شرع الله الطلاق في حالة مخصوصة للتخلص من المكارة الدينية والدنيوية، ورغم أن الطلاق يعد أبغض الحلال إلى الله تعالى إلا أنه لم يشرع إلا في حالة الضرورة والعجز عن إقامة المصالح بين الزوجين لتباين أخلاقهما وطباعهما، أو حدوث ضرر يترتب على بقائهما معا ، مما تكون فيه المصلحة في الطلاق حتمية.
رغم أن الطلاق يكون الحل الأفضل لطرفي الزواج الزوج والزوجة إذا انعدمت الألفة بينهما وصارت الحياة بينهما مستحيلة ولا يمكن أن يطيقاها, تظل تجربة مؤلمة ليس من السهل محو بصمتها وتجاوزها مهما كانت ظروفها ودوافعها، بالنسبة للأطفال.
وربما لا يعي الأطفال بعد مواضيع الزواج والطلاق والانفصال بل إنهم حتى لا يملكون كيف يسالون عن سبب بقاء الأم والأب بعيدان عن بعضهما بعدما تعود هذا الطفل على وجود أمه وأبيه تحت سقف واحد.
فإذا كان للزوجين أسبابهما الخاصة والموجبة للجوء إلى الطلاق والتي قد يتحمل أحدهما أو كلاهما مسؤوليتها فان الأطفال يفرض عليهم الخضوع للأمر وتجرع مرارته دون أن يكون لهم فيه دخل في التسبب فيه
تختلف تأثيرات انفصال الزوجين أو طلاقهما من طفل إلى آخر ومن حالة إلى أخرى، ففي حين يتأقلم بعض الأطفال مع مرور الزمن مع المتغيرات الجديدة، إذا كانوا في سن ما قبل المراهقة, إلا أن آخرون يعانون طويلا من مشاكل واضطرابات نفسية قد تترك أثرها عميقا في شخصياتهم وطباعهم ونظرتهم لموضوع الزواج وحياتهم فيما بعد.
بينما لا يختلف اثنان على أن أثر الطلاق سيكون بالغا على الأطفال ما دون العشر سنوات.
إن محاولة رؤية انعكاسات ذلك من خلال عيون الأطفال يمكن أن يساهم إلى حد كبير في التعامل معها عندما تكون واقعا لا يمكن تغييره. ومما لا شك فيه أن الأطفال يشعرون أكثر مما نتوقع بالإحساس بمشكلة انفصال والديهم حتى لو كانوا في سن صغيرة , وتكون الطرق التي يعبرون فيها عن هذه الأحاسيس والمشاعر قوية مؤلمة.
ونحن في هذا التقرير عمدنا أن نسلط الضوء على عنصر الأطفال المغيب في قضية الطلاق والذي هو الأكثر تضررا منها دون غيره, كما رصدنا مشاعر الأطفال الحقيقية من خلال تقارير عبر شبكة الانترنت ,
حيث جاءت تعليقات الأطفال أكثر تعبيرا من كل نظريات التربية وتحليلاتهم. وهنا بعضها:
ـ لا أعرف لماذا لا أرى أبي إلا نادرا؟
ـ لم أعد أرى والديّ معا!.
– اعتقد أن أمي وأبي يكرهان بعضهما.
– أبي حريص على الاهتمام بي ومع أمي أجد الرعاية والحب, وأنا احبهما معا وأريدهما معا.
من خلال البحث , تقول إحدى الأمهات المطلقات التي انفصلت أن طفلها الذي لم يكن يتعدى الثلاث سنوات أربكها عندما أخذ يشتكي من انه يرى أشباحا في الليل ويسمع أصوات غريبة , والمزعج لدى هذه الأم والذي آلمها جدا هو تساؤله البريء : لماذا لا يأتي أبي ليطردهم؟ مما أربك الأم وجعلها عاجزة عن التصرف حيال شرح أسباب غياب الأب.
وبحسب مختصين في سلوك الأطفال يعتبر تعبير الطفل الذي عاش تجربة طلاق الوالدين عندما يشتكي من شيء غير واقعي وبشكل متكرر بأنه يعبر بطريقة لا واعية عن أزمة خاصة ناتجة عن انفصال أو ومغادرة أحد والديه للبيت، كما أنه حتى لو حصل الانفصال والطفل في سن مبكرة لا يستطيع فيها تذكر الأحداث التي رافقت طلاق والديه أو تمييز ردود فعل احدهما تجاهه، فان ذاكرته تحتفظ بالمشاعر التي تركتها هذه التجربة في نفسه، وهي غالبا ما تكون مشاعر أليمة، نتيجة إحساسه بخلافات والديه والجو المشحون الذي يخيم عادة على البيت في تلك الحالة.
وبحسب أخصائية علم النفس د. عائشة الشهراني فإن ما يعزي الأزواج والزوجات الذين اضطروا إلى اللجوء إلى الطلاق لإنهاء عشرة لم تعد محتملة أن كل علماء النفس وخبراء الأسرة يجمعون على أن أجواء المشاكل الزوجية المشحونة والصراخ وتبادل الشتائم والاتهامات تكون مدمرة ومؤثرة لنفسيات الأطفال أكثر من تأثيرات الطلاق بحد ذاته، كما تشير دراسات عديدة أن تنشئة طفل تحت رعاية أحد الوالدين تربية هادئة وسليمة تكون أكثر راحة فيما لو عاش بين والدين في بيت يشبه ساحة معركة.
حول ذلك أضافت أن الطفل الذي يتربى في كنف والدين طبيعيين يمتلك وضعا اجتماعيا أفضل ويحصل على مستوى اجتماعي أرقى أكثر مما لو ترعرع في كنف أحد والديه, لكن يقع على أحد الطرف الحاضن مسئولية أكبر فيما يخص تنشئة الطفل, بإمكانه الحفاظ على نفسية الطفل بعد الطلاق , مثل أن يتم تجنب الحجج الواهية لغياب الأب مثلا أو الأم كإقناع الطفل بأنه مسافر أو أننا سنعود لبعضنا قريبا , فالأطفال أذكياء وليسوا من السذاجة بحيث يخفاهم غياب أحد والديه فجأة , مما يؤكد أنهم بحاجة للشفافية والصراحة دون تعقيد ودون تشويه وإيذاء علاقتهم بوالديهم, وتضيف الشهراني أن الطرف الحاضن أن يدع الأطفال يعون أن الطلاق لم يكن بسببهم, كما أن عليه أن يكرر على مسامعهم أن الطلاق قضية خاصة بالكبار ولا دخل لهم فيها من قريب أو من بعيد, وذلك لأن بعض الأطفال يعتقدون ضمنيا أنهم يمكن أنهم السبب في حدوث الطلاق بشكل أو بآخر.
وختمت بقولها أن من واجب الأمانة ألا يتم دفع الأطفال لاتخاذ موقف متحيز , أو إشعارهم بالحيرة في الاختيار بين والديه , بل أن الواجب أن يتم تغذية المحبة والاحترام في نفوسهم تجاه والديهم.
كثرت في أيامنا هذه والضحية الوحيدة هم الأطفال
شكرا لك
الله يبعدوة عنا وعنكم يارب
تحياتى