بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحابته وسلم تسليماَ كيراً إلى يوم الدين أما بعد من الفوائد تحت قوله تعالى [يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا )· أن الأليق بالمسلم أن يسأل عما يفيده في أخراه مما يزيده قربة عند الله فإن علم الإنسان بزمن وقوع الساعة لا يفيده شيئا ولذا أخفاها الله عزوجل حتى أخفاها على أهل السموات والأرض قال عزوجل [يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا] {الأعراف:187} أي كأنك ألححت السؤال عنها فعلمت متى وقوعها.· أن علم الساعة من الأمور الخمسة التي لا يعلمها إلا الله عزوجل ولذا قال عليه الصلاة و السلام كما في الصحيح (خمس من أمور الغيب) وهي المذكورة في آخر سورة لقمان [إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ] {لقمان:34} .· حصر النبي عليه الصلاة و السلام في الإنذار ودل على هذا مواطن كثيرة في كتاب الله عزوجل كقوله تعالى [إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ] {الرعد:7} وقوله[إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ] {فاطر:23}.· أن من علق قلبه بذكر الآخرة يزداد خشية من الله لقوله تعالى [إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا] {النَّازعات:45} والواقع يشهد بهذا فإن المسلم إذا كان نصب عينيه الدارة الآخرة فإنه يزيده إيماناً وتقوى ولذا قال تعالى [وَالَّذِينَ آَمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الحَقُّ] {الشُّورى:18} .· بيان قصر المدة التي يعيشها بنو آدم وكذلك قصر المدة التي يمكثونها في القبور إذ قال [كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا] {النَّازعات:46} ودلت على هذا نصوص كثيرة قال تعالى [وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ] {يونس:45} قال تعالى على أحد أقوال المفسرين [قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا] {يس:52} فجعلوا هذا الوقت الذي كانوا فيه في القبور بمثابة النومة وما أقل النومة.· أن الضحى أضيف إلى العشية وحسنت الإضافة إلى العشية لأن العشية والضحى هما طرفا النهار فالضحى أول النهار و العشية آخر النهار.تفسير سورة عبس
بسم اللة الرحمن الرحيم [عَبَسَ وَتَوَلَّى(1) أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى(2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى(3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى(4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى(5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى(6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى(7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى(8) وَهُوَ يَخْشَى(9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى(10) كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ(11) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ(12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ(13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ(14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ(15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ(16) ]. {عبس}. معاني الآيات
عَبَسَ: كلح و قطب بوجهه.تَوَلَّى: أعرض.أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى:لمجيء الأعمى له.يَزَّكَّى: يتطهر من الذنوب.يَذَّكَّرُ: يتعظ .الذِّكْرَى: الموعظة.تَصَدَّى:تقبل عليه .تَلَهَّى: تتشاغل.كَلَّا: أداة ردع وزجر.إِنَّهَا: هذه الآيات المذكورة في هذه السورة .تَذْكِرَةٌ:عظة.ذَكَرَهُ:أتعظ فعمل .مُكَرَّمَةٍ:مكرمة عند الله و عند الرسل عليهم الصلاة و السلام.مَرْفُوعَةٍ:مرفوعة القدر ومرفوعة المكان إذ هي في اللوح المحفوظ.مُطَهَّرَةٍ:مصانة من العبث والشياطين.سَفَرَةٍ:كتبه أو وسطاء.بَرَرَةٍ:جمع بار وهو المطيع لله عزوجل.من فوائد هذه الآيات
· أن هذه السورة كما قال المفسرون نزلت في شأن النبي عليه الصلاة و السلام مع ابن أم مكتوم إذ جاءه وهو مشغول في دعوة رئيس من رؤساء قريش فأحب عليه الصلاة و السلام أن لا يفوت ابن أم مكتوم عليه أسلام هذا الرجل الذي بإسلامه يسلم عدد كبير فتشاغل عن ابن أم مكتوم وأقبل على هذا الرجل الكافر فعاتبه الله عزوجل.· أن هذا العتاب من الله عزوجل عتاب رقيق لين لطيف فذكر الآيات بصيغة الغيبة ولم يقل عبست وتوليت أن جاءك الأعمى وفي هذا من التخفيف على النبي عليه الصلاة و السلام ما فيه.· أن أسلوب الغيبة هنا فيه فائدة أخرى أن الحكم ليس خاصاً بالنبي عليه الصلاة و السلام بل يتعداه إلى غيره في كل من شابهه في هذه القضية.· أن على طالب العلم إذا عرف معنى كلمة أن يأخذ هذا المعنى في عقله أثناء تلاوته لكلام الله عزوجل حتى يفهم النصوص الأخرى ولذا إذا فُهِمت بعض سور القرآن فُهم من خلالها معاني سور أخرى فقد قال عزوجل في سورة المدثر في قصة ذلك الرجل الذي طلب منها أن يذكر في القرآن شيئاً [ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ] {المدَّثر:22} وقال عزوجل عن يوم القيامة [إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا] {الإنسان:10} .· أن هذا الصنيع منه عليه الصلاة و السلام صنيع اجتهاد فظن عليه الصلاة و السلام أن إفادة هذا الأعمى ممكنة فلا يفوت بتركه شيء بينما يفوت بترك دعوة هذا الرئيس يفوت أشياء.· أن الإعراض منه عليه الصلاة و السلام وكما أسلفت هذا اجتهادٌ منه عليه الصلاة و السلام خلافاً لمن يزعم وهذه راية يرفعها الروافض إذ يزعمون أن سورة عبس ليست من القرآن لأنها تنافي مقام النبي عليه الصلاة و السلام وكذلك من دلس عليه من قبلهم فقال: هذه السورة لا تقرأ وغفل هؤلاء أن عليه الصلاة و السلام له فضل وارتفع فضله من خلال هذه السورة فله فيها منقبه وفضل من الله عزوجل إذ عاتبه بهذا العتاب الرقيق وهذا هو عتاب الأحبة ومعلومًٌ أن النبي عليه الصلاة و السلام خليل الله فقد اتخذه الله عزوجل خليل كما أتخذ ابراهيم عليه الصلاة و السلام خليلا وهذا وللأسف يشاع في القنوات الفضائية وإلا فماذا يقولون في الآيات الأخرى كقوله تعالى [عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ] {التوبة:43} فيكون هذا الأعراض منه عليه الصلاة و السلام إعراضا بالوجه والبدن فبالوجه مأخوذة من مدلول كلمة (عبس) وبالبدن مأخوذة من مدلول كلمة (تولى) .· أن على المسلم أن لا يقدم المصلحة الموهومة على المصلحة المتيقنة فإن إقبال النبي عليه الصلاة و السلام على هذا الأعمى إقبال فيه مصلحة متيقنة لأن هذا الأعمى يخشى الله أما إسلام هذا الكافر فهي مصلحة موهومة قد تتحقق وقد لا تتحقق ولذا جاء هذا العتاب وهذه قاعدة نسير عليها.· بيان حرص النبي عليه الصلاة و السلام على إقباله على هذا الكافر إقبالاً عظيماً إذ إن مجيء ابن أم مكتوم مجيء يستدعي الاستقبال عليه لأنه أعمى وفرق بين المبصر وبين الأعمى.· أن على العالم أن يقبل على إفادة من رغب في العلم وأن لا ينصرف إلى غيره مما هو معرض عن العلم.· أن ذكر الإنسان بصفة يراد منها التعريف لا يعد غيبة ولذا قال [أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى] {عبس:2} ولذا لو قيلت من الإنسان على سبيل الاستهزاء والتنقص فإنها محرمة .· أن القرآن لا يذكر الأسماء غالباً وذلك لأن القرآن يذكر ما فيه مصلحة لإيمان العبد ولذا لم يصرح الله عزوجل باسم امرأة قط [وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ] {هود:71} وقال تعالى [وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الحَطَبِ] {المسد:4} وقال تعالى [وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا] {يوسف:23} إلا مريم ذكرها لفوائد من بينها أن يبين أن لعيسى عليه الصلاة و السلام ليس ابناً له إنما هو ابن لمريم ولذا يقول المحققون في التفسير كشيخ الإسلام رحمه الله أنه ينبغي لطالب العلم أن لا يشتغل بما لم يذكره القرآن إلا إن جاء في السنة فعلى العين والرأس [وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا] {الحشر:7} .· بيان حرص الصحابة على الحضور إلى مجالس النبي عليه الصلاة و السلام للاستفادة منها والسؤال عما أشكل عليهم ولذا قال [أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى] {عبس:2} ولذا عبارة السلف (العلم لا يأتي وإنما يؤتى إليه) ولذا نرى نكوصاً من كثير من الشباب على طلب العلم فهم يرغبون أن يأتي العالم أو طالب العلم إلى مجالسهم للاستفادة منهم نصف ساعة أو ساعة (وهذا خطأ) المجيء لا غبار عليه إن أتى ولكن يقال ليحرص الشاب على أن يأتي و أن يجثو بركبتيه عند العلماء للاستفادة من علمهم فإن هذا هو المعهود عن سلف هذه الأمة.· أن بعض العلماء قال إن الله عزوجل إذا قال للنبي عليه الصلاة و السلام و ما يدريك فإنه لن يدريه ولن يعلمه فإذا قال وما أدراك فإنه سيدريه ويعلمه قال تعالى [وَمَا أَدْرَاكَ مَا الحُطَمَةُ] {الهمزة:5} أدراه ؟ نعم الذي بعدها [نَارُ اللهِ المُوقَدَةُ] {الهمزة:6} وقال تعالى [وَمَا أَدْرَاكَ مَا القَارِعَةُ] {القارعة:3} أدراه بقوله تعالى بعدها [يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالفَرَاشِ المَبْثُوثِ] {القارعة:4} أما هنا فقال [وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى] {عبس:3} فإن النبي عليه الصلاة و السلام قال لذلك الرجل الذي مدح شخصاً قال قل (أحسبه كذا والله حسيبه ولا أزكي على الله أحدا) وهنا قال [وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى] {عبس:3} وقال تعالى عن أمر الساعة[وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا] {الأحزاب:63} هل أدراه ؟ لم يدرهِ.· أن الإنسان يكون بين الخوف والرجاء إذ قال [لَعَلَّهُ يَزَّكَّى] {عبس:3} وهذا من أجل أن لا يطمئن العبد إلى عمله ولذا قال تعالى [اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى] {المائدة:8} وقال تعالى [وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا] {الكهف:24} ولذا قال عزوجل [فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى] {النَّجم:32} .· أن المعمول إذا حذف يدل على العموم وهي قاعة لغوية قال [لَعَلَّهُ يَزَّكَّى] {عبس:3} هل قال يزكى من الذنوب؟ يزكى من الشرك؟ من الكبر من الكبائر؟ لا لم يقل فدل على أن التزكية شاملة لكل دنس وخبث .· أن في هذا رداً على الجبرية الذين يقولون إن العبد مجبور على فعله ليس له إرادة ولذا قال [لَعَلَّهُ يَزَّكَّى] {عبس:3} أي يكون منه فعل فلا يقل أحد إنْ كتب الله لي الهداية اهتديت وإنما يقال له اسع إلى الهداية ولا هداية إلا بتوفيق من الله عزوجل.· أن الداعية لا يلتفت إلى ثمار دعوته وإنما يلتفت إلى حمل هم الدعوة اهتدى فلان أو لم يهتد ولذا قال عزوجل لموسى وهارون عليهما السلام [فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى] {طه:44}.· أن النبي عليه الصلاة و السلام لا يعلم الغيب ولذا قال [وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى] {عبس:3} .· أن تبليغ العلم والخير لا يعدم صاحبه خيرا فإنه إما أن يوقظ بدعوته غافلاً أو يزيد متيقظاً مؤمناً خيرا ولذا قال [وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى(3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى(4) ]. {عبس}. والذي تنفعه الذكر كما قال عزوجل [وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ] {الذاريات:55} .· أن كل شيء جاءت به هذه الشريعة فإنه ذكرى وموعظة ولذا أطلق هنا قال [ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى] {عبس:4} ولذا ما يقوله البعض أو يتوهمه البعض من أن العلماء في الفقه أو في أي فن من فنون الشريعة من أنهم لا يعظون الناس فهذا خطأ محض لمَ؟لأن كل ما جاءت به هذه الشريعة فذكروه أو ذكروا بعضه يعد موعظة و الأدلة كثيرة من بينها [إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ] {النساء:58} فجعل ما سبق عظة ولذا يقول البعض العلماء لا يدركون فقه الواقع كيف لا يدركون فقه الواقع وهم يقولون الأحكام الشرعية ,لا يمكن أن تذكر حكماً شرعياً إلا على واقعه ثم ليس في فقه الواقع حديث يبين فضله فإن النبي عليه الصلاة و السلام كما في الصحيحين قال (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) وإذا تفقه في الدين فأنا أجزم جزماً لا مرية فيه أنه سيفقه الواقع لأن الواقع ما هو؟ أسئلة الناس , الناس إذا أتوك و أخبروك و استطعموك حكماً شرعيا أو رأياً في مشكلةٍ ما, هذا هو الواقع.· أن البعض يصده عن الخير غناه وهذا في الغالب أن الغنى باب منيع يمنع وصول الخير إلى قلب الغني ولذا قال عزوجل[أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ ] لمَ ؟ [أَنْ آَتَاهُ اللهُ المُلْكَ] {البقرة:258} قال تعالى [كَلَّا إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى] {العلق:6} لمَ؟ [أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى] {العلق:7} قال تعالى [وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ] {التوبة:74} قال تعالى [وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ] {الشُّورى:27} .· أن الاستغناء ليس محصوراً في المال وإنما يكون مستغنياً بماله بجاهه بشجاعته ولكن المال له أثر قوي ولذا قال عزوجل [وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى] {الليل:11} وقال تعالى [مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ] {المسد:2} وقال تعالى [مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ] {الحاقَّة:28} ولكن قد يكون خيراً لبعض الأشخاص ولذا صح عن النبي عليه الصلاة و السلام في المسند (نعم المال الصالح للمرء الصالح) .· أن النبي عليه الصلاة و السلام ليس عليه واجب هداية الناس والمراد هداية التوفيق وإنما الواجب عليه التبيين والتوضيح ولذا قال [وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى] {عبس:7} .· أن إسلام الرئيس لا شك أن فيه خيراً ولذا أبو بكر لما أسلم, أسلم على يديه أناس لهم قدر كعثمان رضي الله عنه فأسلم على يديه عدد كبير من المبشرين من الجنة ولذا قال عليه الصلاة و السلام كما في البخاري (لو آمن بي عشرة من اليهود لآمنت بي يهود كلها) المراد من هؤلاء العشرة الزعماء ولذا قال عزوجل في قصة نوج [وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا] {نوح:21} إذاً هؤلاء استغنوا بالمال والولد ولذا قال تعالى [مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ] {المسد:2} كسب : يعني الأولاد على قول بعض المفسرين قال تعالى [وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ] {هود:59} .· بيان فضل ابن أم مكتوم إذ سعى إلى الاستفادة من النبي عليه الصلاة و السلام قال تعالى [وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى(8) وَهُوَ يَخْشَى(9) ]. {عبس}. · أن على المسلم إذا حضر إلى العلم أن يحضر وهو يريد نفع نفسه ونفع غيره على خشية من الله إذ قد يحضر البعض لخطبة أو درس أو كلمة أو محاضرة لتصيد الأخطاء فهذا لا خير له في مسعاه ولذا قيده الله عزوجل تعالى [وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى(وهو في حالة سعيه يخشى) وَهُوَ يَخْشَى(9) ]. {عبس}. · أن على المسلم أن يتقرب إلى الله عزوجل فإنه إن قرب من الله فالله أكرم منه ولذا ابن أم مكتوم لما أتى وهو يسعى بهذه الخشية مدحه الله عزوجل فإذا رأيت باباً من أبوب الخير فلا تتوان عنه ولذا قال الله عزوجل في الحديث القدسي (من تقرب إلي شبراً تقربت منه ذراعاً ومن تقرب مني باعاً تقربت منه باعاً ومن أتاني يمشي أتيته هروله ) ولذا فالمسألة جد في هذا الدين ليست هزلاً [يَاأَيُّهَا المُدَّثِّرُ(1) قُمْ فَأَنْذِرْ] ليس مكان التحاف أو تلفف [قُمْ فَأَنْذِرْ] قال تعالى [يَا أَيُّهَا المُزَّمِّلُ(1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا(2) ]. {المزمل}. ولذا ذم الله عزوجل التثاقل و الاطمئنان لهذه الدنيا قال تعالى [اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ] {التوبة:38} [وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ] {الأعراف:176} .· أن العلم يزيد المسلم خشية من الله عزوجل والمقصود من العلم العلم الشرعي ولذا نال ابن أم مكتوم هذه الخشية من الله عزوجل لمَ؟ لأنه جاء ليتعلم ويسأل قال تعالى [إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ] {فاطر:28} وقال تعالى [وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى] {النَّازعات:19} .· زجر الإنسان وردعه إذا أعرض عمن أراد الخير متشاغلاً بغيره لقوله (كلا) أي لا تفاعل هذا مرة أخرى.· أن هذا القرآن ذكرى وعظة سواء كان في الكل أو في البعض ففي الكل [وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ] {الزُّخرف:44} وفي البعض كما هنا [كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ(11) ]. {عبس}. · أن هذا القرآن مع ما احتواه من الذكرى لا يفيد قلوباً عمياء و لا أذاناً صماء ولذا أعرض عنه من أعرض وقال عزوجل [فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ] {عبس:12} فهذا يدل على أن البعض لا يشاء أن يقبل عليه وهذا كقوله تعالى [فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ] {الكهف:29}.· اثبات مشيئة للعبد وهذا رد على الجبرية إذ يقولون إن العبد مجبور على فعله فأثبت المشيئة للعبد ولكن مشيئته تابعة لمشيئة الله قال تعالى [وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ] {التَّكوير:29} .· بيان فضل هذه الآيات الكريمات وأنها في صحفٍ مكرمة عند الله عزوجل وعند الملائكة وعند الرسل عليهم الصلاة و السلام ثم هي مع هذا التكريم مرفوعة القدر ولذا قال تعالى [وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ] {الزُّخرف:4} .· أن هذه الصحف مطهرة كما أن من يأخذها من اللوح المحفوظ مطهرون وهم الملائكة قال عزوجل [لَا يَمَسُّهُ إِلَّا المُطَهَّرُونَ] {الواقعة:79}.
وفقكم الله ونفع بكم