الشهيد الأمريكي [ نحسبه كذلك ]
أبو آدم جبريل الأمريكي – رحمه الله
(( الحلقة الثانية ))
مضت ( 124 ) يوما ، اليوم كالسنة في تلك التدريبات القاسية وأنهى أبو آدم تدريبات الكوماندز التابعة لكتيبة أبو الأشقر الطيب ، مع معاناته ومرضه ، فقد أصيبت أقدامه بالتقرح الجليدي واستمر فقده للشعور بأطرافه حتى بعد دخوله الربيع ، وأنهكه الداء في معدته وعندما سألته عن حاله وماذا سيفعل ؟
كانت إجابته :
(( سأستمر بغض النظر عما أشعر به ، لن أتوقف بعدما اجتزت ما أنجزته )) .
لقد عجبت دائما بإصراره ، وبعد عدة أسابيع تماثل أبو آدم للشفاء بإذن الله ، واستلم الرسالة التي ينتظرها ويعد العدة لها ، قال له الأمير : ( جهز قناعك ، أنت ذاهب لجامو للانطلاق ) كاد أبو آدم يطير من الفرح والسعادة وقال لي : ( أخيرا ، لقد أتيحت لي الفرصة للجـهاد في سبـيـل الله ) .
بعد أسبوعين ونصف التقيت مع أبو آدم في قاعدة الجهاد لنبدأ التغلغل في الوادي المحتل ، كنا ننتظر الفرصة المناسبة للتغلغل حتى نهاجم أعداء الله من الهندوس والسيخ الملعونين من الجيش الهندي ، فترة الانتظار هذه من أصعب الفترات في حياة المجاهد ، وتسمى فترة الرباط ، يحتاج المجاهد فيها أن يسيطر على أفكاره ومشاعره ويشغل وقته قبل المواجهة .
شخصيته وأخلاقه :-
كان أبو آدم هادئ الطباع ولو تكلم بصوت عالي ، كان يتميز باللين والبساطة وحلاوة المعشر لم يتصرف بغلظة أو يناقش بواقحة أي إنسان .
كان دائما بعد أن يؤدي صلاة الفجر يركض ما يقارب الميل والنصف وهو يحمل على ظهره حقيبة تزن خمسون باوند من الحجارة ، ويتسلق برج المياه وهو يحمل هذه الحقيبة ثم يعود إلى القاعدة ويتناول الإفطار مع إخوانه ، ثم يتوجه إلى المسجد الصغير ويقوم بحفظ القرآن وبعد الأدعية المختارة من حصن المسلم .
كنت أنظر لأخي أبو آدم كزاهد حقيقي ، كان لا يتوانى في تقديم المساعدة والصدقة لإخوانه المحتاجين ، وكان يلف عنقه دائما بوشاح ( غتره ) ذي اللونين الأبيض والأسود ولقد رأيت صورة له عند بداية إسلامه وقد كان يرتديها ، كان رحمه الله يذكرنا دائما بالله وباليوم الآخر. وفي أحد الأيام جلس بعض الأخوة يتباهوا في حديثهم ( غفر الله لهم ) وعندما اخذوا بالحديث غضب أبو آدم وقال : ( أيها الرجال أنتم تقتلون إيماني بهذا الكلام ، خافوا الله )
رحم الله أبو آدم فقد كان من المحافظين على التهجد في الثلث الخير من الليل فلا أذكر أن فاته صلاة تهجد طوال معرفتي به . كنت معجب بفطنته وإدراكه للأمور ، دائما أشعر برغبة في الجهاد وفي ذكر الله وأنا معه ، أسأل الله أن يجمعنا في جنات النعيم مع الشهداء …… آمين.
في أحد الأيام كنا نائمين بعد صلاة الظهر ، استيقظت وخرجت لأحصل على بعض الهواء المنعش ، وعندها رأيت أبو آدم يتدرب على سلاحه في الشمس الحارقة ، فوقفت مندهش أفكر ( سبحان الله ، متى يتوقف ؟ أدعو الله أن يعطينا العزيمة والإصرار مثله ، آمين ) .
والحمد لله فقد من الله على أبو آدم بالشفاء من الداء الذي في معدته ، فقد قررنا أن نقوم بالحجامة على هدي الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، وكان أبو آدم أول المتقدمين للحجامة وبعد أن خرج الدم من كتفيه لم يعد يشعر بالمرض والحمد لله .
الانطلاق ( الهجوم ) :-
في الخامس من يوليو جاء الأمر لمجموعتنا المكونة من عشرة أخوة بالانطلاق للأراضي المحتله وبعد يومين من الاستعداد كانت الأسلحة قد اختبرت ، ونظفت ، وأعدت ، والأجهزة والمعدات وزعت ، والعزائم والهمم أججت ، والقلوب ملأت بالإيمان وبحب لقاء الله ، لقد حان الوقت ، وأصبحت أحلامنا حقيقة أن الجهاد ( الله أكبر ) وللشهداء جنات عرضها السموات والأرض .
وكعادته كان أبو آدم يحمل عدة وعتاد أكثر من غيره من الأخوة ، وللأسف لظروف خارجة عن إرادتنا افترقنا عن مجموعة أبو آدم ، وكان هذا آخر لقاء لنا ، لقد كان أبو آدم يبكي عندما افترقنا ، لأنه كان فرحا بالجهاد ، وكان يشعر أنه آخر لقاء لنا في هذه الدنيا .
قال عنه أبو يحيى :-
( عندما كنا نتغلغل في منطقة الحدود الكشميرية ، وكانت هذه المنطقة شديدة السواد مظلمة مليئة بالغيوم ، كان أبو آدم في المقدمة دائما ولم يتقهقر ، وعندما توقفنا لنستريح لعشر دقائق ، نظر أبو آدم للسماء ، وقال ( الحمد الله ) فاستفسرت عن قوله ، فقال : ( دائما كنت أحلم بأن أملك سلاح وسكين وقنابل ، وهاأنا أمتلك كل هذا في سبيل الله ، والحمد لله .. ) . بعد خمس أيام من التوغل في الليل ، نجح أبو آدم ومجموعته من التسلل للوادي المحتل في كشمير ، وكان لأبو آدم دور فعال في الهجوم على مواقع الجنود الأعداء ، وبعد شهرين ونصف من الجهاد نال أبو آدم ما كان يتمناه ، وما أعد له طويلا ، نال الشهادة في سبيل الله ( نحسبه كذلك ) .
كانت المعركة بين أعداء الله ومجموعه أبو آدم شديدة ، سقط فيها من الكفرة ( 34 ) ، وقدروا من قتلوا بيد أبو آدم بسبعة عشر الله أكبر .
وفي لحظة استشهاده ( نحسبه من الشهداء ) حلمت أن أبو آدم قادم للقاعدة ووجهه مستبشر ضاحك لرؤيتي ، وشعره قد طال ، وملابسه مليئة بالدماء ، فاستفسرت عن المعركة فأجابني ( كانت شاقة ، ولكن تستحق العناء ) فاستيقظت لأتلقى نبأ استشهاد أخي أبو آدم ( إن شاء الله )
رحمه الله ، لقد سبقنا إلى هدفنا وحلمنا الشهادة في سبيل الله .
أذكر انه قال لي : ( أريد أن أصاب في صدري ، حتى لا تخرج روحي بسرعة ، وأدعو الله أن نأتي ساحة المعركة قبل خروجها ) .
أتمنى أن أعرف هل حقق أمنيته ؟؟
أبو آدم الأمريكي لم يتعاطى المخدرات ولم يمارس الفاحشة كغيره من الشباب الأمريكي قبل إسلامه وهذا شئ نادر . وصل خبر شهادته ( نحسبه كذلك ) لعائلته الأمريكية غير المسلمة في أطلنطا – جورجيا ، وعندما تلقت العائلة الخبر أنار الله قلب أخته ليزا للإسلام ، وأدعو الله أن تكون مثل أخيها أبو آدم وبمثل عزمه وإخلاصه للإسلام .
رحم الله أبو آدم الأمريكي …
( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون )
كتبه الفقير إلى ربه أبو ……………………………
ورحمك الله أبا آدم