الفصل الحادي عشر
فصاحة القرآن وبلاغته
كلام الله شاهد برسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم:
س: هل يشهد كلام الله لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم بالرسالة؟
ج: نعم، فالقرآن يذكر أن محمداً رسول الله .
قال تعالى:﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾ [الفتح:29] .
س: هذا كلام يقنع المؤمن بأن القرآن كلام الله . فكيف بالذين لا يؤمنون بأن القرآن كلام الله؟
ج: القرآن نفسه يقنعه بأنه كلام الله؟
س: وكيف ذلك؟
ج: إن كلام الخالق لا بد أن يختلف عن كلام البشر، فإذا تأمل عاقل بإنصاف في كلام الناس، وفي كلام الله المكتوب في القرآن، فسيجد خصائص الكلام الإلهي واضحة بينة، كما سيرى الفرق الكبير بين كلام البشر وكلام الله، وسيعرف عندئذ أن القرآن الذي يشهد لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم بالرسالة ﴿إن هو إلا وحي يوحى﴾ وليس حديثاً مفترى.
بلاغة القرآن وفصاحته:
س: ما هي الخصائص والصفات التي امتاز بها القرآن على كل كلام بشري؟
ج: ما امتاز به القرآن (الكلام الإلهي) عن الكلام البشري كثير نذكر منه :
بلاغة القرآن، وفصاحته التي أعجزت الأولين والآخرين والتي ما كان يسمعها أحد من فصحاء العرب ـ زمن الرسالة ـ إلا ودخل الإسلام في قلبه، وعرف أن القرآن كلام الله، لا يقدر أحد أن يأتي بمثله، مهما بلغ من العلم، والفصاحة، فيعلم أنه لم يجره على لسان الأمي الذي لم يقرأ ولم يكتب أحد إلا الله سبحانه وتعالى .
ولذلك فقد اجتمع الكفار، وتدارسوا فيما بينهم ، كيف يقاومون تأثير القرآن في أنفسهم؟ فقرروا أن يسمعوا فصاحة القرآن وبلاغته: سحراً من سمعه سحرته. قال تعالى حاكياً ما قاله الوليد بن المغيرة (مستشار) الكفار في هذا الأمر:
﴿ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَفَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُإِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ﴾ [المدثر : 23-25] .
فكان وصفهم لكلام الله بالسحر أول وسيلة لمقاومة تأثيره في نفوسهم . والوسيلة الثانية منع كل واحد منهم أن يستمع للقرآن . قال تعالى:﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾ [فصلت: 26].
وذلك خشية أن يعرف العرب معجزة القرآن الظاهرة في بلاغته المؤثرة في النفوس والعقول فيشهدوا أن محمداً صلى الله عليه وآله وسلم رسول الله.
وقد أسلم أكثر المشركين عندما سمعوا شيئاً من كتاب الله أما من بقي على كفره، فلم ينكر بلاغة القرآن وفصاحته التي لا تدانيها أي بلاغة إنسانية، وإنما سمعوا ذلك سحراً يسحر من سمعه. وهي شهادة في نفس الوقت بعظمة القرآن وسموه على كل كلام .
س: ولماذا لا ندرك نحن في هذا الزمان بلاغة القرآن وفصاحته كما كان السابقين من العرب.
ج: السبب أن القرآن كان مفهوماً لديهم فهو قد نزل بلغتهم أما نحن فقد بعدنا عن اللغة العربية الفصحى التي بها نزل القرآن ، فأصبحنا لا نفهم كثيراً من كلمات القرآن إلا بصعوبة بالغة لكن من تعلم اللغة العربية وأجاد فنونها ، وقرأ كتاب الله عرف أن بلاغة القرآن فوق بلاغة كلام البشر وأنه لا يقدر على تلك البلاغة إلا الخالق القوى الخالص والقادر ، ومع ذلك فهناك علامة إلهية في كل سورة من كتاب الله يدركها العالم والجاهل ، ويعرف بها أن القرآن كلام الخالق الذي يخالف كلام جميع المخلوقين.
القرآن لا يخلق على كثرة الرد:
س: وما هي هذه المعجزة الإلهية التي يراها ويدركها العالم والجاهل في كتاب الله؟
ج: تلك المعجزة هي: أن هذا القرآن جديد دائماً لا يبلى مهما كرره الإنسان وردده. إن أي قطعة نثرية أو شعرية من كلام البشر لا تلبث أن تبلى إذا كررت على مسمع الإنسان مرتين أو ثلاثاً في اليوم وتصبح ممجوجة مملة إذا كررت عليه في كل يوم ثلاث مرات لمدة شهر. وهذا ينطبق على كل قول من أقوال البشر، ويعرف المغنون ذلك فيشترطون على الإذاعات عدم إذاعة أغانيهم كل يوم حتى لا تبلى تلك الأغاني وتمل .
أما كلام الله فالبرغم من أنه يتكون من نفس الأحرف التي يتكون منها كلام الناس ، ويتركب من نفس الكلمات ، فإن كل مسلم يعرف أنه يردد فاتحة الكتاب كل يوم ـ إذا صلى الفروض فقط ـ سبع عشرة مرة . أما إذا صلى السنن يرددها أكثر من واحد وثلاثين مرة كل يوم . وليس لمدة شهر فقط ، بل طوال العمر كله . فما شعر مسلم يوماً ما أن الفاتحة قد أبلاها الترديد وأصبحت قديمة كما هو الحال في كلام البشر.
وبالمثل كل ما يكرره المسلمون من قصار السور وكذلك كل سورة من سور القرآن نقرؤها ونكرر قراءتها مرات ومرات ، فلا نشعر أبداً أنها قد بليت. بل لا يزال كلام الله طرياً جديداً.
شهادة بعض المنصفين الأوربيين:
س: وما هو موقف غير المسلمين من هذا؟
ج: إن من يدرس القرآن يعرف ما عرفنا ، ويرى آيات ربه ظاهرة في كتابه.
وقد درس القرآن جماعة من المستشرقين وغيرهم، بقصد الطعن فيه لحساب دولهم المستعمرة . لكن المنصفين منهم لم يلبثوا أن فارقوا دينهم ودخلوا في دين الله. بعد أن عرفوا أنه الدين الحق وهذا بعض ما قاله المنصفون من الأوربيين في القرآن:
1- قال المستشرق (سيل): " إن أسلوب القرآن جميل وفياض ومن العجيب أنه ياسر بأسلوبه أذهان المسيحيين فيجذبهم إلى تلاوته سواء في ذلك الذين آمنوا به أم الذين لم يؤمنوا به وعارضوه".
2- وقال (هرشفلد): " ليس للقرآن مثيل في قوة إقناعه، وبلاغته وتركيبه، وإليه يرجع الفضل في ازدهار العلوم بكافة نواحيها في العالم الإسلامي".
3- وقال الدكتور (موريس) الفرنسي : "إن القرآن أفضل كتاب أخرجته العناية الأزلية لبني البشر، وإنه كتاب لا ريب فيه".
4- وقال المستشرق (ليون) : "حسب القرآن جلالة ومجداً أن الأربعة عشر قرناً التي مرت عليه، لم تستطع أن تخفف ولو بعض الشيء من أسلوبه الذي لا يزال غضاً كأن عهده بالوجود أمس" .
(القرآن يتحدى والبشر يعجزون):
س: وهل تحدى القرآن الناس أن يأتوا بسورة من مثل سوره؟
ج: نعم، لقد تحدى القرآن المرتابين المتشكيين وطالبهم أن يتركوا القتال والحرب ضد الإسلام والصراع الذي تزهق فيه الأنفس، وتضيع فيه الأموال وأن يأتوا بمثل سورة من القرآن، ويدعوا من شاءوا من أنصارهم للتحكيم، فإن قدروا كان القرآن من عند محمد البشر، وإن لم يقدروا ـ ولم يقدروا ـ عرفوا أن القرآن من عند الله أوحى به إلى رسوله محمد صلى الله عليه وآله وسلم فليحذروا عقابه . قال تعالى:﴿وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَفَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ [البقرة : 23 ، 24] .
س: ما هو موقف الناس من تحدي القرآن لهم ؟
ج: موقفهم العجز الكامل ـ كما أخبر القرآن ـ حتى إن أشد أعداء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من الكفار لم يجدوا أمامهم إلا أن يقاتلوا في ميادين الحرب لعجزهم أن يأتوا بمثل سورة من القرآن .
1- القرآن كلام الله يشهد لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم أنه رسول الله .
2- في القرآن معجزات إلهية تدل على أنه كلام الله منها فصاحته وبلاغته التي أعجزت الأولين والآخرين.
3- ومنها أنه جديد دائماً لا يبلى على كثرة ترديده وتكريره.
ولقد شهد بذلك المنصفون من علماء أوربا وعرفوا عظمة القرآن وسموه على كل كلام.
4- ولقد تحدى القرآن البشر أجمعين أن يأتوا بسورة منه إن كانوا مرتابين في أنه كلام الله فعجزوا وما زالوا عاجزين حتى تقوم الساعة.