تبتسم الممرضة بقلق وهي تقلّب يدي : أين ذهبت شرايينك ؟ أين ذهبت عروق حياتك ..
تبسمت لها بألم .. عن أي شريان تسألين ؟ وعن أي نبض تبحثين .. لقد مات كل شيء في داخلي .. وانهار بعضي على بعضي .. وتهاوت أيامي على جسدي .. ألم تعلمي بالأمر ؟ لقد رحلت الحبيبة .. ماتت وتركت خلفها بضع وردات وبضع همسات وبضع كلمات ونهر من الآهات والأحزان ..
تبحثين عن شريان ينبض ؟؟
شريان العالم كله انقطع يوم ماتت .. أظلمت الدنيا في عيني .. وبكى الكون في نفسي .. وتفجرت ينابيع الحزن داخلي ..أرجوكم .. دعوني أخرج لوداعها .. دعوني أحمل جثمانها على كتفي .. وأزرع وردة على قبرها .. وأطبع قبلة على ثراها .. وأخط ذكرى على ترابها ..
تزدحمون حول قلبي تبحثون عن خيط نجاح أو براءة اختراع أو تفوق طبي ؟
انتظروا جثتي ومارسوا عليها ما تريدون .. أما الأن .. فأزيحوا معداتكم وأدواتكم وإبركم وافتحوا الأبواب .. دعوني أشيع ذاتي ونفسي .. دعوني أطير فوق نعشها ألملم بسماتها وأحلامها وأنثرها على ثراها ..
أهذي لوحدي فيما الأطباء يتدافعون ويصرخ أحدهم : لقد توقف نبض قلبه ..
ويتجدد الهرج والمرج حول جسدي .. إبر .. صدمات كهربائية .. محاولة إنعاش .. محاولة إفلات من الموت .. محاولة الوقوف على حافة الحياة .. عاد النبض .. غاب النبض .. عاد البريق .. إنطفأ القنديل .. أطل النور .. إنطفأت الشمعة .. لقد مات .. أغمضوا عينيه .. لا .. هناك بريق أمل .. بريق خيط من الرجاء ..
احتار الأطباء معي .. واحتار قلبي معي .. كتبوا شهادة وفاتي .. أغلقوا كل نوافذ الحياة داخل جسدي ولم يروا الشمعة الصغيرة التي تضيء روحي .. وحملوني على الأكتاف إلى المقبرة .. وكم كانت روحي سعيدة وهي ترفرف بجوار روحها الطاهرة النقية .. وهمست لها : على العهد حتى الموت ..!!