تخطى إلى المحتوى

ترجمة فضيلة الشيخ مختار أحمد الندوي السلفي رحمه الله تعالى 2024.

من أعلام السلفيين في الهند :

فضيلة الشيخ مختار أحمد الندوي السلفي
رحمه الله تعالى
(1349-1428هـ = 1930 – 2024م )
إعداد
صلاح الدين مقبول أحمد

أنجبت مدينة " مئونات بهنجن " – و هي مدينة علمية و صناعية معروفة في الولاية الشمالية في الهند – علماء بارزين في مجالات مختلفة من العلم و المعرفة ، و التصنيف و التأليف ، و البحث و التحقيق ، و الدعوة و الإرشاد .
و من هؤلاء الأعلام الذين يخلد ذكرهم في التاريخ الديني المعاصر للمسلمين في الهند ، فضيلة الشيخ مختار أحمد الندوي السلفي ، – رحمه الله تعالى – .
ولد الشيخ في أحد شهور سنة ( 1349هـ = 1930م ) ، في أسرة سلفية محافظة ، و نشأ فيها و ترعرع على حب العلم و الدين ، و التمسُّك بالشرع المتين ، و قد شكر الله عزَّ و جل جهد والده ، حيث كان يذهب به إلى المؤتمرات الدعوية و الاجتماعات الدينية منذ صغره ، و يطلب من العلماء الدعاء له أن يكون من زمرتهم ، فاستجاب الله دعاءهم له ، فصار من العلماء الدعاة – رحمهم الله تعالى – .
طلبه للعلم :
تلقى الشيخ تعليمه في أشهر المدارس الإسلامية آنذاك ( مثل "الجامعة العالية العربية " بمئو ، و الجامعة الإسلامية " فيض عام " بمئو ، و الجامعة الرحمانية " دار الحديث " بدلهي ، و " دار العلوم لندوة العلماء " بلكناو ) ، و على أيدي أشهر الأساتذة و الشيوخ ، أمثال الشيخ محمد أحمد ، (الأمين العام لجامعة فيض عام ، و الإداري المحنك المعروف ) ، و الشيخ عبد الله شائق ( مؤسس دار الحديث الأثرية ، و الأديب المشهور ) ، و الشيخ أبي القاسم البنارسي ( صاحب القلم السيّال ، و اللسان البليغ في الدفاع عن السنة ، من تلاميذ المحدث السيد نذير حسين الدهلوي ) و غيرهم – رحمهم الله تعالى – .
و حصل على شهادة العالمية من ندوة العلماء ، و الفضيلة من جامعة فيض عام ، و كذلك من الهيئة التعليمية في حكومة ( يو – بي ) أيضاً ، و دبلوم في علوم المكتبة ، و الليسانس في الإنجليزية من جامعة علي كره الإسلامية بالهند .
حياته الدعوية :
بدأ حياته الدعوية بالإمامة و الخطابة في المسجد ( و هي كانت وظيفة خلفاء المسلمين و أمرائهم أيام ازدهار دول الإسلام ) و انتهى بها ، و لم يفرط في هذه الوظيفة رغم مسئولياته الكثيرة المتنوعة مع تقدمه في السن ، و قضى من عمره ما يقارب خمساً و خمسين سنة بين جوامع أهل الحديث في مدينة " كلكته " و " ممباي " و عرف ببلاغة أسلوبه ، و قوّة بيانه ، و نداوة صوته على مستوى الهند ، ، فكانت الاجتماعات الدينية و المؤتمرات الإسلامية تتجمّل بدروسه و محاضراته من أقصى الهند إلى أدناها .
مناصبه :
كان الشيخ – رحمه الله تعالى – عضواً في العديد من الهيئات التعليمية ، و المنظمات الإسلامية ، و المؤسسات الخيرية في داخل الهند و خارجها ، ، و قد تقلد مناصب عديدة في الهند ، من أهمها :
* اختير نائباً لرئيس الجامعة السلفية ( بنارس – الهند ) ، و كان له دور رئيسي رائد في التعريف بهذه الجامعة المباركة في العالم العربي ، و تمويل مشاريعها التعليمية و البنائية إلى ما يقارب عقدين من الزمن من إنشائها ، فجزاه الله خيراً .
* انتخب رئيساً لجمعية أهل الحديث لعموم الهند في الفترة ما بين ( 1990- 1997 ) ، و من أهم إنجازاته قبل توليه الرئاسة أنه اشترى بناية في قلب "دلهي" ( عاصمة الهند ) ، بالتعاون مع الجامعة السلفية " بنارس " ، و جعلها مقراً للجمعية المذكورة ، و هي معروفة الآن بـ " أهل الحديث منزل " .
و هذه منة عظيمة على أهل الحديث السلفيين في الهند ، الذين لم يكن لجمعيتهم المركزية مقرّ خاص بها منذ تشكيلها سنة 1906م .
* كان نائب رئيس " هيئة الأحوال الشخصية للمسلمين في الهند " إلى آخر حياته، و هي منظمة شرعية تدافع عن حقوق المسلمين على مستوى الحكومة .
مآثره :
كان الشيخ – رحمه الله تعالى – ذا همّة عالية ، و عزيمة قويّة ، و طبيعة أخّاذة ، مثل النحل يجلس على كل زهرة ، ينشف رحيقها ليستفيد منه الناس فيما بعد .
فاستفاد الشيخ من اقتراحات المؤتمرات الإسلامية و المؤسسات الدينية ما يجعل المسلمين على مستوى الأحداث في مجال التعليم و التربية ، و الصحة و النظافة ، و البناء و التعمير ، و النشر و التأليف .
و تتلخص مآثر الشيخ في ثلاثة جوانب مهمّة : جانب التعليم و التربية ، و جانب البناء و التعمير ، و جانب نشر الثقافة الدينية .
و لترجمة هذه الجوانب و تحقيقها إلى أمر الواقع أنشأ ثلاث مؤسسات :

1- الجمعية المحمدية التعليمية و الخيرية :
أقيمت هذه الجمعية سنة 1978م تنفيذاً لقرار مؤتمر " مناهج التعليم و صبغها بالصبغة الإسلامية " الذي عقدته جامعة الملك عبد العزيز بجدّة ؛ فأنشأت عدّة كليات و معاهد و مدارس بمنهج دراسي خاص يجمع بين العلوم الدينية و العلوم العصرية ، و يؤهل الطلبة لمواجهة تحديات العصر ضد الإسلام و المسلمين ، و من إنجازاتها :
* الجامعة المحمدية ( منصورة – ماليغاؤن ) ، و هي من أشهر الجامعات الدينية في الهند ، و الجامعة المحمدية ( بنغلور )
* كلية عائشة الصديقة رضي الله عنها ( منصورة ) و كلية عائشة ( بنغلور ) ، و كلية فاطمة الزهراء ( مئو ) ، و لم يكن للمسلين في الهند كبير اهتمام بتعليم البنات ، فبادر الشيخ بكسر هذا الحاجز ، و أنشأ هذه الكلية ، و واجه معارضة شديدة ، و لكن تحملها ، و الآن تأسى به كثير من الناس بإقامة مدارس خاصة للبنات .
* كلية الطب المحمدية ( منصورة ) شهادتها معترف بها لدى الحكومة.
* مستشفى الساير بكامل تجهيزاته ( منصورة ) ، والمستشفى المحمدي العام ( عاليه جنرل هاسبتل ) ( مئو ) .
هذه الجامعات الدينية و الكليات العصرية ، و المستشفيات المجهزة لعبت دوراً هاماً في تزويد الطلبة بالثقافة الإسلامية و العصرية ، و تقديم المساعدات الطبية للمواطنين .

2- إدارة إصلاح المساجد :
شعر الشيخ – رحمه الله تعالى – بمسيس حاجة الملايين المملينة من المسلمين إلى مساجد مشيدة نظيفة ، فأنشأ " إدارة إصلاح المساجد " و قد أدت هذه الإدارة دوراً عجيباً لا ينسى في هذا الباب .
قامت بتشييد المساجد و ترميمها على نطاق واسع ، حتى بلغ عددها أكثر من أربعمائة مسجد في شتى ولايات الهند ، و هي تتميز برصانة البناء و جمال الترتيب ، و حسن النظام ، و تقوم بأداء رسالتها في الدعوة إلى الله تعالى .
هكذا عادت هيبة المساجد في القلوب سعة و نظافة ، و رصانة و متانة ، و نظاماً و جمالاً ، بفضل الله عز و جل ، ثم بجهود الشيخ المتمثّلة في الإدارة المباركة .

3- الدار السلفية :
أحسّ الشيخ – رحمه الله تعالى – بأهمية وجود دار لنشر كتب دينية و دعوية و منهجية و ثقافية ، لما لها من أهمية في بناء شخصية المسلم ، فأنشأ "الدار السلفية " ( ممباي ) التي طبعت كتباً نافعة و رسائل ماتعة كثيرة ، حتى بلغت إصداراتها ما يقارب ( 250 ) كتاباً ، بالعربية و الأردية و الهندية و الإنجليزية .
و هذه الدار تعرف بتميزها بطباعتها الفاخرة بين دور النشر الإسلامية في الهند .
و قد نشرت هذه الدار كتب الشيخ و رسائله المفيدة في فهم العقيدة الصحيحة ، و التحذير من البدع و الخرافات .
و بهذه المناسبة أذكر أن الشيخ كانت له خبرة طويلة في كتابة المقالات في الجرائد و المجلات ، لو جًمعت تبلغ مجلدات ، و ما ذلك على الله عسير .
و قد كان الشيخ مشرفاً عامّاً على مجلة " صوت الحق " ( منصورة ) ، و مجلة " البلاغ " ( ممباي ) ، التي كان يتحفها شهرياً بأربع مقالات في مواضيع شتى ، و استمر على ذلك إلى آخر حياته – رحمه الله تعالى – .
صفاته و أخلاقه :
كان الشيخ – رحمه الله تعالى – وجيهاً ذا وقار ، متحدثاً لبقاً ، جادّاً مجداً في أداء الواجبات و المسئوليات التي كانت عليه ، متواضعاً ، ناصحاً ، ذا دعابة معهودة .
أرى من تواضعه – رحمه الله تعالى – أنه زارني منفرداً في مقري بالكويت ، و كذلك في ( نيودلهي ) زيارة خاصّة ، و استفدت من زيارته نصائح غالية أتذكرها حتى الآن .
و بالمناسبة أقول : إنه – رحمه الله تعالى – أرادني أن أكون في " الجامعة المحمدية " ( منصورة ) ، وحاول لذلك مرتين ، و لم يتم لي ذلك .
مرة عند تخرّجي في الجامعة السلفية ( بنارس ) ، و لكني حظيت بالبقاء فيها خادماً لمكتبتها العامّة ، منتظراً التحاقي بالجامعة الإسلامية بالمدينة الطيبة .
و أخرى عند تخرجي في الجامعة الإسلامية .
و من الطريف أنه تمّ تعاقدي مع دار الإفتاء في مكتبها في " باريس " ( فرنسا ) بتوصية من سماحة العلامة الشيخ / عبد العزيز بن عبد الله بن باز – ( المفتي العام السابق للملكة العربية السعودية ) – رحمه الله تعالى – ، و ذلك بوساطة إخواننا الأفاضل الكبار في مكة المكرّمة ، ثمّ حوّلت من قبل مدير إدارة الدعوة في الخارج إلى " الجامعة المحمدية " ( منصورة ) ، و أنا لا أعلم ، و لا أرغب في الذهاب إلى فرنسا ، فتوكلت على الله و استلمت بطاقة التعاقد ، و سافرت إلى الكويت في طريقي على الهند ، على طلب من الإخوة هناك ، فأعجبني المقام بهذه الدولة الحبيبة المحروسة ، لما رأيت في إخوتي من أهلها الكرام ، من رغبة صادقة في بقائي معهم ، مع كرم الضيافة ، و حسن المعاملة ، فبقيت فيها إلى الآن ، و قد مضى على ذلك أكثر من ربع قرن من الزمان ، و كان أمر الله قدراً مقدورا .

إلى مثواه الأخير :
كانت حياة الشيخ – رحمه الله تعالى – متعددة الجوانب ، مترامية الأطراف ، حافلة بالمآثر و الأعمال الرائدة ، خاصة في مجال التعليم و التربية ، و البناء و التعمير ، و بث الثقافة الإسلامية بواسطة الكتب و الرسائل .
و قد تمتع بعلاقات واسعة مع أهل الخير جماعات و أفراداً ، و نال ثقة الجميع فترجمها في المشاريع الإسلامية من تشييد المدارس و المساجد ، و المستشفيات و الملاجئ للمنكوبين .
و كان يتميز بالحكمة ، و الحنكة ، و الموعظة الحسنة ، و الدعابة المعهودة .
و عرف خطيباً مصقعاً ، و داعية قديراً ، و كاتباً ظريفاً ، و إدارياً محنكاً .
هكذا قضى حياته – رحمه الله تعالى – متقلباً من منصب إلى منصب ، و من عمل إلى آخر من غير ملل و لا كلل ، حتى جاء أجله المحتوم في " ممباي " ، و انتقل إلى جوار ربّه ، و ذلك مساء يوم الأحد الخامس و العشرين من شعبان سنة 1445هـ ، الموافق التاسع من سبتمبر سنة 2024م ، عن عمر يقارب تسعاً و سبعين سنة هجرية ، و دفن فيها يوم الاثنين ، في جنازة مشهودة حضرها جمٌ غفير من عامة المسلمين و خاصتهم ، فإنا لله و إنا إليه راجعون .
اللهم اغفر له و ارحمه و عافه و اعف عنه !!

إعداد
صلاح الدين مقبول أحمد

جزيت خيرا
و إياكم اللهم آمين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.