تخطى إلى المحتوى

توازن الإسلام في: [الإيمان بالقدر] 2024.

  • بواسطة

توازن الإسلام في: الإيمان بالقدر

الإسلام جاء ليقيم منهج كامل للحياة المسلم ، يتضمن أعماله الصغيرة والكبيرة، والعقلية والاعتقادية، فكان من ذلك: الإيمان بالقدر.
فالقدر يتضمن جزء كبير من عقيدة المسلم ، بحيث يربطه دائما بالله عز وجل الذي بيده النفع والضر، ويقر في قلبه حقيقة حكمته تعالى وتدبيره، قال تعالى: [إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50)] القمر.
كل شيء.. كل صغير وكبير.. كل ناطق وكل صامت.. كل متحرك وكل ساكن.. كل ماضي وكل حاضر.. كل معلوم وكل مجهول.. كل شيء.. مخلوق بقدر..
قال تعالى: [وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)] الأنعام.
قدر.. يحدد حقيقته، ويحدد صفته، ويحدد مقداره، ويحدد زمانه، ويحدد مكانه، ويحدد ارتباطه بسائر ما حوله من أشياء ، وتأثيره في كيان هذا الوجود.
قال تعالى: [إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49)] القمر.
هذا النص القرآني القصير اليسير.. ليشير إلى حقيقة ضخمة وهائلة وشاملة، مصداقها هذا الوجود كله!!! حقيقة يدركها القلب جملة وهو يواجه هذا الوجود ، ويتجاوب معه ،ويتلقى عنه، ويحس أنه خليقة متناسقة تناسقا دقيقا .. كل شيء فيه بقدر يحقق التناسق والتوازن المطلق ، الذي ينطبع ظله في القلب وهو يواجه هذا الوجود !!
قال تعالى: [قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (27)] آل عمران.
إن أمر القدر عظيم.. ومقدر بغاية الحكمة والتدبير.. تقدير في الزمان، وتقدير في المكان، وتقدير في المقدار، وتقدير في الصورة، وتناسق مطلق بين جميع التقديرات.
قال تعالى: [وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2)] الفرقان.
إن تركيب هذا الكون ،وتركيب كل شيء فيه، لما يدعوا إلى الدهشة حقا !! وينفي فكرة المصادفة نفيا باتا، ويُظهر التقدير الدقيق الذي يعجز البشر عن تتبع مظاهرة في جانب واحد من جوانب هذا الكون الكبير..
إن القول بأن الكون صدفة.. لا يصدر من إنسان تقلب بين أرجاء الأرض، وعلم بخبر السماء.. ولا يصدر من إنسان يتتبع آثار الإبداع والجمال والتناسق .. في الأرض والسماء.. وإنما يصدر من عقل صغير محدود.. لا يدرك ما حوله!!
إن الصدفة توحي بالفجأة، كقول: قابلت هذا الشخص صدفة- أي بدون علم ولا موعد.. فهل كل هذا الكون الهائل العظيم .. جاء فجأة ،بدون تقدير وبدون علم ؟!! هل الصدفة تقلب الليل والنهار.. وتجري البحار والأنهار.. وتبدع الثمار والأزهار… وبهذا الاستمرار ؟!!!
كلا.. لا يوجد شيء من قبل المصادفة العمياء.. بل كل شيء في هذا الكون بقدر، قال تعالى: [إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49)] القمر.
ومفهوم القدر واسع شامل لكل شيء في خلق الكون.. وخلق الإنسان، والحيوان، والنبات، ويرتبط بموضوعنا "الإيمان بالقدر" ، فكان من عقيدة المسلم ،بل من شروط إيمانه : الإيمان بالقدر.. ومكنونة القلب، بأن يعتقد أن كل هذا الكون يجري بتقدير الله تعالى وأمره وحكمته وعلمه، ولا يخرج شيء عن قدر الله تعالى. قال تعالى: [وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (8)] الرعد.
الإيمان بالقدر.. يجعل القلب مطمئنا واثقا.. ويظهر حقيقة الكون عظيما هائلا.. بل ويجعل الإنسان كبيرا.. كبيرا في تصوراته وأعماله واعتقاده .. كبيرا بعقله وفكره وانجازاته.. كبيرا عن الخرافات والباطل الذي يحاول الناس أن يصلوا بها إلى حقيقة سر هذا الكون.
الإيمان بالقدر.. يربي النفس على الصبر والقوة والاحتمال.. ويحارب اليأس والقنوط والكسل، ويشجع على الإقدام والعمل، ويخفف حدة المصائب المؤلمة ، ويريح النفس ويطمئنها..
الإيمان بالقدر.. يختصر الطريق.. ويوصل مباشرة إلى الله تعالى .. ويوحد مصدر الخلق والقوة والقدرة المطلقة.. ويربط القلب بأصل القدرة ومصدرها، فلا يتشتت القلب والفكر.. ولا يتذلل للمخلوقين لطلب النفع أو دفع الضر، بل يتوجه مباشرة للخالق القادر على كل شيء .. الحكيم الرحيم العدل.. قال تعالى: [وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107)] يونس.
الإيمان بالقدر.. يعطي الراحة والاطمئنان والأمان.. عندما يثق المسلم أن الكون كله قائم على القدرة والعدل.. فلن يصله إلا ما هو مقدر له.. فلا يتهافت ويتعلق بغيرة ،بل يجعل تعلقه كله ورجاءه بالله تعالى، فكل إنسان مقدر له عمله ورزقه واجله.. لا يسلبها أحدا منه، قال تعالى: [قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51)] التوبة، قال r: (احفظ الله؛ يحفظك، احفظ الله ؛ تجده تجاهك، إذا سألت؛ فاسأل الله، وإذا استعنت؛ فاستعن بالله، واعلم أن الأمة؛ لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء؛ لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء؛ لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف )-2561-صحيح الترمذي للألباني.، قال r: (تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا)السلسلة الصحيحة:5/497.

*************

التوازن في الإيمان بالقدر:
أن نؤمن الإيمان الجازم الشامل أن الله تعالى قادر على كل شيء ،ويعلم كل شيء، قال تعالى: [تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)] الملك.
والقدر أربع مراتب:
1-مرتبة العلم: الإيمان بعلم الله تعالى المحيط بكل شيء.
2- مرتبة الكتابة: الإيمان بأنه سبحانه كتب كل شيء في كتاب مبين، قال تعالى: [وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا (29)] النبأ.
3- مرتبة المشيئة: الإيمان بمشيئة الله تعالى وقدرته النافذة الشاملة ،"ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن".
4- مرتبة الخلق: الإيمان بأن الله تعالى خلق كل شيء. قال تعالى: [اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62)]الزمر.
*الإيمان بأفعال العباد:
أن نؤمن بأن جميع أفعال العباد بقضاء وقدر، داخلة في قوله تعالى: [اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62)]الزمر.
وهنا يتبين ويظهر توازن ووسطية الإسلام في أفعال العباد..
قالت بعض الطوائف: أن للإنسان مشيئة وقدرة مطلقة واختيار، والإنسان هو الذي يخلق أفعاله، استقلالا، ولا رابطة بينه وبين مشيئة الله تعالى، وينكرون سبق العلم والكتابة، وأن الأمر أُلف لا يعلم الله تعالى به !!
وقالت بعض الطوائف: أن الإنسان مسير مطلقا ، لا مشيئة له ولا اختيار !!
فقالت عقيدة الإسلام المتوازنة: أن كل شيء بقضاء الله تعالى وأمره، وجعل للإنسان قدره على أفعاله ومشيئة واختيار، والله تعالى هو الخالق لقدراته، فلا يشاء الإنسان إلا أن يشاء الله تعالى، والله عز وجل خالق أفعاله ، فأفعال الإنسان تنسب إلى الله تعالى خلقا وإيجادا، وتنسب إلى الإنسان فعلا واكتسابا، فالإنسان مسير على ما كتب وقدر له في الأزل ، ومخير بفعله.
*الإيمان بإرادة الله تعالى الكونية والشرعية:
فالإرادة الكونية القدرية: هي مرادفة للمشيئة لا يخرج منها شيء.
والإرادة الشرعية الأمرية الدينية: هي مرادفة للمحبة ، لما يحبه الله تعالى ويرضاه.
والفرق بينهما:
1-الإرادة الكونية لا تستلزم المحبة، والإرادة الشرعية تستلزم المحبة.
2- الإرادة الكونية لا بد أن تقع إذا أرادها الله تعالى، والإرادة الشرعية من الممكن أن تقع أو لا تقع.
3- الإرادة الكونية مراده لغيرها لا لذاتها، والإرادة الشرعية مراده لذاتها.
والواجب على المسلم أن يعتقد الاعتقاد الجازم أن لله تعالى في جميع أفعاله وإراداته وأقداره.. حكم جلية وغايات ومصالح عظيمة ،سواء علمنا بها أو لم نعلم.

::

حياكِ الله غاليتي..
بوركتِ..~

لاكي كتبت بواسطة السهى لاكي
::

حياكِ الله غاليتي..
بوركتِ..~

شكرا لتواجدك الرائع (( السهى ))
بـــــــــــارك الله فيك..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.