المبحث السادس: المسح على الخفين والعمائم والجبيرة
أ- حكم المسح على الخفين: مشرع بالكتاب والسنة، وإجماع أهل السنة، لقوله تعالى: {وَامْسَحُواْ برءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ} على قراءة الجر، أما قراءة النصب فتحمل على غسل الرجلين المكشوفتين.
أما السنة فقد تواترت الأحاديث بذلك عن النبي صلّى الله عليه وسلّم. قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: (ليس في قلبي من المسح شيء فيه أربعون حديثاً عن أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ما رفعوا إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، وما وقفوا). وقال الحسن البصري رحمه الله: (حدثني سبعون من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، أنه مسح على الخفين).
والأفضل في حق كل أحد بحسب قدرته، فَلِلاَبس الخف أن يمسح عليه ولا ينزع خفه إذا اكتملت الشروط، اقتداء بالنبي صلّى الله عليه وسلّم، وأصحابه رضي الله عنهم، وَلِمَن قدامه مكشوفتان الغسل، ولا يتحرى لبسه ليمسح عليه؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: ”إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته“. وفي حديث ابن مسعود وعائشة رضي الله عنهما: ”إن الله يحب أن تقبل رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه“.
ب – شروط المسح على الخفين وما في معناهما:
1- أن يلبسهما على طهارة؛ لحديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، قال: كنت مع النبي صلّى الله عليه وسلّم، في سفر فأهويت لأنزع خفيه فقال: ”دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين“ فمسح عليهما.
2 – أن يكون المسح في الحدث الأصغر؛ لحديث صفوان بن عسَّال رضي الله عنه قال: ”كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يأمرنا إذا كنا سفراً أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن، إلا من جنابة، ولكن من غائط، وبول، ونوم“ فلا يجوز المسح في الجنابة ولا فيما يوجب الغسل.
3 – أن يكون المسح في الوقت المحدد شرعاً وهو يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر؛ لحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: ”جعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوماً وليلة للمقيم“؛ ولحديث صفوان رضي الله عنه المتقدم. ولحديث أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم ،”أنه رخص للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوماً وليلة، إذا تطهر فلبس خفيه أن يمسح عليهما“. وهذه المدة على الصحيح تبتدئ من أول مرة مسح بعد الحدثوتنتهي بأربع وعشرين ساعة بالنسبة للمقيم، واثنين وسبعين ساعة بالنسبة للمسافر.
4 – أن يكون الخفان أو الجوربان أو العمامة طاهرة(؛ فإن كانت نجسة؛ فإنه لا يجوز المسح عليها، والطاهر ضد النجس والمتنجس، والنجس: نجس العين كما لو كانت الخفاف من جلد حمار. والمتنجس كما لو كانت من جلد بعير لكن أصابتها نجاسة، إلا أن المتنجس إذا طهر جاز المسح عليه والصلاة فيه؛ لحديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: بينما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره، فلما رأى ذلك القوم ألقوا نعالهم، فلما قضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلاته قال: ”ما حملكم على إلقائكم نعالكم“؟ قالوا: رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”إن جبريل صلى الله عليه وسلم أتاني فأخبرني أن فيهما قذراً“ وقال: ”إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر فإن رأى في نعليه قذراً أو أذى فليمسحه [بالأرض] وليصلِّ فيهما“.
وهذا يدل على أنه لا يجوز أن يصلي فيما فيه نجاسة؛ فلا يصح المسح عليه.
5 – أن يكون ساتراً لمحل الفرض، وأن يكون صفيقاً لا يصف البشرة ويُعفى عن الخروق اليسيرة، وقد رجح القول بهذا الشرط العلامة عبد العزيز ابن باز رحمه الله تعالى.
6 – أن يكون مباحاً لا مغصوباً، ولا حريراً لرجل، ولا مسروقاً، فإن المحرم نوعان: محرم لكسبه كالمغصوب والمسروق، ومحرم لعينه: كالحرير للرجل، وكذا اتخاذ ما فيه صور لذوات الأرواح، فلا يجوز أن يمسح على هذين النوعين؛ لأن المسح على الخفين رخصة فلا تستباح به المعصية؛ ولأن القول بالجواز مقتضاه إقرار هذا الإنسان على لبس هذا المحرم، والمحرم يجب إنكاره.
7 – أن لا ينزع بعد المسح قبل انقضاء المدة؛ فإن خلع خفيه أو ما في معناهما بعد المسح عليهما أعاد الوضوء مع غسل الرجلين.
ورجح هذا القول الإمام العلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز، وقال: هو قول الجمهور وهو الصواب.
وهناك بعض الشروط ذكرها بعض أهل العلم ليس عليها دليل أو تدخل فيما سبق.
جـ – مبطلات المسح:
1 – إذا حدث ما يوجب الغسل كالجنابة بطل المسح ولا بد من غسل.
2 – إذا خلع الخفين أو ما في معناهما بعد المسح عليهما بطل وضوءه على القول الراجح كما تقدم. – إذا انقضت المدة المعتبرة شرعاً بطل المسح. ورجح سماحة الإمام العلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله تعالى أن انقضاء المدة يبطل المسح لمفهوم أحاديث التوقيت، فإذا انقضت المدة خلع الخفين وغسل الرجلين، وخلع العمامة ومسح الرأس.
د – كيفية المسح على الخفين والجوربين والعمائم:
يمسح على ظاهر الخفين أو الجوربين؛ لحديث علي رضي الله عنه قال: ”لو كان الدين بالرأي؛ لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يمسح على ظاهر خفيه“؛ ولحديث المغيرة بن شعبة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”كان يمسح على الخفين“ وقال:"على ظهر الخفين ". قال ابن قدامة رحمه الله : "روى الخلال بإسناده عن المغيرة بن شعبة فذكر وضوء النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ”ثم توضأ ومسح على الخفين، فوضع يده اليمنى على خفه الأيمن، ووضع يده اليسرى على خفه الأيسر، ثم مسح أعلاهما مسحة واحدة حتى كأني أنظر إلى أثر أصابعه على الخفين“. قال ابن عقيل: سنة المسح هكذا (أن يمسح خفيه بيديه اليمنى لليمنى، واليسرى لليسرى), وقال أحمد: (كيفما فعلت فهو جائز باليد الواحدة أو باليدين).
والمسح على الجوربين كالمسح على الخفين تماماً؛ لحديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: ”توضأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومسح على الجوربين والنعلين“.
وذكر ابن قدامة أنه إذا مسح على الجوربين والنعلين جميعاً فاِنه بعد المسح لا يخلع النعلين.
أما المسح على العمائم وخمار المرأة على الصحيح فهوعلى صفتين:
المسح على العمامة المحنكة والخمار المحنك.
المسح على الناصية والتكميل على العمامة أو الخمار.
ويشترط للعمامة والخمار ما يشترط للخفين على الصحيح كما رجح ذلك سماحة العلامة ابن باز.
هـ – المسح على الجبائر:
الأحاديث التي وردت في الجبائر قال جماعة من أهل العلم إنها ضعيفة ولكن ذكر العلامة ابن باز أن أحاديث الجبائر مع أحاديث المسح على الخفين تدل على شرعية المسح على الجبائر؛ لأن المسح على الخفين للتيسير، فالمسح على الجبائر أولى بالشرعية؛ ولكونه ضروري لم يشرع فيه التوقيت
[/center]
ويفارق مسح الجبيرة مسح الخف من وجوه:
1 – لا يجوز المسح عليها إلا عند الضرر بنزعها والخف خلاف ذلك.
[/center]
2 – يجب استيعابها بالمسح إلا ما زاد على محل الفرض في الوضوء؛ لأنه لا ضرر في تعميمها به بخلاف الخف فإنه يشق تعميمه بالمسح فيجزئ فيه مسح بعضه كما وردت به السنة.
3 – يمسح على الجبيرة من غير توقيت؛ لأن مسحها لضرورة فيقدر بقدرها.
4 – يمسح عليها في الحدث الأصغر والأكبر بخلاف الخف، فإنه لا يمسح عليه إلا في الأصغر
5– لا يشترط تقدم الطهارة على شدها على القول الراجح بخلاف الخف.
6 – الجبيرة لا تختص بعضو معين والخف يختص بالرجل.
– كيفية المسح على الجبائر:
7
إذا وجد جرح في أعضاء الطهارة فله مراتب:
المرتبة الأولى: أن يكون مكشوفاً ولا يضره الغسل فيجب غسله.
المرتبة الثانية: أن يكون مكشوفاً ويضره الغسل والمسح لا يضره فيجب مسحه.
المرتبة الثالثة: أن يكون مكشوفاً ويضره الغسل والمسح، فحينئذ يشد عليه جبيرة ويمسح عليها، فإن عجز فهنا يتيمم له.
المرتبة الرابعة: أن يكون مستوراً بجبس، أو لزقة، أو جبيرة، أو شبه ذلك ففي هذه الحال يمسح على الساتر ويغنيه عن الغسل.
والصواب أنه إذا مسح على العضو يكفي ويغني عن التيمم فلا يجمع بين المسح والتيمم إلا إذا كان هناك عضو آخر لم يمسح عليه.