ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بـســم الله الـــرحـمــن الرحيـــــم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمدُ لله حمدًا كثيرًا كما أمر وأشْكره وقد تأذن بالزيادة لِمَن شكر
وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولو كَرِهَ ذلك مَن أشرك
به وكفــر ، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله سيّد البشر ، الشافع
المشفّع في المحشر ، صلى الله عليــه وعـلى آله وأصحابه خير
صحب ومعشر ، وعلى التابعين لهم بإحسان ما بدا الفجر
وأنور ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين . أما بعد :
أيهـا النـاس ، فــإن الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر هي طريق الرسل الكرام عليهــم الصــلاة والســلام ، هــي
الطريق الموصل إلى الجنة ولا تظنّوا أيها الدعاة ، أيهـا الآمرون
بالمعــروف والناهون عــن المنكــر ، لا تظنّوا أن هــذا الطــريق
مفروش بالورد والريحان ، إنه واللهِ طريق وعرٌ ، إنــه طــريـق
صعب يحتاج إلى صبر وإلى احتساب الأجر من الله عزَّ وجل
وإلى أن ينسى الإنسان نفسه في ذات الله عزَّ وجل .
أيها المسلمون (حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات)(1)
فــلا بــدّ لِمَـن سلك طريق الجنة أن يسلك تلك المكاره لوعورتها
وطولها ولكنّها يسيرة على مَن يسَّرها الله عليه ؛ فـإن الإنسـان
إذا احتسب ونوى بدعوته وأمره بالمعروف ونهيه عــن المنكـر
نوى بذلك إقامة دين الله وإصلاح عباد الله سهـل عليـه الأمـــر
وتيسّر وصار ما يناله في ذلك حلاوة يريد بها الأجر عند الله
عزَّ وجل .
ولكن لا بدّ للداعية من أمرين إن لم يتحلَّ بهما فإن دعوته تضيع
فائدته :
الأمر الأول : أن يكون على بصيرة وعلم حتى يكون كأتباع النبي
صلى الله عليه وسلم ويحقق بذلك متابعته ، قـال الله تعـالى { قُلْ
هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي } فــــــإذا
لم يكن الداعي إلى الله أو الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ،
إذا لم يكن على بصيرة وعلم صار ما يفسد أكثر مِمَّا يصلح
وصار مِمَّن يقول على الله بغير علم . …
أيهــا المسلمون ، أيها الواعظون ، أيها الغائرون على دين الله ،
إياكم أن تتكلّموا فـي دين الله بِمــا لا تعلمـــون ؛ فإنكم إذا افتريتم
كذبًا فإنما تكذبون علــى ملك الملوك الذي يعلم السر وما أخفى ،
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول (مَن كذب عليَّ متعمّدًا
فلْيتبوأ مقعده من النار )(2) فكيف بِمن كذب على الله عزَّ وجل
وقال إن الله حرم هذا وأحل هذا وهو لا يعلم ولم يَبْنِ ما قال
على بصيرة ؟
إن من الناس مَن تأخذه الغيْرة في الدين فيحرّم ما أحل الله زاعمًا
أنه بذلك يحمي دين الله – عزَّ وجل – ولكنه بذلك يسيء إلى دين
الله تعالى أكثر مما يكون مصلحًا فيه .
فاتقِ الله أيها المسلم، لا تقفُ ما ليس لك به علم كما قال ربك :
{ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ
أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } الإسراء 36 .
فــلا بـدّ للداعية إلى الله والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ،
لا بدّ أن يكـون على بصيرة فيما يدعو إليه وفيما يأمر به وفيما
ينهى عنه وإلا كان ضرره على عباد الله وضرره في دين الله
أكبر من نفعه وأشد .
أما الأمــر الثـــانــي : فأن يدعو إلى الله بالحكمة وهي : أن يضع
الأشياء مواضعها وأن يقدّر الأمــور بتقديرها ؛ فليــس خطــــاب
الجاهل كخطاب المعاند وليس خطاب الإنســـان المستعد للقبول
كخطاب الإنسان المستكبر ، فلِكلّ مقام مقال ولكل حال أمر
يليق بها . …
إذنْ : فالحكمة أن تضــع الأشياء مواضعها وأن تقـــدّر الأمــــور
بمقاديرها وأن تستولي بأسلوبك وبدعوتك عـلى عقــول النـــاس
وقلوبهم قبـــل أن يــأخذك الحماس والغَيْرة فتنتهرهم وتوبّخهم ؛
فـإن الإنسان إذا قابل غيره بمثل هذا الأسلوب ؛ أعني : بأسلوب
التوبيخ والتسفيه والكهر والنهر فإنــه ربمــا ينفر ذلك ويستكبر
وتأخذه العزّة بالإثم فيقول في دين الله ما هو أكبر من معصيته .
أسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم من الدعاة إليه على بصيرة .
(1) أخرجه مسلم في صحيحه ( ك الجنة وصفة نعيمها وأهلها ،
ص 1516 / ح 2823 ) من حديث أنس بن مالك
(2) أخرجه البخاري في صحيحه ( ك العلم ، ب إثم من كذب
على النبي صلى الله عليه و سلم ، ص 46 / ح 110 )
من حديث أبي هريرة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وبارك الله فيك