والمسلم حين يتمثل العزة في حياتهينبعث إلى مصالحه الدينية والدنيوية بقوة وطمأنينة مترفعا عن الدناياوالرذائل , يأنف أن يقف مواقف الذلة والصغار اجتلابا لعــرض من أعراض الدنيا , أو استبقاء لمافي يديه منها . كما يصون نفسه من الخضوع لغير الله، والذلة بالتحاكم إلى غير شرعه .
والمسلم حين تغمر العزة قلبه ينهض لدفع الضيم , ورد العدوان , ونصرةالمظلوم . كما يقوم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقعده عن ذلك رغبة أورهبة .
والأمة المسلمة متى أخذت بأسباب العزة فإنهاتشرق حتى تملأ الأرض نوراً ورحمة وعدلاً وهداية ، وتتوقد فتكون ناراً وغلظة وشدةعلى أعدائها , والمتربصين بها , بل لا يقف ـ حينئذ ـ في وجهها أمة من الأمم .
مصدر من :عَزَّيَعِز والعِزّ والعِزّة : الرفعة والامتناع, ورجل عزيز : منيع لا يغلب ولا يقهر والعزيز من أسماء الله تعالى وصفاته .
قال ابن الجوزي : ذكر بعض المفسرين أنالعزة في القرآن على ثلاثة أوجه :-
الثاني :المنعة . ومنه قوله تعالى: (أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّالْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا(139))سورةالنساء
الثالث :الحمية ،ومنه قوله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُالْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ(٢٠٦)(سورةالبقرة.
حالة مانعةللإنسان من أن يغلب.
1/ العزة الممدوحة :أن العزةالتي لله تعالى هي العزة التامة والدائمة الباقية , وهي العزة الحقيقية الممدوحةومنها عزة الرسول صلى الله عليه وسلم , وعزة المؤمنين لأنها قوة في الحق ومنه , وشدة على الباطل وقهر له.
2/ العزة المذمومة :عزة الكافر والفاسق – فهي الأنفة من قبول الحق , والتعاظم بالباطل والحمية له , كما قال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُوَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (٢٠٦))سورةالبقرة , فهي تعزز عاقبته الذل والهوان والخسران .
أساس العزة:
إن الإيمان هو أساس العزةومنبعها , لأن العزة التامة الدائمة لله تعالى وحده , قال تعالى ( أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِجَمِيعًا (١٣٩))سورةالنساء.
.فلا تطلب إلا منه ولا تنال إلا بالإيمان بـه ,وقال تعالى: ( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُوَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْتَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٦))سورةآل عمران
قال ابن القيم رحمه الله(العزة والعلو إنما همالأهل الإيمان الذي بعث الله به رسله وأنزل به كتبه , وهو علم وعمل وحال)
فله من العزة بحسب مامعه من الإيمان وحقائقه .
وحقيقة الإيمان: معرفة ما جاء به الرسول – صلى الله عليه وسلم- علماً, والتصديق به عقداً , والإقرار به نطقاً , والانقياد له محبةوخضوعاً , والعمل به باطناً وظاهراً , وتنفيذه والدعوة إليه بحسب الإمكان.
* أن الإيمان أساس حياةالإنسان ، وسر تكريمه ، والموجه لفكره وسلوكه ، قال تعالى: ( أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًايَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍمِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٢٢))سورةالأنعام
فمتى رسخ الإيمان في النفس سمت الروح ، وتطهر القلب ، وتحرر المرء مـن سلطان الماديات ، فلايرى إلاعزيز النفس ، طاهر البدن ، رفيع الأخلاق.
*أن المؤمن يستمد من عقيدته العلم الصحيح ، والمعرفةاليقينية،عن حياته وما بعدها، وعن سنن الكون وحقائق العالم الغيبي, بإقرار المؤمن بوحدانية الله تعالى , واستحقاقه العبادةدون من سواه , يعلو عن أسباب الذل والهوان فلا يرى ساجداً وخاضعاً لمخلوق أو عابداًومتذللا لأحد من البشر . بل ولا سامعاً مطيعاً – طاعة مطلقة – إلا لله ورسوله .
وبعد هذا كله فإنه باستقامته على شرع الله يتفيأ ظلال منهج قويم يغرس في أتباعه العزة , ويهيئ لهم أسبابها عند ضعفهم , ومع تقلب الأحوال بهم .
فقد غرس الشرع العزة في المرأة المسلمة يوم كرمها وأعلى مكانتها ؛ بنتاً وزوجة وأُماً وعُضواً في الأسرة والمجتمع , وفرض لها حقوقاً تُوجب رفعتها , وتصونها أن تذل أو تمتهن .
كما صان الشرع المسلم من الذل في حال ضعفه وعجزهو قلة ذات يده فجعل له حقاً معلوماً في مال الغني, يدفع إليه بلا أذى أومنة .
إلى غير ذلك من صور الرفعة والتكريم التي جاء بها الشرع لمن آمن به واستقام عليه .
أولاً :العلم بالحق والتزامه والثبات عليه قال تعالى (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍوَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١١))سورةالمجادلة.
والأمة تقوى وتعتز حين تقبل على الحقوتعمل به, وتضعف وتذل حين تشغل عنه وتتنكر له .
ثانياً:الصبر وهو حبس النفس على ما يقتضيه العقل والشرع، أوعمايقتضيان حبسها عنه , فلا إيمان لمن لاصبرله.وهو من مقام الأنبياء والمرسلين , وحليةالأصفياء المتقين , قال الله تعالى عن عباد الرحمن (أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَفِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (٧٥) )سورة الفرقان .
والصبر سبيل العزة والرفعة ؛ لأن به يكمل المرءمقامات الإيمان – الذي هو أساس العزة ومنبعها – فيصبر على فعل الطاعات , وعن المحرمات , وعلى أقدار الله تعالى.
وقد بين صلى الله عليه وسلم أن الصبر سبيل النصر وطريق العزة،فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال واعلم أن النصر مع الصبر)أخرجه أحمد 1/307.
قـال تعالى: ( لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَايَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَالتَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَاتُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (٢٧٣)) سورةالبقرة,وهي من أسباب العزة لأنها استجابة لأمر الله ، والتزام بطاعته، وابتعاد عن نواهيه، وصيانة لإيمان المرء وزيادة له ، وهذا هو أساس العزةومنبعها .
وأما العفة عما في أيدي الناس ولاستغناء عنهم، فذاك غنى النفس وشرفها وعزها. وقد قال صلى الله عليه وسلم (من يستعفف يعفه الله، ومن يستغني يغنه الله، من يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خيراوأوسع من الصبر)متفق عليه.
والعفو سبب للعزةلأنه تجاوز وتسامح مع القدرة على المعاقبة والانتقام .
ومن صور العفو العظيمة أنه عفا صلى الله عليه وسلم عن جماعة منهم حاولوا النيل منه على حين غفلة منه , فعن أنس رضي الله عنه أن ثمانين رجلاً مـن أهل مكة هبطوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم مـن جبل التنعيم متسلحين يريدون غرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه, فأخذهم سلماً فاستحياهم , وخلىسبيلهم)أخرجه مسلم وأحمد .
وأما التواضع فهوانكسار القلب لله , وخفض جناح الـذل والرحمة بعبادة قال رسول الله صلى الله عليـه وسلم (إن الله أوحى إلي أن تواضعوا , حتى لا يفخر أحد على أحد , ولا يبغي أحد على أحد )أخرجه مسلم, وإنما كان التواضع سبباً للرفعة لأنه يحمل صاحبه على قبول الحق , وتعظيمه والانقياد له , كما يحمله على الرحمة بالخلق , والإحسان إليهم , وخفض الجناح لهم , ومن كان بهذه المثابة رفعالله قدره في القلوب, وطيب ذكره على الألسنة,وأعلى منزلته في الدنيا والآخرة.
من أسباب العزة أن يعيش المسلم في كنف الدولة المسلمةبين إخوانه المؤمنين مظهراً لدينه , مستعلياً بإيمانه , مقيماً لشعائر إسلامه ,قال رسول الله صلى الله عليه وسلـم: (( مثلالمؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منــه عضو تداعىله سائر الجسد بالسهروالحمى))متفق عليه.
أولا/الاجتماع على الحق وترك الفرقة والاختلاف .
إن من قواعد الدين العظيمة محبة المسلم لإخوانهالمسلمين , وموالاته وقال تعالى (الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ(١٠))سورةالحجرات.
فالمؤمنون أخوة في الدين والعقيدة وإن تباعدت أنسابهم وأوطانهم وامتدت أزمانهم , وقال تعالى (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَاوَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِيقُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (١٠))سورةالحشر,وإن من أسباب عزة المسلمين شعورهم بهذه الأخوة الإيمانية , وقيامهم بمقتضياتها ؛ ومن ذلك اجتماعهم على الحق , وتعاونهم على البر , ومناصرةبعضهم بعضاً .
وقد أمر الله تعالى بالجماعةوالاجتماع , ونهى عن التفرق والتنازع ,لأنه سبب للفشل والهزيمة والذلة , وقال تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوافَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ (٤٦))سورةالأنفال.
وأعظم صور الاجتماع العاصمة من الزلل والفرقة والاختلاف , والموجبة للألفة والقوة .
والعزة صورتان :-
الاجتماع على الكتاب والسنة , وما كان عليه سلف الأمة من الصحابة , والتابعين, والأئمة المجتهدين , و الاجتماع على الإمام الموافق للكتاب والسنة , وطاعته.
ثانيا/ القيادة الراشدة .
إن من أسباب العزة الرئيسةللأمة؛ صلاح ولي الأمر, وقيامه بواجبه في إصلاح رعيته, والنهوض بها, وصيانتها منأسباب القلق والاضطراب . وذلك لما خوله الله من سلطة وقوة , وبما ألزم رعيته من السمع والطاعة له.
قال شيخ الإسلام :" ومعلوم أنه إذا استقام ولاة الأمر الذين يحكمون في النفوس والأموال استقام عامة الناس".
إذا كانت العزة ثمرة الإيمان والعمل الصالح , فإن مخالفة أمر الله – عز وجل – وفعل ما نهى عنه ينقص الإيمان ويضعفه , وبالتالي يعوق المسلم عن الوصول إلى ما يراد له من العلو والعزة .
بل لا سبيل إلى العزة البته متى كان المجتمع معرضاًعن دين الله , رافضاً لشرعه , معطلاً لأمره ونهيه , لا يقلقه منكر, ولا يزعجه فسادأو انحراف . بل إن شيوع المنكرات والرذائل يفقد الأمة حيويتها, وعناصر قوتها , ويورثها الذلة والصغار , ويقودها إلى الهلاك والدمار.
شرع الله الجهادلإعلاء دينه , وتحقيق الهيمنة لشرعه , قال تعالى: ( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ (١٩٣) )سورةالبقرة .
إن آثار العزة لاتزال تتجدد فيحياة الأمة المسلمة- أفراداً وجماعات- كلما ازدادت تمسكاً بدينها واستقامة عليه , وبذلاً في سبيله.
ولعل أجل صور العزة تلك التي رسمها الرعيل الأول من سلف الأمة,جيل الصحابة– رضي الله عنهم- يوم استقاموا على هذا الدين , وصاغوا حياتهم وفق منهجه , حيث نعموا بالعزة والسيادة , بل حصل لهم منذلك مالم يسبق له نظير في تاريخ الأمم .
وأول صور العزة وأكثرها إشراقا اعتزازهم بالانتساب لهذا الدين , ووقوفهم عنـد حدوده , وتعظيمهم لحرماته , وإيمانهم العميق بأن ما جاءبه من المعاني والحقائق والقيم هي مصدر العز , وسبيل النصر والتمكين .
ومن صور العزة في حياة الصحابة – رضي الله عنهم- صلابتهم أمام الدعوات المضلة, والطرق المبتدعة , فلا رواج -مع وجودهم– لبدعة , ولاشيوع لأفكار منحرفة . ولما ظهرت بعض نزعات الابتداع أنكروها , وقاوموهاوشنعوا على أهلها ,وترفعهم عما في أيدي غيرهم– فضلاً عن سؤالهم- فعن أنس أن عبد الرحمن بن عوف- رضي الله عنه– قدم المدينة فآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بنالربيع الأنصاري- رضي الله عنه- فقال له سعد:أي أخي أنا أكثر أهل المدينة مالاًفانظر شطر مالي فخذه , وتحتي امرأتان فانظر آيتهما أعجب إليك حتى أطلقها و فقال عبدالرحمن : بارك الله لك في أهلك ومالك , دلوني على السوق ، فدلوه ، فذهب فاشترى وباعفربح ))أخرجه البخاري
ولذافإن المسلم يزداد عزة كلما زاد إيمانه وزكت نفسهوأن شريعةالإسلام غرست بتعاليمها القويمة معاني العزة في النفوس وصانت الشريعة المسلم عنالذلة حتى مع قيام أسبابها- من ضعف وقلة وحاجة- بما فرضت له من حقوق
وبما أوجبت له من حسن المعاملةوكريم المواساة.
العزةهي الرفعة والبعد عن مواطن الذل والمهانة. فاللهيأمرنا أن نكون أعزاء، لا نذل ولا نخضع لأحد من البشر، والخضوع إنما يكون للهوحده، فالمسلم يعتز بدينه وربه، ويطلب العزةفي رضا اللهسبحانه وقد قيل: من طلب العزة بغير طاعة الله أذله الله
وقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: كنا أذلاء، فأعزنا اللهبالإسلام، فإن ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله.
قيل: الذلة لرب العباد عزة، والذلة للعباد ذلة.
وقيل: من طلب العزة بغير طاعة الله أذله الله.
و العزةليست تكبراً أو تفاخراً وليست بغياً أو عدواناً وليست هضماً لحقٍ أو ظلماً لإنسانٍ وإنما هي الحفاظ على الكرامة والصيانة لما يجب أن يصان ولذلك لا تتعارض العزة مع الرحمة بل لعل خير الأعزاء هو من يكون خير الرحماء .
**مواقف تشهد بعزتهم***
مشهد العزة الذي يتجلَّى في حالة **بلال*** رضي الله عنه، وهو يُعذَّب بمكة في حرها، وتوضع الصخرة العظيمة على صدره، لا ليرتد عن الإيمان، ولكن ليكف عن سب آلهتهم أو ليسكت، لكنَّ عزةَ الإيمان تنطق على لسانه: "أحدٌ أحد" لتظل أنشودة خالدة تترنم بها الأجيال على مدى الزمان، وليصب اليأس في نفوس من عذبوه.
تبارك الرحمن موضوع رائع جوزيت خيراً
بانتظار الجديد من ابداعك
جزاك الله خير
بارك الله فيكِ غاليتي