" التوبة طريق السعادة "
الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب وأشهد أن لا إله إلا الله الكريم الوهَّاب وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير من صلى وقام وتاب وأناب صلوات ربي وسلامه عليه أما بعد :
فإن حاجتنا إلى التوبة حاجة ماسَّة فنحن والله المستعان نذنب كثيراً ونُفرِّط في جنب الله ليلاً ونهاراً والتوبة إلى الله عز وجل تصقل القلب وتُنقِّيه من ران الذنوب والمعاصي والأصل أن ابن آدم خطَّاء وخير الخطَّائين التوابون
فباب التوبة مفتوح إلا في أمرين هما :
1- عندما تغرغر الروح أي عند الموت.
2- عند خروج الشمس من مغربها.
فعن أبي ذر الغفاري رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى: «يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم… يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم» (رواه مسلم) وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في مجلسه الواحد يستغفر الله أكثر من سبعين مرة وفي رواية أخرى بأنه كان يستغفر الله في مجلسه الواحد مائة مرة (رواه البخاري ومسلم) وهو الذي غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ولكن يريد أن يكون لله عبداً شكوراً .
إذاً فإن الله سبحانه وتعالى يقبل التوبة حتى وإن بلغت الذنوب عنان السماء، قال تعالى: [وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ] [الشورى: 25]. وأن الله سبحانه وتعالى يحب من تاب إليه كما قال سبحانه: [إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوابِينَ وَيُحِبُّ المُتَطِّهريِن] [القرة: 222].
والتوبة لها فضائل كثيرة أسرار بديعة وفوائد متعددة ومنها:
1- سبب للفلاح والفوز والسعادة في الدنيا والآخرة قال تعالى: [أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ] [الرعد: 28] وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (القلب لا يصلح ولا يفلح ولا ينعم ولا يسر ولا يطيب ولا يسكن ولا يطمئن إلا بعبادة ربه وحبه والإنابة إليه).
2- سبب لتكفير السيئات وتبديلها إلى حسنات قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ] {التَّحريم:8}. وقال تعالى: [إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا] [الفرقان: 70] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «التائب من الذنب كما لا ذنب له»(رواه ابن ماجه والطبراني) وقال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما (ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فرحاً بشيء عندما نزلت هذه الآية وفرح أيضاً عندما نزلت عليه إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً).
3- سبب للحياة الطيبة والخير العظيم على الفرد والمجتمع قال الله تعالى على لسان نوح عليه السلام: [فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا(11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا] [نوح: 10-12]. وقال تعالى: [مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ] {النحل:97}.
4- أنَّ الله أشد فرحاً بتوبة العبد من ذلك الرجل الذي أضاع راحلته في الخلاء عليها زاده فاستظل تحت شجرة ينتظر الموت فنام فاستيقظ فوجد راحلته فوق رأسه فأخطأ من شدة الفرح فقال اللهم أنت عبدي وأنا ربك. (رواه البخارى ومسلم ) .
5- أنَّ الله أرحم بالعبد من أمه وأبيه فكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بعد غزوة خيبر ينظرون إلى امرأة تبحث عن وليد لها بين الجرحى والقتلى فعندما وجدت الوليد وضعته على صدرها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «أهي ملقية وليدها في النار» قال الصحابة لا يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الله أرحم بالعبد من هذه الأم على وليدها»( رواه مسلم ) .
6- نداء من الله عز وجل قال تعالى: [قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ الله إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ] [الزمر: 53]. وقال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: (من يئس من عباد الله من التوبة فقد جحد كتاب الله عز وجل) وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في هذه الآية: (هذا نداء من الله للمشركين والكفار والمذنبين والمسيئين بالتوبة).
7- التوبة سبب لتفريج الكروب وبسط الرزق وتكفير السيئات قال تعالى: [وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا(2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ][الطلاق: 2-3] وقال تعالى: [وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا] [الطلاق: 4] وقال تعالى: [وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا] [الطلاق: 5].
إذاً تقوى الله والتوبة إليه والرجوع إليه والهرب منه إليه هي الفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة قال تعالى: [وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ][الزمر: 54] وقال تعالى: [وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُورًا رَحِيمًا] [النساء: 110]. وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له». (رواه البخارى ومسلم ) .
فالإنسان في هذه الحياة يجاهد أعداءه الأربعة النفس والهوى والشيطان والدنيا فلْيستعن بالله عز وجل ولا يعجز ويمتثل لأمر الله عز وجل ولأمر نبيه صلى الله عليه وسلم ويجد سعادة الدنيا والآخرة.
نسأل الله العلي القدير الذي لا إله غيره أن يرزقنا التوبة الصادقة الخالصة وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
اللهم انعم علينا بسترك ورضاء
جزاك الله خيرا اختى على هذا النقل القيم
رزقنا الله واياكى وجميع المسلمين حسن الخاتمه