اللهُ نُورُ السمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (النور: من الآية35)
خلق الله تعالى الكون بما فيه من عوالم مختلفة، ومنها عالم الفلك، المشتمل على مجموعات هائلة من الأجرام الفلكية، المكونة من نجوم، وهي مصادر ضوئية وحرارية، ومنها الشمس، ومن كواكب، وهي توابع لتلك النجوم، تستمد منها الضوء والحرارة، ومنها الأرض التي نعيش عليها، من مجموعتنا الشمسية، ووضع الله تعالى لهذا الكون نظاماً يسير عليه، يضبط حركته، ويسيطر على كل شيء فيه {تَبَارَكَ الذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُل شَيْءٍ قَدِيرٌ}(1) وقد نور الله تعالى السماء والأرض في عالمنا الفلكي بالشمس التي هي محور المجموعة الشمسية، بما فيها من طاقة حرارية هائلة، ينبعث منها النور الواسع، الذي يملأ الفضاء، وينير الكواكب كما قال تعالى: {هُوَ الذِي جَعَلَ الشمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللهُ ذَلِكَ إِلا بِالْحَق يُفَصلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}.(2)
كما نور الله تعالى الأرض بالوحي الإلهي، الذي أنزله على أنبيائه ورسله، والذي تضمنته الكتب السماوية، التي ختمت بالقرآن الكريم، الذي أنزله على خاتم الأنبياء محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً}.(3) وقال أيضاً {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظلُمَاتِ إِلَى النور }.(4)
وكما أن نور الشمس يضيء للإنسان طريقه في النهار، فيعرف به مواطئ قدمه، فلا يصطدم بحاجز، ولا يتعثر بعقبة، ولا يستطيع أحد من الخلق أن يطفئ هذا النور، ويحرم الناس من خيره، بالتحكم في حركة الشمس من المشرق إلى المغرب، كما قال إبراهيم عليه السلام في الاحتجاج على النمرود، الذي تأله على الناس وتجبر عليهم، ليستعبدهم لنفسه من دون الله تعالى، فيما أخبر الله تعالى عنه من قوله {أَلَمْ تَرَ إِلَى الذِي حَاج إِبْرَاهِيمَ فِي رَبهِ أَنْ آتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبيَ الذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِن اللهَ يَأْتِي بِالشمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الذِي كَفَرَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظالِمِينَ}.(5)
كذلك فإن نور القرآن الكريم يضيء للنفس البشرية المؤمنة به طريقها في التعامل مع الكون والإنسان والحياة. فيعرف به المرء كيف يفعل، وماذا يصنع، فلا يصطدم بالحقائق، ولا يقع في وَهْدة الأوهام، لأن القرآن يشتمل على الإشارة إلى تلك الحقائق الصادرة عن علم الله تعالى الشامل، الذي لا تخفى عليه خافية في السموات ولا في الأرض، ولا يستطيع أحد من الخلق أن يطفئ هذا النور أيضاً، ويحرم الناس من خيره، بالتحكم في حركتهم الحياتية، من خلال ما يضعه لهم من نظام بديل عن شرع الله تعالى، فيضلهم بذلك عن الهدى، ويبعدهم به عن النور الإلهي، كما قال تعالى {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلا أَنْ يُتِم نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَق لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدينِ كُلهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}(6) وبالتالي فان كل من يعمل على إقصاء الناس عن شرع الله تعالى، إنما يعمل على الانتقال بهم من الحركة تحت النور، إلى السير في الظلام، كما قال تعالى: {اللهُ وَلِي الذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظلُمَاتِ إِلَى النورِ وَالذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النورِ إِلَى الظلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}(7).
وكما ستبقى الشمس مستمرة في وجودها إلى نهاية عمر الكون بقيام الساعة، كذلك سيستمر وجود القرآن الكريم في الأمة، إلى نهاية الإنسان بقيام الساعة ايضا، لان مصدر إيجاد النور الحسي في الشمس، ومصدر إيجاد النور المعنوي في القرآن، هو الذي اخبر بذلك، {وَلا يُنَبئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ}(8).
وبالتالي فإن من أراد سلوك طريق العقيدة في معرفة حقائق القضايا الغيبية في هذا الوجود، سواء فيما يتعلق بما يعقب موت الإنسان أو فيما يتعلق بما يعقب تهدم الكون، فإن عليه أن يسلط عليه نور القرآن، وما يتبعه من السنة النبوية، لأنها رديف القرآن وجزء من الوحي، وقد قال تعالى {وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيما}(9). كي يصل بذلك النور إلى الحقيقة في تلك القضايا.ومن أراد أن يسلك طريق السياسة فإن عليه أن يسلط عليها نور القرآن، ليتعرف إلى كيفية ضبط أمور المجتمع على الوجه الصحيح.
ومن أراد أن يسلك طريق الاجتماع، فإن عليه أن يسلط عليه نور القرآن، ليتعرف إلى كيفية ضبط العلاقة مع الناس، سواء مع المؤمنين منهم أو الكافرين، على الوجه السليم. ومن أراد أن يسلك طريق الاقتصاد، فإن عليه أن يسلط عليه نور القرآن، ليتعرف إلى ما يحمل له من المعاملات المالية فيه مما لا يحل، كي لا تقع الخصومة بين الناس، بأكل بعضهم أموال البعض بغير حق.
وهكذا يقال في كل جانب من جوانب الحياة، وفي كل منحى من مناحيها. فإن تسليط النور على طريق هذا الجانب او ذاك المنحى، يفتح المجال لمن يعتمد على ذلك النور في سلوك ذلك الطريق، ليسير على هدى، ويصل إلى الغاية، فيسلم من أخطار العطب وشقاء الضياع، كما قال تعالى {فَمَنِ اتبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِل وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِن لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً}(10).
فلا ينبغي للعاقل أن يترك السير في طريق النور، ويسير في طريق الظلام، لأنه يعرض نفسه بذلك للأضرار والأخطار، ولا يسير في العادة في طريق الظلام، أو يسعى إلى إطفاء الأنوار عن الطريق، أو يعمل على تحطيم أنوارها فيه، إلا اللصوص والمجرمون، ليتمكنوا من استغلال الظلام في الوصول إلى غاياتهم، وفي مقدمة هؤلاء اللصوص والمجرمين شياطين الجن والأنس، الذين أمر الله تعالى بالاستعاذة به منهم، لان أخطارهم على الفرد والمجتمع كبيرة، وأضرارهم على هذا وذاك كثيرة، فقال تعالى {قُلْ أَعُوذُ بِرَب الناسِ(1)مَلِكِ الناسِ(2)إِلَهِ الناسِ(3)مِنْ شَر الْوَسْوَاسِ الْخَناسِ(4)الذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ الناسِ(5)مِنَ الْجِنةِ وَالناسِ(6)}(11).
ومن هنا فإن ما تسعى إليه الولايات المتحدة الأميركية في هذه الأيام، في محاولة إحلال العلمانية والديمقراطية، محل العقيدة والشريعة الإسلامية، ولو بالقوة العسكرية ضد بلاد هذه الأمة وشعوبها، تحت شعار مكافحة الإرهاب، إنما هي محاولة فاشلة، مهما استخدمت في ذلك من جيوشها الجرارة، وما تمتلكه هذه الجيوش من أسلحة فتاكة، جوية كانت أو برية أو بحرية، ومهما تحالف معها في ذلك من العرب والعجم، محسوبين كانوا على هذه الأمة او غير محسوبين، لان نور القرآن باق لا يستطيع أحد من الخلق أن يطفئه مهما أوتي من قوة إعلامية تزويرية، أو قوة عسكرية تدميرية، أو قوة سياسية تضليلية، لأن الذي حفظ نور الشمس من الإطفاء، هو الذي حفظ نور القرآن من الإنهاء، {إِنا نَحْنُ نَزلْنَا الذكْرَ وَإِنا لَهُ لَحَافِظُونَ}(12).
بل أن هذه المحاولات العدوانية على الأنوار القرآنية، كي تحل محلها ظلمات العلمانية الجاهلية، لأنها تفصل الدين عن الحياة والحكم، والله تعالى يقول: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}(13) أو لتحل محلها الديمقراطية الكافرة، لأنها تعنى حكم الشعب بالشعب، والله تعالى يريد أن يحكم الشعب بالقرآن {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ}(14) ويقول {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}(15) والعلمانية والديمقراطية وجهان لعملة واحدة، هي عملة الكفر بالإيمان، والله تعالى يقول {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْأِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}(16) أن هذه المحاولات العداونية من الأمريكيين وحلفائهم سوف تبوء بالفشل، لانهم كمن يحاول إطفاء نور الشمس، فأنى لهؤلاء أن يصلوا إلى مرادهم، كما لأولئك. ومهما أصيبت الأمة في الحرب الأمريكية عليها، من مصائب أو نزل بها من نكبات، سواء في أبنائها أو في أموالها، فإن ذلك لن يثنيها عن مواصلة الجهاد والثبات، حتى يحقق الله تعالى لها النصر على المعتدين، لان النصر مع الصبر، وقد قال تعالى {يَا أَيهَا الذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتقُوا اللهَ لَعَلكُمْ تُفْلِحُونَ}(17) وقال أيضاً {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}(18) وان كنا لا ندري متى سيكون هذا النصر، او كيف سيكون، فإن علم ذلك إلى الله تعالى وحده.
وفي هذه المناسبة نقول للذين يسعون إلى المطالبة بازالة آية النور {اللهُ نُورُ السمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}(19) من ساحة النور، عند مدخل مدينة طرابلس، إرضاء للأمريكيين وإذنابهم من العلمانيين والمنافقين في هذا البلد، في محاولة منهم لإلغاء هوية طرابلس الإسلامية، ثم إلباسها لباس العلمانية، او تركها بلا هوية، لن تصلوا إلى ما تريدون لان طرابلس ترفض أن يعبث أحد بهويتها، أو ان يتجرأ أحد على آيات قرآنها، وستكون لهؤلاء العابثين بالمرصاد، كما أن في فلسطين من هو بالمرصاد لليهود وحلفائهم الذين يسعون إلى تغيير هويتها. وفي العراق من هو بالمرصاد للأمريكيين وحلفائهم، وفي الشيشان من هو بالمرصاد للروس وحلفائهم العلمانيين، وفي افغانستان من هو بالمرصاد للامريكيين أيضاً وحلفائهم من العلمانيين، وفي كشمير من هو بالمرصاد للهندوس، وحلفائهم من العلمانيين، وكذلك في شتى أنحاء العالم الإسلامي في طول الأرض وعرضها، والذين سوف يأتي اليوم الذي يمن الله تعالى عليهم فيه، بتوحيد صفوفهم تحت قيادة إسلامية راشدة، لتستعيد هذه الأمة مجدها المنهوب، وتسترد كرامتها المسلوبة. وتستعيد ثرواتها المسروقة، تحت مسمى العلاقات الدولية، والمصالح المتبادلة {أُذِنَ لِلذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنهُمْ ظُلِمُوا وَإِن اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَق إِلا أَنْ يَقُولُوا رَبنَا اللهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ الناسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَن اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِن اللهَ لَقَوِي عَزِيزٌ}(20).ضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ
منقول
الهم ارزقنا تلاوة القران اناء الليل واطرف النهار
الهم ارزقنا تلاوة القران اناء الليل واطرف النهار
اللهم آميـــن ..
جزيتِ خير جزاء ..
اللهـــــــــــــــــــــم آمــــــــــــــــــــين
اختكم بنت العطاء