ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بـســم الله الـــرحـمــن الرحيـــــم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمـد لله الذي خلق للعباد دارين دار عمل واكتساب ودار جزاء وثواب،
فدار العمل والاكتساب هي الحياة الدنيا جعلها الله عبورا للعباد ومزرعة
يحصدون ما زرعوا فيهـا يـوم يقوم الأشهاد وحينئذ يتبين ربح التجارة
من الكساد ، وأما دار الجزاء والثواب فهي الدار الآخرة والحياة الباقية
إما في جنة وإما في نار ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له
الملك وله الحمد وله العزة والاقتدار ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
المصطفى المختار صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم
بإحسان آناء الليل والنهار وسلم تسليما .
أما بعـــد : أيها الناس : اتقوا الله تعالى واعرفوا ما لأجله خلقتم وماذا
تصيرون إليــه إذا أنتــم متـم ، فكروا في هذه الدنيا وأحوالها وتقلباتها
تجدوها غرورا وباطلا ولهوا ولعبا ولحظات تمر سريعا وتمضي جميعا
قيسوا ما يستقبل منها بما مضى واعتبروا يا أولي الأبصار .أليس فينا
معشر الحاضرين مـن عمر طويلا ومن كان صغيرا وكلنا بالنسبة إلــى
ما مضى واحد ، فكل ما مضى من زمن طويل فكأنه أحلام نائم أو خيال
هائم . والإنسـان فـي اللحظة التي هو فيها هذه ، أيهـا النـاس ، حقيقة
الدنيا فكيف يليق بالعاقل أن تكون أكبر همه ؟ كيف يليق به أن يقدمها
على الآخرة ؟ كيف يليق به أن يشغل قلبه وفكره وجسمه في الحصول
عليهـا وهو عن الآخرة في إعراض؟ إن كثيرا من الناس قد انهمك في
الدنيا حتى صارت أكبر همه ومبلغ علمه، يجمع المال لا يبالي من أين
جمعه ويسرف في إنفاقه على وجه غير مشروع لا يبالي كيف أنفقه ،
كأنه خلق في هذه الدنيا ليخلد ويتناول ما يشاء من شهواته ولو كان
فـي غضب الله ، إن باع أو اشترى فكذب وخداع وغش ، وإن صنـع
شيئا لأحد لم يؤد فيه الأمانة، وإن صار في وظيفة أضاعها وأهملها
يتقاضى راتبها ولا يؤدي عملها كاملا ، وجدير بمن يأكل الأموال
بمثل هذه الأمور أن يسمى السارق الخفي .
أيهــا النـاس : إن اتجاهات الناس وأغراضهم مختلفة ، فمنهم من يريد
المال ويسعى لتحصيله ولو بالطرق المحرمة ، ومنهـم مــن يريد الجاه
والرئاسة والعلو على الخلق ، ومنهــم مـن يــريد السيطرة على الناس
بحق أو بغير حق ، ومنهـم مــن يــريـد اللهو بالأغاني والألعاب فيصد
عــن ذكر الله وعن الصلاة إلى غير ذلك من الأغراض الدنيوية ، ولقـد
قـال النبــي صلــى الله عليــه وسلـم مبينا حال هؤلاء وأمثالهم ( تعس
عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة إن أعطي رضي وإن لـم يعط
سخط تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه
في سبيل الله أشعث رأسه مغبرة قدماه إن كان في الحراسة كان فـي
الحراسة وإن كان في الساقة كان في الساقة إن استأذن لم يؤذن
له وإن شفع لم يشفع ) (1) .
أيهــا النــاس : إنه لم يطلب منكم أن تتركوا الدنيا بتاتا فإن هذا شيء
لا يمكنكم وإنمـا يطلـب منكــم أن تعتدلوا فـــي طلبها فتطلبوها باتزان
واعتدال علـى وجـه مباح لا يصدكم عــن ذكــر الله وطاعته ، فتقوموا
بطاعة الله وتسعوا في طلب رزق الله على ما أمر به الله ، صدق فــي
المعاملة وأداء للأمانة ونصح للخلق وإخلاص للخالق وبذلك تدركون
الدنيا والآخرة قال الله تعالى { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ
مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ
يَعْمَلُونَ } النحل97
كتاب الضياء اللامع من الخطب الجوامع للشيخ محمد العثيمين
…
(1) أخرجه البخاري في صحيحه ( ك الجهاد والسير ، ب الحراسة في
الغزو في سبيل الله . ، ص 555 / ح 2887 )
من حديث أبي هريرة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وبورك فيك