بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وقوله تعالى : {… الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ ,,, ( الفتح – 6 )}
قال ابن القيم في الآية : فسر هذا الظن بأنه سبحانه لا ينصر رسوله ، وأن أمره سيضمحل ،
وفسر بأن ما أصابه لم يكن بقدر الله وحكمته ، ففسر بإنكار الحكمة ، وإنكار القدر ،
وأن يظهره الله على الدين كله ، وهذا هو ظن السوء الذي وإنكار أن يتم أمر رسوله * صلى الله عليه وسلم * ظنه المنافقون والمشركون في سورة الفتح ، وإنما كان هذا ظن السوء ؛ لأنه ظن غير ما يليق به سبحانه ، وما يليق بحكمته وحمده ووعده الصادق ، فمن ظن أنه بديل الباطل على الحق
إدالة مستقرة يضمحل معها الحق ، أو أنكر أن يكون ما جرى بقضائه وقدره ، أو أنكر أن
يكون قدره لحكمة بالغة يستحق عليها الحمد ، بل زعم أن ذلك لمشيئة مجردة ، فذلك ظن
الذين كفروا ، فويل للذين كفروا من النار . وأكثر الناس يظنون بالله ظن السوء فيما يختص ﺑﻬم وفيما يفعله بغيرهم ، ولا يسلم من ذلك إلا من عرف الله ، وأسماءه وصفاته ، وموجب حكمته وحمده ، فليعتن اللبيب الناصح لنفسه ﺑﻬذا ، وليتب إلى الله ، وليستغفره من ظنه بربه ظن السوء ، ولو فتشت من فتشت لرأيت عنده تعنتا على القدر وملامة له ، وأنه كان ينبغي أن يكون كذا وكذا ، فمستقل ومستكثر ، وفتش نفسك : هل أنت سالم ؟
فإن تنج منها تنج من ذي عظيمة وإلا فإني لا إخالك ناجيا
تلخيص درس الثاني من أسبوع السابع والعشرون
(((( الله الموفق والمستعان ))))
# مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد أن الله تعالى موصوف بصفات الكمال وله جل وعلا أفعال الحكمة والعدل والرحمة والبر فهو تعالى كامل في أسمائه وصفاته وربوبيته ومن هذا الكمال أنه تعالى لا يفعل شيئ إلا لحكمة بالغة وأنه يضع الأمور في مواضعها التي توفق الغايات المحمودة منها
# الله تعالى له صفات الكمال وله نعوت الجلال والجمال فلهذا وجب لكماله أن يظن به ظن الحق ولا نظن به ظن السوء لأنه لايفعل شيئ إلا عن حكمة لأن ظن غير الحق منافي لكمال التوحيد لأن بعض الظن يخرج من الملة ودائرة الإسلام أصلا كظن في مسائل القدر وأيضا كعدم الإيمان بالحكمة أو بأفعال الله تعالى المنوطة بالعلل التي هي منوطة بحكمته سبحانه البالغة ؛ ولهذا قال- جل وعلا – في رد على القدرية المشركة في سورة الأنعام – 149 : { قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } وكذلك في سورة القمر – 5 : { حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ}
# افعال الله جل وعلا قسمان :
منها الحكمة والعدل
منها ترجع الى الفضل والنعمة والرحمة والبر بالخلق
# وحتى أفعاله التي هي أفعال بر وإحسان هي منوطة بالحكم العظيمة ،وكذلك الأفعال التي قد يظهر للبشر أﻧﻬا ليست في صالحهم أو ليست موافقة للحكمة ، وكل شيئ موفق لحكمة الله تعالى العظيمة وهو العزيز الغفار فعال لما يريد
# من واجب تحقيق التوحيد أن نظن بالله ظن الحق وظن السوء من الجاهلية ومنافي لأصل التوحيد التوحيد في بعض الأحوال ولكمال التوحيد بحسب الحال
# في أية المذكورة من سورة أل عمران الظن يراد به الأعتقاد أو مايسبق الى الذهن الجاهلون بما معهم من الشرك يعتقدون بأن الله جل وعلا ليس أفعاله حق والله سبحانه وتعالى هو الحق وأفعاله كلها حق وكل من ظن بالله تعالى هكذا فهذا ظن الجاهلية ومنافي لكمال التوحيد
# وأما ظن أهل التوحيد والإسلام فإﻧﻬم يظنون ،يعني يعتقدون ويعلمون ويسبق إلى أذهانهم في أي شيء يحصل لهم أن الله جل وعلا حق لأن الله تعالى موصوف بالكمال والحكمة البالغة وفي قولهم أنكار لحكمة الله تعالى وقدره ويرد الله تعالى على هؤلاء المنافقين والمشركين كما في سورة المذكورة
# وقول الله تعالى في ( سورة الفتح – 6 ) {…الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ …} يؤخذ منكلام ابن القيم الذي أورده المصنف أن السلف فسروا هذا الظن السوء بأحد ثلاثة أشياء ،وكلها صحيح :
الأول :إنكار القدر.
الثاني : إنكار الحكمة .
الثالث : أنكار لنصر الله تعالى لرسوله * صلى الله عليه وسلم * ولدينه أو لعباده الصالحين
# يتبين من هذه الثلاثة بأن تقدير الأمور قبل وقوعها من أثار عزة الله تعالى وقدرته فإن العاجز هو الذي تقع معه الأمور استئنافا عن غير تقدير سابق وهذا لايحصل لله تعالى لأنه ذو كمال والعزة وهو الذي لا يغالب في ملكوته
# فأنكار قدر الظن بالله جل وعلا ظن السوء لأن فيه نسبة النقص الى الله تعالى وهو تعالى كامل في أسمائه وصفاته وهو الذي يجير ولا يجار عليه وأليه الأمر كله وكل ما يحصل من الرب جل وعلا في بريته موافق لقدرته السابقة الذي هو دليل لكمال حكمته وعلمه وخلقه وعموم مشيئته .
# أما التفسير الثاني فهو أنكار الحكمة , وحكمة الله تعالى ثابتة في الكتاب والسنة وبأجماع الأمة وأسم الله ( الحكيم ) مشتمل على صفة الحكمة فإنه جل وعلا حكيم بمعنى حاكم ومحكم وذو الحكمة البالغة وكلها صحيحة كما قال تعالى { الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ … } هود -1 وقال {… مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ … } الملك -3 وقال سبحانه وتعالى أيضا { قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ …} يونس -101 والثالث أنه ذو الحكمة وتفسر بأنها وضع الأمور في مواضعها الموافقة لغايات المحمودة منها
# قال أهل السنة والجماعة بأن أفعال الله تعالى كلها معللة وكل فعل يفعله الله تعالى من أجل علة وهذه العلة هي حكمته سبحانه وتعالى أي منوطة بالعلل وأنكر المعتزلة ذلك لأنهم قدرية وأنكره الأشاعرة لأنهم جبرية
# يبين الشيخ رحمه الله بأن تحقيق التوحيد وكماله أن توقن بالحكم البالغة لله تعالى ومن نفاه فإنه مبتدع وتوحيده منافي للكمال وكل البدعة منافي لكمال التوحيد ومنها ينافي أصل التوحيد
# أما التفسير الثالث في ظن أهل الجاهلية والمنافقين ظن السوء بالله جل وعلا وذلك بأن الله جل وعلا لا ينصر رسوله * صلى الله عليه وسلم * وكتابه ويجعل رسوله ودينه في أضمحلال حتى يذهب ذلك الدين وهذا ظن السوء
# كان من براهين النبوات عند أهل السنة من كذب بدعوته إلا خذل وأضمحل ومن براهينها أن كل نبي قال إنه مرسل من قبل الله تعالى إلا أيد من عند الله تعالى بالأيات والبينات ونصره على عدوه وجعل دينه وأهل دينه في عزة على من سواهم كما قال تعالى { إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ } غافر -51 وقال تعالى { وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ } الصافات ( 171-173 )
# ظن الجاهلون إذا حاربوا هذا الدين فأنه سينتهي ويضمحل وهذا مع أنه محرم وظلم فأنه أيضا سوء ظن بالله جل وعلا وغرور بالقوة والنفس والله تعالى ناصر رسوله * صلى الله عليه وسلم * وعباده المؤمنين لاكن قد يبتلي الله المؤمنين بعدم النصر لمئات السنين كما حصل في قصة النوح عليه السلام كما قال تعالى {… فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا…} العنكبوت – 14 ثم بعد ذلك نصره الله تعالى وهذا ظن السوء كما ذكره أبن قيم من كثير من أهل الأصلاح وكثير من الناس وكذلك قد يصل في بعض المنتسبين الى أهل العلم وسببه عدم العلم بما يستحقه الله تعالى وما أوجبه من الصبر والأناة
# لذلك على المؤمن أن يحذر كثيرا ويحترس من سوء الظن وذلك بان بعض الناس قد ينال سيئا فيرى أنه يستحق أكثر وقد يحصل له شيئ بقضاء الله وقدره وهو يظن أنه لا يستحقه ينبغي أن يصاب غيره ويتهم الله في قضائه وقدره ظاهرا أو باطننا كما في سورة أل عمران- 154 لأن الظن محله القلب يجب على المؤمن يخلص قلبه من كل ظن بالله غير الحق وأن يتعلم أسماء الله تعالى وصفاته وأثاره في ملكوت الله تعالى حتى لايبقى في قلبه ظن ويعلم أن الله تعالى هو الحق وأن فعله حق حتى ولو أصيب بأكبر مصيبة وأهين أعظم أهانة ويعتقد فيما أصابه فيه حكمة لتمام ملك الله تعالى وحكمته ويتصرف في خلقه كيف يشاء والعباد مهما بلغوا يظلمون أنفسهم وأن الله تعالى هو يستحق الأجلال والتعظيم
# لا تظن أن أمرا قدر الله تعالى وجوده أن غيره أفضل وإذا لم يحصل أصلح وقدر الله عدم كون أمرا وتظنين وجوده أولى وهذا كله سوء ظن لهذا قال العلماء في معنى قول رسول الله * صلى الله عليه وسلم * ( إياكم والحسد ،فإنه يأكل الحسنات ،كما تأكل النار الحطب ) أبوداود أن الحاسد يظن أن من أعطاه الله هذه النعمة أنه لا يستحقها فيتمنى زوالها فـصبح في الظن سوء بالله تعالى لهذا أكل ظنه حسناته كما يأكل النار الحطب
# ودعى الشيخ محمد رحمه الله نسأل الله – جل وعلا – السلامة والعافية من أن نظن بالله – جل وعلا – غير الحق ، ونسأله أن يجعلنا من المعظمين له ، ومن اﻟﻤﺠلين لأمره وﻧﻬيه ،المعظمين لحكمته سبحانه وتعالى.
ـــــ
ربي زدني علما