السلة الرمضانية ** شهر القرآن **
بإذن الله نكمل موضوعات أقسام السلة الرمضانية
وهنا الموضوع الرئيسي للإطلاع على روابط بقية الأقسام
السلة الرمضانية ** هلموا ياأحباب فالخير كثير والحمد لله **
السلف والقرآن
لما عرف الصالحون فضائل هذا الشهر ومكارمه، وخيراته ونفحاته، تسابقوا في اغتنام أوقاته وملئ لحظاته بصالح الأعمال،
ولما عرفوا أنه شهر القرآن، عاشوا مع القرآن معظم أوقاته، فأخذوا يتلون آيات ربهم بالليل والنهار، والعشي والإبكار،
محتذين بقدوتهم ومقتدين بنبيهم صلى الله عليه وسلم،
قال عبد الله بن عباس: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل،
وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة"
(رواه البخاري)،
ولك أن ترى تلك النماذج التي كان عليها سلفنا الصالح في حياتهم مع القرآن في شهر العتق من النيران،
فهذا عثمان بن عفان رضي الله عنه كان يُحيي الليل كله فيقرأ القرآن في كل ركعة"
(رواه البيهقي في الكبرى (3865)،
وهذا تميم الداري رضي الله عنه: كان يختمه في كل سبع
(رواه البيهقي في الكبرى (3865)،
وهذا إبراهيم النخعي رحمه الله كان يختم القرآن في شهر رمضان في كل ثلاث، فإذا دخلت العشر ختم في ليلتين واغتسل كل ليلة"
(مصنف عبد الرزاق (7705))،
وكان علي الأزدي رحمه الله: "يختم القرآن في رمضان كل ليلة"
(المصنف لابن أبي شيبة(7197))،
وروي عن الشافعي رحمه الله أنه كان يختم في رمضان ستين ختمة،
قال الربيع: "كان الشافعي يختم كل شهر ثلاثين ختمة، وفي رمضان ستين ختمة سوى ما يقرأ في الصلاة"
(صفة الصفوة(2/255))،
وقد يشكل على البعض أنه قد ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث،
لكن يقول الحافظ ابن رجب رحمه الله: "وإنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على المداومة على ذلك،
فأما في الأوقات المفضلة كشهر رمضان خصوصاً الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر،
أو في الأماكن المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن اغتناماً للزمان والمكان،
وهو قول أحمد وإسحاق وغيرهما من الأئمة، وعليه يدل عمل غيرهم"
(لطائف المعارف(183))،
فهذا هو رمضان السلف، فهل من مقتد يا عباد الله؟
تدبر القرآن
{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ}
(سورة ص: 29)،
فاستجاب لذلك أهل الخشية والإيمان، فكانوا إذا جلسوا على مائدة القرآن تأثرت المشاعر وظهر ذلك على الجوارح والأركان:
{الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ
ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}
(الزمر: 23)،
يقول الإمام الألوسي رحمه الله: "الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم
إذا قرعت صفات الجلال أبواب قلوبهم، ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله بالشوق والطلب"
(روح المعاني: 24/38)،
ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في التدبر، فها هو يسمع آيات من ابن مسعود رضي الله عنه فإذا عيناه تذرفان،
وقد ربَّى صحابته الكرام على ذلك، فها هو أبو بكر رضي الله عنه لا تُعرف قراءته في الصلاة من كثرة بكائه،
وها هو عمر رضي الله عنه كان في وجهه خطان أسودان من كثرة البكاء،
وكان ابن عباسٍ رضي الله عنهما يقول: "ركعتان في تفكرٍ خيرٌ من قيام ليلة والقلب ساه"
(موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين: 1/67).
وتدبر القرآن من أعظم العبادات التي يتلبس بها العبد، فهي الموصلة إلى فهم مراد الشارع،
وسبب لقوة الإيمان، وتزكية النفس، وصلاح الحال،
يقول ابن القيم رحمه الله: "فليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده، وأقرب إلى نجاته؛ من تدبر القرآن، وإطالة التأمل،
وجمع الفكر على معاني آياته؛ فإنها تطلع العبد على معالم الخير والشر بحذافيرهما،
وعلى طرقاتهما وأسبابهما، وغاياتهما وثمراتهما، ومآل أهلهما، وتَـتُلُّ في يده -أي تضع في يده- مفاتيح كنوز السعادة والعلوم النافعة،
وتثبت قواعد الإيمان في قلبه، وتحضره بين الأمم، وتريه أيام الله فيهم، وتبصره مواقع العبر،
وتشهده عدل الله وفضله، وتعرفه ذاته، وأسماءه وصفاته وأفعاله، وما يحبه وما يبغضه"
(مدارج السالكين: 1/451)،
فيا أخي المبارك هذا رمضان قد أقبل، وأنت تقرأ فيه القرآن، فليكن رمضان هذا متميزاً،
ولتقرأ القرآن بتفكر وتأمل، مستشعراً معانيه، واقفاً عند كل آية، محدِّقاً بناظر قلبك إلى معاني القرآن،
جامعاً لخاطر فكرك على تدبره وتعقله، مجيلاً الخاطر في أسراره وحِكَمه.
برامج عملية لقراءة القرآن وتدبره
ألا وإن مِن شُكْر هذه النعمة استغلالها فيما يرضي الرب جل وعلا،
ومن أعظم ما تستغل به الأوقات تلاوة كتاب الله تعالى، فبه تنشرح القلوب، وتطمئن الأفئدة، وترتاح النفوس؛
وإليك هذه البرامج المقترحة التي تعينك بإذن الله على تلاوة القرآن الكريم في هذا الشهر الكريم:
البرنامج الأول: تلاوة القرآن كاملاً في ثلاثة أيام:
قراءة جزأين بعد الفجر،
وجزأين قبل الظهر،
وجزأين بعد الظهر،
وجزأين بعد العصر،
وجزأين في قيام الليل،
وهكذا يومياً حتى ينتهي من المصحف الكريم في اليوم الثالث لأنه سيقرأ كل يوم عشرة أجزاء.
البرنامج الثاني: تلاوة القرآن كاملاً في خمسة أيام:
يقرأ جزءاً بعد الفجر،
وجزءا قبل الظهر،
وجزأين بعد الظهر،
وجزءاً بعد العصر،
وجزءا في قيام الليل،
وهكذا يومياً حتى ينتهي من المصحف الكريم في خمسة أيام؛ لأنه سيقرأ كل يوم ستة أجزاء.
البرنامج الثالث: تلاوة القرآن كاملاً في عشرة أيام:
يقرأ نصف جزءٍ بعد الفجر،
ونصف جزءٍ قبل الظهر،
وجزءاً بعد الظهر،
ونصف جزء بعد العصر،
ونصف جزء في قيام الليل،
وهكذا يومياً حتى ينتهي من المصحف الكريم في عشرة أيام؛ لأنه سيقرأ كل يوم ثلاثة أجزاء.
البرنامج الرابع: تلاوة القرآن كاملاً في خمسة عشر يوماً:
يقرأ نصف جزءٍ بعد الفجر،
ونصف جزءٍ بعد الظهر،
ونصف جزءٍ بعد العصر،
ونصف جزءٍ في قيام الليل،
وهكذا يومياً حتى ينتهي من المصحف الكريم في خمسة عشر يوماً؛ لأنه سيقرأ كل يوم جزأين.
وليس علينا بعد هذا إلا أن نستعين بالله تعالى على تلاوة كتابه الكريم،
ونحرص في هذا الشهر الكريم أن تكون هممنا عالية، فإنما هو شهر واحد عما قريب سيعلن الرحيل.
آداب التلاوة
فشرّف به هذه الأمة وكرَّمها به، وجعله المعجزة الخالدة، ورتَّب على قراءته والعمل به الأجور العظيمة التي لا يكاد أن يحصيها العادّ؛
وقد تشرف هذا الشهر العظيم -زيادة على شرفه- بأن أنزل الله تعالى القرآن الكريم فيه، فهو شهر الصيام والقرآن؛
لذلك كله كان لا بد من الاهتمام بتلاوته والإكثار من قراءته،
ولمن أراد ذلك عليه أن يتحلى بالآداب الفاضلة، والأخلاق الكريمة سواء قرأه في رمضان أو في غيره من الشهور، ومن تلك الآداب:
– "أن يستقبل القبلة ما أمكنه ذلك.
– أن يَسْتَاكَ تطهيراً وتعظيماً للقرآن.
– أن يكون طاهراً من الحدثين.
– أن يكون نظيف الثوب والبدن.
– أن يقرأه بخشوع وتفكر وتدبر.
– أن يكون قلبُه حاضراً؛ فيتأثر بما يقرأ تاركاً حديث النفس وأهواءها.
– يستحب له أن يبكي مع القراءة؛ متأثرا بعِظَات القرآن وعبره.
– أن يزين قراءته ويُحَسِّنَ صوتَه بها، وإن لم يكن حسن الصوت حسَّنه ما استطاع؛ بحيث لا يخرج به إلى حد التمطيط.
– أن يتأدب عند تلاوة القرآن الكريم فلا يضحك، ولا يعبث، ولا ينظر إلى ما يلهي،
بل يتدبر ويتذكر قوله سبحانه وتعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}
(سورة ص: 3)"
(غاية المريد في علم التجويد: 1/14).
تلك هي بعض آداب تلاوة القرآن؛ هلم أيها المسلم إلى العمل بها، وتعليمها لمن تستطيع من المسلمين؛
فمن دل على هدى فله مثل أجر فاعله،
اللهم وفقنا لقراءة كتابك وتدبره، وصدق الإيمان به، والعمل بما فيه، واجعله حجة لنا لا علينا إنك سميع الدعاء.
رمضان شهر القرآن
(البقرة:185)،
في ليلة مباركة من لياليه، ذكرها الله جلا وعلا في محكم كتابه فقال: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ}
(الدخان: 3)،
وهي ليلة القدر، كما بيَّن ذلك بقوله: {إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}
(القدر:1)،
ولذا كان -صلى الله عليه وسلم- يكثر من قراءة القرآن فيه، بل كان أحرص ما يكون على ذلك فيه،
فعن ابن عباس رضي الله عنهما: (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل،
وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن)
(رواه البخاري)،
وفي العام الذي توفي فيه -صلى الله عليه وسلم- دارسه جبريل -عليه السلام- القرآن مرتين،
وسار على منواله السلف الصالح -رحمهم الله– فأخذوا يجتهدون في قراءة القرآن في رمضان،
حتى إنهم لا يشتغلون عنه بغيره، فمنهم من كان يختم القرآن في رمضان في ثلاث،
ومنهم من يختمه في كل ليلتين، ومنهم من كان يختم في كل يوم وليلة في شهر رمضان،
فهذا الإمام البخاري -رحمه الله– كان إذا كان أول ليلة من شهر رمضان يجتمع إليه أصحابه، فيصلِّي بهم،
فيقرأ في كل ركعة عشرين آية، وكذلك إلى أن يختم القرآن، ويقرأ في السحر ما بين النصف إلى الثلث من القرآن، فيختم عند السحر في كل ثلاث ليال،
وكان يختم بالنهار كل يوم ختمة، ويكون ختمه عند الإفطار كل ليلة، ويقول: "عند كل ختمٍ دعوةٌ مستجابة"
(النشر في القراءات العشر: 2/500).
فلنكن من أهل القرآن في شهر الصيام، اقتداءً بالنبي الكريم والصحابة والتابعين وأئمة الهدى من قبلنا،
فـ (أهل القرآن هم أهل الله وخاصته)
(رواه ابن ماجه وصححه الألباني).
لنا عودة بإذن الله وتوفيقه لطرح القسم التالي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته