ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بـســم الله الـــرحـمــن الرحيـــــم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن أبي هريرة رضي الله عنه قـال : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم ( إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة
جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له ) (1)
دار الدنيا جعلها الله دار عمل ، يتزود منها العباد من الخير ،
أو الشـــر ، للـــدار الأخرى ، وهــي دار الجــــزاء . وسيندم
المفرطون إذا انتقلوا من هــذه الدار ، ولـم يتزودوا لآخرتهم
ما يسعدهم ، وحينئذ لا يمكن الاستدراك . ولا يتمكـــن العبد
أن يزيد حسناته مثقال ذرة ، ولا يمحو من سيئاته كذلك .
وانقطع عمل العبد عنه إلا هذه الأعمال الثلاثة التي هي
من آثار عمله .
الأول : الصدقة الجارية ، أي: المستمر نفعها . وذلك كالوقف
للعقارات التي ينتفع بمغلها أو الأواني التي ينتفع باستعمالها
أو الحيوانات التــي ينتــفــع بركوبها ومنافعها ، أو الكتــــب
والمصاحف التي ينتفع باستعمالها والانتفاع بها أو المساجد
والمدارس والبيوت وغيرها التي ينتفع بها .
فكلها أجرها جار على العبد ما دام ينتفع بشيء منها . وهـذا
مــن أعظم فضائل الوقف . وخصوصا الأوقاف التــي فيهـــا
الإعانة على الأمور الدينية ، كالعلم والجهاد ، والتفرغ
للعبادة ، ونحو ذلك .
ولهـــذا اشترط العلماء في الوقف : أن يكون مصرفه على
وجهة بر وقربة .
الثـــانـي : العلم الذي ينتفع به من بعده ، كالعلم الذي علمه
الطلبة المستعدين للعلم ، والعلم الذي نشره بيــن النــاس ،
والكتب التي صنفها في أصناف العلوم النافعة .
وهكـذا كــل ما تسلسل الانتفاع بتعليمه مباشرة ، أو كتابة ،
فإن أجره جار عليه . فكـــم من علماء هداة ماتوا من مئات
من السنين ، وكتبهم مستعملة ، وتلاميذهم قد تسلسل
خيرهم . وذلك فضل الله .
الثــالث : الولد الصالح – ولد صلب ، أو ولد ابن ، أو بنت ،
ذكــر أو أنثـــى – ينتفع والده بصلاحه ودعائه . فهو في كل
وقـــت يدعو لوالديه بالمغفرة والرحمة ، ورفع الدرجات ،
وحصول المثوبات .
وهذه المذكورة في هذا الحديث هي مضمون { إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي
الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ } يس : 12
فمــا قدموا : هو ما باشروه من الأعمال الحسنة أو السيئة .
وآثارهم : مـــا ترتب على أعمالهم ، مما عمله غيرهم ، أو
انتفع به غيرهم .
وجميع ما يصل إلى العبد من آثار عمله ثلاثة :
الأول : أمور عمل بها الغير بسببه وبدعايته وتوجيهه .
الثاني : أمور انتفع بها الغير أي نفع كان ، على حسب ذلك
النفع باقتدائه به في الخير .
الثـــالــث : أمور عملها الغير وأهداها إليه ، أو صدقة تصدق
بها عنه أو دعا له ، سواء أكان من أولاده الحسيين أو مـــن
أولاده الروحيين الذين تخرجوا بتعليمه ، وهدايته وإرشاده ،
أو مــن أقاربه وأصحابه المحبين ، أو من عموم المسلمين ،
بحسب مقاماته في الدين ، وبحسب ما أوصل إلى العباد مـن
الخير، أو تسبب به، وبحسب ما جعل الله له في قلوب العباد
من الود الذي لا بد أن تترتب عليه آثاره الكثيرة التي منها :
دعاؤهم ، واستغفارهم له .
وكلها تدخل في هذا الحديث الشريف .
وقد يجتمع للعبد في شيء واحد عدة منافع ، كالولد الصالح
العالم الذي سعى أبوه في تعليمه ، وكالكتب التي يقفها أو
يهبها لمن ينتفع بها .
ويستدل بهذا الحديث على الترغيب في التزوج الذي مــــن
ثمراته حصول الأولاد الصالحين ، وغيرها من المصالح ،
كصلاح الزوجة وتعليمها ما تنتفع به ، وتنفع غيرها .
والله أعلم .
كتاب : بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح
جوامع الأخبار (ص102) للشيخ عبد الرحمن السعدي
….
(1) أخرجه مسلم في صحيحه ( ك الوصية ، ب ما يلحق
الإنسان من الثواب بعد وفاته، ص 886 / ح 1631 )
من حديث أبي هريرة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وجزاك الله خيرا
جعله الله فى موازين حسناتك