طبعا لست من المتسرعين الذين يصدرون حكما أو رأيا غير مدروس بأن المرأة لا تحب الكتب أو أنها عدوة للثقافة، و انها لا تهتم إلا بما يلفت اهتمام الآخرين إليها فقط، سواء كانت متحررة في نفسها أم محافظة، أي أنها تحرص فقط على جذب انتباه الآخريات والأخرين لجمالها وأناقتها على وجه الخصوص، حتى لو كانت تتدثر بعباءة علم أو ثقافة او أدب وكتابة. لكن على أية حال النساء الذين اشتهرن بالعلم والمعرفة أو الشعر والأدب كثيرات على مدار التاريخ، منذ الخنساء وحتى بنت الشاطيء، مرورا بالاخيلية وحمدونة وشهد الكاتبة وولادة وباحثة البادية، ويكفيك مراجعة أعلام النساء لعمر كحالة لمعرفة الكثير والكثير عنهن. لكن بالرغم من ذلك يظل جذب انتباه الآخرين والأخريات هاجسا لها في النهاية!
لكن هذه الصفحة المنيرة لتاريخ المرأة الثقافي المميز يشوبها مثالان سيئان يدعمان ضد هذه المقولة، ويشيران ليس من طرف خفي وإنما بصراحة إلى عداوة المرأة للثقافة.
روى العلامة ابن أبي أصيبعة في كتابه عيون الأنباء في معرض ترجمته للمبشر بن فاتك ، وهو أحد مثقفي العصر الفاطمي ومؤلف عدد من الكتب، منها (صوان الحكمة) و(مختار الكلم) وغيرها، ذكر أنه لما توفي هذا المثقف التعيس عمدت زوجته إلى خزانة كتبه العامرة، والتي صرف شطرا من حياته وهو يجمعها ويطلبها من الأفاق، عمدت إلى هذه الكتب فألقتها في البركة او النافورة التي تتوسط باحة البيت. ولهذا يقول ابن ابي أصيبعه ان بعض نسخ كتبه قد تناثر حبرها وتصلب ورقها لانها انتشلت من الماء. فتأمل يا رعاك الله أي جريمة اقدمت عليها تلك المرأة! عصارة الفكر الانساني تلقى هكذا في الماء! من دون تفكير ولا روية ولا حساب! ألم تكن تلك الكتب تحتوي على العلم والمعرفة؟ ألم يشترها زوجها بالدنانير ويطلبها من الآفاق؟ ثم ما هي يا ترى حجتها لإغراق هذه الكتب؟ تقول بأنها كانت تشغل زوجها عنها، عجيب، لكن لماذا تنتقم من كتبه؟ لماذا تتلف هذه الثروة العلمية والأدبية التي لا تقدر بثمن؟ ثم هل تنتظر من زوجها أن يرابط عندها ويحادثها ويسليها ويقلم لها أظافرها؟ مستحيل. لماذا هي لم تشغل نفسها بشيء، لماذا لم تزاول شيئا يملا فراغها ويعود عليها بالنفع، ولو حتى أن تغزل بمغزلها، بدلا من الثرثرة والضياع، لماذا ارتضت الفراغ واستعانت بالخدم والحشم والاتباع؟ ثم في النهاية جاءت (لتفش) غيظها في هذه الكتب الثمينة، وتودي بكل تلك الثروة. أسئلة كثيرة تدور في الذهن ، وكلها لا تبرر أبدا ما قامت به من إتلاف تلكم الثروة الأدبية والعلمية النفيسة.
والمثال الثاني، وإن كان أقل وطئة، نجده في زوجة العلامة اللغوي صاحب أكبر معاجم العربية على الإطلاق، بل دائرة معارف التراث العربي كله، معجم تاج العروس في شرح القاموس، العلامة الزَبيدي الذي عاش في مصر قبل أكثر من مئتي سنة، لقد صرف هذا العالم سبع سنين من عمره وهو يحرر المجلد الأول فقط – لاحظ ضخامة المشروع – ثم في السبع سنين الباقية أنجز بقية المجلدات الثمان أو العشر حسب بعض الطبعات، فاكتمل المشروع في اربعة عشر سنة، ولما أكمله صنع وليمة كبيرة دعا إليها العلماء والوجهاء، فهذا العمل بإنجازه ومتطلباته يستحق فعلا إقامة احتفالية ثقافية للإشادة بأهميته والتنويه بمكانته. وكان قد جمع خزانة كبيرة تقدر في أحمال من الكتب لغرض الرجوع إليها والأخذ منها في كتابة مواد معجمه الضخم، وذكر هو في المجلد الأول قائمة بالكتب التي رجع إليها في تأليف الكتاب، ومن المؤكد انه كانت هناك كتب راجعها ولم يذكرها في قائمته تلك. المهم أن هذا العلامة مات ولم يخلف ولدا ولا تلدا، وإنما خلف معجمه الكبير ذاك، وكتب أخرى معروفة أصغر حجما منه، وذِكرا خالدا كعلم من الأعلام الذين خدموا العربية والتراث الإسلامي العريق . لكن ما مصير تلك الكتب التي جمعها في خزانته، وبعضها قد فقد الأن ولا يوجد إلا ذكره؟ يقول تلميذه الجبرتي الذي ترجم له بأنه لما مات قامت زوجته بجمع الكتب وأخذها إلى مكان بعيد عن المنزل حتى لا تأخذها الدولة نظرا لعدم وجود اولاد له. لكن ما مصير هذه الكتب بعد أن أخذتها تلك الزوجة؟ الضياع طبعا، فهل هي دار كتب لكي تظل تحتفظ بتلك الثروة؟ ثم ماذا هناك لو أخذتها الدولة ووضعتها في الأزهر ونحوه، أو حتى باعتها لشخص يحافظ عليها ويرعاها، بدل أن يختفي مصيرها لدى تلك المرأة التي جرها الطمع إلى الذهاب بتلك الثروة التي تجهل هي ما تحتوي عليه من علم ومعرفة ومنفعة للمجمتع كله. المهم أننا لا زلنا نفتقر إلى عدد من الكتب التي ذكرها الزبيدي في قائمته التي رجع إليها في تأليف كتابه، وربما كان من بينها نسخ لكتب مصححة ومنقحة. ولا ريب عندي أنها في عداد تلك الثروة التي ضيعتها المرأة. فانظر إلى فداحة صنيعها
دمتي بود**
جزاك الله خيرا
اختي الكريمة
في انتظار مداد كلماتك
وفقك الله ورعاك
و مواقف النماذج المذكوره منها الرائعه لزوجات الكتاب و المؤلفين
و منها العجيبه!!!!خاصة للمثقف الفاطمي لما فعلته في عصارة الفكر الانساني
تحياتي يا عزيزتي فقد اعجبتني جدا
تحياتي