بداية حين تزوج أبي من أمي مضت فترة من زواجهما دون إنجاب وهنا لجأت أمي إلى استشارة الأطباء.. وبعد علاج استمر أعواماً حملت أمي وأنجبتني بعد سبعة أعوام من زواجها بأبي.. ثم بعد هذا لم تنجب أمي فاستشارت الأطباء مرة أخرى فكان رأيهم أن الأمل في الإنجاب ضعيف.. وعلى سبيل التجربة قد يضطرون إلى إجراء عدة عمليات جراحية لأمي ثم تجربة «أطفال الأنابيب» بعد هذا.
ولرغبة أمي وأبي الشديدة في أن يكون لهما ولد ذكر.. فقد خاضت أمي جميع العمليات ولكن للأسف فشلت كلها وسبب هذا إحباطاً شديداً للأسرة كلها..
كانت عائلة أبي كلما ذهبنا لزيارتها كان أول سؤال لديهم: لماذا ابنة واحدة؟ أين «الوَلد»؟ نريد ذكراً بل خمسة من الذكور..
كانت أمي تعلم من الأطباء أنه لا يوجد أدنى أمل في الإنجاب وفكرت أمي كيف تحتفظ بقلب أبي حتى لا يفكر في الزواج والإنجاب من أخرى؟ كيف تجعله يحبها وحدها ولا يقدر الاستغناء عنها؟
كانت أمي بعد أن هداها تفكيرها ـ تطيع أبي طاعة عمياء سواء في الأمور الصائبة أو الخاطئة، وتُدلل أبي بشكل لافت للنظر رغم أن أبي كان يسيء إليها في أحيان عديدة، لكنها أمام إساءاته كانت تظهر له الضعف والاستكانة ثم تبكي بدموع غزار، فيرق قلب أبي ويعود معتذراً فُتكثر من البكاء فيقوم بإهدائها هدية قيمة تقديراً (لأدبها) مع زوجها وعدم الرد عليه.. كانت أمي تُظهر الخضوع لأبي والاستسلام لكل ما يريد حتى لو كان فيه الإساءة لها ولأهلها. ثم كانت أمي ترغب في أن تنال كل تقدير أبي فكانت تبرز مهاراتها في الطهي خاصة الأطعمة الدسمة والحلويات والمعجنات، والنتيجة أن وزنها زاد جداً حتى أن من يراها يعتقد أنها سوف تنفجر.. ثم حدث لي الشيء نفسه، السمنة المفرطة وكذلك أبي امتدت بطنه أمامه وأمي سعيده أن أبي أصبح سميناً جداً، ومعنى هذا أنه لن يجد امرأة أخرى تقبله وهو على هذه الصورة من السمنة الشديدة.
أما اجتهاد أمي معي كابنة وحيدة فكان غريباً.. كانت يومياً تجلس معي وتنصحني قائلة: لابد لك من التفوق المستمر بالمدرسة ثم الجامعة حتى يفخر بكِ أبوكِ ويراكِ أفضل من «ألف» من الذكور ولا يندم مطلقاً على أنه لم يُرزق بأبناء غيرك.. ثم أضافت أمي: كما أن التفوق مهم جداً فإذا لم تكن الفتاة جميلة فلابد أن تكون متفوقة كي تعوّض هذا النقص!
كانت أمي تقول عني إنني لستُ جميلة مع أني صورة طبق الأصل منها.. وهذا أفقدني الثقة بنفسي والشعور بالنقص.. لكني عملاً بنصائح أمي حرصت على الاجتهاد في المدرسة والاستذكار حتى لا يتزوج أبي غير أمي.. كما أن أمي نصحتني أن أكون في غاية الحب والحنان والطاعة أمام (أبي) فيكون تعاطفه معي كبيراً ويزداد حبه لي ولا يفكر في أي شيء آخر. . كانت قدراتي الدراسية عادية لكن لإصراري على تنفيذ نصائح أمي حتى يظل بيتناً كما هو مستقراً.. بالغت في الجهد والاجتهاد لأكون (الأولى) في المدرسة، وكان في هذا قمة الضغط النفسي على أعصابي فكأني المسؤولة الوحيدة عن استقرار البيت واستمرار زواج أبي وأمي، خاصة أن أمي كانت تكرر: لا تخذليني أمام أبيك حين يتذكر ذات يوم أنه أنجب إبنة واحدة وفوق هذا «خائبة» في المدرسة.. ثم إن ملامحك المتواضعة بحاجة إلى سلاح العلم؛ لأن الرجل حين يتزوج يبحث عن الجمال أو العلم والأخلاق.. وأنت لستِ جميلة..
هكذا كانت تؤكد أمي بين حين وآخر قولها: أنتِ لستِ جميلة.. كوني متفوقة كلونٍ من التعويض.. لماذا يا أمي جعلتني دائماً أنظر لصورتي في المرآة فتهتز ثقتي بنفسي؟ كل هذا فعلته أمي بي وبنفسها كي تحمى بيتها من الخراب كما تقول «وتحمي» أبي من التفكير في الزواج الثاني لإنجاب الذكر.. وكنتُ ألاحظ أن أمي تبذل جهداً خارقاً لتحول بين أبي ومجرد التفكير في إنجاب (ابن) له فكانت تطلب من أبي الأجهزة الكمالية الباهظة الثمن للبيت. وعلى تغيير أثاث البيت كل فترة وأخرى، وهي تقصد بذلك ألا يظل مع أبي المال الكثير ليفكر في زواج آخر.. وعلى الرغم من إسراف أمي فيما يتعلق بالأثاث والأجهزة المنزلية إلا أنها كانت تظهر لأبي كم هي (مدبرة) فيما يخص طعامنا وشرابنا وملابسنا (فتبخل) علينا بالطعام الملائم وتفرض علينا ما تريده فقد كانت ملابسي أقل من مستوى رفيقاتي في المدرسة، وكانت أمي تحاسبني بقسوة إن ضاع مني قلم وتتعمد أن تضربني أمام أبي لتظهر له كم هي حريصة على ماله «ومُدبرة» والغريب أن أبي كان يصدق ثم يغدق عليها الهدايا وأحب أبي أمي حباً جماً ولم يعد يفكر في أي شيء آخر إلا إسعادها.
لم تكتف أمي بذلك، وإنما لجأت أيضاً لبعض السحرة والمشعوذين لعمل «شيء ما» يمنع أبي من مجرد التفكير في زواج ثانٍ.. والأكثر من هذا أن أمي صحبتني معها وطلبت مني ألا أخبر أبي.
وكبرت وأنا متفوقة جداً لأرضي أمي وأبي وأجمع بينهما في بيت واحد كما تقول أمي.. ورغبتُ في دراسة «الأدب» لتوافقه مع ميولي واستعدادي، لكن أمي ثارت ثورة كبرى وأصرت أن التحق بكلية الطب (لكي ترفع رأسها ورأس أبي) ولكي يشعر أبي أنني «بألف» من الذكور.. على حد قولها فصارحت أمي أنني لا أحب رؤية الدماء أو المرضى أو الموتى بل إني أكره المستشفيات فثارت وأكدت أنني سأكون ابنة عاقة إن لم أحقق رغبتها وألتحق بكلية الطب. وهكذا التحقت بكلية الطب وأنا لا أتخيل رؤية الألم لحظة واحدة.. وأصابني الاكتئاب الشديد وشعرت أني غير راضية عن حياتي ولا شخصيتي ولا انقيادي التام لأمي.. لكني لم أفلح في تغيير مساري خاصة أن أمي ترى أنني «منقذة الوضع العائلي» من الانهيار وكنتُ كلما ساءت حالتي النفسية أهرع إلى (الثلاجة) التهم الكثير من الطعام وكأن هذا هو الأمر الوحيد الذي أفعله بإرادتي، فزاد وزني أكثر فأكثر، وأصبحت لا أرغب مطلقاً في رؤية نفسي في المرآة.
كان كل تسلط أمي وقهرها ينصب عليَّ إذ إنها قهرت نفسها بالطاعة العمياء أمام أبي.. فكانت تعوض هذه بتلك دون أن تدري فأصبحتُ كدمية بين يديها، وكل هذا وأبي لا يعلم بتلك الأمور ما بيني وبين أمي.
مرت الأيام وحدثت مشاجرة بين أبي وأمي وكانت حادة جداً ولم أر صورة أمي المطيعة الضعيفة بل سمعتها تحدث أبي بصوت حاد عالٍ: لابد أن تُسجل كل ما تملك لي ولابنتك. لا أريد أن يرث إخوتك ريالاً واحداً.. وسمعتُ أبي يقول: دعي أمور الميراث لله.. لا أحد يعلم من سيرحل قبل مَن ومن سيرث من.. قالت أمي مستحيل.. مالك حقي وحق ابنتي.. وظل أبي يحاول إقناع أمي بترك كل الأمور لله وأن أهله ليسوا أعداء حتى يرتكب إثماً بحرمانهم من الميراث، وهو ما يعاقبه الله عليه.. لكن أمي أصرت على رأيها، وهنا عانى أبي لأول مرة من تسلط أمي ومن الوجه الآخر لها وهو التسلط وفرض الإرادة «وهذا ما أعانيه طوال عمري».
أحد الأيام جلس معي أبي وقال لي: اسمعي يا هدى.. إن أمك اطمأنت إني وصلت لعمر الستين وأصبحت في سن لا تقبله النساء، ومن ثم بدأت تفرض عليَّ شروطها لمّا تأكدت أن عمري وشبابي انقضى.. لم تفعل هذا حين كنتُ شاباً، بل كانت تبذل المستحيل لتكسب قلبي.. اليوم أكملتُ الستين عاماً وهو اليوم الذي تطلب فيه أمك توزيع ممتلكاتي وأنا حي لم أمت بعد.. اليوم عرفتُ كم تكـره أهـلي وكانـت تُظـهـر غير ذلك طوال الأعوام الماضية، أرجو يا هدى أن تنصحي أمك أن تعود عن أفكارها في مسألة المال والميراث، فأنا لن أخالف شرع الله وأخسر الآخرة لأرضي أمك.. أبلغيها بذلك وأبلغيني ردها؟
وذهبتُ إلى أمي أرجوها أن تتراجع عن فكرة امتلاك مال أبي في حياته.. لكن أمي أصرت قائلة: هذا حقي.. كيف يرث إخوته في مال أبيكِ وأنا التي كافحتُ معه؟ وذهبت أمي لبيت أهلها وتدخل الأهل مطالبين أبي بما طلبته أمي لكي تشعر بالأمان للمستقبل.. و.. و.. وهنا انفعل أبي أشد الانفعال ثم طلق أمي كي تشعر بتجاوزها في حقه فيردها لعصمته إذا ندمت.. غير أن أمي لم تشعر بأدنى خطأ في حق والدي ولجأت هي وأسرتها «للقضاء» لكي تحصل على أموال طائلة من ثروة أبي.. وكان رد أبي الوحيد هو الزواج من فتاة جميلة أصغر مني، وبينما كانت أمي تلهث خلف المال الذي ستحصل عليه من أبي.. رزق الله والدي بثلاثة أبناء من الزوجة الأخرى وكلهم ذكور.. كل هذا حدث كأنه «حلم» وما خافت منه أمي وخططت له طوال حياتها وحسبت له كل الحسابات الممكنة انهار في لحظة.. أما عن حالتي في كلية الطب فقد تعثرتُ كثيراً في الدراسة وكنت أرسب كثيراً، هذا غير إحساسي بأنني ظلمت نفسي بهذه الدراسة وسأظلم المرضى فيما بعد.
أنا أعيش مع أمي لكني أشعر بوحدة قاتلة، فأنا غريبة حتى عن نفسي، عشتُ كل ما مضى من حياتي بشخصية أمي.. كنتُ مجرد «ظل» باهت لها لا رأي لي ولا رؤية.. وكانت أمي لا تتكلم إلا في أشياء بعينها مثل أنها ضحت كثيراً من أجلي، وأنها أفضل من أبي الذي تزوج أخرى وتظل أمي تكيل الاتهامات لأبي وتطلب مني مقاطعته أو على الأقل إظهار الجفاء له.. وهكذا زادت أمي وحدتي بأن أساءت لعلاقتي بأبي.. وكلما زاد همي زاد وزني حتى صرتُ أفزع حين أرى صورتي في المرآة. ثم ظلت أمي تزرع في نفسي أن الرجال كلهم خائنون وأن الزواج صفقة خاسرة، وأن العلم أكثر فائدة للمرأة وكذلك المال.. وعلمتني أمي أن الرجال كلهم مستحقين للحقد والكراهية وأشارت إلى صورة أبي قائلة: وهذا هو أكبر دليل!
لقد تبدلت شخصيتي الأولى لأخرى وأصبحتُ صورة من أمي.. ورغم حبي الشديد لأمي ووفائي لها إلا أنني لا أرضى عن الكثير من تصرفاتها.. لقد كانت إرادة الله أكبر من كل ما خططت له أمي وقد عاقبها الله لأنها لجأت للسحرة والمشعوذين بدلاً من أن تلجأ إليه عز وجل، فتزوج أبي من أخرى وأنجب وخسرت أمي حياتها واستقرارها، وأيضاً المال الذي كانت تحلم به، والعجيب أن أمي في الأصل من الأثرياء مع هذا أخذها الطمع في مال أبي أن تفكر في «الميراث» وهو حي.. مما جعلها تخسر كل شيء.. أجل كل شيء بسبب طمعها ولجوئها لغير الله.
إنني فعلاً وحيدة ولم يتقدم لي الإنسان المناسب.. وفي داخلي نفس مُحطمة عانت السيطرة والعيش بأحلام الآخرين زمناً طويلاً.. كما أني فقدت ثقتي بنفسي.. بملامحي.. وبالرجل وبالحياة وبالأم أيضاً.. إذ إنني أحبها بشدة وفي الوقت نفسه أشعر أنها سبب هدم حياتي كلها، وهذا يوجد صراعاً نفسياً مكبوتاً بداخلي.. أعمل بمهنة لا أحبها.. أتعامل مع أبي بجفاء لإرضاء أمي، فهي تؤكد إن بر الأم مُقدّم على رضا الأب، هكذا ترى أمي الحياة ورغم صلاتها وصيامها إلا أن الحقد والحسد والطمع أفسدوا حياتها وقلبها.. فأمي تصلي كي «تدعو» على أبي وتصوم ثم تدعو عليه مرة أخرى قبل الإفطار، وهكذا أصبحت أمي وهكذا أصبحت حياتي معها.. عجيب أمرها، عاشت أمي حياتها تبحث عن رضا أبي ولو بغضب ربي فما النتيجة؟ الحزن المبين: إن بعض الأمهات رغم حبهن للأبناء إلا أنهن يسلبن الاستقلال والذاتية والثقة بالنفس منهم.. يتعاملن معهم (كدُمى) يمتلكنها.. ليصبح الأبناء مجرد (ظل) باهت لا كيان حقيقي لهم.. ماذا يجدي الكلام الآن؟ برغم حياتي مع أمي في مسكن واحد فاخر الأثاث، إلا أن شعوري بالوحدة يزداد يوماً بعد يوم فأنا غير متوافقة مع أفكار أمي ونظرتها المتشائمة للحياة.. أحتاج لأبي لأنني أعلم مدى حبه لي، لكن أمي تمنعني بشدة من بره والإحسان إليه، وتؤكد لي أن أبي لا يحتاجني لأنه لديه أسرة وأبناء بينما هي ـ أمي ـ وحيدة مريضـــــة لا حول لها ولا قوة.
ما معنى حياتي هذه؟ لستُ أدري في الواقع، لا أجد الراحة إلا في أمر واحد: الاستماع للقرآن الكريم أكثر اليوم وتدبر معانيه، فمعه لا أشعر مطلقاً بالضياع.. أو الوحدة.
ومضة:
يطمع كثيراً من يحلم كثيراً ويخسر كثيراً من يحلم على حساب غيره.
من يعشق المال جداً.. يستحيل أن يعرف الحب الحقيقي.
غصون العبدالله
واقرائي سورة الوقعه مابين المغرب والعشاء وان شاء الله فرج ربنا قريب
شكرا وسام على القصه الحزينه..
الله يفرج همها ويبدله سعاده..هو قادر على كل شىء..
سلمت أناملك التي كتبت لنا هذه المأساة وخفف الله من مصابها……..
وأعانها الله وفرج كربتها انه القادر على ذلك…………
وجزاك الله كل خير
أختك /نــازك
اختي ام يوسف نور الموضوع بطلتك الحلوة والله يفرج همها آآآآآآآمين
اختي نازك اللله يسلمك ويبارك فيك
كم احزنتني هذه القصه
الله يفرج همها يارب
والله يفرج همها آآآآآآآآمين