تفسير البسملة ( 21 )
تفسير اسمي الله :
[ الرحمن الرحيم ] ( 8 )
من معاني الرحمة في القرآن :
المطر ( 2 )
فضيلة الشيخ :
زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــ
تحدثنا في الليلة الماضية عن معنى من معاني الرحمة الواردة في كتاب الله عز وجل :
وقلنا :
إن من بين هذه المعاني الواردة في القرآن :
المطر
وذكرنا أوجها وصورا من الصور التي يكون فيها المطر رحمة
لكن :
لو قال قائل :
كيف يكون المطر رحمة إذا تتابع وتكاثر نزوله وسبب أضرارا كيف يكون رحمة ؟
هذا في ظاهره قد يعارض ما جاء ذكره في القرآن ووصف بأنه رحمة
فالجواب عن هذا :
أن نزول هذا المطر والناجم منه الأضرار التي تحصل بالبشر هو في الحقيقة رحمة
كيف يكون رحمة ؟
يكون رحمة لأن الناس حينها يهرعون إلى ما يسمى بالاستصحاء
هناك : استسقاء
وهناك : استصحاء
الاستسقاء يشرع عند : عدم المطر
والاستصحاء يشرع عند : خوف الضررمن هذا المطر
كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام لما جاءه ذلك الأعرابي كما جاء في الصحيحين : وسأل النبي عليه الصلاة والسلام : أن يسأل ربه أن يسقيه المطر .
فدعا النبي عليه الصلاة والسلام فأتت سحب فأمطرت المدينة أسبوعا كاملا
فجاء هذا الرجل أو غيره جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام وخاف أن يحدث هذا المطر أضرارا
فماذا قال ؟
قال : (( ادع الله أن يحبسه عنا ))
فلم يدع النبي عليه الصلاة والسلام أن يحبس المطر :
لأن في نزول المطر خيرا
لكنه عليه الصلاة والسلام رفع يديه يستصحي
فماذا قال ؟
قال :
(( اللهم حوالينا ولا علينا ، اللهم على بطون الأودية ومنابت الشجر وعلى الآكام ))
لأن مثل هذه المواطن إذا نزل عليها المطر انبتت العشب
إذاً :
يكون من هذا الوجه يكون المطر رحمة على العباد
ولذا :
الأعاصير والأمطار الغزيرة التي تنزل على الكفار وتحدث ما تحدث من إغراق البشر ومن تهدم البنيان ومن تعطل الحياة ، هذا فيه خير لهؤلاء الكفار
نعم فيه خير
نحن نرى هذه الدول الكافرة ينزل عليها المطر في غالب أحوالها دون أن تكون هناك أضرار
وهذا المطر نزوله عليهم بهذه الصورة هم رحمة لهم
لم ؟
لأن الله رحم هؤلاء الكفار في هذه الدنيا فأعطاهم هذا المطر المحبوب إلى النفوس
ولذا :
النبي عليه الصلاة والسلام :
كما جاء في صحيح مسلم قال :
(( الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ))
فإذا سرحت بصرك في تلك البلاد وجدت العشب وجدت الأمطار وجدت كل ما يبهر العقل وتستلذ به العين ، ولكنه سرعان ما يزول لأنه في هذه الدنيا الفانية :
((إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ ))
فهو يذهب ويزول
((فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُحَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ ))
ما الذي بعدها ؟
((كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ))
لكن ما الخضرة الباقية ؟
ما الذي بعدها ؟
{وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }
تأتي هذه الأمطار بغزارة فتغرق من تغرق في هذه الدول الكافرة
ولاشك أن في هذا رحمة لهم
كيف؟
يكون المطر رحمة لهم من وجهين :
الوجه الأول :
إما أن يعتبر من يعتبر من هؤلاء فيخاف ويفزع إلى الله ويتوب إليه ويسلم
ولاشك أن هذا المطر من أعظم الرحمات على هذا الذي أسلم
وإن لم يسلم :
فإن في نزول هذا المطر رحمة بنا نحن المسلمين لأن إغراق مثل هذه الدول الكافرة فيه مصلحة للأمة الإسلامية
ولذا :الله جل وعلا نصر عبده نوحا بالمطر بالماء
نصره بالمطر
قال تعالى :
((فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء ))
لم يقل بابا
لا
بل أبواب
((فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ{11} وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاء ))
التقى ماء السماء بماء الأرض
((فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ{12} ))
يعني: قدره الله عز وجل في الأزل من إغراق هؤلاء ونجاة نوح
ولذا :
ابنه لما قال له :
((يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ{42} قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء ))
ماذا قال له نوح ؟
((قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ ))
انظروا قال : ((إِلاَّ مَن رَّحِمَ ))
إلا من رحمه الله كنوح ومن آمن معه (( وما آمن معه إلا قليل ))
فأغرق الله جل وعلا هؤلاء القوم
ويكون هذا المطر رحمة بالأمة ورحمة بالمسلمين
والله عز وجل قادر على كل شيء
ولذلك :
في قصة نوح :
لما تقرأ أواخر قصة نوح في أي سورة من السور مثلا نأتي إلى سورة القمر:
(( فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ{12} ))
من هم المرحومون ؟
نوح ومن معه
((فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ{12} وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ{13} ))
حملناه على سفينة ذات ألواح ودسر : يعني مسامير
((تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِرَ{14} وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ{15} ))
آية وعبرة وعظة
إذاً :
في هذا المطر رحمة
لأنه يعظ قلبك فلاشك انه رحمة
ولذا قال تعالى :
((فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ{27} فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ{28} وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلاً مُّبَارَكاً وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ{29}))
الآية الأخرى التي في سورة العنكبوت:
((وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ{14} فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ{15} ))
ومن رحمته عز وجل :
أنه لم يجعل هذا المطر من غير الماء
لو نزل مطر على صورة حجارة لهلك الناس
نعم
أنزلها جل وعلا على قوم لوط :
((أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُوراً ))
((كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ{33} إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِباً إِلَّا آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ{34} ))
ولذا :
إذا نزل برد وكبر خاف الناس أن يدمر ويهلك
وهذا البرد ينزله جل وعلا من جبال كما قال تعالى في سورة النور :
((أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ ))
قال بعض المفسرين :
إن هذه الجبال هي في السماء ينزل منها هذا البرد
وقال بعض العلماء :
إن الجبال المراد منها هنا هي السحب
ولتعلم أن السحب ليست في السماء المبنية
لا : هي بين السماء والأرض :
قال تعالى :
((إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ))
إلى ان قال :
((وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ )) البقرة164
ألم تنظروا إلى عظمة هذا القرآن :
كيف احتوى هذا العلم وهذا الخير
ومن رحمة الله :
أن جعل هذا المطر عذبا يستساغ شربه
لو كان ملحا لكانت المشقة على الناس ولأفسد الأرض
ولذا قال تعالى :
(( أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ{68} أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ{69} لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً ))
يعني : شديد الملوحة
لكن احمدوا الله
((لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ{70} ))
من رحمة الله عز وجل :
بالخلق أن هذا المطر ليس بأيدينا
لو أن المطر أوكل تصرفه وتخزينه إلينا لعجزنا ، ولو عجزنا لهلكنا
ولذا قال تعالى مبينا أنه ليس بأيدينا
((وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ ))
الرياح تلقح السحب
((وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ{22} ))
ما أنتم له بخازنين
ومن رحمته :
أن جعل هذا المطر بقدر:
((وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ ))
هذه نعمة أخرى أن يسكنه جل وعلا في الأرض حتى نستفيد منه في مستقبل الزمن
((فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ )) المؤمنون18
هذه نعمة ورحمة من الله
من هذا المطر
فنسأل الله أن يغيث قلوبنا بالإيمان ويغيث بلادنا بالأمطار