عندما يطرق الليل أبواب الزمان · ويلقي وشاحه الأسود على أركان المكان تبدأ معاناتي .. وتبدأ رحلتي مع الحزن والأنين وذرف الدموع والعبرات · وإطلاق آهات القهر المتكدسة في صدري لأستقل قطار العذاب وأسرح بفكري بعيداً نحو تلك الليلة السوداء الكئيبة التي غلفها الضباب المقيت في ذلك الجو البارد الرطب ..
في تلك الليلة قررت الذهاب إليها وطرق بابها الخشبي حاملاً في جوفي قلبي الجريح ودموعي الساخنة التي تنساب ببطء من عيني الكسيرة .. إنها عين المظلوم المغلوب على أمره .. ذهبت إليها حافي القدمين غير عابئ بأشواك الطريق ولا بالرياح الباردة التي كانت تنخر في عظامي التي يغطيها جسد نحيل بدأ يترنح ويتمايل يمنة ويسرة وآلام كانت تتزايد مع كل خطوة أخطوها وجوع كافر يكاد يسقطني ويعيقني عن مواصلة دربي ولكن جراح الغدر الغائرة في قلبي كانت أعظم وأشد .. وطعنات الخيانة في ظهري أنستني كل ما كنت أحمله من ألم وحزن وهوان !!
فتحت لي الباب وبادرتني بنظرة المذنب الذي ينتظر القصاص العادل من المغدور به .. وكانت تعلم جيداً أنني لست بتلك القسوة والعدوانية التي تجعلني أقدم على قتلها أو رفع يدي في وجهها الذي طالما داعبته بيدي الحنون وقبلاتي العاشقة !!
خرجت نظرة نارية حارقة من عيني أصابت عينها لتصيب قلبها في مقتل .. قلت لها بنفس عزيزة شامخة غلفها القهر والعذاب وبقلب صامد ثابت اكتساه الحزن والألم .. لقد قررت الرحيل بعد أن عرفت جيداً كيف تكون خيانة أقرب الناس .. لقد قررت الرحيل بعد أن جربت الطعن في الظهر من أعزهم على قلبي وأقربهم إلى نفسي .. لقد حفظت الدرس جيداً .. وتعلمت من جروحي وآلامي كيف تكون الحياة وكيف تكون الصداقة والأخوة والحب !!
أخبرتها أنني راحل عن أرض عشت فوق ثراها سنوات من المرارة والقسوة والحرمان وعانيت من جور أهلها الكثير الكثير ومع أنني كنت ابنهم إلا أنني عشت كالغريب بينهم منبوذا مضطهدا ومقهورا ومحروما .. فسرقوا البسمة من شفتي وقتلوا شبابي وطفولتي وذبحوا الحب في قلبي وجعلوني أعاني من جور الزمان وظلم الأهل ومرارة الغربة .!!
أخبرتها أنني سأرحل بهدوء دون أن أطعن أو أغدر أو أنتقم لأنني عشت طيباً طاهراً وسأعيش وأموت كما كنت الطيب الصادق الذي عرفه الناس علهم يذكرونني بالخير بعد أن يواري جسدي التراب !!
بعد أنهيت حديثي نزلت دمعة ساخنة من عيني بينما جثت هي على ركبتيها معتذرة ومتوسلة .. لكنني أدرت لها ظهري وبذلك بدأ الغريب الجريح يخطو خطوته الأولى نحو أرض لا يغدر فيها أحد !!
ربما تكون هذه القصة ليتيم مظلوم .. ربما ..