؟
قال إنه كان حريصا على قتل صاحبه )
و عن ابن العباس عبد الله بن العباس بن عبد المطلب رضى الله عنهما ، عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فيمن يرويه عن ربه ، تبارك و تعالى قال :
( إن الله كتب الحسنات و السيئات ، ثم بين ذلك : فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله تبارك و تعالى عنده حسنة كاملة ، و إن هم بها فعملها كتبها الله عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ، و إن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة ، و إن هم بها فعملها كتبها سيئة واحدة )
فهلموا يا إخوانى بعمل الحسنات و ترك السيئات و الشهوات
و لنحمد الله الواحد القهار، العزيز الغفار ، مكور الليل على النهار ، وتذكرة لأولى القلوب و الأبصار ، وتبصرة لذوى الألباب و الاعتبار، الذى أيقظ من خلقه من اصطفاه فزهدهم فى هذه الدار ، و شغلهم بمراقبته و إدامة الأفكار ، و ملازمة الاتعاظ و الادكار ، ووفقهم للدأب فى طاعته ، و التأهب لدار القرار ، والحذر مما يسخطه و يوجب دار البوار ، والمحافظة على ذلك مع تغاير الأحوال و الأطوار.
أحمده أبلغ حمد و أزكاه ، و أشمله وأنماه .
و أشهد أن لا إله إلا الله البر الكريم الرؤوف الرحيم ، و أشهد أن محمد عبده و رسوله ، و حبيبه و خليله ، الهادى إلى صراط مستقيم ، و الداعى إلى دين قويم . صلوات الله و سلامه عليه ، و على سائر النبيين ،و آل كل ، وسائر الصالحين .
من كتاب رياض الصالحين للامام النووى
رانيا
موضوع رائع أسال الله يصلح النيه
لنا ولكم وللمسلمين