إن القرآن الكريم يعبر عن الصديق بالقرين .. وذلك حينما تستمر العشرة والألفة مع الصديق لسنوات ليتحول بعدها إلى قرين لازم المصاحبة ، فيبدأ بالتأثير على سلوك وأخلاق وحتى طريقة كلام صديقه !.. وهذا سلاح ذو حدين في حد نفسه ، إذ كما ينقل القرين الصالح الصفات الحسنة إلى قرينه ، فان قرين السوء ينقل الصفات السيئة .. وقد جاء في الحديث : ( صحبة الأشرار تكسب الشر كالريح : إذا مرت بالنتن حملت نتنا ً ) .
إن قرين السوء صورة من صور الخذلان الإلهي ، كما جاء في الآية الكريمة : { وقيّضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم } . ومن المعلوم أن الله تعالى رؤوف لا يضل عباده ، لكن العبد حين يتمادى في المعاصي فانه يصل إلى درجة من البعد عن الحق بحيث يكل أموره إلى نفسه – كما وردت الاستعاذة من ذلك عن الرسول (ص) – ومنها أن يسلمه لصاحب السوء الذي يلعب في دينه وأخرته كما يشاء وليهما وهو الشيطان وأعوانه الذين يمدونهما بالغي ثم لا يقصرون !!.
§ إن من المهم التأكيد على أن وجود الصديق ليس هدفا ً في حد ذاته ، ليكون هذا داعيا للتشبث بأي فرد كان ، حتى لو كان من إخوان الشيا! طين .. فقد جاء في الحديث : ( أحذر قرين السوء ، فأنه يهلك مُـقارنه ويردي مُصاحبه ، وكن بالوحدة آنس منك بقرناء السوء ) . فما المانع أن يعيش الفرد حالة ً من الوحدة التي تحصنه من انتقال العدوى من الآخرين وذلك إذا كان في ضمن مجتمع منحرف ، كالمدرسة أو الجامعة غير الصالحة ، أو في بلاد غير المسلمين .. واعلم إن الله تعالى جليس من ذكره ، وهو صاحب الغرباء .. فهل مثله جليس ؟!..
§ من قواعد الصداقة الأساسية هو اختبار الصديق الذي نود مصاحبته ، وخصوصا ً عند الغضب .. فان الصديق الذي يغضب ليخرج عن طوره ، ويهدم سنوات العلاقة اللصيقة عند أول خلاف ، لحري بأن لا نتخذه خليلا ً .. وقد أكد الأمام الصادق (ع) على مبدأ الاختبار فقال : ( لا تسُم صديقك سمة ًً معروفة حتى تختبره في ثلاث : فتنظر غضبه يخرجه من الحق إلى الباطل ؟.. وعند الدرهم والدينار .. وحتى تسافر معه ) .
§ من معايير اختيار الصديق : هو اختيار الشخص الأرقى والأعلى منا ! في صفاته وكمالاته .. فقد جاء في الحديث : ( إصحب من تتزين به ولا يتزين بك)! .. وذلك من أجل اكتساب الملكات الحسنة منه بما ينفع العبد في الدنيا و الآخرة .. وقد قال المسيح (ع) ( جالسوا من يذكركم الله َ رؤيتـُ! ه ، ويزيدكم في علمكم منطقـُه) .. و ما أجمل قول الأمام علي (ع) في هذا المجال : ( صحبة الولي اللبيب حياة الروح ) .
§ و من معايير اختيار الصديق : معاشرة سليمي النفوس الذي يعيشون الفطرية في حياتهم ، والابتعاد عن الأشخاص ذوي الكآبة والعقد النفسية و ما شابه .. فالبعض لا يتخذ الصديق إلا متنفسا لذكر همومه وغمومه الشخصية – ولو أدى إلى تجريح الغير وارتكاب بعض المنكرات القولية في هذا المجال- وبذلك يضفي جوا ً قاتما ً على نفسك !.. والحديث يقول : ( إحذر ممن إذا حدثته ملّـك ، وإذا حدثك غمّك ) .
§ ومن معايير اختيار الصديق: عدم مصادقة الأحمق !.. فهناك بعض الناس من يتصف بالحنان والمودة ولكن لا عقل له، فهو يريد أن ينفعك فيضرك!. وقد جاء في الحديث : ( إياك وصحبة الأحمق فأنه أقرب ما تكون منه.. أقرب ما يكون إلى مساءتك)!.. وقد لخص الأمام علي (ع) معاناة المبتلى بمثل هكذا صديق بقوله (ع) : ( صحبة الأحمق عذاب الروح ) .
§ من قواعد التعامل مع الأصدقاء : هو عدم إذهاب الحشمة و الحياء فيما بينهم .. فنحن نرى أن بعض الأصدقاء يرفعون الكلفة تماما ً فيما بينهم ، فيمازح بعضهم بعضا ً بكلمات و أفعال لا تليق بمكانة المؤمن ، و من الواضح إن ذلك مما يذهب بوقار المؤمن و احترامه لأخيه .. وهو أمر منهي عنه في روايات أهل البيت (ع): ( لا تـُذهب الحشمة بينك وبين أخيك وأبق منها ، فان ذهابها ذهاب الحياء ) .. كما ورد الحث على تقليل المزاح بشكل عام و وضع حدود له ، فان مقدار المزاح من الحديث – كما في بعض النصوص – ينبغي أن يكون بمقدار الملح من الطعام .
و من قواعد التعامل الأخرى مع الأصدقاء : هو عدم إبداء كل أسرارك ال! خاصة للآخرين بمجرد التعرف عليهم – خصوصا ً في هذا الزمن الذي غلب فيه سوء الظن بين الناس – اذ من الممكن ان ينقلب عليك الصديق في يوم ٍ ما ، ليكون ما أطلعته عليه وبالا ً عليك – كما لا يفترض أن تفتح بيتك و عائلتك أمام كل صديق ترتاح إليه ، فلطالما رأينا العلاقات العائلية غير المدروسة قد جرت الأبناء وغيرهم إلى علاقات غير محمودة العواقب ، وذلك بعد زيارات أو جلسات مختلطة بين الجنسين ، ومن دون رقابة كافية من الأهل .
و أخر قاعدة للصداقة هي أن لا تكون سببا ً لترويج الباطل .. فان بعض الأصدقاء المنحرفين يجرون الأنسان جرا ً إلى مشاركتهم في انحرافهم ، وقد لوحظ أن أهل المعاصي كالزنى و الخمر و المخدرات يستوحشون من انفرادهم بالمعصية ويعانون تأنيب الضمير، فيعوضون ذلك بإشراكك بمعصيتهم !. فان مجرد مصادقة هؤلاء ، قد يدخلك تحت عنوان ( الراضي بفعل قوم ٍ كالداخل معهم ) .. فيؤول الأمر إلى الندم على مثل هذه العلاقة يوم الحساب ، حين يقول المرء { ليتني لم أتخذ فلانا ً خليلا ً } .. والإخلاء بعضهم لبعض ٍ عدوٌٍ يوم القيامة إلا المتقين !.
وسلامتكم
تسلم دياتك اختي دندون
موضوع قيم ومفيد عن الصداقه النادره في هذه الايام للاسف
دمتي لنا سالمه
ويعطيك العافيه